Insight Image

قمة مجموعة العشرين (G20) بنيودلهي : قراءة في النتائج

11 سبتمبر 2023

قمة مجموعة العشرين (G20) بنيودلهي : قراءة في النتائج

11 سبتمبر 2023


·   مقدمة

منذ الحرب العالمية الثانية، بدأت الدول الكبرى تشكيل النظام العالمي، والتوجه نحو الاقتصاد لتعويض الخسائر الفادحة التي أصابت معظم دول العالم، حتى التي لم تدخل الحرب بشكل مباشر، وبدأت التجمعات الاقتصادية في الظهور على الساحة الدولية، لا سيّما فيما بين الدول الرأسمالية. ثم أخذت تلك التجمعات تتزايد لتصبح ظاهرة في العلاقات الدولية منذ العقد الأخير من القرن الماضي؛ الأمر الذي جعلها سمة مميزة للنظام العالمي الجديد، الذي واكب نهاية الحرب الباردة، ثم ارتبط بقوة بتسارع خطى العولمة.

ولقد تعزز هذا التوجه نحو التجمعات الاقتصادية، على خلفية ما أحدثته عملية العولمة من تحولات هيكلية في البنيان الاقتصادي العالمي، وما ترتب عليها أيضًا من تداعيات سلبية فاقت قدرة أي دولة بمفردها، أو أي تجمع بمفرده، على مواجهتها، فضلًا عن مواجهة تداعياتها التي تمثّلتْ في إعادة توزيع مراكز القوى والأدوار الاقتصادية لغير صالح القوى التي كانت مهيمنة تاريخيًا. وفي خضم ذلك المشهد، بدأ العديد من التجمعات الإقليمية والدولية يُعيد تشكيل نفسه من جديد، لمواكبة التطورات الجارية، بما يعزز من ديناميكية تفاعلاتها وتأثيراتها.

 

وفي هذا الإطار، تأسست مجموعة العشرين G20 عام 1999م، بمبادرة من قمة مجموعة السب (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، من أجل تجميع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة، في شكل منتدى لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية؛ لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية العالمية.

وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008م، تم رفع مستوى المشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين إلى مستوى القمة، وذلك من خلال حضور رؤساء الدول والحكومات.

 

وفي هذا العام يعقد المنتدى قمته السنوية الثامنة عشرة في نيودلهي بالهند، في ظل ظروف عالمية سياسية واقتصادية وبيئية وصحية، باتت تهدد مستقبل العالم أجمع. وفي هذا الإطار، تناقش هذه الورقة جدوى هذه القمة، من خلال الوقوف على أهميتها، واستعراض الموضوعات التي طُرحت على أجندتها، وآليات تحقيق أهدافها، وأبرز التحديات التي تواجهها، وتستعرض كيف يمكن لها أن تتغلب عليها.

 

أولًا: أهمية القمة 

بادئ ذي بدء، فإن أهمية اجتماع قمة رؤساء دول وحكومات منتدى مجموعة العشرين G20 في الهند تنبع من أهمية المنتدى ذاته؛ وذلك لعدة اعتبارات:

– من الناحية الاقتصادية

إن منتدى مجموعة العشرين، هو تجمع من القوى الاقتصادية الأكثر قوة على مستوى العالم، والتي تضم 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.

ولقد تطورت مجموعة العشرين لتصبح واحدة من أكثر التجمعات الدولية نفوذًا؛ حيث تمثل دول المجموعة (85%) من الناتج الاقتصادي العالمي، و(75%) من التجارة العالمية، ويمثل مجموع سكانها ثلثيْ سكان الكرة الأرضية[1].

– من الناحية السياسية

مجموعة العشرين، بجانب أنها منتدى دولي يجمع أكبر الاقتصادات في العالم، فهو أيضًا يضم أكبر اللاعبين الاستراتيجيين على الساحة العالمية، ومن ثم فإن اجتماعاته على مستوى القمة تُعَدُّ – في حد ذاتها – فرصة لا تتوفر كثيرًا لالتقاء أقوى الزعماء السياسيين في العالم على منصة مشتركة، بغض النظر عن الاختلاف في الأيديولوجيات، والأنظمة السياسية والمصالح الاقتصادية.

وجديرٌ بالذكر أن هناك اجتماعات تُعقد على هامش القمة – أكثر مرونةً وغير رسمية – من أجل تبادل الأفكار وتعزيز العلاقات، ومناقشة اهتمامات ثنائية معينة، أو قضايا أخرى غير مدرجة في جدول الأعمال الرسمي للقمة. لذا؛ تُعَدُّ قمة المجموعة العشرين فرصة ثمينة لتذويب الخلافات، أو التمهيد لبناء علاقات دولية جديدة، أو تحديد معالم العالم الجديد، سواء على مستوى التحالفات السياسية أو المصالح الاقتصادية. كما أنها أيضًا تمثل فرصة سانحة لاستعراض العضلات أو جس النبض بين القوى المتنافسة.

وفي هذا الصدد، يؤكد بعض الخبراء على أن مجموعة العشرين هي المنتدى الأكثر تمثيلًا لتوازن القوى العالمي الحالي؛ حيث تنتمي إليها الدول الديمقراطية الرأسمالية، مثل مجموعة السبع، كما تضم العديد من الديمقراطيات الصاعدة، بما في ذلك البرازيل والهند وإندونيسيا، بالإضافة إلى دول كبرى مؤثرة عالميًا، مثل الصين وروسيا.

ولهذا السبب، وصف “ستيوارت م. باتريك”، المحلل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي (CFR)، صعود مجموعة العشرين في عام 2008م، باعتباره لحظة فاصلة في الحوكمة العالمية، وزعم أن المجموعة كانت تمثل المنتدى الأنسب لمعالجة هذه المشكلة، وقال إن المجموعة يمكنها “المساعدة في تغيير النظام الجيوسياسي الصارم أحيانًا”[2].

ومن الأمور التي تُضفي مزيدًا من الأهمية السياسية على اجتماعات قمة المجموعة، هو مشاركة المنظمات الدولية الكبرى، حيث تشارك بانتظام كُلٌّ من (الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، ومجلس الاستقرار المالي، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي).

وبصفتها رئيسة القمة الحالية ومضيفتها، وجهت الهند الدعوة لحضور قمة هذا العام، إلى رؤساء المنظمات الإقليمية (الاتحاد الإفريقي، الوكالة الأسترالية للتنمية في نيباد، ورابطة أمم جنوب شرق آسيا). كما تمت دعوة تسع دول جديدة هي: بنجلاديش، وهولندا، وعُمان، وسنغافورة، ونيجيريا، وأسبانيا، ومصر، وموريشيوس، ودولة الإمارات العربية المتحدة. وبالنسبة لاستضافة دولة الإمارات فإن مشاركتها تأتي لما تتمتع به من دور مهم ورئيسي في إحدى القضايا الرئيسية على أجندة عمل القمة، ألا وهي قضية التنمية المستدامة والتغير المناخي، وباعتبارها كذلك رئيسة ومُضيفة مؤتمر الـ COP 28 الذي سيُعقد في نوفمبر 2023.

– أهداف القمة

منذ انطلاقها في 2008م، تطورت وتوسعت أجندة قمة مجموعة العشرين إلى ما هو أبعد من الاقتصاد؛ حيث كان التوسع التدريجي لأجندة مجموعة العشرين استجابةً لحقيقة مُفادها أن إدارة المخاطر ذات الطبيعة غير الاقتصادية، مثل التوترات الجيوسياسية، وقضايا البيئة، والأوبئة، وتغير المناخ، والطاقة، والتجارة، والتنمية المستدامة، من بين أمور أخرى، كل ذلك بات يكتسب أهمية شديدة على أجندة النظام العالمي[3].

وعلى صعيد قمة الهند 2023م؛ أشار رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” إلى أولويات بلاده في رئاسة القمة وهي كالآتي[4]:

1.    التركيز على النمو الاقتصادي العالمي والغذاء والطاقة.

2.    السعي لتحقيق تقدم جريء في مجالات الصحة والزراعة والتعليم.

3.    حشد التمويل للتخفيف من آثار تغير المناخ والأمن الغذائي العالمي.

4.    تعزيز مكافحة الجرائم المالية.

5.    إصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف لتصبح أكثر شمولًا.

6.    دعوة الاتحاد الإفريقي – كعضو كامل العضوية في مجموعة العشرين – إلى قمة نيودلهي. وهو ما يجعل من الهند صوتًا للجنوب العالمي.

– الأوضاع العالمية الراهنة

يعاني النظام العالمي الراهن من أزمات معقدة ومتوالية؛ أهمها استمرار تداعيات جائحة كورونا، والتضخم المرتفع في أسعار الطاقة والغذاء، والركود أو التراجع المستمر في النمو الاقتصادي، وتحديات الديون في البلدان النامية والأسواق الناشئة، والحروب التجارية جراء اتباع إجراءات حمائية متزايدة.

ويتزامن مع ذلك كله، حدوث أزمة غير مسبوقة في تغيرات المناخ، التي هددت بتفاقم الفقر والمجاعات والأزمات الإنسانية، وحرائق الغابات، وأثرت سلبًا على خطط التنمية المستدامة في عدد كبير من الدول، وخاصة النامية، وأدت إلى اضطراب سلاسل التوريد على المستوى العالمي، بالإضافة إلى ما أحدثته من حالات الفوضى والارتباك التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم، مثل ما يحدث في القارة الأوروبية من توتر أمني وسياسي جراء تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في عدد من الدول الإفريقية، التي باتت تشهد انقلابات عسكرية مؤخرًا، إلى جانب الحروب الأهلية في عدد من دول العالم.

هذا المشهد العالمي المتأزم قد بات يزداد تأزمًا مؤخرًا على وقع استقطاب دولي حاد، يكاد يجهض أي جهد جماعي يسعى لمواجهة الأزمات العالمية؛ وهو ما يُضفي مزيدًا من الأهمية على اجتماع القمة الثامنة عشرة لمجموعة العشرين في الهند هذا العام؛ وذلك بغرض تجاوز المصالح الوطنية الضيقة في سبيل مجابهة تلك الأزمات العالمية، من منظور عمل منسق وجماعي.

 

ثانيًا: التحديات التي تواجه مجموعة العشرين

1.   غياب التجانس والتنسيق

رغم أن مجموعة العشرين أقل بيروقراطية من أغلب المنظمات الدولية، وتتمتع بطيف سياسي واقتصادي واسع ومتنوع يمكن أن يثري عملها، إلَّا أن هذه الإيجابية هي في حد ذاتها كانت تمثّل سلبية كبيرة؛ حيث أفقدت المجموعة ميزة التجانس، وأوجدت تضاربًا ملحوظًا في المصالح، مما يهدد بإجهاض خطط وأهداف المجموعة؛ حيث يجعل من الصعب عليها التوصل إلى إجماع حول القضايا المهمة.

والمثال على ذلك أن كُلًا من روسيا والصين ترفضان طرح القضايا الأمنية والسياسية في منتدى مجموعة العشرين، باعتباره مُنْتَدًى اقتصاديًا وماليًا بالأساس، في حين يعتقد أعضاء مجموعة السبع أن عدم طرح هذه القضايا لن يكون أمرًا مناسبًا، نظرًا للتأثيرات المتتالية التي تخلفها تلك القضايا على الاقتصاد العالمي.

2.   اختلاف توجهات القوى الكبرى بشأن بعض القضايا المهمة:

أ. القضايا الجيوسياسية:

في الواقع، ينبغي الاعتراف بأن القضايا الجيوسياسية لم تتدخل في جدول أعمال مجموعة العشرين إلَّا بعد نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية، وصارت تداعياتها تمثل عبئًا ثقيلًا على قمم المجموعة، لا سيّما أن انقسامات مواقف الأعضاء بشأنها باتت تهدد بإخراج القمة عن مسارها، وتفقدها زخمها.

في الوقت نفسه فإن غياب الرئيسين – الروسي بوتين، والصيني بينغ – عن قمة الهند الراهنة، قد حمل دلالات واسعة في هذا السياق، بما يهدد وضع المجموعة كمنتدى للقيادة العالمية، في ظل اتساع الفجوة والتباينات بين الدول الأعضاء في المجموعة من جهة، ومن جهة أخرى سعي مجموعة من الأعضاء للانخراط في تكتلات موازية – مثل “بريكس” – مؤخرًا، وهو الأمر الذي اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” دليلًا عن مدى “الخلل الوظيفي” الذي باتت تعانيه الأسرة العالمية.

ب. قضية التغير المناخي:

رغم الإجماع حول أهمية القضية، وأثرها على كثير من الأزمات العالمية، ووضعها على رأس أجندة قمم المجموعة مؤخرًا، إلَّا أن اختلاف الرؤى إزاء التعامل معها قد يجهض دور المجموعة في هذا الإطار.

والمثال على ذلك هو أن اجتماع وزراء الطاقة في مجموعة العشرين في الهند قد انتهى دون التوصل إلى توافق في الآراء، فيما يتعلق بالتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري، وذلك بعد اعتراض كبار منتجي الوقود الأحفوري من أعضاء المجموعة – وهم السعودية وفرنسا وروسيا والصين وجنوب إفريقيا وإندونيسيا – على هدف المجموعة المتمثل في زيادة قدرات الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أمثالها خلال هذا العقد[5].

ج. الدعوة إلى نظام تجاري عالمي عادل وشامل:

من المعروف أن تحقيق التوازن بين مصالح الدول المتقدمة والنامية، ومعالجة الاختلالات التجارية، وتعزيز نظام اقتصادي ومالي عالمي قائم على قاعدتيْ التوازن والعدل، يُعَدُّ من أحد أهم أهداف قمم المجموعة في السنوات الثلاثة الماضية، إلَّا أن هذا الأمر يبدو هدفًا طموحًا ومثاليًا وصعب المنال، في ظل التنافس السياسي والاقتصادي الكبير بين الدول الكبرى أعضاء المجموعة.

وفي هذا الإطار، هناك من يشكك في فعالية مجموعة العشرين – أصلًا – في قدرتها على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية وبين إدارة الاقتصاد العالمي؛ حيث يرى أن دول مجموعة السبع G7، هي التي تهيمن على المجموعة، وتستغلها لخدمة مصالحها، كما تفعل مع المؤسسات المالية الدولية. وجُلّ ما تفعله الرأسمالية الغربية هو فقط إيجاد وسيلة للتحكم في حركة تغيير بنية الاقتصاد العالمي، أو على الأقل تسعى إلى إبطائها عبر آليات عمل جماعية، بعد أن أخفقت مؤسسات الرأسمالية العالمية في مواجهة التحديات الأكثر إلحاحًا في العالم، وفقدت ثقة المجتمع الدولي فيها.

3.   غياب قاعدة الإلزام

من أبرز نقاط الضعف في المجموعة، أن القرارات التي تصدر عن اجتماعاتها أو قممها لا تتمتع بصفة الإلزام؛ فالدول الأعضاء ليست ملزمة قانونًا بتنفيذ القرارات الصادرة عن اجتماعات مجموعة العشرين أو قممها. كما أن عدم وجود أمانة دائمة للمجموعة يجعل عملية مراقبة تنفيذ قراراتها أمرًا صعبًا، وغير فعال.

على سبيل المثال، وافقت دول مجموعة العشرين على عدد من المبادئ التوجيهية لمنع تمويل الإرهاب، ولكن بسبب افتقادها لآلية تفرض الالتزام بما تم الاتفاق عليه، فإن هذه المبادئ قد فقدتْ كثيرًا من زخمها[6].

 

ثالثًا: دلالات اختيار الهند لرئاسة القمة

بادئ ذي بدء، فإن تولي إندونيسيا رئاسة القمة السابقة، وتولي الهند الرئاسة الحالية، وتولي البرازيل الرئاسة القادمة، كُلّ ذلك يُعَدُّ مؤشرًا ذا دلالة مهمة على اعتراف مجموعة العشرين بأهمية التحول نحو اقتصاد عالمي أكثر توازنًا بين البلدان المتقدمة والنامية. ولقد جسد اختيار الهند لشعار وموضوع قمتها رسالة قوية في السعي نحو تحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في العالم[7]. فالشعار الذي يمثل زهرة لوتس ناشئة، وبتلاتها السبع التي تمثل سبع قارات في العالم وسبع نوتات موسيقية، ترمي إلى تأكيد الكرة الأرضية على القيم الأساسية لجميع أشكال الحياة، بما فيها الإنسان والحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة، وعلاقاتها المتبادلة على كوكب الأرض والكون الأوسع. وقد تم استيحاء هذه الفكرة من المبدأ الذي يحمل اسم Vasudhaiva Kutumbakam حسب المعتقد الهندوسي، والذي يعني أن العالم أسرة واحدة.

وبلا شك، فإن رئاسة قمة مجموعة العشرين تمثل أهمية استراتيجية لدولة الهند؛ إذ إن الهند حتى الآن لم تترجم بروزها السياسي والاقتصادي إلى تأثير متناسب على السياسات العالمية. ومن ثم فإن رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام تعتبر فرصة أمامها لاكتساب مكانة بارزة في عملية صنع القرار العالمية؛ حيث تمنحها فرصة فريدة لتعزيز دورها في النظام الاقتصادي العالمي، وتوفر لها منصة للتواصل مع القوى الكبرى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا، بشأن القضايا ذات الأهمية العالمية. كما تمنحها القدرة على التأثير – بشكل كبير – على علاقات الهند، وتعزز موقعها في منطقة المحيطيْن الهندي والهادي والجنوب العالمي.

وأمام التحديات التي تواجهها مجموعة العشرين، واجتماعها السنوي على مستوى القمة، شدد رئيس الوزراء الهندي خلال كلمته في افتتاح قمة مجموعة العشرين على ضرورة تحقيق التفاهم العالمي لمعالجة الاضطرابات الاقتصادية، ومسألة الأمن الغذائي وأزمة الأسمدة، والانقسام بين الشمال والجنوب. وأشار إلى أن جائحة كوفيد خلقت أزمة ثقة عالمية، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أدت إلى تفاقم هذه الأزمة. وقال إن العالم مثلما تمكن من هزيمة كوفيد، فسوف يمكنه أيضًا التغلب على الخلافات الراهنة، ودعا إلى السعي لتحويل أزمة الثقة هذه إلى تفاهم عالمي.

وقال “مودي” في كلمته إن “القرن الحادي والعشرين هو الوقت المناسب لإظهار اتجاه جديد للعالم، إذ إن التحديات العالمية القديمة قد باتت تتطلب حلولًا جديدة، وهو ما يحتم علينا اتباع نهج يركز على الإنسان لحل هذه التحديات”[8].

 

رابعًا: قراءة في البيان الختامي للقمة

مما لا خلاف عليه أن الهند قدمتْ شعارًا وموضوعًا نبيلًا بامتياز في قمة مجموعة العشرين، ورفعت سقف الطموحات بشأن مخرجات القمة. ورغم الأزمات والتحديات الهائلة التي تواجه النظام العالمي الراهن، والعوامل السلبية التي تؤثر على فاعلية مجموعة العشرين، فقد استطاعت الهند العبور بالقمة إلى بر الأمان.

بعد (150) ساعة من المفاوضات الشاقة، عُقد خلالها (220) اجتماعًا في (60) مدينة هندية، تم خلالها مناقشة جميع القضايا، بما فيها القضايا الشائكة والخلافية، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، بعد كل ذلك استطاعت الهند، الحصول على بيان ختامي بتوافق (100%)، وبهذا تكون قد حققت العديد من النقاط الإيجابية التي ستعود – بلا شك – بالنفع على الهند، وعلى المجموعة والعالم بأسره[9].

 

ولعل أبرز ما يمكن الإشارة إليه في البيان:

      أولًا: التركيز على القضايا الاقتصادية بدلًا من القضايا الجيوسياسية

إن النصر الكبير الذي حققته الهند، وتغلبت فيه على إشكالية مؤتمر القمة السابق في “بالي” بإندونيسيا، هو أنها نجحت في إقناع الحضور بإعطاء الأولوية لقضايا الاقتصاد والتنمية المستدامة، وحماية الكوكب، مما يعود بالنفع على الجميع، وتنحية القضايا الجيوسياسية – ولو مؤقتًا – حتى لا تكون سببًا في خسارة الجميع.

ورغم هذا، فإن البيان لم يَخْلُ من الإشارة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن هذه الإشارة كانت متوازنة، حيث لم تُظهر انحيازًا لطرف على الآخر، وربما لهذا يظن الجميع أنها حققت المراد؛ فقد طالب البيان بالتزام الجميع بميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، كما أشار إلى الآثار السلبية لتداعيات تلك الحرب على الاقتصاد العالمي، وغيرها من الأزمات.

ودعا البيان إلى استئناف “مبادرة البحر الأسود” للنقل الآمن للحبوب والبضائع، في الوقت المناسب والفعال، من أجل البلاد النامية، لا سيّما الإفريقية منها. وهي صياغة عامة، لا تحتوي على أدنى إدانة لأي طرف، بل ربما تلقى قبولًا أكثر من قِبَل الطرف الروسي.

 

ثانيًا: الإنسان هو محور كل تغيير

ربما ما سيجعل إعلان نيودلهي لمجموعة العشرين خالدًا في الأذهان، هو اعتباره مَعْلَمًا رئيسيًا في الدعوة إلى إنشاء نموذج تنمية يركز على الإنسان، ويهدف إلى خلق نظام دولي جديد، يضع رفاهية الإنسان وجودة حياته في قمة أولوياته.

 

ثالثًا: خلق عالم أكثر شمولًا وتشاركًا

عَكَسَ البيان في ديباجته، وعبر العديد من فقراته، الشعار والموضوع الذي اختارته الهند للقمة، وأكد على فلسفة العيش المشترك في وئام مع النظام البيئي المحيط، وضرورة العمل بشكل جماعي من أجل مواجهة التحديات العالمية.

وأشار إلى أن العالم ما زال يملك الفرصة للخروج من أزماته، وبناء مستقبل أفضل، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي، والاستخدام العادل والنظيف للطاقة، وتعزيز القدرة على الصمود في وجه التحديات، واتباع نماذج تنمية تنفذ خطط تنموية مستدامة – شاملة وعادلة – على مستوى العالم، وبحيث لا تستثني أحدًا. وفي هذا الصدد، ثَمَّنَ البيان خطوة انضمام الاتحاد الإفريقي باعتباره عضوًا في مجموعة العشرين، مؤكدًا على مواصلة مناقشة تعميق التعاون بين المجموعة وبين الشركاء الإقليميين الآخرين.

رابعًا: آليات العمل

لعل أبرز ما حرص البيان على تأكيده – من بدايته إلى نهايته – هو الآليات التي من خلالها يستطيع كل عضو من الأعضاء، وكل من يهتم بتحقيق أهداف هذا البيان، أن يطبقها، ومن أبرزها:

1.    تسريع النمو القوي والمستدام والمتوازن والشامل.

2. تسريع التنفيذ الكامل والفعال لخطة التنمية المستدامة لعام 2030.

3.    متابعة انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة/ الكربون المنخفض، ومسارات التنمية المستدامة بيئيًا، والقادرة على الصمود، من خلال دعم نهج متكامل وشامل.

4.    تسريع إجراءات مواجهة تحديات التنمية والمناخ، وتعزيز أنماط الحياة، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، والحفاظ على التنوع البيولوجي والغابات والمحيطات.

5.    تحسين الوصول إلى التدابير الطبية المضادة، ومنح المزيد من الإمدادات والقدرات الإنتاجية في البلدان النامية؛ للاستعداد بشكل أفضل لحالات الطوارئ الصحية المستقبلية.

6.    دعم جودة التعليم، والحد من مخاطر الكوارث، وإنشاء بِنًى تحتية قادرة على الصمود.

7.    تعزيز النمو المرن، من خلال معالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون في البلدان النامية بشكل عاجل وفعال.

8.    زيادة التمويل من جميع المصادر لتسريع التقدم في أهداف التنمية المستدامة.

9.    تسريع الجهود وتعزيز الموارد لتحقيق بنود اتفاق باريس، بما في ذلك هدف التحكم في درجة الحرارة.

10.                    إعادة تنشيط التعددية والإصلاح والتعاون داخل المؤسسات الدولية، لجعل الحوكمة العالمية أكثر تمثيلًا وفعالية وشفافية ومساءلة.

11.                    مواصلة الإصلاحات من أجل إنشاء بنوك تنمية متعددة الأطراف، تكون أفضل وأكبر وأكثر فعالية لمواجهة التحديات العالمية، بغرض تحقيق أقصى قدر من التأثير التنموي، من أجل إيجاد ميثاق تمويل عالمي جديد.

12.                    تحسين الوصول إلى الخدمات الرقمية والبنية التحتية العامة الرقمية، والاستفادة من فرص التحول الرقمي لتعزيز النمو المستدام والشامل.

13.                     تعزيز العمالة المستدامة والجودة الصحية والآمنة والمربحة.

14.                    سد الفجوات بين الجنسين، وتعزيز المشاركة الكاملة والمتساوية والفعالة والهادفة للمرأة في الاقتصاد كصانعة قرار.

15.                    دمج وجهات نظر البلدان النامية بشكل أفضل، بما في ذلك أقل البلدان نموًا، والبلدان النامية غير الساحلية، والدول الجزرية الصغيرة النامية، في جدول أعمال مجموعة العشرين المستقبلي، وتعزيز صوت البلدان النامية في عملية صنع القرار العالمي.

 

ومن الجدير بالذكر هنا، أن تأييد الزعماء للإعلان قد اعتُبر بمثابة نجاح رائع لدولة الهند؛ حيث كانت هناك مخاوف كثيرة من أن تنتهي القمة دون إعلان. وهو ما عبر عنه رئيس وزراء الهند، حين تنفس الصُّعَداء قائلًا: “بفضل العمل الجاد الذي قامت به فرقنا، وبسبب تعاونكم، كان التوافق على إعلان قمة قادة مجموعة العشرين”. ولقد استحق رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، إشادة الدبلوماسيين به على دوره البناء والمعتدل.

 

·   الخاتمة

لا شك أن مجموعة العشرين قد باتت تفرض نفسها كأحد أهم المنتديات الاقتصادية العالمية. ومن المُسَلَّم به أنها تمتلك إمكانيات هائلة للتأثير، ولكن عجزها عن تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح العالمية – شأنها شأن معظم التجمعات الدولية – يُفقدها الكثير من قدرتها على التأثير، وتحقيق الأهداف.

لذا، كان لا بُدَّ أن نأخذ بعين الاعتبار سؤالًا مهمًا، بدأت مراكز الدراسات والبحث في العالم طرحه بقوة، وهو: هل تملك آليات صناعة القرار في شبكة العلاقات الدولية – حاليًا – القدرة على إحداث تغيير جذري في بنية النظام العالمي السياسية والاقتصادية، وقضايا أخرى متعلقة، مثل المناخ والبيئة ومواجهة الأوبئة؟ أم أن تلك الآليات ستظل – واقعيًا – أسيرة المصلحة الوطنية الضيقة؟ وربما الإجابة على ذلك التساؤل هي التي سوف تحدد مستقبل مجموعة الواحد والعشرين G21.

 

 المراجع


[1] بي بي سي عربية، “لماذا يجتمع قادة قمة العشرين في دلهي؟”، 6 سبتمبر 2023م.

[2] James McBride. (2023). What Does the G20 Do?. https://www.cfr.org/backgrounder/what-does-g20-do.

[3] ABHIJEET PIMPARKAR.(2023). India’s G20 Presidency: Challenges and Opportunities.

https://politicsforindia.com/indias-g20-presidency-challenges-and-opportunities/

[4] Nikita Anand.(2023). G20: Opportunities and Challenges for India.

https://usanasfoundation.com/g20-opportunities-and-challenges-for-india

[5] موقع العربية الإخباري، “مجموعة العشرين تخفق في التوصل لاتفاق بشأن الحد من استخدام الوقود الأحفوري”، 23 يوليو 2023م.

[6] Ajiram & Ravi – Institute for IAS Examination.(2023).” G20 – Importance, Members, G20 Summit 2023 India Presidency:Quest for UPSC CSE Panels”.

https://vajiramandravi.com/quest-upsc-notes/g20/#issues-and-limitations-of-g20

[7] الموقع الرسمي للقمة https://www.g20.org/ar/

[8] سبوتنيك عربي، “مودي: انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين يحظى بدعم جميع الأعضاء”، 9 سبتمبر 2023م.

[9] Rohit Paul. (2023). Why G20 ‘Delhi Declaration’ Is “Historic, Pathbreaking”, Leaders Explain.

https://www.ndtv.com/india-news/new-delhi-declaration-delhi-declaration-g20-live-updates-100-consensus-what-leaders-said-on-g20s-delhi-declaration-4374525


المواضيع ذات الصلة