ترسّخ دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها اليوم كمركز عالمي متقدّم في مجال الذكاء الصناعي، مستندة إلى رؤية قيادية استشرافية، واستثمارات استراتيجية واسعة، ومبادرات حكومية طموحة تدفع بعجلة التحول الرقمي عبر مختلف القطاعات. وفي هذا السياق، تبرز مجموعة «جي 42» كأحد أهم المحركات الوطنية لهذا الزخم، إذ أسهمت مشاريعها الرائدة وشراكاتها الدولية في تعزيز موقع الإمارات بوصفها منصة متقدمة للذكاء الصناعي على المستويين الإقليمي والدولي، بما يدعم قدرات الدولة في استقطاب الاستثمارات وتوطين التكنولوجيا، وتسريع اعتماد حلول الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية.
ولتكامل هذه الريادة وترسيخ سيادة الإمارات في مجال الذكاء الصناعي دون منازع، يصبح من الضروري الانتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على تطوير «السحابة السيادية الوطنية» بشقيها الأرضي والفضائي. فكما نجحت الدولة في بناء منظومتها الأرضية من خلال «مجمع الذكاء الصناعي الأرضي»، يبرز اليوم التوجه نحو إنشاء بنية موازية في الفضاء عبر تطوير «سيادة السحابة الفضائية» بالاعتماد على امتلاك مصفوفة متكاملة من الأقمار الصناعية (Satellite Constellation) للاتصالات فائقة السرعة والمؤمنة، بما يتيح تأسيس «مجمع الذكاء الصناعي الفضائي». وسيُمكّن ذلك الإمارات من إدارة وتشغيل مراكز بيانات الذكاء الصناعي الأرضية والفضائية على مستوى عالمي، ويضمن لها تفوقًا استراتيجيًّا نوعيًّا ضمن بنية السحابة السيادية الوطنية المتكاملة، إضافة إلى تعزيز موقعها بوصفها مركزًا عالميًّا لحلول الذكاء الصناعي عبر مختلف القطاعات.
وفي خطوة تعكس هذه الطموحات، أعلنت دولة الإمارات والولايات المتحدة عن مشروع مشترك لإنشاء «مجمع الذكاء الصناعي» في أبوظبي، المعروف باسم «ستارجيت الإمارات». ويُعد هذا المشروع أضخم بنية تحتية للذكاء الصناعي يتم الإعلان عنها حتى الآن، إذ يمتد على مساحة عشرة أميال مربعة، مدعومًا بقدرة طاقة تصل إلى5 غيغاواط، وهي قدرة تكفي لتشغيل نحو 2.5 مليون شريحة B200 من إنفيديا، ما يجعله واحدًا من أكثر المجمعات تقدمًا على مستوى العالم.
لماذا يعد بناء أصول الريادة الفضائية لدولة الإمارات العربية المتحدة أمرًا مهمًّا؟
أضحى تأمين البيانات الوطنية عبر مصفوفات الأقمار الصناعية السيادية العابرة للحدود مطلبًا أمنيًّا محوريًّا في بيئة دولية تتسم بتزايد الاعتماد على الفضاء بوصفه موطنًا للعمليات الحيوية للدول. وتزداد أهمية هذه الخطوة في ظل ندرة موارد الطيف الفضائي، وكونه خاضعًا لقاعدة تنظيمية صارمة تقوم على مبدأ “من يأتي أولًا يُخدم أولًا“، الأمر الذي يدفع القوى العالمية الكبرى إلى تسريع خطواتها لحجز هذه الموارد الاستراتيجية، بهدف حماية أمنها الوطني، وتعزيز حضورها الجيوسياسي. وفي هذا السياق، يتأكد بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة أن المبادرة إلى تأمين موارد الطيف الفضائي المتاحة لإنشاء مصفوفة أقمار صناعية سيادية لم تعد خيارًا تنمويًّا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لضمان عدم الوقوع في حالة “الحرمان الطيفي” مستقبلًا، والتي قد تُقيد قدرات الدولة في بناء بنى تحتية فضائية متقدمة. ومن شأن امتلاك الإمارات لمصفوفة أقمار في المدار الأرضي المنخفض أن يضمن استمرارية الاتصالات الحيوية، وحماية الأنظمة الحكومية، والحفاظ على البيانات الوطنية في بيئة سيادية مستقلة تعمل على مدار الساعة، بما يعزز موقع الدولة ضمن فئة “الدول ذات السيادة الفضائية” ويقوي نفوذها السياسي الدولي وقوتها الناعمة.
ويشكّل بناء أصول الريادة الفضائية، باعتبارها امتدادًا تكامليًّا لأصول الريادة الأرضية ممثلة في «مجمع الذكاء الصناعي»، مقوّمًا أساسيًّا لترسيخ مكانة الدولة في سباق السيطرة على المدار الأرضي المنخفض على المستوى العالمي. كما ينسجم هذا التوجه مع الاستراتيجية الوطنية طويلة الأجل التي تهدف إلى تمكين الدولة من لعب دور مركزي في مشهد الاتصالات والذكاء الصناعي العالمي. وستؤدي هذه الريادة الفضائية في حال تطويرها إلى توفير اتصال موثوق به محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، الأمر الذي يعزز مكانة الإمارات كمركز محايد للبنية التحتية للاتصالات الدولية، ويمكّنها من دعم تطبيقات الذكاء الصناعي في مختلف أنحاء العالم. وتعمل مصفوفة الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض، عند اكتمالها، بوصفها منصةً تمكينية حيوية تستند إلى شبكات فضائية عالية السرعة والأمان، تعتمد على روابط الليزر والميكروويف، بما يشكّل امتدادًا بنيويًّا للبنية التحتية الوطنية للاتصالات الهجينة.
ومن المتوقع أن تسهم هذه المصفوفات الفضائية في ترسيخ مكانة أبوظبي كمركز عالمي رائد في تطوير وتطبيقات الذكاء الصناعي، من خلال توفير بنية تحتية غير مسبوقة على مستوى المنطقة. وستمنح الدولة مستوى متقدمًا من الاستقلالية الرقمية والسيادة على البيانات، بما يضمن لها القدرة على التحكم الكامل في بياناتها الحساسة، وتقليل اعتمادها على البنى التحتية الخارجية، وهو ما يؤدي إلى تعزيز أمنها الرقمي، وترسيخ سيادتها التكنولوجية. كما ستوفر هذه الريادة منصة حوسبة عالية الأداء تمكّن المؤسسات الحكومية والخاصة من الاستفادة من أحدث نماذج الذكاء الصناعي العالمية بفعالية وسرعة، وتُسهم في تسريع وتيرة الابتكار والاكتشاف العلمي في قطاعات حيوية تشمل الصحة والتعليم والطاقة والنقل والدفاع.
وفي هذا الإطار، يمثل «مجمع الذكاء الصناعي» في أبوظبي، المزمع إنشاؤه وتشغيله من قبل شركة «جي42» وبالشراكة مع شركات أمريكية، رافعة استراتيجية لتعزيز قدرات الدولة في مجال مراكز بيانات الذكاء الصناعي. وستوفر هذه المنشأة قدرة حوسبية هائلة تتيح للحكومات والمؤسسات والشركات حول العالم الحصول على خدمات سحابية عالية الأداء، تخدم المنطقة والعالم بفعالية. ويأتي هذا المشروع في مرحلة تشهد فيها المنظومات العالمية للذكاء الصناعي تشغيل ملايين الخوادم على مدار الساعة، لتوليد قدرات المعالجة اللازمة للنماذج الأساسية وتطبيقات التعلم الآلي. ويُعد مجمع «ستارجيت الإمارات» في أبوظبي خطوة استراتيجية متقدمة تهدف إلى ترسيخ موقع دولة الإمارات كمركز عالمي رائد في الذكاء الصناعي؛ إذ لا يقتصر دوره على أنه مركز بيانات ضخم، بل يمثل بنية تحتية فائقة قادرة على تسريع مسارات الابتكار ودفع عجلة التحول الرقمي على الصعيدين الوطني والعالمي.
كيف تُعزّز السحابة الفضائية السحابة الأرضية في مجال الذكاء الاصطناعي؟
لا تشكّل السحابة الفضائية بديلًا عن السحابة الأرضية، بل تمثل امتدادًا استراتيجيًّا وتطورًا بنيويًّا مكمّلًا لها، يسهم في تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي عبر ثلاث آليات رئيسية تُحدث تحولًا في كيفية جمع البيانات ومعالجتها واستثمارها على المستويين الأرضي والفضائي.
1. توسيع نطاق البيانات والمعالجة
تتيح السحابة الفضائية إنشاء مراكز بيانات فضائية مرتبطة بشبكات أقمار صناعية متكاملة وعالية الأمان، الأمر الذي يتيح ما يلي:
- جمع البيانات من مصادر غير تقليدية مثل الأقمار الصناعية، وأجهزة الاستشعار المدارية، والمنصات الفضائية، وهو ما يوسّع نطاق البيانات المتاحة للمعالجة الذكية بشكل غير مسبوق.
- معالجة البيانات في الفضاء قبل إرسالها إلى الأرض ما يسهم في تقليل زمن الاستجابة، ويخفف الضغط عن البنية التحتية الأرضية، ويُسهِّل الكثير من العمليات التي كانت تتطلب سابقًا مراكز عمليات أرضية متخصصة.
- دعم نماذج الذكاء الاصطناعي في الزمن الحقيقي، ولا سيما في التطبيقات الحساسة مثل الأمن الوطني، والرصد البيئي، والطوارئ، والعمليات الدفاعية، حيث يصبح الوصول الفوري للبيانات وتحليلها ضرورة عملياتية.
2. تحقيق التكامل الهجين (Hybrid AI Cloud)
يسمح الدمج بين السحابتين الأرضية والفضائية بإنشاء منظومة هجينة متكاملة ومرنة، توفر بنية متوازنة تعتمد على توزيع المهام بين الطبقتين الأرضية والفضائية وفقًا لطبيعة الحاجة، وذلك من خلال:
- تقسيم الأعباء التشغيلية بذكاء حيث يمكن تنفيذ عمليات التدريب الضخمة للنماذج على الأرض، بينما تتم عمليات التنفيذ أو التحليل السريع في الفضاء بالقرب من مصدر البيانات.
- تعزيز سيادة البيانات عبر الاحتفاظ بالبيانات الحساسة داخل السحابة الأرضية الوطنية، في حين تُعالج البيانات غير الحساسة أو المؤقتة في الفضاء، ما يوفر طبقة إضافية من الأمان السيادي.
- خفض التكاليف التشغيلية من خلال استثمار الموارد الفضائية عند الحاجة فقط، دون اللجوء إلى توسيع غير ضروري للبنى الأرضية، وهو ما يوفر مرونة كبيرة في إدارة الموارد التكنولوجية.
3. تمكين الذكاء الاصطناعي من صنع القرار في البيئات النائية
في البيئات التي تفتقر إلى بنية تحتية أرضية قوية — كالصحاري الشاسعة، والمحيطات، والفضاء الخارجي — تتيح السحابة الفضائية قدرات مستقلة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، وهو ما يدعم:
- اتخاذ قرارات ذكية في الوقت الحقيقي في سياقات تتطلب سرعة ودقّة عاليتين، مثل التحكم بالطائرات من دون طيار، أو المركبات الفضائية، أو المنصات المسيرة ذاتيًّا.
- دعم البعثات العلمية والوحدات العسكرية المستقلة بقدرات تحليل متقدمة، دون الحاجة إلى اتصال مستمر بالأرض أو بالدولة الأم، ما يمنحها استقلالية عملياتية عالية ويُحسّن فعالية المهام.
ماذا تعني سيادة السحابة الفضائية لتضمن التفوق في الذكاء الصناعي؟
تشير سيادة السحابة الفضائية إلى قدرة الدولة على امتلاك والتحكم الكامل في البنية التحتية الرقمية الفضائية المخصّصة للاتصالات ومعالجة البيانات، بما في ذلك منظومات الأقمار الصناعية ذات النطاق العريض، والمصممة لتوفير اتصال عالي السرعة عبر العالم. ويشمل ذلك السيطرة الوطنية الكاملة على البيانات المتدفقة عبر هذه الشبكات، إضافة إلى التحكم في التكنولوجيا المستخدمة في الفضاء وفي البنية التحتية الأرضية الداعمة لها. وتمكّن هذه السيادة الدولة من ضمان جودة تدفق المعلومات الرقمية وتقليل زمن الاستجابة لخدمة أنظمة الذكاء الاصطناعي الأرضية على مدار الساعة، مع توفير تغطية عالمية متكاملة. وتمثل هذه البنية جزءًا مكمّلًا جوهريًّا للسحابة الأرضية، إذ تضمن الاستقلال الوطني في جمع البيانات ومعالجتها وتخزينها دون الاعتماد على بنى تحتية أجنبية، وهو ما يُعد عنصرًا حاسمًا لضمان التفوق في مجال الذكاء الصناعي. ويجمع هذا المفهوم بين السيادة الرقمية والسيادة الفضائية على البيانات، لتشكيل قاعدة استراتيجية تمكّن الدولة من المنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
ويؤدي التكامل بين سيادة السحابة الأرضية وسيادة السحابة الفضائية إلى تحقيق ما يُعرف بـ السيادة السحابية (Cloud Sovereignty)، التي تُعنى بالتحكم الكامل في جميع البيانات والبنى التحتية السحابية التي تُستخدم في تشغيل تقنيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وبما يتوافق مع القوانين والتشريعات الوطنية. وتشكّل هذه السيادة أساسًا لـ سيادة البيانات (Data Sovereignty)، بما يضمن بقاء البيانات الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الوطني داخل الحدود الوطنية، ويحميها من التعرض لأي شكل من أشكال النفاذ أو المراقبة الأجنبية. ويمكن تعزيز هذه السيادة من خلال التفوق التكنولوجي والتحكم في المكوّنات المادية (Hardware)، والبرمجيات (Software)، والخوارزميات التشغيلية (Algorithms)، بما يمنح الدولة الاستقلالية التشغيلية الكاملة حتى في حالات انقطاع الإنترنت، أو انفصالها عن الشبكات العالمية، وذلك عبر تشغيل الأنظمة المعزولة داخليًّا.
وفي ضوء ذلك، فإن سيادة السحابة الفضائية إلى جانب سيادة السحابة الأرضية تمثّل أكثر من مجرد تقدم تقني أو إنجاز علمي؛ فهي استراتيجية جيوسياسية وطنية تهدف إلى تمكين الدولة من السيطرة على ما يمكن تسميته بـ “الذكاء السيادي”، وهو الذكاء الاصطناعي الذي يُدار ويُطوّر ويُشغَّل ضمن بيئة وطنية محصّنة ومستقلة. وتسهم هذه الاستراتيجية في منع أي شكل من أشكال الاعتماد على الهياكل التقنية الأجنبية أو الخضوع لهيمنتها، كما تفتح المجال أمام بناء تفوق مستقل في مجال الذكاء الصناعي عالي الأداء. ومع التوقعات التي تشير إلى أن نحو 90% من مراكز البيانات المستقبلية قد تكون في الفضاء خلال العشرين سنة المقبلة، يصبح السباق نحو تأسيس سيادة سحابية فضائية خطوة حاسمة بالنسبة للدول المتقدمة علميًّا وتكنولوجيًّا.
وعليه، فإن سيادة السحابة الفضائية لا تُعد رفاهية تقنية، بل ضرورة استراتيجية لأي دولة تطمح إلى تحقيق الريادة في مجال الذكاء الصناعي. فهي تتيح التحكم في الموارد الرقمية العالمية، وتحمي البيانات الوطنية من التهديدات الخارجية، وتسرّع من وتيرة الابتكار العلمي والتكنولوجي، وتضمن التفوق التقني وتعزيز الأمن الوطني في عصر تحكمه البيانات والخوارزميات، وتتشكل فيه القوة العالمية الجديدة حول من يمتلك المعرفة والسيطرة على البنى التحتية الذكية العابرة للحدود.
لماذا سيادة السحابة الوطنية الأرضية والفضائية مهمة جدًّا لدولة الإمارات؟
تُمثّل سيادة السحابة الوطنية، سواء في بُعدها الأرضي أو الفضائي، أحد الركائز الأساسية للأمن الوطني والنهضة التكنولوجية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتبرز أهميتها في سياق التحول العالمي نحو الاقتصاد الرقمي، وتزايد التهديدات السيبرانية، إضافة إلى المنافسة الاستراتيجية بين الدول في مجال الذكاء الاصطناعي والبنى التحتية الرقمية العابرة للحدود. ويمكن تلخيص أهم فوائد هذه السيادة في النقاط الآتية، مع توضيح أبعادها الأكاديمية والاستراتيجية:
1. تحوّل البيانات إلى “نفط جديد” في الاقتصاد الرقمي
باتت البيانات اليوم أهم الأصول الاستراتيجية وأكثرها تأثيرًا، فالدول التي تملك القدرة على جمع البيانات وتحليلها والسيطرة عليها، تمتلك نفوذًا اقتصاديًّا وسياسيًّا وماليًّا وأمنيًّا يفوق ما كانت تمنحه الموارد التقليدية. وتُعدّ السيادة السحابية الآلية الأساسية لضمان تحكم الدولة في هذا المورد الحيوي، إذ تُمكّن الإمارات من حماية بياناتها الوطنية وإدارتها ضمن إطار تشريعي وسيادي مستقل، بعيدًا عن التأثيرات أو القيود الأجنبية.
2. مواجهة التهديدات السيبرانية المتطورة
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في حجم وتعقيد الهجمات الإلكترونية، والتي غالبًا ما تكون مدعومة من جهات دولية. وفي هذا السياق، تصبح السيادة السحابية خط الدفاع الأول للدولة، إذ تضمن امتلاك بنية تحتية رقمية محلية وآمنة، قادرة على مقاومة التهديدات السيبرانية، والاستجابة لها بسرعة وفاعلية، وحماية الأنظمة الحكومية والخدمات الحيوية من الاختراق أو التعطيل.
3. تعزيز السيادة الرقمية الشاملة
تُعد السيادة السحابية حجر الزاوية في تحقيق السيادة الرقمية الشاملة، والتي تشمل القدرة الوطنية على التحكم في مكونات المنظومة الرقمية بأكملها، من شبكات الاتصالات إلى أنظمة التشغيل، مروراً بالمنصات البرمجية والتطبيقات والخدمات الذكية. ويمثّل هذا التكامل الأرضي–الفضائي خطوة حاسمة لضمان استقلالية الدولة الرقمية، وتخفيض الاعتماد على البنى التحتية الأجنبية، وتوفير بيئة موثوق بها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي عالية الحساسية.
4. بناء اقتصاد رقمي وطني
يسهم تطوير مراكز بيانات وطنية وسحابات محلية في دعم الاقتصاد الرقمي للدولة، عبر خلق فرص عمل نوعية، وتنمية القطاعات التكنولوجية الناشئة، وتمكين الشركات المحلية من الابتكار والمنافسة عالميًّا. كما يعزز هذا التوجه قدرة الإمارات على استضافة الشركات العالمية في بيئة رقمية سيادية موثوق بها، ويمنحها مكانة استراتيجية في مشهد الاقتصاد المعرفي.
وفي ضوء هذه المرتكزات، لم تعد سيادة السحابة الوطنية، سواء الأرضية أو الفضائية، خيارًا تقنيًّا أو ترفًا رقميًّا، بل أصبحت عنصرًا محوريًّا من عناصر الأمن الوطني في القرن الحادي والعشرين. فهي الضامن للحفاظ على سرية المعلومات الاستراتيجية، وحماية قرار الدولة من التأثير الخارجي، وضمان استمرارية الخدمات الحيوية في ظل بيئة رقمية شديدة التنافس ومليئة بالتهديدات. وتؤدي أي دولة تُهمل هذا الجانب إلى وضع مستقبلها الرقمي وأمنها القومي تحت رحمة جهات خارجية، قد لا تتوافق مصالحها مع المصلحة الوطنية، ما يجعل الاستثمار في هذه السيادة خيارًا استراتيجيًّا لا يمكن تجاهله.
العلاقة بين سيادة السحابة الفضائية والأمن الوطني
The Relationship Between Space Cloud Sovereignty and National Security
ترتبط سيادة السحابة الفضائية ارتباطًا مباشرًا وجوهريًّا بالأمن الوطني، إذ تمثّل الامتداد السيادي للدولة في كلٍّ من الفضاء السيبراني والفضاء الخارجي في آن واحد. ويُتيح هذا الامتداد للدولة التحكم الكامل في بياناتها السيادية والبنى التحتية للذكاء الصناعي المرتبطة بها، دون الاعتماد على مزوّدي خدمات أجانب، أو شبكات خارج نطاق السيطرة الوطنية. ومن ثمّ تُعد السحابة الفضائية عنصرًا محوريًّا في تعزيز السيادة الرقمية للدولة، وحماية أمنها القومي. ويمكن تصميم السحابة السيادية بما يتوافق مع القوانين الوطنية المتعلقة بمكان تخزين البيانات (Data Residency)، والاستقلال التشغيلي، والمتطلبات التنظيمية، الأمر الذي يضمن خضوع البيانات الحساسة للقوانين الوطنية حصرًا، بعيدًا عن نفوذ القوانين الأجنبية التي قد تتعارض مع المصالح الوطنية.
وفي هذا الإطار، تضمن سيادة السحابة الفضائية أن تُخزّن البيانات والمعلومات الحساسة—كالبيانات الدفاعية والاستخباراتية، والاتصالات العسكرية، وبيانات البنى التحتية الحيوية، والمعلومات الشخصية عالية الأهمية—ضمن نطاق السيطرة القانونية والتقنية للدولة. ويُسهم ذلك في تقليل المخاطر المتعلقة بالتجسس الرقمي، والهجمات السيبرانية الموجّهة من قوى خارجية، بالإضافة إلى تمكين الدولة من التحكم في تدفق البيانات، بما يعزّز قدراتها في الدفاع الرقمي ويقوي استقلالية القرار الوطني. ومن منظور استراتيجي، فإن دمج السحابة الفضائية مع القدرات الفضائية التقليدية (مثل أقمار الاتصالات، وأقمار الاستشعار عن بُعد، وأنظمة القيادة والسيطرة) يشكّل طبقة سيادية جديدة ضمن منظومة الدفاع الوطني، على غرار السيادة في البر والبحر والجو والفضاء الخارجي.
ومن ثمَّ، فإن سيادة السحابة الفضائية تُعدّ عنصرًا رئيسًا في منظومة الأمن الوطني للدول، ولاسيما في ضوء تسارع التحول الرقمي، واعتماد المؤسسات الحكومية والقطاعات الحيوية بشكل متزايد على خدمات الحوسبة السحابية. وتضمن السيادة السحابية، في بعدها الفضائي، أن تكون جميع البيانات الوطنية الحساسة وأنظمتها التشغيلية الحيوية خاضعة للقوانين واللوائح الوطنية، وأن تُخزَّن وتُعالَج داخل الحدود الرقمية للدولة، مع إمكانية التحكم الكامل في الوصول إليها والعمليات التي تُجرى عليها.
وتتجلى العلاقة المباشرة بين سيادة السحابة الفضائية والأمن الوطني من خلال النقاط المحورية الآتية:
1. حماية البيانات الحساسة والاستراتيجية
البيانات الحكومية:
تعتمد الحكومات على السحابة لتخزين المعلومات شديدة الحساسية، بما يشمل خطط الدفاع، والوثائق الاستخباراتية، وبيانات البنى التحتية الحيوية مثل المطارات والموانئ وشبكات الطاقة.
البيانات الشخصية للمواطنين:
تشمل السجلات السكانية، والبيانات الصحية، والسجلات المالية. وقد يؤدي تسرب هذه البيانات إلى تهديد أمن الأفراد، أو استخدامها في عمليات احتيال أو تجسس أو استقطاب أفراد من قبل أجهزة استخبارات أجنبية.
البيانات الاقتصادية والمالية:
تتضمن معلومات الشركات الوطنية والخاصة، والأسرار التجارية، والابتكارات التكنولوجية. ويُعد الوصول غير المصرح به إليها تهديدًا مباشرًا للأمن الاقتصادي والتجاري، ومن ثمَّ الأمن الوطني.
2. تجنّب الخضوع للقوانين الأجنبية (الولاية القضائية الخارجية)
عندما تُخزَّن بيانات دولة ما على سحابة تديرها شركة أجنبية، فقد تصبح هذه البيانات خاضعة للقوانين الوطنية للدولة التي توجد فيها الشركة. مثال ذلك قانون CLOUD Act في الولايات المتحدة، الذي يسمح للحكومة الأمريكية بطلب الوصول إلى البيانات المخزّنة على خوادم الشركات الأمريكية حتى لو كانت موجودة خارج حدودها الجغرافية. ويشكل ذلك انتهاكًا مباشرًا لسيادة الدولة صاحبة البيانات، ويعرّض أمنها الوطني للخطر.
3. ضمان استمرارية الخدمات الحيوية (Resilience)
تعتمد القطاعات الحيوية—مثل الصحة، والتعليم، والمالية، والنقل، والطاقة، والدفاع، والأمن—على بنى تحتية سحابية. وأي فقدان للسيطرة على هذه البنى، أو تعرّضها لقرارات سياسية أو اقتصادية من دول أجنبية (مثل فرض العقوبات)، يمكن أن يُحدث اضطرابات عميقة تمسّ استقرار الدولة ومؤسساتها الحيوية.
4. مواجهة الهجمات الإلكترونية والتهديدات السيبرانية
إن امتلاك سحابة وطنية—أرضية أو فضائية—أو الاعتماد على مزوّدين محليين موثوق بهم، يسهّل عملية تأمينها وفق معايير وطنية متقدمة. كما يتيح مراقبة التهديدات الداخلية والخارجية بكفاءة أعلى، ويسمح بالاستجابة للحوادث الأمنية بسرعة دون الحاجة إلى تنسيق معقد مع جهات أجنبية، قد لا تشارك الدولة الأولويات الأمنية نفسها.
5. الاستقلال الاستراتيجي واتخاذ القرار
توفر السيادة السحابية للدولة القدرة على وضع سياساتها الخاصة بحماية الخصوصية وتنظيم حركة البيانات عبر الحدود، وذلك ضمن إطار سيادة البيانات (Data Sovereignty). وتمكّن الدولة من اتخاذ قرارات مستقلة تخدم مصالحها الوطنية، دون تأثير أو ضغط خارجي من شركات أو حكومات أجنبية.
كيف تضمن سيادة السحابة الفضائية لدولة الإمارات التفوق في الذكاء الصناعي؟
يمثّل الجمع بين سيادة السحابة الفضائية وسيادة السحابة الأرضية إطارًا استراتيجيًّا شاملًا يمكّن دولة الإمارات من بناء منظومة متكاملة للذكاء الصناعي، تتمتع بالاستقلالية والأمان والمرونة، وبما يمنحها تفوّقًا نوعيًّا في السباق العالمي نحو الذكاء الصناعي. وتُقدّم هذه المنظومة السيادية المشتركة مجموعة من المزايا الاستراتيجية التي يمكن بيانها على النحو الآتي:
- التحكم الاستراتيجي والاستقلالية المعلوماتية: تمكّن السيادة السحابة الفضائية مع سيادة السحابة الأرضية الدول من تطوير وتدريب نماذج الذكاء الصناعي دون الاعتماد على البنى التحتية الأجنبية، ما يحمي أمنها الوطني ومصالحها الاقتصادية. وهذا يتوافق مع الاستراتيجيات العالمية مثل ما تسعى إليه بعض الدول المتقدمة مثل الصين وروسيا وكوريا الجنوبية، وبعض الدول الأوروبية لبناء منظومة تكنولوجية وطنية “مستقلة وقابلة للتحكم” من قبلها.
- مصدر بيانات فريد وحيوي: توفّر سحابة البيانات الفضائية مصدرًا غنيًّا وغير مسبوق للمعلومات حول كوكب الأرض. عند دمجها مع الذكاء الصناعي، تتحول هذه البيانات إلى “ذكاء عملي يمكن تداوله”، ما يمكّن العديد من الأنظمة من الانتقال من رد الفعل إلى التنبؤ والتخطيط الاستباقي. على سبيل المثال، يمكن توقع اختناقات الشحن، أو تقييم صحة المحاصيل قبل حدوث الأزمات.
- يمنح الدول ميزة اقتصادية وتنافسية: تحويل البيانات الفضائية إلى سلعة قابلة للتداول يخلق محركات نمو اقتصادي جديد، فالدول والشركات القادرة على تحليل هذه البيانات بفضل بنيتها السحابية السيادية ستتمتع بميزة تنافسية في مجالات مثل الزراعة، والطاقة، والتأمين، ومعظم الخدمات اللوجستية.
- تعزيز الأمن والقدرة الداخلية الوطنية على الصمود: تسمح البنى التحتية “المعزولة” Air-Gapped للدول بتشغيل أنظمة الذكاء الصناعي الحيوية الخاصة بها بشكل مستمر، حتى في حالات انقطاع الإنترنت، أو أثناء الأزمات الجيوسياسية، ما يضمن “القدرة على البقاء” لهذه الأنظمة الحرجة في دعم متطلبات الأمن الوطني.
- دعم القطاعات الصناعية والأمنية في الدولة: تعتمد الصناعات والخدمات شديدة الحساسية مثل الصناعات الدفاعية وخدمات الطاقة والتمويل والخدمات المالية بشكل متزايد على المنظومات السحابية مما يضمن حماية بياناتها التشغيلية وضمان سيادة اتخاذ القرارات الوطنية الاستراتيجية.
- الاستقلال في تطوير نماذج الذكاء الصناعي المستقبلية: عندما تكون البيانات المستخدمة لتدريب الذكاء الصناعي مخزنة ومعالجة ضمن بيئة سحابية سيادية، فإن ذلك يتيح حماية البيانات الحساسة من الوصول الخارجي. وتخصيص النماذج بما يتناسب مع الأولويات الوطنية والأمنية. كذلك تقليل الاعتماد على تقنيات أجنبية قد تكون خاضعة لقيود تصدير أو رقابة أو تجسسية.
- الاستخدام الأمثل للبيانات والمعلومات الفضائية: إن البيانات التي تجمعها الأقمار الصناعية (مثل الصور، الإشارات، بيانات الاستشعار المختلفة) ضخمة وحرجة وآنية. فالسيادة السحابية تتيح تحليل هذه البيانات محليًّا باستخدام الذكاء الصناعي. وتسريع اتخاذ القرار الاستراتيجية في مجالات الدفاع، الزراعة، الطوارئ، والتخطيط العمراني. ومن ثمَّ تحويل البيانات الخام إلى معرفة استراتيجية دون الحاجة لنقلها إلى خوادم أجنبية.
- تعزيز الابتكار والتنافسية العالمية: السيادة السحابية تخلق بيئة آمنة ومحفزة للابتكار، ما يسمح بـبناء منصات وطنية للذكاء الصناعي تعتمد على بيانات محلية. وتسمح بجذب استثمارات تقنية تثق في بيئة حوكمة قوية. وتطوير حلول ذكاء صناعي متخصصة في جميع المجالات الوطنية المختلفة، مثل مراقبة الأرض، التنبؤ بالكوارث.
- تعزز من التعاون الدولي: سيادة السحابة تُسهل التعاون والتواصل بين الدول والشركات في عالم الذكاء الصناعي، ما يُعزز من تبادل المعرفة والتكنولوجيا وأفضل الممارسات. بأفضل وأسهل الطرق.
ومن هنا تُشير سيادة السحابة الفضائية إلى السيطرة الوطنية الكاملة على بنى تحتية الحوسبة السحابية المبنية في الفضاء الخارجي، من خلال مصفوفة الأقمار الصناعية، أو مراكز البيانات الفضائية. يأتي هذا في سياق المنافسة العالمية على السيادة الرقمية، حيث أصبحت البيانات “مادة سيادية” للحفاظ على الأمن الوطني والابتكار والتطور المستقبلي.
ففي عصر الذكاء الصناعي، أصبحت الحوسبة السحابية أساسية في سرعة تدريب النماذج الكبيرة ومعالجة البيانات الضخمة، لكن الاعتماد على السحابات الأرضية فقط، قد يعرض الدول لمخاطر السيطرة الأجنبية. هنا تأتي السحابة الفضائية كحل استراتيجي يعزز اكتمال التفوق في الذكاء الصناعي من خلال الجوانب التالية:
- الاستدامة والكفاءة الطاقوية غير المحدودة:
- في الفضاء الخارجي، توفر الطاقة الشمسية المستمرة (دون انقطاع ليلي) طاقة رخيصة ومتجددة، مع استخدام الفراغ الكوني كـ”مبرد لا نهائي” لتبديد الحرارة عبر الأشعة تحت الحمراء. هذا يقلل التكاليف بنسبة 10 أضعاف مقارنة بمراكز البيانات الأرضية، ويوفر 10 أضعاف في انبعاثات الكربون.
- بالنسبة للذكاء الصناعي، يسمح ذلك بتشغيل نماذج معقدة مثل التعلم العميق دون قيود الطاقة الأرضية، ما يسرع التدريب ويقلل التكاليف، كما في مشروع “Starcloud” الذي يخطط لمركز بيانات مدارية بقدرة 5 جيجاوات بحلول العقد القادم.
- المعالجة في الوقت الفعلي وتقليل التأخير:
- الأقمار الصناعية تجمع بيانات هائلة (ما يقارب 10 جيجابايت/ثانية من التصوير الأرضي عبر الرادارات أو الطيف الضوئي)، ومعالجتها في المدار تقلل الوقت من ساعات إلى دقائق. هذا يعزز تطبيقات الذكاء الصناعي مثل الكشف عن الحرائق، التنبؤ بالطقس، أو مراقبة الزراعة والشحن، وكذلك يعزز مستوى الإنذار المبكر الآني للمتطلبات الدفاعية والأمنية.
- تعزيز السيادة الرقمية والأمنية:
- تضمن السحابة الفضائية بقاء البيانات داخل الحدود السيادية، مع تشفير وتحكم محلي، ما يحمي من التجسس أو الوصول غير المصرح به. هذا الجانب مهم جدًّا لقطاعات حساسة مثل الدفاع، والطاقة، والأمور المالية.
- في الاتحاد الأوروبي، دراسة ASCEND تخطط لإطلاق 13 وحدة تخزين فضائية بحلول 2036 (قدرة 10 ميغاوات)، للوصول إلى 1 جيجاوات بحلول 2050، لدعم الذكاء الصناعي الأوروبي دون الاعتماد على الولايات المتحدة أو الصين، مع التركيز على صفر انبعاثات.
- إعادة تشكيل التجارة العالمية والمنافسة:
- دمج سيادة السحابة الفضائية مع الذكاء الصناعي يحول البيانات إلى “أصول تجارية ” مربحة اقتصاديًّا، حيث يمكن للدول السيادية التنبؤ بالاضطرابات (مثل الازدحام في الشحن أو الجفاف) وتحسين السلاسل التوريدية. هذا يعطي ميزة تنافسية، كما في كيفية استخدام الأقمار لتحليل البيانات البيئية للزراعة أو اللوجستيات.
يُقصد بسيادة السحابة (Cloud Sovereignty) بشكل عام قدرة الدولة أو المؤسسة على التحكم الكامل في بياناتها وتطبيقاتها التي يتم تشغيلها وتخزينها على الحوسبة السحابية، بما يضمن الامتثال للقوانين واللوائح الوطنية، وحماية البيانات الحساسة، والحفاظ على الاستقلال الرقمي. وعندما يُدمج هذا المفهوم مع التفوق في الذكاء الصناعي، تصبح السيادة السحابية هدفًا استراتيجيًّا يهدف إلى تحقيق ما يلي:
- التحكم في مكان التشغيل: ضمان أن يتم تشغيل برامج عمل الذكاء الصناعي، خاصة الحساسة منها، في مناطق سحابية تقع ضمن الولاية القضائية الوطنية (سواء على الأرض أو في مدار فضائي خاص).
- الاستقلالية التقنية: بناء وتطوير بنى تحتية سحابية محلية ومستقلة ومُحسَّنة خصيصًا لتطبيقات عمل الذكاء الصناعي (مثل مراكز البيانات عالية الأداء ومسرّعات الذكاء الصناعي)، ما يقلل الاعتماد على مزودي الخدمات الأجنبية.
- سيادة البيانات: ضمان أن تخضع البيانات التي تُستخدم لتدريب نماذج الذكاء الصناعي وتطبيقاته لقوانين حماية البيانات الخاصة بالدولة، بما في ذلك متطلبات إقامة البيانات Data Residency والشفافية الخوارزمية.
- ضمان الأمن السيبراني: تأمين البيانات والنماذج من التهديدات السيبرانية والوصول غير المصرح به من قبل جهات أجنبية، وهو أمر بالغ الأهمية للمجالات الحكومية والدفاعية.
- تمكين البحث والتطوير المحلي: توفير بيئات سحابية قوية ومُسيطر عليها تتيح للعلماء والشركات الناشئة الوطنية الوصول إلى قوة حوسبة ضخمة، لتدريب نماذج الذكاء الصناعي المتقدمة لتطوير برامج متطورة تخدم مختلف جوانب الحياة العملية.
- المرونة والحوكمة: دمج الذكاء الصناعي في حلول السحابة السيادية لتوفير امتثال استباقي وديناميكي يواكب التطور السريع لتقنيات الذكاء الصناعي والمتطلبات التنظيمية المتغيرة.
باختصار، تُعدّ سيادة السحابة الفضائية للذكاء الصناعي وسيلة لضمان أن التفوق في الذكاء الصناعي لا يعتمد فقط على القدرة على تطوير نماذج متقدمة، بل أيضًا على امتلاك البنية التحتية الآمنة والمستقلة، والقادرة على تشغيل هذه النماذج وإدارة بياناتها وفقًا للمصالح الوطنية.
كيف يمكن للإمارات استخدام سيادة السحابة الفضائية لتعزيز أمنها الوطني؟
How the UAE can use the sovereignty of the space cloud to enhance its national security?
يمكن لدولة الإمارات استخدام سيادة السحابة الفضائية الوطنية التي تخضع للقوانين الوطنية، وتخضع لسيطرة الدولة الكاملة. لتعزيز أمنها الوطني بعدة طرق استراتيجية، خاصة في ظل التداخل المتزايد بين الفضاء الرقمي والفضاء الجوي. ورغم أن مصطلح “السحابة الفضائية” ليس مصطلحًا تقنيًّا معياريًّا، إلا أن الدول قد تدمج بين السحابة السيادية وقدرات البنية التحتية الفضائية، (مثل الأقمار الصناعية) لتعزيز سيادتها الرقمية والأمنية. وفيما يلي أبرز الطرق لتعزيز الأمن الوطني:
1. حماية البيانات الحساسة من التجسس الأجنبي
السحابة السيادية تضمن أن البيانات الوطنية. بما فيها تلك القادمة من أنظمة المراقبة الفضائية أو الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. تخضع لقوانين الدولة ولا تُعالج أو تُخزَّن خارج حدودها. هذا يحمي من التجسس الأجنبي والوصول غير المصرح به من قبل جهات خارجية.
2. الامتثال للقوانين الوطنية وتعزيز الأمن السيبراني
من خلال استخدام سحابة سيادية، تضمن الدولة أن جميع العمليات المتعلقة بمعالجة البيانات (بما في ذلك بيانات الذكاء الصناعي المستمدة من مصادر فضائية)، تتوافق مع لوائح الأمن الوطني المحلية، وتُطبَّق عليها تشفيرات أمنية قوية وضوابط صارمة للوصول.
3. الاستقلال التكنولوجي والاستراتيجي
الاعتماد على سحابة سيادية يقلل من الاعتماد على مزوّدي خدمات سحابية أجانب (مثل شركات التكنولوجيا الكبرى خارج البلاد)، ما يمنح الدولة استقلالية استراتيجية في مجالات الدفاع، البنية التحتية الحيوية، والاتصالات الفضائية وتقليل التكاليف المالية.
4. إدارة الأصول الرقمية الحيوية محليًّا
الحكومات يمكنها الشراكة مع مزوّدي خدمات سحابية محليين أو دوليين لبناء “سحابة داخلية” تحت سيطرتها الكاملة، تُستخدم لتخزين ومعالجة الأصول الرقمية الحساسة مثل بيانات الأقمار الصناعية، أنظمة الإنذار المبكر، أو شبكات الاتصالات الدفاعية أو الاستخبارات الفضائية.
5. دعم الذكاء الصناعي السيادي
من خلال معالجة البيانات الفضائية (مثل الصور من الأقمار الصناعية) داخل سحابة سيادية، يمكن للدول تدريب وتشغيل نماذج ذكاء صناعي خاضعة لرقابتها الكاملة، ما يعزز القدرات الاستخباراتية والعسكرية دون تسريب البيانات إلى خارج الحدود.
الخلاصة
رغم أن مصطلح “السحابة الفضائية” لا يزال ناشئًا وغير متداول على نطاق واسع في الأدبيات التقنية الحديثة، فإن العديد من الدول المتقدمة بدأت فعليًّا بدمج بيانات الأقمار الصناعية—سواء المدنية أو العسكرية—ضمن منظومات سحابية سيادية تُصمّم لضمان عدم معالجة أو تخزين البيانات خارج نطاق سيادتها الوطنية. ويأتي هذا التوجّه في إطار استراتيجية أكبر تُعرف بـ “السيادة الرقمية” أو “الذكاء الصناعي السيادي”، والتي تهدف إلى تمكين الدول من التحكم الكامل في بياناتها وبناها التحتية الرقمية، وحماية نماذج الذكاء الصناعي الخاصة بها من النفوذ الأجنبي، أو التدخل التقني الخارجي.
وفي هذا السياق، فإن سيادة السحابة الفضائية لا تُفهم بوصفها بيئة حوسبة موجودة فعليًّا “في الفضاء” بالمعنى الفيزيائي المباشر، بل بعدّها الركن الجوهري في منظومة أكثر شمولًا تدمج البيانات القادمة من الفضاء—مثل بيانات الأقمار الصناعية، وإشارات الاستشعار عن بُعد، ومحطات التحكم الأرضية—ضمن بنية رقمية وطنية آمنة خاضعة بالكامل للدولة. هذا التكامل بين السحابة الفضائية والسحابة الأرضية يشكّل إطارًا سياديًّا موحّدًا يعزّز الأمن الوطني عبر ثلاثة محاور أساسية:
- بسط السيطرة السيادية على البيانات.
- التحكم الكامل في البنية التحتية الرقمية.
- إطلاق منظومة ابتكار وطنية مستقلة قادرة على تطوير الذكاء الصناعي دون ارتهان للمنظومات الأجنبية أو الجهات التجارية العابرة للحدود.
وبالنظر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنها تمتلك رؤية استراتيجية طموحة وبنية تحتية رقمية متقدمة في مجال الذكاء الصناعي، ما يضعها في موقع مثالي لقيادة هذا التحول. إلا أن النجاح في دمج السحابة الفضائية بالسحابة الأرضية يتطلب التعامل مع مجموعة من التحديات الجوهرية التي ينبغي التصدي لها بشكل منهجي وسريع، ويمكن تلخيصها في الآتي:
- تطوير معايير تقنية موحدة
ضرورة وضع إطار معياري وطني شامل يضمن تكامل البنى الرقمية الأرضية والفضائية، ويحقق التشغيل البيني (Interoperability) بين أنظمة الدولة ومراكز البيانات، والأقمار الصناعية، بطريقة متناسقة ومتوافقة تقنيًّا وتشغيليًّا.
- تعزيز منظومة الأمن السيبراني المتكامل
إقامة طبقات حماية موحدة تشمل الفضاء الرقمي والفضائي معًا، وتطوير قدرات سيبرانية متقدمة قادرة على اكتشاف التهديدات، ومقاومتها، واحتوائها ضمن بيئة متعددة الطبقات تشمل الأقمار الصناعية، ومحطات التحكم الأرضية، ومراكز البيانات.
- بناء كفاءات وطنية متعددة التخصصات
الاستثمار في رأس المال البشري الوطني عبر تطوير خبرات تجمع بين علوم الفضاء، وهندسة الحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، والذكاء الصناعي، والسياسات التقنية، لضمان نقل المعرفة، وتقليل الاعتماد على الكفاءات الخارجية.
- تسريع التشريعات الرقمية والفضائية
استكمال الإطار التشريعي الذي ينظم حركة البيانات بين الفضاء والأرض، ويضمن حماية خصوصية المعلومات، ويدعم الابتكار، ويعزز مكانة دولة الإمارات شريكًا عالميًّا موثوقًا به في إدارة البيانات الفضائية والسيادية.
وبمجرد النجاح في معالجة هذه التحديات، فإن دمج السحابة الفضائية مع السحابة الأرضية لن يمثّل مجرد خطوة تقنية فحسب، بل تحولًا استراتيجيًّا شاملًا يؤسس لنموذج إماراتي رائد في مجال “السيادة الفضائية الرقمية”. ومع توافر الرؤية السياسية الواضحة والإرادة القيادية القوية، ستتمكن دولة الإمارات من بناء منظومة “ذكاء صناعي سيادي ” تُعد نموذجًا عالميًّا يُحتذى به، وتمنحها قدرة تنافسية واستراتيجية استثنائية في عالم يقوده الذكاء الصناعي وتتحكم فيه البيانات والخوارزميات.