مقدمـــة:
تحتل دولة كينيا مكانة مهمة في منظومة العلاقات السياسية والأمنية في منطقة شرق إفريقيا؛ مما جعلها محل تنافس واهتمام من القوى الدولية؛ بالنظر إلى كونها قوة اقتصادية في شرق إفريقيا، فضلًا عن تجربتها الديمقراطية المستقرة- ولو نسبيًّا- في منطقة مضطربة بطبيعة الحال.
وتشهد علاقات كينيا نماذج متعددة للشراكات؛ سواء الاقتصادية مع الصين، أو السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة. وفي الفترة الأخيرة، شهدت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي نموذجًا للشراكة السياسية والاقتصادية، خصوصًا مع تصاعد النفوذ الصيني في الداخل الكيني، وتحديدًا على الصعيد الاقتصادي، فثمّة محاولات من جانب الاتحاد الأوروبي لموازنة هذا الحضور الصيني المتصاعد؛ بهدف تعزيز مكتسباته الاستراتيجية في منطقتَي القرن الإفريقي، وشرق إفريقيا.
في الإطار ذاته، تُعدّ السوق الكينية سوقًا استثمارية واعدة تشكل خيارًا ملائمًا ومجزيًا للاستثمارات في قطاعات عديدة، منها قطاعات الزراعة والبنية التحتية والسياحة والطاقة، وغيرها من القطاعات الصناعية الأخرى ، كما أن عضوية كينيا في تجمع دول شرق إفريقيا، والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا “الكوميسا” تفتح آفاقًا استثمارية واسعة لمجتمع الأعمال، خاصة مع ما شهدته كينيا، في الفترة الأخيرة، في قطاع الاستثمار من إصلاحات هيكلية شملت تحديث القطاع المالي، وتطوير البورصة، وإنشاء هيئة الاستثمار الكينية، وهو الأمر الذي يجعل من التنافس الاقتصادي بين القوى الدولية أحد أشكال الحراك الدولي تجاه كينيا.
من هنا، تتجه السياسة الكينية إلى تبنّي موقف موازن بين القوتين الدوليتَين لتعظيم استفادتها ومكتسباتها الاستراتيجية جراء التعاون المشترك معهما، في ظل محاولة تفعيل شراكة شاملة مع الأطراف الدولية كافة لتعزيز التنمية الاقتصادية في كينيا، بما في ذلك توسيع قاعدة المشروعات الاستثمارية الأجنبية في البلاد.
تناقش هذه الدراسة أفق الشراكة الاستراتيجية بين كينيا وكلٍّ من الصين والاتحاد الأوروبي، وبحث إمكانية استبدال الشراكة القوية مع الطرف الصيني بالنموذج الأوروبي، أو القدرة على المواءمة والتوازن مع كليهما، مع إبراز مجالات التنافس الراهنة بين القطبين الدوليين.
أولًا- كينيا والصين.. شراكة استراتيجية ممتدة
تنهض العلاقات الكينية-الصينية على مرتكزات أساسية عدة، من أبرزها عدم التدخل في الشأن الداخلي، والدعم الثابت بين البلدين بشأن الحفاظ على السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية، وتعزيز مسارات التنمية للطرفين، والدعم المتبادل بينهما في المحافل الدولية.
1- العلاقات السياسية
تتسم العلاقات الكينية-الصينية بالتطور الدائم منذ تأسيسها قبل ستة عقود، عززه تدشين شراكة بين البلدين في عام 2013 على خلفية إطلاق “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، لتشهد العلاقات الثنائية نقلة نوعية في عام 2017 بعد قيام الرئيس الصيني شي جي بينغ، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، بترقيتها إلى شراكة استراتيجية شاملة. وأكد الرئيس الكيني الحالي، ويليام روتو، أهمية هذه الشراكة خلال مشاركته في أعمال منتدى الحزام والطريق الثالث، الذي احتضنته بكين في أكتوبر 2023[1]؛ ما يعكس أهمية نيروبي الاستراتيجية لدى السياسة الصينية تجاه إفريقيا، وشرق إفريقيا على وجه التحديد.
وثمة توجه إيجابي لدى النخبة السياسية الكينية على مدى العقد الماضي تجاه الصين وأهدافها الاستراتيجية على الساحة الإفريقية بشكل عام، خاصة أنها لا تضع شروطًا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في تعاونها مع الأفارقة، ولا تتدخل في الشأن الداخلي للدول الإفريقية، على عكس السياسات الغربية التي ترهن مساعداتها الإنمائية بشروط سياسية واقتصادية أدّت إلى تحفّظ الأفارقة على المساعدات الغربية.
ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أفروباروميتر” في عام 2022، بشأن رأي الكينيين حول ما إذا كان للصين، أو الولايات المتحدة أو اليابان، تأثيرات اقتصادية وسياسية إيجابية، أو سلبية، على البلاد. فقد شعر نحو 54% من العينة بأن بكين ذات تأثير إيجابي سياسيًّا واقتصاديًّا، وجاءت في المرتبة الثانية بعد واشنطن التي حصلت على 57% من إجمالي العينة[2]، وهو ما يعكس القبول الكيني للحضور الصيني في الداخل الكيني.
ويدرك الرئيس “روتو” أهمية تعزيز العلاقات مع الصين، التي لا يمكن تجاهلها في ضوء نفوذها السياسي والاقتصادي الضخم على مستوى العالم، ولاسيّما أنها من الشركاء التجاريين الرئيسيين لكينيا في إفريقيا، ومصدر رئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية هناك حوالي 2.26 مليار دولار، وهو من أعلى المعدلات في القارة خلال السنوات الأخيرة[3]. وأكد “روتو” في يوليو 2023، أن العلاقات الثنائية بين البلدين تتطور بشكل سريع منذ إقامتها في ستينيات القرن الماضي، وأن بلاده ملتزمة بتعميق الشراكة الاستراتيجية مع بكين في مجالات التعاون المختلفة، مثل البنية التحتية والطاقة وغيرهما، ولاسيّما أن هناك تكاملًا مؤثرًا بين رؤية كينيا 2030 و”مبادرة الحزام والطريق” التي تم إطلاقها في سبتمبر 2013[4].
ويعزز هذا الطرح ما قام به الرئيس “روتو” خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس في الفترة من 2013 إلى 2017 بالمساهمة في تحول إدارة الرئيس السابق، أوهورو كينياتا، نحو بكين، من أجل الاتفاق على قروض لتمويل تدشين مشروع خط السكك الحديدية في البلاد، البالغ تكلفته حوالي 5.3 مليار دولار[5]، وذلك على عكس توجّهه خلال حملته الانتخابية، الذي اتسم بالعدائية تجاه بكين، ولاسيّما مع ارتفاع تكلفة خدمة الديون المستحقة على بلاده لمصلحتها، وبات يُنظر إليه على أنه منفتح على الاستثمارات الغربية، إلا أنه قد اتخذ خطوات إيجابية لتعزيز العلاقات الكينية مع الصين عقِب توليه المنصب، في ظل الاستفادة الكينية من القروض والمشروعات الصينية. وعزز هذا التوجه زيارته لبكين، لأول مرة، بعد توليه المنصب في أكتوبر 2023؛ للمشاركة في منتدى الحزام والطريق الثالث، ولقائه نظيره الصيني، حيث اتفقا على مزيد من التعاون الثنائي[6].
2- العلاقات الاقتصاديـة
تسعى كينيا إلى تعميق التعاون مع الصين في مجالات: التجارة والاستثمار والزراعة والرعاية الصحية والبنية التحتية وتغير المناخ من بين مجالات أخرى؛ لتعزيز مواصلة تنمية الشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة الكينية-الصينية. كما إن كينيا مستعدّة للتكاتف مع الصين للحفاظ على السلام والأمن الإقليميين، وتعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون المتعدّدة الأطراف، وكذلك البناء المشترك لعالم أفضل.
أ- مبادرة الحزام والطريق.. وتعزيز التعاون الاقتصادي:
عززت مبادرة الحزام والطريق العلاقات بين الصين وكينيا من خلال تحفيز التنمية، كون كينيا هي إحدى الدول الإفريقية التي نفّذت بنجاح برامج مبادرة الحزام والطريق بدعم من الحكومة الصينية. فهناك علاقة ازدهرت على مدار الـ 60 عامًا الماضية، حيث يوجد خط السكة الحديد القياسي، الذي يبلغ طوله حوالي 600 كيلومتر، وبرامج البنية التحتية للطرق التي شهدت ما يقرب من 2000 كيلومتر[7].
كما قامت الحكومة الكينية بمواءمة برنامجها التنموي “رؤية 2030” مع برامج شركاء التنمية مثل الصين؛ الأمر الذي مكّن البلاد من دمج مبادرات مثل: مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية[8].
ب- أبرز مجالات التعاون الاقتصادي:
قطاع الطاقة الجديدة: تهدف كينيا إلى تحقيق هدف التحول إلى الطاقة النظيفة بنسبة 100 % بحلول عام 2030. ووفقًا لإحصاءات هيئة تنظيم الطاقة والبترول المملوكة للدولة، فإن كينيا لديها ما يقدّر بنحو 18 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية، تليها الطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح بنحو 10 آلاف و4600 ميغاواط على الترتيب. وأصبحت كينيا أقرب إلى تحقيق أهداف التحول إلى الطاقة النظيفة من خلال محطة جاريسا للطاقة الشمسية بقدرة 55 ميغاواط، ومحطة ميننغاي للطاقة الحرارية الأرضية، حيث تقوم شركات صينية بتمويل وبناء هاتين المحطتين.
فرص الاستثمارات: تتعدد فرص الاستثمار المتاحة أمام القطاع الخاص الصيني في كينيا في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي، ونظام النقل البيئي والصناعات التحويلية والتصنيع. وتعدّ كينيا أكبر شريك تجاري للصين في شرق إفريقيا، بينما تعدّ الصين أكبر شريك تجاري لكينيا وأكبر مصدَر لوارداتها. وأظهرت البيانات الرسمية الصينية أنه في عام 2022 وصل حجم التجارة بين البلدين إلى 8.52 مليار دولار، بزيادة 22.9 % على أساس سنوي[9].
البنية التحتية: تموّل الصين بناء منفَذ جديد في أكبر ميناء في شرق إفريقيا، وهو مومباسا، وكانت الصين قد افتتحت منذ 6 أعوام خط سكة حديد مومباسا-نيروبي الذي يربط العاصمة الكينية نيروبي بأكبر ميناء في شرق إفريقيا؛ ميناء مومباسا، ويبلغ طوله 480 كيلومترًا تقريبًا. وأُنشئ تحت إشراف شركة الطرق والجسور الصينية وفقًا للمعايير الصينية، ويعدّ هذا هو الخط الأول الذي تم بناؤه منذ استقلال كينيا [10].
وتشير البيانات إلى أن هذا الممر “ممرًا ذهبيًّا”، حيث نقل 7.945 مليون مسافر و1.817 مليون حاوية و20.293 مليون طنّ من البضائع حتى الـ 30 من يونيو 2022، ويعمل الخط بقدرة 6 قطارات للركاب يوميًّا بمعدل إشغال متوسط يزيد على 90%.، كما يحتوي ميناء مومباسا على 17 خطًّا للشحن الدولي، ولديه معاملات تجارية مع نحو 80 ميناءً حول العالم.
التحول الرقمي: سعت كينيا، في السنوات الأخيرة، إلى اتباع النموذج الصيني للتحول الرقمي الذي تقوده الدولة، ودخلت في شراكة مع الشركات الصينية لتمويل وتوريد البنى التحتية، مثل الكابلات البحرية والسحابات وشبكات الجيل الخامس.
ت- أزمة “فخ الديون”:
تعدّ الصين حاليًّا ثاني أكبر دائني كينيا بعد البنك الدولي؛ حيث تشكل القروض الصينية نسبة 67% من ديون كينيا، ووصل إجمالي ديونها إلى 82 مليار دولار؛ أي نحو ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي. ومع تزايد أقساط ديونها، تقلّ الأموال المتبقية لأغراض أخرى، كالرعاية الصحية والأمن. وما إن تولى الرئيس وليام روتو السلطة حتى كشف عن ثلاثة أجزاء من القرض الصيني، وكانت أعلى محكمة في كينيا قد قضت ببطلان هذا القرض بسبب إبرامه من دون إجراء مناقصة تنافسية. وتنصّ وثائق القرض على الالتزام بسرية الشروط المتفق عليها. وطلبت حكومة كينيا من مقرضيها الصينيين تمديد فترة السداد 30 سنة أخرى لتسوية القرض الذي بلغ 5 مليارات دولار، مع إضافة 1.4 مليار دولار لإنشاء مستودع الحاويات الداخلي في نيفاشا[11].
كما أقرضت الصين كينيا 5 مليارات دولار لإنجاز مشروع البنية التحتية الأعلى تكلفة في البلاد منذ استقلالها في عام 1963 وهو خط القطار الرابط منذ العام 2017 بين مدينة مومباسا الساحلية ومدينة نيفاشا في وادي “ريفت”، عبر العاصمة نيروبي.
التعامل الحكومي مع أزمـة ” فخّ الديون”:
بلغت القروض الخاصة بمشروع SGR للسكك الحديدية نحو 4.7 مليار دولار حصلت عليها كينيا من مصرف EXIM الصيني، وهي ليست قروض البنية التحتية الوحيدة في كينيا من الصين، فقد حصلت على 9.8 مليارات دولار على الأقل بين عامي 2006 و2017، مما يجعل كينيا ثالث أكبر متلقٍّ للقروض الصينية في إفريقيا. ومع عجز مشروع خط السكك الحديدية عن تحقيق الأرباح، ثمّة تحوّف كبير لدى الكينيين من عجز الدولة عن تسديد القروض. وبالفعل تشعر كينيا بأزمة فخ الديون التي سببتها الصين.
وقد أثيرت مخاوف كثيرة حول فقدان كينيا لملكيّة ميناء مومباسا في حال عجزها عن سداد القرض الصيني، وطالب ناشطون في كينيا الحكومة بإعلان شروط القروض الصينية المستخدمة في إقامة خط السكك الحديدية. فيما أوضح وزير الخزانة أوكور ياتاني، في بيان، أنه “لا يوجد أي خطر على الإطلاق من الصين أو أي بلد آخر في الاستيلاء على ميناء مومباسا”، وأن الحكومة “لا يمكنها، ولم تقم مطلقًا، برهن الأصول العامة ضمانًا لدين ما، لأن مثل هذا الإجراء لن ينتهك فقط الشروط الموضحة في القرض الحالي الخاص بالاتفاقات الثنائية المبرمة مع الدائنين الآخرين، ولكن الأهم من ذلك، لأن كينيا تعامل جميع دائنيها على قدم المساواة”.
ويزداد التخوّف من العجز عن دفع القروض وسط عجز المشروع عن تحقيق الأرباح وارتفاع تكلفة تشغيله. فقد أعرب أصحاب البضائع، والمستوردون والمشرعون، عن مخاوفهم بشأن التكاليف والتعرفات الإضافية، إضافة إلى رسوم الشحن، بما في ذلك رسوم نقل الحاويات في مستودع الحاويات الداخلية، وتكاليف التخزين ومعدلات النقل إلى الوجهة النهائية، كما أوصَوا بأن تعيد الحكومة التفاوض بشأن اتفاقية تشغيل السكك الحديدية، من خلال التخطيط لخفض تكاليف التشغيل بنسبة لا تقل عن 50%، وقد اضطر مشغّلوها إلى إيقاف خدمة الركاب لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا؛ بسبب المخاوف من الانتشار المحتمل للوباء.
3- العلاقات الأمنية
في ظل تنامي العلاقات الاقتصادية الصينية-الكينية؛ اتسعت تصورات بكين لمصالحها الأمنية في المنطقة، بدءًا من مساعيها لتأمين سلامتها البحرية من عمليات القرصنة على طول الممرات البحرية الرئيسية التي تربط شرق إفريقيا بالموانئ الصينية.
ويثير توسع المشروعات في كينيا المخاوف الأمنية لدى بكين من تنامي مشاعر الإحباط لدى السكان المحليين بسبب سوء الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات البطالة لدى قطاع كبير من الشباب. فقد شهد مشروع بناء السكك الحديدية الكينية العديد من المشكلات الأمنية، بما في ذلك الهجمات من قِبل السكان المحليين والتهديدات الإرهابية؛ وهو ما دفع بكين لإنشاء أجهزة أمنية لحماية مصالحها الحيوية ومشروعاتها في نيروبي، حيث احتضنت تدريبًا تقنيًّا لفرقة من القوات الخاصة الشرطية الكينية في مجال أمن وإدارة الهياكل الأساسية، بما يعزز قدرات الجهاز الأمني الكيني.
علاوة على ما سبق، شهد التعاون الأمني بين الجانبين المجالات الآتية:
· قيام شركة الجسور والطرق الصينية بشراء خدمات شركة الأمن الخاصة Dewe التي وضعت خطة أمنية شاملة لمشروع خط السكك الحديدية الكينية.
· استعانت بكين بنحو 1500 عنصر من الشرطة الكينية، بناء على اتفاق مع الحكومة الكينية. ومع ذلك، أثار اهتمام الصين المتزايد بالأمن في كينيا ردود فعل غربية، حيث زعمت واشنطن أن الصين تخطط لإقامة قاعدة عسكرية في كينيا مماثلة لتلك المتمركزة في جيبوتي، برغم نفي بكين هذه الادعاءات الأمريكية[12].
· سعي نيروبي إلى تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات الأمنية المشتركة وإدارة الأمن، إضافة إلى الحصول على المساعدة الفنية والتدريب وبناء القدرات لعناصر حماية الحدود ووكالات إنفاذ القانون، بما في ذلك خفر السواحل الكينية؛ لتعزيز الأمن الحدودي البحري، وتعزيز قدراتها الأمنية على مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية.
· تطلع نيروبي إلى الدخول في مزيد من الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع الصين[13].
ثانيًا- تطور العلاقات بين كينيا والاتحاد الأوروبي
1- العلاقات السياسية
تمثل كينيا شريكًا رئيسيًّا للاتحاد الأوروبي في شرق إفريقيا في السياقين السياسي والاقتصادي، خاصة أن القوى الأوروبية تنظر إلى نيروبي على أنها واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في القارة، مع دور سياسي متنامٍ في المنطقة، وعلى الصعيد الدولي أيضًا. كما أنها واحدة من أبرز الشركاء الرئيسيين للاتحاد الأوروبي في إفريقيا جنوب الصحراء، فيما يتعلق بدعم الاستقرار الديمقراطي، والسِّلم والأمن الإقليميين في المنطقة.
وجاء انطلاق الحوار الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي ونيروبي في يونيو 2021 ليمثل تطورًا مهمًّا باعتباره عنصرًا حاسمًا في العلاقات الثنائية بين الطرفين، ويعكس بشكل جليّ إدراك القوى الأوروبية للأهمية السياسية والاقتصادية لكينيا في شرق إفريقيا، ولاسيّما أنها تعدّ واحدة من أهم الشركاء التجاريين لأوروبا في إفريقيا[14]؛ إذ يعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر وجهة تصديرية بالنسبة لكينيا بأكثر من 20% من إجمالي الصادرات الكينية إلى العالم، وفقًا لوثيقة المفوضية الأوروبية لعام 2021، وقد بلغت قيمة المنتجات التي صدّرتها كينيا إلى الأسواق الأوروبية نحو 1.3 مليار دولار في عام 2022[15].
كما سعى الرئيس الكيني ويليام روتو، منذ انتخابه في أغسطس 2022، إلى تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، ووضع حكومته كواحدة من الحلفاء الرئيسيين له في إفريقيا جنوب الصحراء[16]. إذ يتبنى سياسة خارجية تهدف إلى تحسين العلاقات مع الغرب، في إشارة إلى تنويع تحالفاته على المستوى الدولي، ودعا “روتو” في كلمة له ألقاها أمام البرلمان الكيني في نوفمبر 2022، إلى علاقة متبادلة ومتوازنة مع الاتحاد الأوروبي، ولاسيّما أن هناك توافقًا بين الطرفين حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية على الساحة العالمية، والتي تعكس التقارب الواضح بينهما، بما في ذلك السِّلم والأمن الدوليين، وتغير المناخ، وغيرهما[17].
في المقابل، بات الاتحاد الأوروبي ينظر إلى كينيا كشريك استراتيجيّ وليس باعتبارها متلقٍّ للمساعدات الإنمائية من الدول الأوروبية، وهو ما أكده جوزيب بوريل، مسؤول الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، خلال زيارته إلى نيروبي في عام 2022[18].
2- العلاقات الاقتصاديـة
أ- اتفاقية الشراكة الاقتصادية:
وقّعت كينيا والاتحاد الأوروبي، في ديسمبر 2023، اتفاقية شراكة اقتصادية تم التفاوض عليها منذ فترة طويلة، ويضمن هذا الاتفاق وصول المنتجات الكينية إلى السوق الأوروبية معفاة من الرسوم الجمركية ومن الحصص وتخفيضات جمركية على المنتجات الأوروبية المتجهة إلى الدولة الواقعة في شرق إفريقيا، وتشمل الاتفاقيات تعهدًا بقيمة 200 مليون دولار من بنك الاستثمار الأوروبي لمساعدة بنك التجارة والتنمية، الذي تديره دول إفريقية عدة، ودعم الشركات في شرق وجنوب إفريقيا المتضررة من الحرب في أوكرانيا. وتعدّ الاتفاقيات الجديدة جزءًا من مبادرة (Global Gateway) للاتحاد الأوروبي، والتي تسعى إلى حشد ما يصل إلى 340 مليار دولار لدعم مشاريع بنى تحتية عامة وخاصة، في أنحاء العالم بحلول 2027[19].
ب- المبادلات التجارية:
يُعدّ الاتحاد الأوروبي، حاليًّا، أكبر وجهة تصدير للمنتجات الكينية، حيث يشكّل الاتحاد الأوروبي وجهةً لأكثر من 20% من صادرات كينيا، خصوصًا الزهور التي تتجه 70% منها إلى أوروبا، كما تشمل قائمة الصادرات الكينية منتجات زراعية مثل الفواكه والخضار، إلى جانب الشاي والقهوة. وكان إجمالي التبادلات التجارية بين كينيا والاتحاد الأوروبي بلغ 3,3 مليارات يورو سنة 2022، محقّقًا ارتفاعًا بنسبة 27% منذ عام 2018.
وفي عام 2014، أنهى الاتحاد الأوروبي ومجموعة شرق إفريقيا آنذاك ” كينيا ورواندا وأوغندا وبوروندي وتنزانيا “، المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية، لكن نيروبي هي الوحيدة التي صادقتها.
3- العلاقات الأمنية
في إطار المساعي الأوروبية لتعزيز العلاقات مع كينيا، لموازنة النفوذ الصيني المتصاعد في البلاد وفي المنطقة، يدعم الاتحاد الأوروبي الجهود الكينية لتحسين الأمن؛ من خلال دعم برامج مكافحة الإرهاب والتطرف، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويدير الاتحاد الأوروبي عددًا من البعثات الأمنية في شرق إفريقيا؛ بهدف تعزيز الحالة الأمنية هناك، بما في ذلك حماية المصالح الكينية الأمنية في المنطقة. ومن أبرز البعثات تلك الخاصة بتحسين القدرة الأمنية البحرية الإقليمية، بما في ذلك مكافحة القرصنة والحوكمة البحرية، ومواجهة عمليات القرصنة والسطو المسلح البحري قبالة السواحل الصومالية[20].
كما أعلنت كينيا عن تطلّعها للتعاون وإقامة شراكة مع كلٍّ من الاتحاد الأوروبي والصين لتعزيز أجندة التحول الرقمي الحكومي؛ لضمان سلامة بيانات المواطنين الكينيين[21].
ثالثًا – موقع كينيا في الاستراتيجيتَين الصينية والأوروبيـة
1- الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية
تُعدّ كينيا بمنزلة ساحة دبلوماسية للمنافسة بين الصين والغرب خلال الفترة الأخيرة، في ظل مساعي كلّ طرف لتعزيز نفوذه في البلاد، بما يعزز مكتسباته الاستراتيجية ومصالحه الحيوية في المنطقة ككل على حساب الطرف الآخر. وتدرك كينيا هذا الأمر جيّدًا؛ لذلك تقوم سياستها على عدم الانحياز الجيوسياسي لأي من الطرفين، لكنها، وللضرورة الاقتصادية، تحتاج إلى كلا الطرفين لتمويل مشروعاتها. ويدلّل على ذلك تصريحات الرئيس الكيني “روتو”، ذات الصلة بأن بلاده منفتحة على الجميع، ولا تقصُر نفسها على طرف واحد، وذلك في إشارة إلى تطلّع كينيا لتنويع تحالفاتها الدولية من أجل الاستفادة من المساعدات الإنمائية الدولية في تعزيز اقتصادها ومشروعاتها القومية.
كما تحظى كينيا بأهمية استراتيجية في سياسات كلّ من الصين والاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، وذلك في ضوء تمتّعها بموقع جغرافي استراتيجي في شرق إفريقيا، الذي يطلّ مباشرة على المحيط الهندي من خلال ميناء مومباسا الحيوي، بما يدفع الطرفان إلى اعتبارها لاعبًا رئيسيًّا للربط الإقليمي في شرق إفريقيا. وتدرك بكين والاتحاد الأوروبي تطلّعات نيروبي لتعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد، من خلال توسيع دائرة تحالفاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة.
2- مجالات التنافس الصيني-الأوروبي في كينيا:
السوق الكينية سوق استثمارية واعدة تشكل خيارًا ملائمًا ومجزيًا للاستثمارات في قطاعات عديدة، منها قطاعات الزراعة والبنية التحتية والسياحة والطاقة، وغيرها من القطاعات الصناعية الأخرى ، كما أن عضوية كينيا في تجمّع دول شرق إفريقيا، والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (كوميسا) يفتح آفاقًا استثمارية واسعة لمجتمع الأعمال، خاصّة مع ما شهدته كينيا، في الفترة الأخيرة، في قطاع الاستثمار من إصلاحات هيكلية شملت تحديث القطاع المالي، وتطوير البورصة، وإنشاء هيئة الاستثمار الكينية لمساعدة المستثمرين في مسائل تراخيص العمل، والاستحواذ على الأراضي، وتأسيس المكاتب والمصانع؛ الأمر الذي جعل مجلة “فوربس” – قبل فترة وجيزة – تضع كينيا في المرتبة السابعة كأفضل وجهات الاستثمار العالمية. وفيما يأتي أبرز القطاعات التي يمكن أن تشكّل مجالًا للتنافس الصيني-الأوروبي في كينيا:
التكنولوجيا: تقوم سياسات الحكومة في كينيا على الاهتمام بقطاع التكنولوجيا ودعمه، حيث يصل حجم السوق الخاص بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 500 مليون دولار. وتهدف الخطط الحكومية بهذا القطاع إلى دعم القدرة التنافسية لكينيا، عن طريق الاستفادة ممّا لديها من موارد.
الزراعة: يعتمد الناتج المحلّي في كينيا بصورة كبيرة على هذا القطاع، حيث يشكل نحو 26% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، ويشكل أيضًا 65% من الصادرات، في حين أنه يوفر أكثر من 70% من الوظائف بالقطاع غير الرسمي في كينيا.
البنية التحتية: تبدو فرص الاستثمار بمشروعات البنية التحتية في كينيا كثيرة، حيث تحرص الحكومة، خلال الوقت الحالي، على استثمارات ضخمة في هذا القطاع، وذلك بعد أن قامت بتحديد المواقع التي ترغب في الاستثمار فيها، والتي من أهمها إعادة تطوير الممر الشمالي، إلى جانب تأسيس خط سكة حديد حول مدينة نيروبي، إضافة إلى سعيها لإنشاء خط سكة حديد جديد يربط كينيا بأوغندا، بدلًا من الخط الحالي.
السياحة: يُعدّ هذا القطاع من أهم الفرص الاستثمارية في كينيا، التي تعتبر من أهم الوجهات السياحية المنظمة لرحلات السفاري. إضافة إلى ذلك، فإن هذا القطاع يحتلّ المرتبة الثالثة بالنسبة لأكبر القطاعات المساهمة في الناتج المحلي للبلاد؛ الأمر الذي دفع الحكومة إلى أن تحرص على تخصيص مناطق جديدة يمكن الاستثمار فيها من خلال بعض المشروعات، مثل القرى السياحية، والفنادق العالمية.
التصنيع: يلعب هذا القطاع دورًا محوريًّا في تعزيز نمو الناتج المحلي لكينيا، وتسعى حكومة البلاد خلال الفترة الحالية إلى زيادة حصتها التصديرية؛ إذ تهدف كينيا إلى رفع معدّل منتجاتها داخل السوق الإقليمية من نسبة 7% إلى نحو 15%، وتتمثل الفرص الاستثمارية في قطاع التصنيع الكيني في تصنيع الملابس والآلات، إلى جانب المنتجات الهندسية والأسمدة، وغيرها.
3- نماذج من الحراكَين الصيني والأوروبي تجاه كينيا
مع المساعي الصينية والأوروبية لتوطيد نفوذهما وحضورهما في كينيا، باعتبارها بوابة مهمة واستراتيجية لشرق إفريقيا والعمق الإفريقي، ثمّة ملامح تنافس متصاعد بين الطرفين بهدف تعزيز الحضور هناك؛ في ظل مسارعة الطرفين نحو الوصول إلى الموارد والثروات التي تحظى بها كينيا، وذلك عبر إقامة المزيد من الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية مع نيروبي، بما في ذلك إقامة مجمعات صناعية وبنية تحتية متطورة في قطاعات عدة بالبلاد[22].
وفي سبيل ذلك، تحاول بكين والاتحاد الأوروبي الاستحواذ على عدد من القطاعات الحيوية في الداخل الكيني من أجل تعزيز النفوذ الدولي هناك، حيث يتمثّل أبرزها في قطاع البنية التحتية، ولاسيّما أن نيروبي تسعى لأن تصبح مركزًا إقليميًّا للموانئ الإقليمية في شرق إفريقيا، إذ تموّل بكين تنفيذ عدد من المشروعات مثل منطقة “لامو” الاقتصادية، إلى جانب تمويلها مشروع “لابسيت” الذي يربط بين ميناء “لامو” الكيني وكل من جنوب السودان وإثيوبيا[23]. كما أقرضت الحكومة الكينية حوالي 5 مليارات دولار لبناء خط السكك الحديد الرابط بين العاصمة نيروبي ومومباسا البحرية. بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى ربط كينيا بمشروعات الممر الشمالي؛ من أجل موازنة مبادرة الحزام والطريق الصينية[24].
ويسعى الطرفان إلى تعزيز نفوذهما الاقتصادي في البلاد، ولاسيّما أن الصين والاتحاد الأوروبي يُعدّان أكبر شريكين تجاريين مع كينيا على الترتيب، وذلك من خلال ضخّ المزيد من المشروعات الاستثمارية، وانخراط المزيد من الشركات الصينية والأوروبية، بما يدفع الجانبان إلى تطوير الشراكة الاستراتيجية مع نيروبي في القطاع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك مجالات الطاقة المتجدّدة، والطاقة الحرارية الأرضية، والطارقة الخضراء، وتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، والطيران، والمياه[25].
4- ملامح التوجه الكيني تجاه كلٍّ من الصين والاتحاد الأوروبي
تدفع السياسة الكينية، على مدار السنوات الماضية، نحو الانفتاح على المشاركة البنّاءة مع المجتمع الدولي، وهو أمر يتعلق بمساعي نيروبي إلى تحقيق التوازن بين مصالحها الحيوية بين جميع الأطراف الدولية الفاعلة في البلاد من أجل تعزيز مكاسبها الاستراتيجية. وتتبنى إدارة الرئيس ويليام روتو هذا التوجه منذ الصعود إلى السلطة في أغسطس 2022، في إطار الحرص على معالجة جملة التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الكيني خلال الفترة الأخيرة[26]، بما يجعلها بحاجة إلى مزيد من الأصدقاء، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي.
ومن هنا، تنظر كينيا إلى كلٍّ من الصين والاتحاد الأوروبي باعتبارهما سوقًا رئيسية للمنتجات الكينية؛ بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، وخلق مزيد من فرص العمل في الاقتصاد الكيني. كما أنها تنظر إلى الصين على أنها مصدر رئيسي لتطوير البنية التحتية في البلاد، ولاسيّما مشروعات تطوير ميناءَي مومباسا ولامو، وتمويل بعض المشروعات القومية الأخرى مثل خط السكك الحديدية نيروبي-مومباسا، الذي تعتبره الحكومة الكينية مشروعًا مهمًّا لبرنامج التنمية الوطنية وطموحات البلاد بشأن التصنيع وتعزيز التنمية خلال السنوات المقبلة. كما تؤدي بكين دورًا محوريًّا في التحول الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في البلاد، وتهدف نيروبي بذلك إلى تفعيل وتوسيع أنماط الشراكة ذات المنفعة المتبادلة مع بكين؛ باعتبارها العامل الحاسم وراء التوجه الكيني نحوها[27].
وترى كينيا في الصين حليفًا على المدى الطويل؛ كونهما يستفيدان من بعضهما بعضًا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وفي الوقت ذاته، تنظر كينيا إلى الاتحاد الأوروبي بمثابة فرصة تستطيع من خلالها دعم التنمية المستدامة، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحسين التنمية الاقتصادية في البلاد، وذلك من خلال السوق الأوروبية التي تمثل أهمية للمنتجات الكينية، وبوابة مهمة لتحفيز الاستثمارات الأوروبية في الداخل الكيني، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي هو أول وجهة تصدير لكينيا، وثاني أكبر شريك تجاري للبلاد. ومن ثم، تحاول نيروبي موازنة علاقاتها بين بكين والاتحاد الأوروبي من أجل تعظيم مكتسباتها الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة[28].
وبالرغم من التزام كينيا تجاه التطلعات الصينية بشأن خلق عالم مترابط من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها بكين في سبتمبر 2013، وتعتمد بشكل أساسي على ميناء مومباسا- لطالما أن نيروبي سوف تستفيد من مشروعات المبادرة في قطاع البنية التحتية بالأساس، وارتباط ذلك بضخ المزيد من الاستثمارات الصينية وتقديم بعض القروض للجانب الكيني من أجل تمويل بعض المشروعات الكينية مثل خطوط السكك الحديدية- فإنها في الوقت ذاته تتطلع للانفتاح على مشروعات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالممر الشمالي الذي يبدو منافسًا محتملًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ ما يعزز الرؤية الكينية الساعية إلى تطوير التعاون مع الجانبين في مجالات البنية التحتية، بما في ذلك السكك الحديدية، والطرق السريعة، وغيرها من القطاعات المهمة بالنسبة للدولة الكينية.
من هنا، تتجه السياسة الكينية إلى تبنّي موقف موازن بين القوتين الدوليتين لتعظيم استفادتها ومكتسباتها الاستراتيجية جراء التعاون المشترك معهما، في ظل محاولة تفعيل شراكة شاملة مع الأطراف الدولية كافة لتعزيز التنمية الاقتصادية في كينيا، بما في ذلك توسيع قاعدة المشروعات الاستثمارية الأجنبية في البلاد، وتطوير البنية التحتية هناك؛ بما يجعل الاقتصاد الكيني جاذبًا للعديد من الشركات الدولية، والمستثمرين الأجانب.
وإن كانت المعطيات السابقة في الدراسة تشير إلى أن كينيا تميل بشكل نسبي إلى الصين؛ نظرًا لضخامة الاستثمارات الكينية في كينيا والمنطقة، وارتباطها بمبادرة الحزام والطريق، إضافة إلى الاعتماد الكيني بشكل أساسي على القروض الصينية في استكمال بناء المشروعات الكينية -آخرها القرض الصيني لكينيا في ديسمبر 2023 بقيمة 900 مليون دولار- إلى جانب عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على مجاراة النفوذ الاقتصادي الصيني الضخم في شرق إفريقيا، ولاسيّما أن مشروعاته لا تزال قيد التنفيذ في المنطقة، إلا أن الملمح العام للسياسة الكينية هو خلق التوازن في العلاقات مع الطرفين.
رابعًا- السيناريوهات المستقبلية لشراكة كينيا مع الصين والاتحاد الأوروبي
ترتيبًا على ما تقدّم بشأن المنافسة الصينية-الأوروبية في كينيا، وأهميتها الجيواستراتيجية، والمجالات المتعدّدة للتنافس السياسي والاقتصادي بين الطرفين، يمكن توقع السيناريوهات المستقبلية الآتية لعلاقات الشراكة بين كلٍّ من كينيا والصين والاتحاد الأوروبي على النحو الآتي:
سيناريو تخفيض الشراكة مع الصين
محفزات السيناريو:
– استمرار أزمة فخّ الديون، وتعرُّض الرئيس “روتو” لضغوطات من قِبل المعارضة الكينية في فترة حكمه الأولى.
– الضغوطات الأمريكية والأوروبية لتقليص مجالات الشراكة الاستراتيجية مع الصين.
معوقات السيناريو:
– تبنّي الرئيس “روتو” نهجًا انفتاحيًّا تجاه الصين لموازنة العلاقات مع الغرب.
– تعدّد أفق ومجالات التعاون الصيني-الكيني، وزخم العلاقات الاقتصادية برغم أزمة الديون؛ “تقديم قرض صيني بقيمة 5 مليارات دولار لإنجاز مشروع للبنية التحتية”، وقرض آخر بمليار دولار للبنية التحتية.
سيناريو تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي على حساب الصين
محفزات السيناريو:
– الانفتاح الأوروبي على منطقة شرق إفريقيا، وتعيين مبعوث خاص لمنطقة القرن الإفريقي.
– الدعم الأمريكي للشراكة الأوروبية-الكينية.
– ضغوطات الرأي العام وأحزاب المعارضة الكينية بشأن الديون الصينية.
– الرؤية الكينية لتكثيف التعاون الأمني مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجمات الإرهابية لحركة الشباب؛ مما قد يؤثر على قطاع السياحة، الذي يعدّ أحد القطاعات الرئيسية في الدولة.
معوقات السيناريو:
– الضغوطات الصينية، والتلويح بورقة الديون.
– تفاقم أزمات الاقتصاد الكيني: المديونية، والدخول في مرحلة ركود الاقتصاد، بسبب تفشي الفساد، وارتفاع معدلات البطالة، وضغوطات التضخم؛ إضافة إلى انخفاض قيمة عملتها.
– تفضيل كينيا النهج الصيني للمساعدات الإنمائية دون شروط سياسية، وقضايا حقوق الإنسان.
سيناريو التوازن في التحالفات “السيناريو المرجح”
من المرجح سعي السياسة الكينية إلى خلق التوازن في تحالفاتها مع الطرفين الصيني والأوروبي؛ أي الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع كلا الطرفين، والاستفادة النسبية من كل طرف دون “استفزاز للطرف الآخر”.
محفزات السيناريو:
– الحفاظ على التوازن في العلاقات مع الطرفين الصيني والغربي “الأوروبي والأمريكي”.
– الحذر الكيني من الانخراط في حالة الانقسام الإقليمي بشرق إفريقيا بين الصين والغرب.
– التوجهات الإفريقية في تفضيل النهج الصيني الموازن لنهج المساعدات الغربية.
– دخول الصين في مفاوضات مع الدول الإفريقية من أجل إعادة هيكلة الديون المستحقة عليها، للردّ على الدعاوى الغربية بشأن “دبلوماسية فخّ الديون”.
– تفاقم أزمات الاقتصاد الكيني “المديونية والبطالة والتضخم”، بما يدعم نهج التوازن في العلاقات مع الطرفين الصيني والأوروبي للحاجة إلى الدعم الاقتصادي.
معوقات السيناريو:
– ممارسة الطرفين الصيني والأوروبي نموذج المعادلة الصفرية في العلاقات مع الطرف الكيني.
– رغبة الطرفين الأوروبي والصيني في تعظيم العوائد من الشراكة مع كينيا، بالنظر إلى موقع كينيا في منظومة الأمن بمنطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.
– احتمالات دخول الطرف الروسي في معادلة الأمن بشرق إفريقيا.
خاتمة:
· إجمالًا، من المرجح أن تدفع السياسة الخارجية الكينية، التي تقوم على الانفتاح والتقارب مع الشركاء الدوليين كافة- دون الانحياز الجيوسياسي لأي طرف على حساب الآخر- نحو تعظيم مكاسب نيروبي الاستراتيجية من علاقاتها مع الغرب والصين، بينما ستظل المنافسة الغربية الصينية في كسب المزيد من هامش الحركة لتعزيز نفوذهما في كينيا، الذي يضمن لهما التوسع الاستراتيجي في العمق الإفريقي، وفي منطقة المحيط الهندي الاستراتيجية.
· من الصعوبة بمكان أن يحل الاتحاد الأوروبي محل الصين في علاقاتها مع كينيا؛ نظرًا لعمق العلاقات بين الصين وكينيا أكثر منه بين الاتحاد الأوروبي وكينيا، ومن الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يحل محل الصين على المستوى الدولي، حتى وإن كانت الصين تمرّ بالكثير من القيود التجارية في إطار الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة.
· يرجح اتجاه السياسة الكينية إلى تبنّي موقف موازن بين القوتين الدوليتين لتعظيم استفادتها ومكتسباتها الاستراتيجية جراء التعاون المشترك معهما، في ظل محاولة تفعيل شراكة شاملة مع الأطراف الدولية كافة؛ لتعزيز التنمية الاقتصادية في كينيا، بما في ذلك توسيع قاعدة المشروعات الاستثمارية الأجنبية في البلاد، وتطوير البنية التحتية هناك، بما يجعل الاقتصاد الكيني جاذبًا للعديد من الشركات الدولية، والمستثمرين الأجانب.
[1]. Stephen Ndegwa, For China-Kenya ties, 60 is just but a number, CGTN, 14 December 2023, accessible at: https://news.cgtn.com/news/2023-12-14/For-China-Kenya-ties-60-is-just-but-a-number-1pwNjPNCN68/index.html
[2]. Oscar M. Otele, China-Kenya relations: Economic benefits set against regional risks, Merics, 18 August 2022, accessible at: https://merics.org/en/china-kenya-relations-economic-benefits-set-against-regional-risks
[3]. Li Yincai, six decades of Sino-Kenyan ties exemplify win-win cooperation, Shine, 12 December 2023, accessible at: https://www.shine.cn/news/in-focus/2312130262/
[4]. Xinhua, China, Kenya agree to deepen Belt and Road cooperation, 24 July 2023, accessible at: http://english.scio.gov.cn/beltandroad/2023-07/24/content_94518735.htm
[5]. Harry Clynch, Ruto softens his line on China as Kenya seeks $1bn loan, African Business, 19 December 2023, accessible at: https://african.business/2023/12/trade-investment/ruto-softens-his-line-on-china-as-kenya-seeks-1bn-loan
[6]. Naftali Mwaura, Interview: Kenya-China cooperation has unleashed profound benefits, says Kenya’s prime cabinet secretary, 14 December 2023, accessible at: https://english.news.cn/20231214/095d745431fd46f0afcb790401160b40/c.html
[7] Overview of Kenya–China bilateral trade – ODI
[8] Foreign Policy Research Institute
https://www.fpri.org/article/2022/05/chinas-belt-and-road-initiative-in-kenya
[9] Kenya-China diplomatic relations enter a new cycle.
https://nation.africa/kenya/blogs-opinion/opinion/kenya-china
[10] Kenya China Relations: Portrait of Economic Cooperation
https://www.academia.edu/34510819/Kenya_China_Relations_Portrait_of…
[11] Mercator Institute for China Studies (MERICS): China-Kenya relations Economic benefits set against regional risks
https://merics.org/en/china-kenya-relations-economic-benefits-set
[12]. Oscar M. Otele, Idem,
[13]. Kenya News Agency, Kenya, China forge closer security cooperation to tackle global challenges, 27 September 2023, accessible at: https://www.kenyanews.go.ke/kenya-china-forge-closer-security-cooperation-to-tackle-global-challenges/
[14]. The European Commission, The EU-Kenya agreement explained, accessible at: https://policy.trade.ec.europa.eu/eu-trade-relationships-country-and-region/countries-and-regions/east-african-community-eac/eu-kenya-agreement/agreement-explained_en
[15]. Andy Bounds and Andres Schipani, EU agrees trade deal with Kenya as Brussels aims to boost Africa ties, Financial Times, 14 June 2023, Accessible at: https://www.ft.com/content/6c3c33f2-11f3-4e8c-8f9b-811fe7d84355
[16]. Benjamin Fox, EU-Kenya trade pact is the ‘most ambitious’ on climate and labour rights, Euractiv, 18 December 2023, accessible at: https://www.euractiv.com/section/politics/news/eu-kenya-trade-pact-is-the-most-ambitious-on-climate-and-labour-rights/
[17]. Euro News, In speech to MEPs, Kenya’s president calls for ‘reciprocal’ relation between Africa and Europe, 21 November 2023, accessible at: https://www.euronews.com/my-europe/2023/11/21/in-speech-to-meps-kenyas-president-calls-for-reciprocal-relation-between-africa-and-europe
[18]. Benjamin Fox, Idem,
[19] The World Bank: Kenya and European Union Relations
[20]. The European Union, EU-Kenya relations. factsheet, 20 May 2019, accessible at: https://www.eeas.europa.eu/node/57822_en
[21]. Cyndy Aluoch, Kenya to secure citizen’s data with support from EU, China, The Star, 22 august 2023, accessible at: https://www.the-star.co.ke/news/realtime/2023-08-22-kenya-to-secure-citizens-data-with-support-from-eu-china/
[22]. Anca-Elena Ursu & Willem van den Berg, China, and the EU in the Horn of Africa: competition and cooperation? the Netherlands Institute of International Relations, CRU Policy Brief, April 2018, PP. 1-11.
[23]. Andrew Songa and Lidet Tadesse Shiferaw, Kenya’s Watershed Election: Implications for EU Policy, Carnegie Europe, 6 October 2022, accessible at: https://carnegieeurope.eu/2022/10/06/kenya-s-watershed-election-implications-for-eu-policy-pub-88060
[24]. Politico Pro, China is bringing coal power to Kenya, 28 February 2018, accessible at: https://subscriber.politicopro.com/article/eenews/2018/02/28/china-is-bringing-coal-power-to-kenya-046968
[25]. Edith Mutethya, Kenya says close ties with China yield many positive outcomes, China Daily, 14 December 2023, accessible at: https://www.chinadaily.com.cn/a/202312/14/WS657a650ca31040ac301a7bbe.html
[26]. Sultan Majed Al Ali, China and Kenya relations: Investments and challenges, Trends Research & Advisory, accessible at: http://trendsresearch.org/research.php?id=136&title=%E2%80%98China_and_Kenya_relations:_Investments_and_challenges%E2%80%99
[27]. Azhar Azam, Beijing-Nairobi ties: Why China’s investment matters for Kenya?, CGTN, 26 July 2023, accessible at: https://news.cgtn.com/news/2023-07-26/Beijing-Nairobi-ties-Why-China-s-investment-matters-for-Kenya–1lKju0rBe5a/index.html
[28]. The Republic of Poland, The European Union – Kenya Economic Partnership Agreement signed, 18 December 2023, accessible at: https://www.gov.pl/web/kenya/the-european-union—kenya-economic-partnership-agreement-signed