Insight Image

مؤمَّل العمر ومؤشّر التنمية البشرية

10 مايو 2022

مؤمَّل العمر ومؤشّر التنمية البشرية

10 مايو 2022

يعتمد مؤشّر التنمية البشرية (Human Development Index) على معطيات ثلاث رئيسية؛ متوسط أو مؤمَّل العمر، ومتوسط سنوات التعليم والدراسة، ومتوسط دخل الفرد، لتقييم وتصنيف الدول على حسب مدى تقدمها وتحقيقها للتنمية البشرية لأفرادها ومواطنيها. فكلما ارتفع مؤمَّل العمر، وعدد سنوات التعليم، ودخل الفرد، ارتفعت مكانة الدولة ودرجة تصنيفها بين دول العالم قاطبة. ومنذ تأسيس هذا المؤشر الإحصائي في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، على يد الاقتصادي الباكستاني محبوب الحق، اعتمد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على هذا المؤشر في إصدار تقرير التنمية البشرية السنوي. وعلى المنوال نفسه، أصدرت المنظمة الأممية منذ 2010 مؤشراً مماثلاً، يُعرف بمؤشر التنمية البشرية المعدل وفقا لعدم المساواة (Inequality-adjusted Human Development)، والذي يأخذ في الاعتبار لتقدير مستوى التنمية البشري، جميع مظاهر وأسباب عدم المساواة بين أفراد المجتمع الواحد.

ومتوسط أو مؤمَّل العمر (Life Expectancy)، هو مصطلح يشير إلى عدد السنوات التي يُتوقع، أو يؤمَّل للمرء أن يحياها، عند ولادته، في بلد ما، خلال فترة زمنية محددة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الحالي، يُتوقع للإناث اللاتي يولدن في هونج كونج أو اليابان، أن يعشن لفترة تقارب 87 عاما، بينما يتوقع للإناث اللاتي يولدن في دولة سوازيلاند بالجنوب الشرقي للقارة الأفريقية، أن يعشن لفترة تقل قليلا عن 49 عاما، حسب إحصائيات الأمم المتحدة. وهو ما لا يقتصر فقط على الإناث، بل يشمل الذكور أيضا، وبنفس الفارق تقريبا. كما لا يقتصر هذا الفارق البيّن على اليابان وسوازيلاند، بل يتكرر بين العديد من الدول مثل إيطاليا وسويسرا، واللتان يُتوقع لمن يولد فيهما أن يعيش لأكثر من ثلاثة عقود، مقارنة بمن سيولدون في عدد من الدول الأفريقية، وبأكثر من ربع قرن مقارنة بمن سيولدون في أفغانستان.

 وتحظى هذه الاختلافات والتباينات بين متوسط أو مؤمَّل العمر، باهتمام شديد من العلماء والأطباء، ومن واضعي السياسات الصحية، كما تحظى بقدر مماثل من الاهتمام من قبل الاقتصاديين، وعلماء الاجتماع، بسبب العلاقة التبادلية بين مؤمَّل العمر وبين الاقتصاد. حيث تؤثر الظروف الاقتصادية والاجتماعية في مؤمَّل العمر، كما يتأثر الناتج الاقتصادي ومستوى المعيشة بمؤمل عمر أفراد المجتمع. ويتأثر أيضا مؤمل العمر لحد كبير، بما يُعرف بمحدّدات الحالة الصحية، مثل توفر مياه الشرب النظيفة، والغذاء، والمسكن، والتثقيف الصحي المتضمن المعلومات الأساسية، مع تحقيق العدالة في توزيع الخدمات الصحية، من خلال مكافحة التفرقة المبنية على أساس العرق، أو اللون، أو الديانة، أو الطائفة، أو النوع الاجتماعي، حيث تعتبر العدالة الصحية أحد أهم مكونات العدالة الاجتماعية، وفي حالة فقدانها تنتج الحالة المعروفة باللامساواة الصحية أو الاختلال المرضي (Inequality in disease).

 ولا يمكن تجاهل حقيقة أن الفقر، وخصوصا المدقع منه، يترافق مع قائمة طويلة من الأمراض تنتج عن، أو تزداد وطأة، مع انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد وللأسرة. ولكن كما يترافق الفقر مع المرض، يترافق أيضا الغنى والثراء، وخصوصا الفاحش منه، مع قائمة طويلة كذلك من الأمراض. هذه القائمة أصبحت تعرف في عالم الطب بأمراض الثراء أو الأغنياء (Diseases of Affluence) وتضم على سبيل المثال وليس الحصر: داء السكري، والسمنة، وأمراض القلب، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المناعة الذاتية، والربو الشعبي، وإدمان الكحوليات، والاكتئاب، وطيفاً آخر من الأمراض النفسية. وتتميز جميع أمراض الثراء بميزة أساسية هي كونها أمراضا غير معدية، أي أنها لا تنتقل من شخص إلى آخر، وإن كانت غالبا ما تصيب نسبة كبيرة من أفراد المجتمع.

المواضيع ذات الصلة