مرر مجلس النواب الأمريكي في 14 ديسمبر 2021، قانون مكافحة الإسلاموفوبيا الدولي، الذي تقدمت به النائبة الديمقراطية إلهان عمر لمكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا حول العالم، حيث صوّت لصالحه 219 نائباً في مجلس النواب مقابل 212. وذكرت إلهان عمر، مجموعة من البلدان التي يعاني فيها المسلمون -وفقاً لزعمها- إجراءات تمييزية، على رأسها الصين والهند وبعض الدول الأوروبية، وكندا.
تناقش الورقة واقع الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة مقارنة بالديانات الأخرى، ثم تناقش ماهية مشروع القانون، والتصويت عليه داخل مجلس النواب مع الوقوف على أبرز مواقف النواب من جلسة التصويت، ثم تتعرض إلى المناقشات حوله خارج الكونجرس، وأخيراً إمكانية إقراره من عدمه والنتائج المترتبة على ذلك.
ماهية ظاهرة الإسلاموفوبيا:
تُرجع بعض الأدبيات استخدام الإسلاموفوبيا للمرة الأولى لعام 1970، لوصف الخوف والكراهية للإسلام، التي تترجم دائماً إلى عنف وتحامل وتمييز ضد المسلمين. وتترجم أعمال العنف تلك في أشكال عدة من بينها “الاعتداء الجسدي والإهانة اللفظية والبصق على المسلمين أو من يمكن تخيل أنهم كذلك -مسلمون- من خلال مظاهر مثل الحجاب أو اللحية، وكذلك استهداف أماكن العبادة وقصفها وتدنيسها، ونشر كتابات مسيئة على جدرانها،… إلخ. من زاوية التمييز فيقصد به رفض عمل بعضهم في المؤسسات سواء عامة أو خاصة أو الفصل التعسفي ورفض قبولهم في مؤسسات تعليمية وغيرها.
ونتيجة لتضافر العديد من الأحداث على الساحة الدولية منذ السبعينيات، على رأسها الثورة الإيرانية 1979 وما تبعها من احتجاز للدبلوماسيين الأمريكيين، ورواية آيات شيطانية لسلمان رشدي والفتوى الصادرة بإهدار دمه في الثمانينيات، واستهداف مركز التجارة عام 1998، والأبرز أحداث 11 سبتمبر، ثم أحداث 7 يوليو 2005 في لندن. أخذت الصورة السلبية عن المسلمين بكونهم متطرفين وإرهابيين ومن غير الممكن دمجهم في الحياة الغربية تترسخ بصورة كبيرة في المجال العام[1].
أكاديمياً غالباً ما يتم الاعتماد على تعريف مركز “Runnymede Trust” البريطاني، الذي أدُرج في تقريره الصادر 1997 بعنوان “الإسلاموفوبيا: تحدٍ لنا جميعاً”، الذي يحدد مجموعة من السمات للتحيز ضد الإسلام، هي[2]:
- النظر إلى الإسلام على أنه كتلة متجانسة وثابتة غير متفاعلة مع التغيير.
- إنه منفصل ومختلف، فهو لا يؤثر أو يتأثر بالثقافات الأخرى.
- إنه في منزلة أقل من الغرب، بربري بدائي غير عقلاني.
- إنه عنيف وعدواني وداعم للإرهاب ومنخرط في صراع الحضارات.
- إنه أيديولوجية سياسية تستخدم لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
- رفض كل ما يوجهه الإسلام للغرب بشكل قطعي.
- يستخدم العداء للإسلام على أنه ممارسة تمييزية لإقصاء المسلمين من التيار الرئيسي للمجتمع.
- العداء ضد المسلمين أمر طبيعي.
غير أنه وجهت العديد من الانتقادات لمصطلح “الإسلاموفوبيا”، لاعتبارات عدة أهمها تجاهله لتنوع التفسير داخل الإسلام، وأن الموقف والتحيز المتخذ يأتي ضد الإسلام ذاته وليس المسلمين، بالإضافة إلى ذلك أنه لا يعطي نظرة ثاقبة لطبيعة التحيز الموجه ضد المسلمين.
عليه شهد المصطلح تغيرات عدة، حتى إن مركز ” Runnymede Trust”، أعاد بعد عشرين عاماً تعريفه لـ “الإسلاموفوبيا”، خالصاً إلى أنها عملية اجتماعية معقدة تشبه نوعاً من العنصرية الثقافية[3]، ووافق ذلك التعريف، تعريف المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب (APPG) بشأن المسلمين البريطانيين الذين لاحظوا أن “الإسلاموفوبيا متجذرة في العنصرية وهي نوع من العنصرية التي تستهدف التعبيرات عن الإسلام أو الإسلام المتصور”.
واقع جرائم الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة:
بداية من عام 1992، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي، بجمع بيانات جرائم الكراهية المقدمة طواعية من وكالات الإبلاغ الحكومية والإقليمية، وفقاً لقانون إحصاءات جرائم الكراهية لعام 1990 الذي اشترط على المحامي العام في البلاد إعداد قائمة بيانات سنوية حول جرائم الكراهية من حيث العدد والنوع، وتعرّف جرائم الكراهية على أنها جريمة جنائية مدفوعة إما بالعرق وإما بالدين وإما بالهوية الجنسية وإما بالأصل الإثني”[4].
ووفقاً لتقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أسهمت أحداث 11 سبتمبر في ارتفاع عدد الحوادث ضد المسلمين في الولايات المتحدة من 28 حادثة في عام 2000 إلى 481 حادثة لعام 2001، محققة أكبر نتيجة طوال الفترة ما بين الأعوام من 1996 إلى 2020، فضلًا عن أنها في فترة انتخاب ترامب، يلاحظ ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين في الداخل الأمريكي:
[5]
بالإضافة إلى أنه هناك ثمة محاولة دائمة لدى الرأي العام في الداخل الأمريكي منذ أحداث 11 سبتمبر، للربط ما بين الإسلام والإرهاب، فيظهر البحث على محرك البحث جوجل في الولايات المتحدة الأمريكية وجود علاقة طردية ما بين البحث حول “الإرهاب” والإسلام والمسلمين، فكلما زاد اتجاه عمليات البحث حول “الإرهاب” ازداد البحث حول “المسلمين” وهذا ما يوضحه المخطط التالي:
[6]
ولفهم أكبر للصورة إذا ما نظرنا إلى جرائم الكراهية عامة في الداخل الأمريكي
[7]
مقارنة بجرائم الكراهية المتعلقة بالمسلمين في الداخل الأمريكي – ومع استبعاد الديانات الأخرى -يلاحظ بداية أن جرائم الكراهية المتعلقة بالمسلمين لم تأتِ في المرتبة الأولى منذ عام 1996 حتى عام 2020، فضلًا عن أنه في الأوقات التي تتخذ فيه جرائم الكراهية عامة اتجاهاً تنازلياً، لم تتبعها جرائم الكراهية ضد المسلمين بصفة دائمة:
[8]
مشروع القانون الأمريكي لمراقبة الإسلاموفوبيا:
أولاً: ماهية المشروع:
حال إقرار مشروع القانون المقدم تحت عنوان “مكافحة الإسلاموفوبيا الدولية” من مجلس الشيوخ ووقعه الرئيس، فسيؤدي إلى إنشاء مكتب لرصد الإسلاموفوبيا ومكافحتها في وزارة الخارجية -على غرار المكتب الموجود حول معاداة السامية.
ويتولى رصد أعمال الإسلاموفوبيا ومكافحتها والتحريض على الإسلاموفوبيا في البلدان الأجنبية، ويتطلب إدراج معلومات حول الإسلاموفوبيا في التقارير السنوية الحالية المقدمة إلى الكونغرس حول حقوق الإنسان والحرية الدينية في البلدان الأجنبية، والتي يتم تنسيقها من خلال المكتب الجديد.
- يسمح “قانون مكافحة الإسلاموفوبيا على الصعيد الدولي” لوزارة الخارجية بإنشاء مكتب لرصد الإسلاموفوبيا ومكافحتها ومعالجة القضايا ذات الصلة.
- يسعى التشريع أيضاً إلى استحداث منصب المبعوث الخاص لرصد الإسلاموفوبيا ومكافحتها، الذي يتولى رئاسة المكتب.
- يتطلب مشروع القانون أيضاً بعض التقارير السنوية الحالية المقدمة إلى الكونغرس حول حقوق الإنسان والحرية الدينية في البلدان الأجنبية لتضمين معلومات حول الإسلاموفوبيا.
ويضع مشروع القانون مجموعة من المحددات التي على أساسها يتم اعتماد الحالات التي يتم إدراجها في التقرير:
- أعمال العنف الجسدي أو المضايقة للمسلمين وأعمال العنف أو التخريب ضد مؤسسات المجتمع الإسلامي، بما في ذلك المدارس والمساجد والمقابر.
- حالات الدعاية في وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية التي تحاول تبرير الكراهية العنصرية أو الترويج لها أو التحريض على أعمال العنف ضد المسلمين.
- الإجراءات، إن وجدت، التي اتخذتها حكومة البلد للرد على مثل هذا العنف والهجمات أو للقضاء على هذه الدعاية أو التحريض.
- الإجراءات التي تتخذها هذه الحكومة لسن القوانين المتعلقة بحماية الحق في الحرية الدينية للمسلمين وإنفاذها.
- جهود هذه الحكومة لتعزيز تعليم مناهضة التحيز والتسامح.
- أي من وقائع السخرة وفرض المعتقد ومعسكرات الاعتقال. مثل تلك التي تستهدف الإيغور والأقليات في إقليم شينغيانغ ذي الحكم الذاتي من جمهورية الصين الشعبية.
بعرض مشروع القانون على اللجنة المتخصصة بمجلس النواب في 9 ديسمبر 2021، أجريت عليه تعديلات تمثلت في:
- تعديل “قسم 64 بي” من “يقوم وزير الخارجية بتعيين المبعوث الخاص إذا قرر الوزير أن ذلك مناسب، فيجوز له تعيين المبعوث الخاص من بين مسؤولي وزارة الخارجية وموظفيها. يجوز للوزير أن يسمح لهذا المسؤول أو الموظف بالاحتفاظ بالمنصب (والمسؤوليات المرتبطة بهذا المنصب) الذي يشغله هذا المسؤول أو الموظف قبل هذا التعيين”[9] إلى “يقوم الرئيس، بمشورة وموافقة مجلس الشيوخ، بتعيين المبعوث الخاص. إذا قرر الرئيس أن ذلك مناسب، فيجوز للرئيس تعيين المبعوث الخاص من بين مسؤولي وزارة الخارجية وموظفيها. يجوز لوزير الخارجية السماح لمثل هذا المسؤول أو الموظف بالاحتفاظ بالمنصب (والمسؤوليات المرتبطة بهذا المنصب) الذي يشغله هذا المسؤول أو الموظف قبل هذا التعيين”[10].
- إضافة بند لـ “الفقرة 8” ينص على “أي من وقائع السخرة وفرض المعتقد ومعسكرات الاعتقال، مثل تلك التي تستهدف الإيغور بمقاطعة شينغيانغ في جمهورية الصين الشعبية”[11].
- إضافة “قسم 4” الذي ينص على أنه “لا يجوز استخدام أي أموال متاحة بموجب هذا القانون أو أي تعديل تم إجراؤه بموجب هذا القانون للترويج أو المصادقة على أيديولوجية حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS) أو استخدامها للترويج أو المصادقة على حظر المسلمين، مثل ذلك الذي وضعه سابقاً الرئيس ترامب”[12].
ثانياً: التصويت عليه داخل الكونغرس.. ومواقف النواب:
تمر عملية تشريع القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية، بخطوات عدة، بداية من وضع مشروع القانون من قِبل مقدميه، وإحالته للجنة المتخصصة بمجلس النواب، ثم مناقشته والتصويت عليه داخل اللجنة، وإجراء التعديلات المطلوبة عليه، ثم طرحه للقانون بمجلس النواب، وحال الموافقة عليه تتم إحالته إلى مجلس الشيوخ، الذي بدوره يمر بالخطوات السابقة نفسها وبعد الموافقة عليه يرفع للرئيس ويكون أمامه خياران، إما الموافقة عليه وإما استخدام حق النقض ورفضه.
تقدمت مجموعة مكونة من 56 راعياً بقيادة عضو الكونجرس إلهان عمر[13]، في 21 أكتوبر 2021، بمشروع القانون في مجلس النواب بهدف مكافحة جرائم “الإسلاموفوبيا” المتزايدة في جميع أنحاء العالم.
نُظر مشروع القانون، في 9 ديسمبر 2021، من قبل لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية، ثم في اليوم التالي صوّتت عليه اللجنة، ووضع على جدول المجلس ليوم 13 ديسمبر 2021، ورفع من قِبل اللجنة في اليوم ذاته للتصويت، وتم التصويت عليه في 14 ديسمبر 2021، وكانت نتائج التصويت:
[14]
قرأ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب غريغوري ميكس (ديمقراطي من نيويورك) بياناً من إدارة بايدن، تؤيد فيه مشروع القانون: “إن الإدارة تدعم تمرير القانون 5665 وهو قانون مكافحة الإسلاموفوبيا دولياً. إن الحرية الدينية حق أساسي يحفظه الإعلان الدولي لحقوق الإنسان وهو جزء من التعديل الأول للدستور الأمريكي. إن أصول التزام بلادنا بالدفاع عن الحرية الدينية تعود إلى قرون مضت والرئاسة تؤمن أن الناس من كل دين أو خلفية يجب أن يتم التعامل معهم بالاحترام والتقدير ذاتهما في كل أنحاء العالم.
وأضاف “وتدعم الرئاسة ما لفت إليه القانون 5665 أيضاً من وقائع السخرة وفرض المعتقد ومعسكرات الاعتقال. مثل تلك التي تستهدف الإيغور والأقليات في إقليم شينغيانغ ذي الحكم الذاتي من جمهورية الصين الشعبية”.
وأكد “إن الرئاسة تسعى على العمل قدما مع الكونجرس للاطمئنان على أن وزير الخارجية يملك المرونة والسلطة الكافية لإقامة هذا المكتب ومبعوثه الخاص وأن تعمل على إصدار تقرير رقابي سنوي يُعنى بما تأتيه الدول الأجنبية من أفعال الإسلاموفوبيا”[15].
ووفقاً لـ “ميكس” أنه في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة “تزايد التعصب ضد المسلمين، حيث تم تخريب المساجد وتعرض المسلمون للضرب والهجوم على مسؤولين منتخبين بعد تلقيهم تهديدات بالقتل وخطاب كراهية آخر، كل ذلك بسبب دينهم الإسلامي… إذا تُركت -الإسلاموفوبيا- دون رادع، فقد يؤدي ذلك إلى فظائع مروعة، وجرائم ضد الإنسانية حتى إلى إبادة جماعية. لذا فإن هذا التشريع سيساعد في تسليط الضوء على هذه المشكلة ويساعد في معالجة تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم في وقت يكون فيه لا يزال الخوف من الإسلام متفشياً “[16].
دافع الديمقراطيون بشدة عن مشروع القانون، فاستقدمت مقدمة المشروع “إلهان عمر”، موقف الرئيس السابق ترامب، من المسلمين وتعهده بحظر المسلمين في كلمتها: “ليس سراً أن الرئيس السابق للولايات المتحدة تعهد صراحة “بحظر تام وكامل للمسلمين الذين يدخلون الولايات المتحدة” إن ترامب كان يستفيد ببساطة من ثقافة أعمق للإسلاموفوبيا كانت موجودة على مدى العقدين الماضيين -من قانون باتريوت، إلى برنامج مكافحة التطرف العنيف إلى أبو غريب”[17].
عبرت النائبة شاكوفسكي أنها فخورة كيهودية بالمشاركة في رعاية مشروع القانون أيضاً، مشيرة إلى أنه “في الولايات المتحدة وحدها، أبلغ ما يقرب من 70% من المسلمين الأمريكيين عن تعرضهم شخصياً للكراهية والتعصب الأعمى حتى للعنف ضد المسلمين”[18].
اتخذ الجمهوريون موقفاً مخالفاً، ففي مداخلته أشار مايكل ماكول، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب (جمهوري من تكساس) إلى أن مشروع القانون متحيز ومتسرع “إن هذا التشريع غامض لدرجة خطيرة بل وتكرار لا طائل منه. إنه لا يستخدم مصطلحات مثل الاضطهاد الموجه ضد المسلمين أو ما اصطلح عليه التعبير القانوني، مثل: “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً”. إنما يستخدم بدلاً من ذلك مصطلحاً غامضاً وغير قانوني وهو “الإسلاموفوبيا” إن هذه الكلمة لا تأتي القوانين الفيدرالية على ذكرها أبداً. وهو مصطلح غامض وغير موضوعي ما يجعله قابلاً للاستخدام ضد المباح من الحديث للأغراض الحزبية. وعلاوة على ذلك فإن مصطلح فوبيا يحمل دلالة خوف غير عقلاني لا دلالة تمييز. إن هذا القانون يتجاهل كلية ما تقوم به وزارة الخارجية من مجهودات مكثفة لحماية حقوق المسلمين. إن مهمة الرقابة والتقارير على حقوق الإنسان يضطلع بها مسؤولو حقوق الإنسان والسفارات حول العالم ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل والهيئة الدولية للحرية الدينية والوكالة الأمريكية للحرية الدينية الدولية”[19].
أبدى بعض النواب الجمهوريين تخوفات من أن مشروع القانون ربما يحمي انتقاد الجماعات الإرهابية الإسلامية، كما جاء في كلمة النائب ستيف شابوت (جمهوري من ولاية أوهايو)، التي أشارت إلى أن مشروع القانون لم يوضح إذا ما كان مصطلح “الإسلاموفوبيا” يشمل على سبيل المثال “انتقاد الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة أو الدعوة إلى اضطهاد المسيحيين. أو انتقاد أولئك الذين يدعون إلى تدمير إسرائيل؟ وماذا عن انتقاد قمع طالبان الوحشي للنساء أو إدانة من ينكر الهولوكوست كما فعل المرشد الأعلى لإيران مراراً وتكراراً؟”[20].
اقترح بعض الديمقراطيين مثل النائب جوش جوتهايمر (ديمقراطي – نيوجيرسي)[21]، إضافة تعديل مشابه لما اقترحه النائب الجمهوري سكوت بيري (من ولاية بنسلفانيا) ويقضي بمنع المكتب من “تقييم أي إجراءات، بما في ذلك إجراءات مكافحة الإرهاب” التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية، إلا أنه لم تتم إضافته في مشروع القانون من قِبل لجنة الشؤون الخارجية قبل طرحه للتصويت، ومع ذلك صوت “جوتهايمر” بالإيجاب تجاه مشروع القانون.
ثالثاً: المناقشات حول المشروع خارج الكونغرس:
بخلاف المناقشات داخل الكونغرس، وآراء الجمهوريين، هناك بعض الملاحظات التي ناقشتها تقارير إعلامية حول مشروع القانون، أبرزها[22]:
- افتقاد مشروع القانون وضع تعريف ومعنى واضحاً محدداً للإسلاموفوبيا، حيث كان من المفترض أن يشمل في داخله تعريفاً مضبوطاً وموضحاً لتعريف مقدمي مشروع القانون لـ “الإسلاموفوبيا”.
- الإشكالية الثانية، تتمثل في بداية تعريف القانون “إنشاء مكتب في وزارة الخارجية لمراقبة ومكافحة الإسلاموفوبيا، ولأغراض أخرى”[23]، حيث يضع القانون جملة مبهمة غير موضحة داخل مواده، وهي “أغراض أخرى” فلا يحدد مقدمو المشروع ما الأغراض الأخرى.
- ثالثاً إن إقرار القانون إنشاء مكتب في وزارة الخارجية يرأسه مبعوث خاص لمراقبة ومكافحة “الإسلاموفوبيا” على أن يقوم بإعداد تقرير سنوي عما يرصده المكتب، يعني أن نطاق عمل القانون خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ما يضع شكلاً من أشكال التدخل الخارجي في شؤون الدول الأخرى، والذي ربما يسهم في المزيد من العزلة للولايات المتحدة الأمريكية.
- رابعاً إشكالية دستورية، حيث إن طرح مشروع قانون يتعلق بدين بعينه، وإعطاءه شيئاً من الأفضلية لدين على غيره يتعارض مع الدستور الأمريكي، فمجرد طرح مشروع قانون لمكافحة “الإسلاموفوبيا”، يفتح المجال للحديث حول مشروع قانون يكافح “الهندوفوبيا”، أو رهاب البوذية،… إلخ.
- عمومية بعض الفقرات، ففي أحد أشكال مكافحة “الإسلاموفوبيا” التي يعدها التقرير من بينها “أعمال العنف الجسدي أو التحرش بالمسلمين، وأعمال العنف أو التخريب ضد مؤسسات المجتمع الإسلامي، بما في ذلك المدارس والمساجد والمقابر”، هنا نقع في إشكالية تتعلق بعدم اشتراط القانون أن تكون “أعمال العنف الجسدي أو التحرش بالمسلمين” قائمة على أساس الدين، وليس في العموم لكون الشخص مسلماً ولو بالمصادفة.
الحالة الثانية تتعلق بما جاء في مشروع القانون “حالات الدعاية في وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية التي تحاول تبرير الكراهية العنصرية أو الترويج لها أو التحريض على أعمال العنف ضد المسلمين” فنرى على سبيل المثال انتقاداً في وسائل الإعلام لمناقشات حول إلزامية الحجاب من عدمه في الدين الإسلامي، وبعيداً عن الحديث حول الموقف الديني الواضح من ذلك، فهل يعني أن تلك المناقشات محرضة على الكراهية وأعمال العنف، أم لا، وما حدود تلك الدعاية المقصودة وفقاً لمقدمي القانون.
رابعاً: السيناريوهات المحتملة لاعتماد المشروع:
يتبقى مرحلتان لإقرار مشروع القانون، الأولى التصويت له في مجلس الشيوخ، والثانية المصادقة وإقراره من الرئيس، وهنا نكون أمام ثلاثة سيناريوهات:
- إقرار مشروع القانون من قِبل مجلس الشيوخ والرئيس:
يعزز تحقيق هذا السيناريو، أنه في الغالب حال التصويت على مشاريع قوانين من قِبل الأغلبية بالإيجاب بمجلس النواب، يتم تمريرها بمجلس الشيوخ، فضلاً عن إصدار إدارة بايدن بياناً تأييدياً كما سبق وأشرنا إلى مشروع القانون.
من زاوية التأثير حال إقراره، تجدر الإشارة إلى أن القانون لن يأتي بجديد أو شيء مختلف عما يثار في تقارير أخرى مثل تقرير الحريات الدينية أو تقرير حقوق الإنسان السنويين اللذين تصدرهما وزارة الخارجية الأمريكية. إلا أن هذا يعني أنه حال عدم إقراره لن يكون له أي آثار تذكر، فمن ناحية يقوي إقرار القانون من موقف إلهان عمر، وقدرتها على حشد الأصوات لصالحه، ومن ناحية أخرى خاصة مع إضافة فقرة حول الصين، ربما يتسبب في بعض التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى أن إقرار هذا المشروع يعد بمنزلة الوفاء بوعد الحملة الانتخابية من قِبل معظم هؤلاء النواب إلى ناخبيهم الذين ساعدوهم على الفوز في انتخابات عام 2020، مما قد يسهم في تأجيج مواقف اليمين المتطرف تجاه المسلمين في الداخل الأمريكي.
- رفض المشروع من قِبل مجلس الشيوخ: ما يعزز تحقيق هذا السيناريو، أنه وفقاً لموقع “govtrack” الذي يعطي احتمالات لفرص قبول مشاريع القوانين، فإن احتمالية أن يتم تحول مشروع مكافحة الإسلاموفوبيا إلى قانون، 5% فقط، فضلًا عن حديث بعض التقارير الإعلامية أنه كان هناك انقسام داخل الديمقراطيين أنفسهم حول مشروع القانون.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإننا نكون أمام انتكاسة لإلهان عمر، وعليه من الممكن أن يثير الرفض مشاعر استفزازية لدى المسلمين في الداخل الأمريكي، فضلًا عن أنه من الممكن أن يكون مادة دسمة لبعض المجموعات المتطرفة التي تحاول أن تظهر الولايات المتحدة دولة معادية للإسلام والمسلمين.
- قبول القانون بإدخال تعديلات من قِبل الجمهوريين: حاول بعض الجمهوريين إدخال بعض التعديلات على مشروع القانون ومن بينها:
- اقتراح النائب سكوت بيري (جمهوري من ولاية بنسلفانيا)، منع المكتب من “تقييم أي إجراءات، بما في ذلك إجراءات مكافحة الإرهاب” المتعلقة بإسرائيل.
- اقتراح النائب بريان ماست (جمهوري من فلوريدا) الذي يطالب بوصف العنف داخل الطوائف بأنه رهاب الإسلام.
- اقتراح تعديل من قبل النائب ستيف شابوت، لتقديم تعريف يحد مما يمكن وصفه برهاب الإسلام.
فمن الممكن خاصة مع التخوف من تغير مواقف بعض النواب الديمقراطيين نتيجة التقارير حول الانقسامات الداخلية، أن يتم استقطاب بعض الأعضاء الجمهوريين حال قبول بعض التعديلات المقترحة من قبلهم، خاصة مع قبول لجنة الشؤون الخارجية التعديل الذي أقترحه النائب أوغست بفلوغر (جمهوري من تكساس)، بإضافة قسم 4 لمشروع القانون.
خامساً خلفية مقدمي المشروع:
هناك بعض الملاحظات في الداخل الأمريكي حول مقدمي مشروع القانون، حيث تمثل إلهان عمر شخصية مثيرة للجدل، فمن ناحية ما عجل التصويت على المشروع بمجلس النواب كانت الضغوطات من قبل مقدمي ورعاة المشروع على رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، لاتخاذ إجراء شديد ضد النائبة لورين بويبرت، نتيجة لتصريحاتها حول إلهان عمر، المازحة والتي لمحت لكونها جهادية. وفي النقاشات حول مشروع القانون، اتهم النائب الجمهوري سكوت بيري، إلهان عمر وصانعي القانون بالانتماء إلى منظمات إرهابية “لا ينبغي إجبار دافعي الضرائب الأمريكيين على دفع أموال للمنظمات الإرهابية -المنظمات التي ينتمي إليها صانع مشروع القانون”.
كما أثار تاريخ إلهان عمر العديد من التساؤلات والسجالات في الداخل الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بمواقفها من تركيا، وكونها العضو الديمقراطي الوحيد في مجلس النواب الذي صوت ضد مشروع قانون يهدد بفرض عقوبات جديدة على تركيا بسبب عملها العسكري في شمال سوريا[24]، وكذلك التقارير حول تلقيها تبرعات بحملتها الانتخابية في سبتمبر 2019 من خليل موتلو، الرئيس للجنة التوجيهية الوطنية التركية – الأمريكية، وهي مجموعة ضغط لها علاقات وثيقة مع أردوغان[25].
من زاوية أخرى، يفتح إعداد مثل هذا التقرير المجال أمام المنظمات الإسلاموية المسيطر من قبل الإخوان المسلمين في الغرب لتمرير المزيد من المظلومية ومحاولة الحفاظ على المنظمات والمجموعات التابعة التي تنخرط في أعمال تدفع الدول إلى حظرها، بالإضافة إلى الترويج لأن أي محاولة لمواجهة نشرهم لأفكار متطرفة على أنه عداء غربي للإسلام، خاصة وأن طريقة إعداد مثل هذه التقارير تعتمد على بيانات المنظمات المهتمة بنشر تقارير حول جرائم الكراهية التي في كثير من الحالات تضخم من أعداد الحوادث أضعاف ما يصدر بالتقارير الرسمية.
خاتمة:
في المجمل، تظل احتمالات تشريع القانون من عدمه متساوية، ولكن إثارة مثل هذه القوانين في ظل تحفظ أمريكي داخلي تجاه المسلمين، تدفع إلى نتائج ربما تؤثر في مسار النشاط الإرهابي بالداخل الأمريكي.
حال اعتماد القانون، فإن إجراءات إنشاء المكتب بوزارة الخارجية ستأخذ بعض الوقت ليتم إنشاؤه واختيار الممثلين، بالإضافة إلى ذلك، فمجرد تمريره يوجه رسالة تفيد الوفاء بوعد الحملة الانتخابية من قِبل معظم هؤلاء النواب الداعمين لمشروع القانون إلى ناخبيهم الذين ساعدوهم على الفوز في انتخابات عام 2020. كما أنه يعد إثبات قدرة إلهان عمر على الحشد، مما قد يؤثر في موقف المناهضين لها والداعمين في الداخل الأمريكي، خاصة مع تصاعد تهديدات اليمين المتطرف بالولايات المتحدة.
بالإضافة إلى أن إقرار مثل هذا القانون، وإصدار تقارير خاصة بـ “الإسلاموفوبيا”، ربما يحدث بعض التوترات مع دول أخرى، مثل الصين، خاصة مع إضافة فقرة في التعديل من قبل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، تركز على وضع الإيغور والأقليات في إقليم شينغيانغ.
وفي حال عدم إقرار القانون، ربما تقوم المجموعات المتطرفة باستدعاء خطاب بايدن وموقفه الأكثر تساهلاً إزاء المسلمين والذي ظهر في تعهده برفع حظر السفر الذي فرضته أمريكا على عدد من الدول الإسلامية وحديثه عن إدخال محتويات إسلامية بشكل أكبر إلى مناهج المدارس الأمريكية[26]، فضلاً عن تعهدات النواب الأمريكيين قبل الانتخابات التشريعية لحماية الأقليات، ما يزيد من الخطاب الاستغلالي الذي يزعم عداء الولايات المتحدة للإسلام والمسلمين.
المراجع
[1]. Abubakar A. Bukar, The Political Economy of the Hate Industry: Islamophobia in the Western Public Sphere, Islamophobia Research and Documentation Project, Center for Race and Gender, University of California, Berkeley, 2020, PP 156-158:
[2]. Islamophobia: A Challenge for Us All, The Runnymede Trust, 1997, P 4:
https://www.runnymedetrust.org/companies/17/74/Islamophobia-A-Challenge-for-Us-All.html
[3]. Islamophobia: A Challenge for Us All, The Runnymede Trust, 2017, P 7:
https://www.runnymedetrust.org/uploads/Islamophobia%20Report%202018%2ط0FINAL.pdf
[4]. https://ucr.fbi.gov/hate-crime/2011/resources/hate-crime-statistics-act
[5]. Crime in the United States, FBI:
https://www.fbi.gov/services/cjis/ucr/publications
[6]. Trends Google:
https://trends.google.com/trends/explore?date=all&geo=US&q=terrorism,muslim
[7]. Crime in the United States, FBI:
https://www.fbi.gov/services/cjis/ucr/publications
[8]. Crime in the United States, FBI:
https://www.fbi.gov/services/cjis/ucr/publications
[9]. H.R. 5665: Combating International Islamophobia Act:
https://www.govtrack.us/congress/bills/117/hr5665/text/ih
[10]. H.R. 5665: Combating International Islamophobia Act:
https://www.govtrack.us/congress/bills/117/hr5665/text/rh
[11]. ibid.
[12]. ibid.
[13]. H.R. 5665: Combating International Islamophobia Act:
https://www.govtrack.us/congress/bills/117/hr5665/cosponsors
[14]. H.R. 5665: Combating International Islamophobia Act, GovTrack:
https://www.govtrack.us/congress/votes/117-2021/h448
[15]. STATEMENT OF ADMINISTRATION POLICY H.R. 5665 – Combating International Islamophobia Act, white house, December 14, 2021:
https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2021/12/HR-5665-SAP.pdf
[16]. Proceedings And Debates Of The 117th Congress, First Session, Congressional Record — House, vol. 167, h7795, December 14, 2021:
https://www.congress.gov/117/crec/2021/12/14/167/215/CREC-2021-12-14.pdf
[17]. ibid, H7796.
[18]. ibid, H7797.
[19] ibid, H7796.
[20] ibid, H7797.
[21]. amendment to rules comm. Print 117–23 offered by Mr. Gottheimer of new jersey:
https://gottheimer.house.gov/news/documentsingle.aspx?DocumentID=2884
[22]. Jerry Coyne, Ilhan Omar’s “Combating International Islamophobia Act”, Why Evolution is True, December 31, 2021:
https://whyevolutionistrue.com/2021/12/31/islamophobia-act/
[23]. https://www.congress.gov/bill/117th-congress/house-bill/5665/text
[24]. House passes bill for sanctions on Turkey over Syria offensive, FT, 29 Oct 2019:
https://www.ft.com/content/faa6b2e8-faa0-11e9-a354-36acbbb0d9b6
[25]. Erdogan Ally Made Campaign Contribution to Ilhan Omar, Who Faces Scrutiny Over Pro-Ankara Votes, daily caller, October 30, 2019:
https://dailycaller.com/2019/10/30/ilhan-omar-erdogan-turkey/
[26]. محمد مختار قنديل، رسائل “داعش” المتعلقة بإدارة بايدن الجديدة، معهد واشنطن، 11 يناير 2021:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/rsayl-dash-almtlqt-badart-baydn-aljdydt