مقدمة
شكلت وفاة القيادي والمنظر الإخواني يوسف القرضاوي يوم الإثنين 26 سبتمبر 2022، مناسبة لطرح عدة تساؤلات تتمحور حول، من يمكن أن يحل محله؟ وهي تساؤلات جاءت بالنظر إلى الدور الكبير الذي لعبه القرضاوي في جماعة الإخوان المسلمين، والذي جمع بين الجانب التنظيري الفقهي والحركي السياسي، والذي صبّ بالأساس في خدمة جماعة الإخوان سواء من خلال الدفاع عنها وعن أعضائها، أو دعمها وتمكينها تنظيرياً والتجييش لها حركياً، أو التدخل من أجل الحفاظ على وحدتها وتماسكها.
وقد لا يكون الأمر سهلاً أن تجد الجماعة من يحلّ محل القرضاوي، لا سيما وأن هذا الأخير قد توافرت له مجموعة من الظروف والعوامل التي ساعدته كثيراً في الوصول إلى ما وصل إليه من مكانة، ليس فقط داخل جماعة الإخوان المسلمين، وإنما أيضاً بين جماعات الإسلام السياسي بصفة عامة، وبين شرائح مختلفة من المسلمين خصوصاً قبل ما سمي بالربيع العربي.
ورغم أنه قد يكون من الصعب التعرف على من سيخلف القرضاوي بشكل قاطع في هذه الفترة، ستحاول هذه الورقة أن تعالج هذه الإشكالية من خلال ثلاثة محاور رئيسية، الأول يوضح الدور الذي لعبه القرضاوي في جماعة الإخوان المسلمين وتأثير غيابه على الجماعة، فيما يطرح المحور الثاني مجموعة من الأنماط والأمثلة عليها، من الشخصيات الممثلة لتلك الأنماط التي قد يخلف أحدها القرضاوي أو على الأقل يقع عليه اختيار الجماعة لتجهيزه أو “تصنيعه”- إذا جاز التعبير- بناء على بعض المعايير، بينما ينظر المحور الثالث في صعوبة تكرار نموذج القرضاوي على المدى القصير والمتوسط، نظراً للسياق الذي تعيش فيه الجماعة حالياً، كما يطرح المحور البدائل المتاحة أمام الجماعة للتعامل مع هذه الإشكالية.
أولاً: القرضاوي.. الدور وتأثير الغياب
حظي القرضاوي بمكانة كبيرة داخل جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بالنظر إلى مجموعة الأدوار الذي قام بها والتي صبت-كما سبقت الإشارة إليه- لصالح الجماعة مباشرة. وقبل الحديث عن هذه الأدوار، ينبغي الإشارة إلى أن القرضاوي توافرت له مجموعة من العوامل، التي ساعدته كثيراً في الوصول إلى ما وصل إليه داخل الجماعة، وذلك في ظل ارتباطه بسياسات ومصالح دول، منحته أدوات إعلامية ومؤسسية ومالية، مكنته من أن يوصل أفكاره إلى شرائح واسعة في مختلف دول العالم[1].
وقد لخص البعض الأسباب التي أدت إلى وصول القرضاوي إلى تلك المكانة، مشيراً إلى امتلاكه تكويناً معرفياً في الفقه والتفسير وعلم الكلام والحديث وغيره من العلوم الدينية التقليدية، وتحصله على إمكانات هائلة، مالية ومؤسسية وإعلامية، أعطته قدرة فائقة على أن يصل بصوته إلى كل الأصقاع، وعدم اكتفائه بدوره كباحث أو فقيه أو مختص في العلوم الدينية والشرعية، بل أرفق هذا بمسار حركي، وعمره المديد الذي أعطاه فرصة ليرى أجيالاً من مؤسسي “الإسلام السياسي” ورموزه، فضلاً عن شبكة روابط قوية مع مسؤولين وحكام[2].
كما توافرت مجموعة من التطورات الإقليمية والدولية، التي منحت القرضاوي وجماعته قدرة كبيرة على التأثير في العالم وفي المنطقة، أولها هجمات 11 سبتمبر 2001 التي طرحت بعدها الجماعة نفسها باعتبارها تمثل الإسلام المعتدل، والثاني هو غزو العراق، وانضمام الحزب الإسلامي العراقي (إخوان العراق) إلى مجلس الحكم الانتقالي، تحت الوصاية الأمريكية في إشارة إلى عدم معارضة الإخوان التعاونَ مع الغرب، والتطور الثالث هو أحداث ما سُمي بـ “الربيع العربي” التي وفرت الفرصة للإخوان للاستيلاء على السلطة في بعض الدول العربية[3].
1- أدوار القرضاوي في جماعة الإخوان المسلمين:
في هذا الإطار يمكن بلورة مجموعة من الأدوار المهمة التي لعبها القرضاوي، داخل جماعة الإخوان المسلمين، والتي كان لها أثر كبير في خدمة الجماعة ومصالحها.
أ- المنظّر والمرشد الروحي للجماعة
لعب القرضاوي دور المنظر والمرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، إذ طور وضعه منذ نشأة قناة الجزيرة القطرية وبرنامجه “الشريعة والحياة”، ليصبح مرشد الجماعة الروحي على المستوى الدولي. بل إنه حاول منذ تأسيسه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004، أن يصبح المرشد الروحي للعالم السنّي كله[4].
وقد شارك القرضاوي في تطوير الأساس الثقافي والديني للجماعة، من خلال ما نشره من مقالات وما ألفه من كتب عديدة، ساعدت الجماعة كثيراً في تخطي بعض المعضلات الفكرية التي دائماً ما جلبت لها الانتقادات. وقد وجدت أفكاره و”تخريجاته” الدينية قبولاً لدى الجماعة، حيث ساعدتها في مسارها خلال عصريْ السادات ومبارك، حتى الوصول إلى كرسي الرئاسة، إذ أسهمت هذه الأفكار و”التخريجات” الفقهية، في تلميع صورة الجماعة لدى قطاعات جماهيرية واسعة، وأمام الرأي العام الغربي[5].
ب- الوسيط في حل الخلافات والنزاعات داخل الجماعة
دائماً ما لعب القرضاوي دور الوسيط لحل الخلافات داخل الجماعة، نظراً لما يتمتع به من مكانة داخلها. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، من بينها، تدخله وسيطاً بين تيار العمل العام، الذي خرج من اتحادات الطلاب للجماعة الإسلامية في السبعينيات، بقيادة عبدالمنعم أبو الفتوح والتيار التنظيمي بقيادة خيرت الشاطر، لتهدئة الخلافات بين التيارين قبل أن تمتد إلى القواعد الإخوانية أو تخرج إلى العَلَن[6].
كذلك دائماً ما تدخل القرضاوي في محاولة للحفاظ على وحدة الجماعة بعد سقوطها عن الحكم في مصر، ففي إثر الخلاف الذي نشب في عام 2014 بين جيل الشباب في الإخوان بقيادة محمد كمال وبين الحرس القديم بقيادة محمود عزت، سعى القرضاوي إلى تسوية هذا الخلاف وأصدر بياناً في مطلع عام 2016، يقترح فيه بعض الإجراءات من أجل احتواء الخلاف[7]. وقد استمر هذا الدور في الأزمة التي نشبت بين إبراهيم منير ومحمود حسين، وصراعهما حول من يسيطر على الجماعة. إلا أن القرضاوي لم ينجح في تسوية هذه الأزمة التي لا تزال مستمرة وتتفاقم.
ج- الداعم لوصول الجماعة إلى السلطة
ما إن لاحت بوادر لإمكانية استغلال جماعة الإخوان المسلمين لأحداث ما سمي بـ “الربيع العربي” للقفز على السلطة في بعض الدول العربية، حتى كان القرضاوي أول الداعمين لوصول الجماعة إلى الحكم، ومن ذلك على سبيل المثال، مسارعته إلى زيارة مصر بعد أيام قليلة من تنحي الرئيس مبارك، ليخطب الجمعة في ميدان التحرير فيما سمي بـ “جمعة النصر”، وهو ما شكل دعماً واضحاً وصريحاً لمسعى جماعة الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم.
كما أفتى القرضاوي في أكثر من مناسبة بضرورة دعم جماعة الإخوان في حكم مصر “إسلامياً”، برئاسة محمد مرسي، ومع تأزم الحكم في عام 2013، وَصَف القرضاوي من خرجوا في تظاهرات ضد حكم مرسي بـ”الخوارج، والمجرمين الخارجين على طاعة الحاكم”، وذلك بعد أن أفتى بحرمة التظاهرات من الأساس منذ تسلم الإخوان للحكم العام 2012[8].
د- المحرّض ضد خصوم الجماعة
حرّض القرضاوي ضد خصوم الجماعة، خاصة بعد سقوطها عن الحكم في مصر في يوليو 2013. فعلى سبيل المثال، دعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في مصر، وقال مشيراً إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، في بيان “لا تنتخبوا رجلاً تَلَوّث من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه بدماء الأبرياء من المصريين”، كما وصل تحريضه ضد الأزهر، وقال في هذا الشأن: “لا تستمعوا إلى أصحاب العمائم المزيفة لأنهم ليسوا علماء للدين، بل هم علماء السلطة، والشرطة”[9]. وقد وجد مؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، أن القرضاوي أصدر في عام 2013 فتاوى “حرض فيها على قتل مُعارضي (الإخوان)، واستهداف رجال الجيش والشرطة والقضاة”، كما “حرض أيضاً على اقتحام السجون المصرية، وأباح العمليات الانتحارية”[10].
كما حرض القرضاوي ضد الشيخ السوري سعيد رمضان البوطي، لأنه لم يُؤيّد ما سمي بـ “الربيع العربي” وتوقعه ما آلت إليه الأمور، حيث قال إنه من بقايا العلماء وفقد هويته وعقله. عندما سئل القرضاوي في أحد البرامج التلفزيونية هل يجوز استهداف من يساند النظام السوري؟ رد قائلاً: من يكون مع النظام سواء عسكريين أو مدنيين أو علماء جهلاء، فيجب أن نقاتلهم جميعا. ومن المعلوم أنه قد تم اغتيال الشيخ البوطي بعد ذلك.
القرضاوي يحرض على البوطي
المصدر: https://www.youtube.com/watch?v=Wxy7IM9MV4g&t=12s
ه-توظيف الفتاوى لخدمة مصالح الجماعة
قام القرضاوي بدور آخر مهمّ، تمثل في توظيف الفتاوى التي يصدرها لخدمة الجماعة، حتى لو أدى به ذلك إلى الوقوع في فخ التناقض، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك. فقد أيَّد القرضاوي تدخل الغرب لضرب دول عربية وإسلامية، عندما رأى في ذلك خدمة لجماعة الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة. ففي سوريا التي كان فيها للجماعة دور كبير في الحرب ضد نظام بشار الأسد، وبرغم رفضه الدور الأمريكي في محاربة تنظيم داعش[11]، فإنه أيَّد ضِمناً أيّ ضربة عسكرية غربية للنظام، رداً على ما قيل إنه هجوم بالأسلحة الكيماوية على المدنيين، ملمّحاً إلى أن القوى الأجنبية أدوات سخرها الله للانتقام من الأسد.[12]
كما دعا أيضاً في يونيو 2013 إلى “الجهاد” ضد نظام الأسد، وذلك بعد تدخل حزب الله اللبناني في الحرب لمساعدة الرئيس بشار الأسد[13]، وهي الدعوة التي أجّجت الحرب السورية، واتُّخذت ذريعة من جانب تنظيمات إرهابية عدة، للعب على الأراضي السورية وتصدير الإرهاب إلى دول مجاورة[14].
وكان المثال الأبرز على توظيف القرضاوي الفتاوى لصالح جماعة الإخوان المسلمين، الفتوى التي أجاز بها العمليات الانتحارية، فبالرغم من أن الإسلام يحرّم الانتحار بشكل واضح جداً، فإنه أيّد هذه العمليات[15]، للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، وللسوريين في مواجهة النظام، حيث أفتى بجواز القيام بعمليات انتحارية، بشرط موافقة “الجماعة”، وأن “تكون هناك حاجة إلى تفجير شخص نفسه” على أن “تدبر الجماعة كيفية التنفيذ مع تقليل الخسائر قدر الإمكان”[16].
فيديو للقرضاوي يُبيح فيه العمليات الانتحارية
المصدر: https://www.youtube.com/watch?v=DxtFLSCFO-M&t=4s
كما أصدر القرضاوي عدة فتاوى حول ليبيا، تخدم جماعة الإخوان في حربها ضد نظام الرئيس معمر القذافي. فقد قال في إحدى المرات “أصدر الآن فتوى بقتل القذافي.. أي ضابط أو جندي أو أي شخص يتمكن من أن يطلق عليه رصاصة، فليفعل”[17]، وفي موضع آخر، قال عن قتل القذافي: “من استطاع أن يتقرب إلى الله بقتله، فليفعل، ودَمُه في رقبتي”[18].
ومن النماذج الأخرى، إصدار القرضاوي فتاوى، تدعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان قد احتضن الهاربين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بعد سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013، ومن ذلك قوله إن النظام الرئاسي أفضل نظام “يتفق مع التعاليم الإسلامية التي تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو الرقم واحد في السلطة”. وتزامنت هذه الفتوى مع حملة أردوغان للاستفتاء على الدستور في 2017، وتضمين تعديلات راكمت مختلف الصلاحيات بيديه[19]، كذلك وبينما كانت القوات التركية تغزو مناطق في سوريا، وتستولي عليها، قال القرضاوي إن “الله وجبريل والملائكة يدعمون أردوغان”[20].
2- تأثير الغياب:
في ظل هذه الأدوار المهمة، التي قام بها القرضاوي في جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن غيابه سيكون له تأثير كبير على الجماعة، خاصة في ظل ما يمر به “الإخوان” من صراعات وانقسامات داخلية. فحسب البعض، فإن فقدان القرضاوي في ظل هذه الحالة، هو فقدان لآخر بوصلة كان يهتدي بها أعضاء جماعة تشهد انقساماً حاداً ورئيسياً بين جبهتين متناحرتين، تسعى كل منهما إلى إثبات أنها الأحق بإدارة الجماعة، أولها في لندن يتزعمها إبراهيم منير، والثانية في إسطنبول يقودها محمود حسين، والأسوأ، أن كلتا الجبهتين تتبادلان أسوأ الاتهامات حول اختلاسات مالية وانحرافات أخلاقية[21].
إلى جانب ذلك، فإن غياب القرضاوي من شأنه أن يعدّ خسارة الجماعة للكثير من الدعم، الذي كانت تحصل عليه من وجوده، فقد خسرت الجماعة مُنظّراً، طالما أَوْجد لها بعض “التخريجات” الفقهية، التي استطاعت من خلالها رسم صورة زائفة لها، كما خسرت وسيطاً كان مقبولاً من الجميع وقت الخلافات والنزاعات، الأمر الذي يرجح أن يتعمق النزاع الحالي، بين جبهتي لندن وإسطنبول، وأن يتخذ مسارات أسوء، في ظل عدم وجود شخصية قادرة على احتواء الجبهتين وإقناعهما، بأهمية تسوية الخلافات. من جهة أخرى ستخسر الجماعة شخصية كانت قادرة على إصدار فتاوى مؤثِرة يمكن أن توظفها لصالحها، وهو ما حدث في العديد من المواقف الصعبة التي تعرضت لها الجماعة.
ثانياً: أنماط المرشحين لخلافة القرضاوي.. الشروط والمعوقات
يمكن القول إنه من الصعب حالياً، وجود شخص داخل جماعة الإخوان المسلمين يمكنه أن يخلف يوسف القرضاوي، في مكانته العلمية والتنظيرية، بعد الشهرة الواسعة التي حظي بها طوال العقود الماضية، خاصة وأنه كان بالنسبة للجماعة وأنصارها يعد من الفقهاء المفكرين، بل كانوا يعتبرونه أعظم مُنظّر جاء في تاريخ الجماعة بعد المؤسس حسن البنّا، وربما هذا ما جعل بعضهم يطلق عليه لقب “الإمام” بعد وفاته[22]، لكنّ ذلك لا يمنع أن الجماعة ستسعى لإيجاد شخصية بديلة، يمكنها أن تمثل المرجعية الفكرية لها ولفروعها المختلفة، وإن كان الأمر سيحتاج إلى فترة زمنية غير قليلة، حتى تتمكن الشخصية التي يقع عليها الاختيار، من القيام بالدور الذى كان يقوم به القرضاوي بنفس الكفاءة.
1- الشروط الرئيسية:
من وجهة نظرنا، فإن هناك مجموعة من الشروط التي يجب توفراها في الشخصية التي ستخلف القرضاوي، ليس بالضرورة أن تتوافر جميعها، لتنال رضا الجماعة وفروعها والموالين لها والمتعاطفين معها، أهمها ما يلي:
أ-المكانة العلمية:
من أهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع مكانة القرضاوي في العالم، وأضفت الثقل العلمي على آرائه وأفكاره، هو حصوله على درجة الدكتوراه، وهو ذو خلفية أزهرية، وهو ما كانت تحتج به جماعة الإخوان على التنظيمات المنافسة لها. وبالتالي فمن المنتظر أن يكون الشخص المرشح لخلافة القرضاوي حاصلاً على شهادة الدكتوراه في مجال العلوم الشرعية، وله القدرة على الجمع بين الحركية والفقه والفكر، والمواءمة بينهم، في إطار المظلة الفكرية الواسعة للجماعة. وفى هذا الإطار يمكن للجماعة أن ترشح كلاً من القيادي عبدالرحمن البر، لكونه كان أستاذاً للحديث في جامعة الأزهر، وكذلك صلاح سلطان لكونه حاصلاً على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم، حيث تتوافر فيهما مثل تلك الشروط، لكنهما يقضيان عقوبة السجن في مصر الآن؛ ما يعني استبعادهما ولو مؤقتاً من الاختيار.
ب-المؤلفات الفكرية:
يُفضل في الشخصية المرشحة لأن تصبح المُنظّر الأول لجماعة الإخوان أن يكون ممّن يحظوْن بشُهرة واسعة في الأمور الشرعية والفكرية، ولديه العديد من المؤلفات في هذه المجالات، كما يُفضل أن يكون قد قام بالتدريس في عدد من الجامعات في المنطقة العربية أو العالم، وأن يكون عضواً في إحدى المؤسسات الدينية، سواء كانت رسمية أو حتى غير رسيمة، على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نظراً إلى أن الحضور في مثل تلك المؤسسات يمنح الشخص المكانة الرفيعة، والقبول لدى الجمهور المتلقي، لكونه يعزز من مكانته الدينية، وهو ما يسهم في نشر أفكاره على نطاق واسع[23].
ج- النهج الإخواني:
لا يشترط في الشخص الذي سيخلف القرضاوي بالنسبة لجماعة الإخوان، أن يكون قيادياً بها، أو أن يتولى منصباً تنظيمياً رفيعاً. لكنّ الشرط الذي يصعب التنازل عنه، هو ضرورة قناعته التامة بالنهج الإخواني، وخاصة الأسس الفكرية والتربوية، التي قامت عليها الجماعة، وفى مقدمتها أفكار حسن البناء. حيث يجب أن يكون متشرّباً لهذه الأفكار- حتى لو لم يظهر ذلك- ليتمكن من تطويع أدواته الشرعية من الفقه والأصول لخدمة الفكر الإخواني، عبر تمريرها خلال الأدلة الشرعية التي سيطرحها عند تناوله للقضايا المختلفة، خاصة تلك التي تتقاطع مع مصالح الجماعة وأهدافها.
د- الهوية العربية:
على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين تصور نفسها بأنها عابرة للحدود والجنسيات، وتزعم أن الولاء الأول والأخير داخلها هو للإسلام وليس للجنسية، فإنّ ممارساتها، تدل على خلاف ذلك. حيث حرصت الجماعة الأم في مصر على السيطرة على التنظيم الدولي، وكذلك فرض هيمنتها على فروعها المختلفة، ومن ثم فمن المرجح أن تحرص الجماعة على أن تكون الشخصية المرشحة لخلافة القرضاوي إذا لم يكن مصرياً فيجب أن يكون عربياً، وذلك لاعتبارات كثيرة لا تتعلق فقط بعامل الهوية واللغة وأهميتهما بالنسبة للتنظير للأفكار، وإنما أيضاً لاعتبارات تتعلق بالموروثات الفكرية داخل التنظيمات المتطرفة بشكل عام، والتي تعبر عنها مقولة “إذا لم يكن العرب سادة الإسلام فهم سدنته”. وبما أن الجماعة تطرح نفسها على أنها مرادف للإسلام والإسلام مرادف لها، بالتالي سيكون شرط الهوية العربية مهماً في الشخصية، التي من المفترض أن ترث القرضاوي، وتصبح المرجعية الفكرية للجماعة، وأنصارها حول العالم.
و-تأييد الدول الداعمة:
من المعروف أن الشهرة التي وصل إليها يوسف القرضاوي، لم تكن فقط بسبب جهوده العلمية والفكرية، وإنما أسهمت فيها بدور كبير، الرعاية الإعلامية من الدول الداعمة للإخوان، حيث لعبت القنوات الفضائية الموالية لها دوراً بارزاً في الشهرة الواسعة التي وصل إليها الرجل، ونشر أفكاره وآرائه على نطاق واسع، وبالتالي فإن الشخص المرشح لخلافة القرضاوي يجب أن يحظى بموافقة تلك الدول ودعمها، حتى يمكنه أن يحظى بالرعاية الإعلامية التي تساعده على سطوع نجمه، ونشر أفكاره وآرائه، والتي غالباً ما ستكون داعمة لمواقف تلك الدول ومؤيدة لها، باعتبارها حليفاً للجماعة، وبينهم مصالح مشتركة عديدة.
2-أبرز الأنماط المرشحة لخلافة القرضاوي:
يمكن القول إن هناك العديد من الشخصيات الإخوانية أو المحسوبة على الإخوان، التي يمكن أن تنطبق عليها الشروط السابقة أو معظمها؛ ما يجعلها مؤهلة لأن تلعب دور المنظر الفكري للجماعة، لكن يجب أن يؤخذ في الحسبان أن وصول تلك الشخصية لشهرة القرضاوي ومكانته، سيحتاج إلى سنوات طويلة، ويمكن تحديد مستويين من الأشخاص، الذين يمكنهم أن يخلفوا القرضاوي في التنظير والفكر، وهما كالآتي:
أ-المنَظِّرُون الشبان:
في ظل الصراعات التي شهدتها الجماعة الأم في مصر وبعض فروعها، خلال السنوات الماضية بين جيل الشباب والشيوخ، ووجود حالة من التمرد على القيادات القديمة، قد ترى جماعة الإخوان – وهو احتمال غير قوي – الدفع بمنظّر أقرب إلى جيل الشباب، خاصة في ظل الفشل الذي شهدته الجماعة وفروعها خلال السنوات الماضية تحت قيادة الشيوخ، وفي ظل أنها تمتلك نماذج من المفكرين الشبان الذين لديهم القدرة على التنظير وطرح الأفكار، وتتوافر فيهم الشروط السابقة، منهم على سبيل المثال لا الحصر:
- شوقي الأزهر: الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أبردين في المملكة المتحدة، وعلى درجة الماجستير في الفقه وأصوله من المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، ويشغل حالياً منصب نائب مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة في قطر. وهو محاضر في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة[24].
- محمد مختار الشنقيطي: الحاصل على شهادة الدكتوراه في تاريخ الأديان من جامعة تكساس بالولايات المتحدة، ويعمل حاليا أستاذ الأخلاق السياسية بمركز التشريع الإسلامي والأخلاق، السالف الذكر، وله اهتمامات بالفقه السياسي ومقارنة الأديان.
- جاسر عودة: حاصل على درجة الدكتوراه، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأستاذ كرسي الإمام الشاطبي في دراسات المقاصد بجامعة السلام العالمي بجنوب أفريقيا، ورئيس تحرير دورية دراسات مقاصدية معاصرة، ورئيس مؤسس للمجلس الفقهي الكندي[25].
ب- شيوخ التنظير:
على الرغم من أهمية الدفع بوجوه شابة تخلف القرضاوي، خاصة وأن معظمهم يتحدث أكثر من لغة، ولديهم معرفة كبيرة بالثقافة الغربية تجعلهم أكثر قدرة على التواصل مع المسلمين في المجتمعات الغربية؛ ما يكرس نفوذ الجماعة وأفكارها في تلك الدول، إلا أنه من المرجح أن تدفع الجماعة بأحد الرموز المعروفة فكرياً وشرعياً، من أصحاب الخبرات الواسعة في الكتابة والتأليف، من أمثال:
- على الصلابي: الليبي الجنسية، الحاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بمؤلفه فقه التمكين في القرآن الكريم. جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان عام 1999م، وصاحب العديد من المؤلفات التي تكرس للفكر للإخواني.
- عصام البشير: الداعية السوداني الشهير، والأمين العام السابق للمركز العالمي للوسطية، ووزير الأوقاف السوداني سابقاً، والحاصل على دكتوراه في علم الحديث، والأمين العام لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري، وكان قد عيّن في عام 2012 رئيساً لمجمع الفقه الإسلامي بجمهورية السودان، ويعدّ أحد تلامذة القرضاوي المقربين[26].
- صلاح الصاوي: أستاذ الشرعية والقانون، والذي يشغل حالياً منصب رئيس الجامعة الإسلامية بأمريكا الشمالية “مشكاة”، وكذلك الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وصاحب الفتوى الشهيرة بانعقاد بَيْعة الأمة للرئيس الإخواني السابق محمد مرسي[27]، ويعد الصاوي وجهاً مقبولاً لدى العديد من الدوائر الإسلامية في الغرب، نظراً لعدم إعلانه الارتباط بجماعة الإخوان بشكل رسمي.
- علي محيي الدين القره داغي: العراقي الجنسية، ويشغل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمعروف بدفاعه المستميت عن الإخوان، ومهاجمة العلماء الذين ينتقدون الإخوان وأفكارهم[28].
- جمال بدوي: أستاذ جامعي مصري في كندا، حصل على درجة الدكتوراه في جامعةِ إنديانا، في بلومنغتن، وله العديد من المؤلفات، وهو من الشخصيات التي تعمل على تعزيز النشاط الإخواني في كندا، ونشر أفكار الجماعة بين الجالية الإسلامية هناك[29].
- وصفي عاشور أبوزيد: أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة، عضو مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية، ورئيس القسم العلمي في رابطة علماء أهل السنة[30].
ويجب في نهاية هذا الجزء التأكيد على أن الأسماء السابقة المطروحة لخلافة القرضاوي هي على سبيل المثال، وليس بالضرورة أن يكون الشخص المرشح أحد هذه الأسماء، وإنما تمَّ طرحها كنماذج تنطبق عليها الشروط، التي يجب توافرها في الشخص، الذي قد يتم الدفع به، وتلميعه إعلاميا في المستقبل، ليصبح المُنظّر الأول لجماعة الإخوان.
ثالثاً: المؤسساتية ترث.. والبطل هو السياق؟
هناك سيناريو آخر يطرح نفسه بشأن من يخلف القرضاوي، يعتمد بالأساس على أننا نعتقد صعوبة أن تحل شخصية واحدة محل القرضاوي، على المديين القصير والمتوسط. فالأوصاف المُبالغ فيها، والتي تصل إلى حد إصباغ القداسة عليه في رثائه[31]. كما يمكننا أن نفهم من كلمات القيادي الإخواني الموريتاني محمد الحسن ولد الددو ،حيث قال في رثاء شيخه إنه يكفيه أنه “ما توفاه الله حتى انفرد بالإمامة، فلم يكن في عصره في هذا الزمان أكبر منه حظاً من ميراث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكان الوارث الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان”[32]. ووصل الأمر أيضا لاختصار أمة الإسلام في شخصه، كما كتب علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام لما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: “نودع عالماً في أمة وأمة في عالم”[33]. أو “علّامة الأمة وفقيه العصر” كما قال المنظر الإخواني الليبي علي الصلابي[34].
كما وصف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين القرضاوي بأوصاف، نستطيع أن نستشف منها مجموعة المهارات والقدرات، التي يجب أن تتوافر فيمن سيخلف القرضاوي، أو فيمن سيُعد لذلك الدور، إن لم يكن يمتلك هذه القدرات في الوقت الحاضر. فخليفة القرضاوي يجب أن يتميز “بالقدرة على إفهام العامة، وإقناع الخاصة معاً”، وعلى “مخاطبة العقل وإلهاب العاطفة معاً”، وعلى “استلهام التراث”، و”الاستفادة من ثقافة العصر جميعاً”، وعلى “المزج بين الدعوة النظرية والعمل الحركي والجهادي من أجل الإسلام”، وعلى ربط التدين الفردي بما يسمونه “هموم الأمة الإسلامية الكبرى وقضاياها المصيرية”، وعلى وصل ” دعوة الإخوان” بالفقه، والفقه بالدعوة، “فلا تحس بانفصام بين الداعية والفقيه”، وأن يكون ذلك الشخص بالجملة “في الدعوة، كما في الفقه والفكر، نموذجاً متفرداً”[35].
وبما أن السمات السابقة لا تتوافر حالياً في شخص بعينه من جماعة الإخوان، وبما أن السياق الحالي الذي تعيشه الجماعة يعتبر أحلك مراحلها التاريخية (نظراً لفقدانها معظم حواضنها المجتمعية ولخروجها من معادلات العلاقات الدولية في ذات الوقت)، فإن السيناريو الأقرب للحدوث على المستويين القصير و المتوسط، هو توزيع الأدوار التي لعبها القرضاوي، والمُشار إليها في الجزء الأول على عدة شخصيات أو إسنادها لمؤسسات الجماعة التي يمكن لها القيام بها مثل “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، الذي يمثل الوجه الفقهي التقليدي للجماعة أو /و”مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق”، الذي يمثل الوجه الفقهي الحداثي للجماعة، كما سنوضح في السطور التالية.
1- حالة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
في هذه الحالة يمكن توزيع الأدوار التي كان يقوم بها القرضاوي على شخصيتين أو أكثر من بين هؤلاء:
أ- الشخصيات النافذة في الاتحاد: (الرئيس المكلف حبيب سليم السقاف، علي محيي الدين القره داغي الأمين العام، أحمد الخليلي نائب الرئيس، عصام البشير نائب الرئيس ورئيس لجنة الثوابت والفكر الإسلامي).
ب- الأمناء المساعدون: وهم (علي الصلابي الأمين المساعد ورئيس لجنة النشر والطباعة، عمر فاروق كوركوماز، عبدالمجيد النجار الأمين المساعد ورئيس فرع تونس، المغربية الدكتورة نزيهة معاريج).
ج-أعضاء مجلس الأمناء (المصري الكندي جمال بدوي، السوداني عبدالحي يوسف، السوري أسامة الرفاعي ، المصري محمد الصغير، الصومالي محمد شيخ أحمد محمد (محمد حاج)، السنغالي عبدالله لام – أمير جماعة عباد الرحمن، الأفغانستاني محمد هارون خطيبي، اليمني فضل بن عبدالله عبده مراد، الجنوب أفريقي إبراهيم جبريل، الفلسطيني نواف هايل تكروري، التونسية سناء الحداد، العراقي حسين غازي حسين السامرائي، الموريتاني محمد سالم بن عبدالحي بن دودو، التركي محمد جورمز رئيس الشؤون الدينية التركية، البوسني صفوت مصطفى خليلوفيتش، الجزائري عبدالرزاق قسوم، الفلسطيني همام عبدالرحيم سعيد، المصري المقيم في جنوب أفريقيا جاسر عودة، الهندي سلمان الحسيني الندوي بن طاهر الحسيني الندوي، الليبي ونيس المبروك، الليبي سالم عبدالسلام عبد الله حسن الشيخي، التونسي نورالدين بن مختار الخادمي، العراقي محسن عبدالحميد، الدكتورة فاطمة عبدالله يوسف عزام الفلسطينية عضو مجلس الأمناء وبنت الإخواني عبدالله عزام رائد الجهاد الأفغاني، الفلسطيني عكرمة سعيد صبري، الإيراني السني عبدالرحمن بيراني).
د-رؤساء الفروع (التركي عبدالوهاب إيكنجي رئيس فرع تركيا، وان سبكي رئيس فرع ماليزيا، أحمد عبدالوهاب البنجويني رئيس فرع إقليم كردستان العراق، مروان محمد أبو راس رئيس فرع الاتحاد في فلسطين).
ه-رؤساء اللجان (المصري الأسترالي إبراهيم أبو محمد رئيس لجنة الأقليات المسلمة والقضايا الإنسانية مفتي أستراليا، المصرية كاميليا حلمي طولون رئيس لجنة الأسرة، المصري جمال عبدالستار رئيس لجنة الشباب، المصري وصفي عاشور أبو زيد رئيس لجنة التزكية والتعليم الشرعي، الكويتي خالد المذكور رئيس لجنة الوقف والاستثمار، الموريتاني محمد الحسن الددو رئيس لجنة الوساطة والمصالحة، الفلسطيني أحمد العمري رئيس لجنة القدس وفلسطين)[36].
2- حالة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق:
مما لا شك فيه أن مدخل القرضاوي للتأثير الكبير على مشهد التدين في العالم الإسلامي كان قد استند بالأساس إلى مخاطبة مسلمي الغرب، وتناول القضايا الفقهية في ظل تحديات الواقع المعاصر (فقه الأقليات المسلمة، فقه الزكاة والحلال والحرام
في الإسلام)[37]. وفي هذا الإطار يمكن أن نستنج أن “مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق”، الذي أُسس عام 2012، يمكن أن يلعب هذا الدور مستقبلاً، من خلال شخصيات سبقت الإشارة إليها في الجزء الثاني من الدراسة (شوقي الأزهر، محمد مختار الشنقيطي، جاسر عودة). فالمركز يتناول موضوعات لم يُجبَل الإسلاميون على تناولها أو على تناولها بطريقة منفتحة مثل: الفن، البيئة، الاقتصاد، التربية، التغذية، قضايا الرجل والمرأة، الإعلام، الأخلاق الطبية والحيوية، الهجرة وحقوق الإنسان، السياسة، علم النفس. ويكفي النظر في أنشطة المركز لاستيعاب تلك النقلة في فقه الإخوان. انظر على سبيل المثال “الأخلاق الإسلامية والجينوم: من المعرفة المتخصصة إلى الحوار المجتمعي”[38].
وكعادة الإخوان في استخدام تلك النقلات الفقهية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للجماعة وعلى رأسها جذب الشباب وتجييشه، ينظم المركز مدارس صيفية[39]، ليسوّغ لنمط تدين الإخوان أو بالأحرى أيديولوجيتهم من خلال استخدام مناهج ونظريات العلوم الإنسانية والاجتماعية[40]. كما لا يتوانى المركز في بعض الأحيان وبشكل غير مباشر في القيام بدور المروّج للأيديولوجية الإخوانية تحت غطاء التجديد وسد قصور “الفقه التقليدي” في تناول الجانب السياسي، فنقرأ على موقع المركز:
“رغم كثرة ما كتبه علماء المسلمين من فكر وفقه سياسي، فقد عانى هذا التراث من جوانب قصور مزمنة يتعلق بعضها بالمنبع، وبعضها بالسياق التاريخي، وبعضها بمنهج التناول: فمن حيث المنبع كان جانب الأصالة والتأصيل في تراثنا السياسي ضعيفاً، حيث طغى المنبع الساساني ثم المنبع اليوناني بدرجة أقل على التنظير الإسلامي في السياسة، وأدى ذلك إلى ضعف مزمن في الاستمداد من الكتاب والسنة استمداداً مباشراً في التنظير السياسي. ومن حيث السياق التاريخي جاء تدوين الفقه السياسي الإسلامي في عالَمٍ يعرف منطق الإمبراطوريات القهرية، ولا يعرف معنى الدول الحرة ذات السلطة الشرعية، فخضع المنظّرون المسلمون في السياسة لمنطق الواقع، وأضفوا عليه الشرعية، بدلاً من نقده والسعي لتجاوزه. ومن حيث منهج التناول ساد في التراث السياسي الإسلامي النظر الجزئي، وإهمال القيم السياسية الكلية من عدل وحرية ومساواة بين الحاكم والمحكوم أمام القانون”[41].
خاتمة
لا شك في أن رحيل القرضاوي سيزيد من إضعاف جماعة الإخوان وفقد جزء مما تبقى لها من تأثير، ولقد حاولت الدراسة التنظير إلى أن السيناريو المرجح للإجابة عن السؤال الرئيسي التي تطرحه، وهو من سيخلُف القرضاوي في الأدوار المتعددة التي كان يلعبها، أنه على المديين القصير والمتوسط، ليس أمام الجماعة سوى توزيع الأدوار التي لعبها القرضاوي، على عدة شخصيات أو إسنادها إلى مؤسسات الجماعة المؤهلة للقيام بتلك الأدوار؛ مثل “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” أو “مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق”، المؤسستين اللتين يتم تطويرهما منذ فترة لتكونا الواجهة الفقهية للجماعة بشكليها التقليدي والحداثي التقدمي، أملاً في تغير السياقات الصعبة التي تعيشها الجماعة الآن، فالسياق هو البطل، وهو وحده الذي سيحدد ليس فقط من سيخلف القرضاوي، بل مصير الجماعة ذاتها.
المراجع
[1]. هشام النجار، يوسف القرضاوي هل كان ينفذ مشروعاً إخوانياً أم هو من صنّاع هذا المشروع؟، العرب اللندنية، 28 سبتمبر 2022. https://bit.ly/3E2hhDp
[2]. د. عمار علي حسن، يوسف القرضاوي.. فقيه “الإسلام السياسي” النافذ، عين أوروبية على التطرف، 15 أكتوبر 2020، https://bit.ly/3UIOSrU
[3]. حسين عبدالغني، هل تعمق وفاة الشيخ القرضاوي جراح الإخوان؟ موقع مكان 360، 27 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3dMd5gg
[4]. المرجع السابق.
[5]. هاني محمد، تركة القرضاوي الثقيلة: كيف تحول الفقيه المجدد إلى داعية القتل؟ موقع درج، 28 سبتمبر 2022، https://daraj.com/98934/
[6]. حسين عبد الغني، مرجع سابق.
[7]. كمال الهلباوي، موقف “القرضاوي” من أزمة الإخوان المسلمين، العربية نت، 11 فبراير 2016، https://bit.ly/3LNzYwB
[8]. أحمد عبدالحليم، إرث العنف والتطرف يلاحق القرضاوي في مثواه الأخير، إندبندنت عربية، 27 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3UH0v2F
[9]. سيرة يوسف القرضاوي.. بين اتهامات “العنف” ودعاوى “الوسطية”، مرجع سابق.
[10]. نعي القرضاوي يعيد الجدل بشأن علاقته مع “الأزهر”، الشرق الأوسط، 28 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3Rm35Z0
[11]. توم بيري، حيل الشيخ القرضاوي حامل لواء الدفاع عن الثورات العربية عن 96 عاما، سويس إنفو نقلاً عن رويترز،26 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3ffK5xN
[12]. القرضاوي: الغرب “أدوات الله للانتقام” من الأسد، بي بي سي، 30 أغسطس 2013، https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/08/130830_qaradawi_syria_atatck
[13]. رجل الدين السني يوسف القرضاوي يدعو إلى “الجهاد” في سوريا، رويترز، 1 يونيو 2013، https://reut.rs/3E260D5
[14]. هاني محمد، مرجع سابق.
[15]. كايل أورتون، يوسف القرضاوي والإرهاب، موقع كيوبست، 30 أبريل 2019، https://bit.ly/3SDu9nx
[16]. سيرة يوسف القرضاوي.. بين اتهامات “العنف” ودعاوى “الوسطية”، مرجع سابق.
[17]. القرضاوي يصدر فتوى بقتل القذافي، موقع عمون، 21 فبراير 2011، https://www.ammonnews.net/article/80939
وانظر فيديو للقرضاوي حول هذه الفتوى https://www.youtube.com/watch?v=QrXN1FVIhio
[18]. عسى أن يكون “القرضاوي” سعيداً، صدى البلد، 14 أبريل 2018، https://www.elbalad.news/3260960
وانظر أيضاً رابط الفيديو https://www.youtube.com/watch?v=RF5kTrYZQ1w&t=4s
[19]. رحيل القرضاوي مفتي “الربيع العربي” وتوظيف الدين لخدمة السياسة، حفريات، 27 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3LSZpwH
[20]. هاني محمد، مرجع سابق.
[21]. حسين عبدالغني، مرجع سابق.
[22]. إبراهيم الدويري، الإمام القرضاوي.. قرن من التجديد والجهاد، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 26 سبتمبر 2022، على الرابط، https://2u.pw/4f94T
[23]. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. ذراع الإخوان لاحتكار الخطاب الديني، موقع حفريات، 19 مايو 2020، على الرابط: https://2u.pw/Rrxc0
[24]. السيرة الذاتية للدكتور شوقي الأزهر، موقع مركز التشريع الإسلامي والأخلاق، بتاريخ 28 سبتمبر 2022، على الرابط، https://2u.pw/d91st
[25]. السيرة الذاتية، موقع الدكتور جاسر عودة، بتاريخ 28 سبتمبر 2022، على الرابط: https://2u.pw/ArVy2
[26]. الإخواني عصام البشير.. بوق فتنة يصيغ “تكتيك” الإرهاب، موقع العين الإخبارية، بتاريخ 22 ديسمبر 2018، على الرابط، https://2u.pw/qikDv
[27]. صلاح الصاوي: البيعة انعقدت للرئيس مرسي، موقع المسلم، بتاريخ، 24 مارس 2022، على الرابط:
[28]. القره داغي في دفاعه المستميت عن أردوغان والإخوان، موقع أحوال تركية، بتاريخ 12 أكتوبر 2020، على الرابط:
[29]. الإخوان المسلمون في كندا يستثمرون في العلمانية الغربية ويتمددون، موقع حفريات، بتاريخ 20 سبتمبر 2018، على الرابط: https://2u.pw/jMI5J
[30]. السيرة الذاتية، موقع الدكتور وصفي أبوزيد، بتاريخ 28 سبتمبر 2019، على الرابط: https://2u.pw/7vYbC
[31]. مشاركات بعض المشايخ بشأن وفاة الدكتور يوسف القرضاوي، يوتيوب، الجزيرة، https://www.youtube.com/watch?v=muc_Rfr8itY&t=1511s
[32]. الددو يعزي في القرضاوي وينوه بـ “انفراده بالإمامة” في زمنه (فيديو)، 26 سبتمبر، وكالة الأخبار المستقلة، 2022
https://alakhbar.info/?q=node/43040
[33]. “نودع عالماً في أمة وأمة في عالم”.. القره داغي: القرضاوي عاش حقاً لقضايا أمته ودافع عن دينه”، 28/09/2022
https://www.iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=26474#
[34]. علي محمّد الصلّابي مُعزياً في يوسف القرضاوي، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 27/09/2022،
https://www.iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=26471
[35]. يوسف القرضاوي، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، https://www.iumsonline.org/ar/president.aspx
[36]. أعضاء مجلس الأمناء للدورة الخامسة 2019 – 2022، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،
https://www.iumsonline.org/ar/BoardofTrusteesMembers.aspx
[37]. حسين عبدالغني، مرجع سابق.
[38]. الأخلاق الإسلامية والجينوم: من المعرفة المتخصصة إلى الحوار المجتمعي 01/2019، مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق،
[39]. مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، مدرسة صيفية، فرنسا 2018،
https://www.cilecenter.org/ar/activities/altlym-waltdryb/082018-cile-summer-school-france-2018
[40]. انظر على سبيل المثال:
التدين والصحة النفسية في الجزائر: تبريراً للعلاقة الإيجابية بين الإسلام وعلم النفس، مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، 03/11/2014،
[41]. مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، مجالات البحث، https://www.cilecenter.org/ar/area-research/politics