على الرغم من أن الإسلامويّة قد شغلت الكثير من الباحثين منذ نهاية سبعينات القرن الماضي فإنها لم تُدرَس بعد بشكل كافٍ لسبر غورها وتفكيك الأفكار النمطية حولها وحسم الجدل بشأنها، بوصفها ظاهرة ممتدة في العالم العربي والإسلامي منذ ما يقارب القرن.
وخلال السنوات الأخيرة، انتبه العديد من الباحثين العرب الجادين المتداخلين مع الحضارة الغربية إلى حتمية وجود حوار أكاديمي مع ظاهرة الإسلام السياسيّ. لكن هذا الانتباه لم يحظ بمناقشة نقديّة جديّة للمبادئ التي من الممكن أن يبنى أو يؤسس عليها هذا الحوار.
وفي هذا السياق تهدف تلك الدراسة إلى بدء التفكير في المبادئ التي يمكن أن يبنى عليها حوار أكاديمي بنَّاء لفهم أفضل لظاهرة الإسلاموية[1].
المبدأ الأول: اعتماد المنهج النقدي
يختزل فريق من الباحثين، خصوصًا الغربيين منهم، المنهج «التجريبي» في نوع من التسجيل والنسخ للخطابات الشفاهية المعطاة خلال المقابلات مع القادة الإسلامويين، وتحديدًا الإخوان منهم، دونما قراءة مسبقة أو موازية لنصوصهم التأسيسية المكتوبة، التي كانوا يتربون عليها ويحفظونها عن ظهر قلب، بل ويقدسونها، ودون تحليل لاحق شامل. وباختصار، يكتفي بعض الباحثين بدور جهاز تسجيل أو أن يكون مجرد معجب مغرم «Fan» بموضوع دراسته وشخوصها ليكرر ما يقال من دون إخضاعه لأدوات جمع المعلومات وفهمها وتفسيرها وتحليلها ونقدها، إذا لزم الأمر[2].
ويستهدف هذا المحور البحثي، من خلال تحليل نقدي للنصوص والخطابات التأسيسية للإسلاموية خصوصًا جماعة الإخوان، إلى اختبار ما يطلق عليه “متلازمة الإخوان المسلمين”[3]؛ أي مجموعة العلامات والأعراض والظواهر المرتبطة ببعضها، التي تُلازم وتَنتج عن أي وجود لهم في الفضاء العام، وتتنافى مع القيم الأساسية للمواطنة والعيش المشترك؛ ومن بينها:
– احتكارهم الحقيقة والدين.
– عزلة منتسبيهم الشعورية عن المجتمع.
– الاستعلاء بنمط تدينهم على المجتمع.
-غلبة الفكر التعبوي الشعبوي وتجييش الجموع على الفكر المعرفي القائم على عدم نسبية الحقيقة.
– سيادة شعار “أينما تكون مصلحة الجماعة فثم وجه الله” في ممارساتهم السياسية.
– تحول المجتمع لحالة الصراع الدائم، ليصبح مجتمعًا منقسمًا على نفسه، وصولًا للحروب الأهلية.
-طغيان الجوانب العقائدية والأصولية على الاجتماعية، وحصر النقاش – إن وجد – على القضايا العقائدية الخلافية القديمة؛ وهو ما جعل المجتمع رهينة لفقه العصور القديمة والعصور الوسطى، وذلك بالانقطاع عن حركة العلم والفلسفة والتقدم البشري.
-سيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف في نهجها السياسي للوصول للحكم، مستندة إلى الاعتقاد بكونها الفرقة الناجية الحارسة للدين.
– غياب مفهوم المواطنة وسيادة فكرة ولاء الفرد للجماعة وامتداداتها العابرة لحدود الدولة الوطنية.
المبدأ الثاني: اعتماد مدخل وثائقي يرتكز على الوثائق
بدأ بعض المؤرخين في الكشف عن بعض المصادر الأولية من وثائق جمال البنا (الأخ الأصغر لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين وأول مرشديها) الذي ألف موسوعة في تسعة أجزاء من وثائق الإخوان المسلمين المجهولة المنشورة بين عامي 2009 و2010[4]. تلك الموسوعة تحتوي على الوثائق الأصلية لتأسيس الإخوان، وكذلك اللوائح الداخلية لهيكل التنظيم الإداري وتأسيس الشركات التجارية ومراسلات البنا لوالده والتحقيقات الداخلية. . . إلخ).
ويبقى تحليل هذه الوثائق، على ما يبدو لنا، نادرًا ودون تأثير كبير على (إعادة) التفكير في إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين بالرغم ممّا تحتويه من معلومات جديدة تدحض كثيرًا من الأفكار النمطية عن جماعة “الإخوان”؛ من قبيل أنها أنشئت كرد فعل على سقوط الخلافة أو على الحداثة الغربية.
المبدأ الثالث: اعتماد مدخل متعد لحدود التخصصات
يجب القول إن الإسلاموية، مثل أي ظاهرة اجتماعية ودينية أخرى، معقدة وتتسم بالترابط بين العناصر التي تكونها. وعندما تكون تلك الظاهرة موضوعًا للدراسة، فإن ذلك يتطلب القضاء على التبسيط والسطحية ليكون التحليل أكثر وضوحًا وفاعلية ودقة، وذلك من خلال التواصل بين المعرفة والتطبيق. ولإيجاد طريقة لدمجهما، يجب أن يكون الهدف هو تحسين ظروف الإنسان بحل مشاكله، وذلك ما يوفره فقط المدخل المتعدد التخصصات[5]. فهذا المدخل هو الوحيد الذي يسمح برؤية ما لا تراه المداخل الأخرى في دراستها للإسلاموية.
وحتى الآن، فإن الاختزال / أو التصنيف التخصصي للمعرفة الخاصة بمجال دراسة الإسلاموية (وغالبًا ما يقع بين الدراسات الإسلامية والعلوم السياسية) هو المدخل السائد، ويبدو أن ذلك كان له تأثير كبير على تشظي ظاهرة الإسلام السياسي واختزالها؛ وهو ما أدى إلى إخفاء جوانب كثيرة من الظاهرة ومشاكلها في بيئة من الأنظمة التخصصية المعقدة. ولتفادي ذلك، يجب اللجوء إلى تعددية التخصصات كاستراتيجية قادرة على تجاوز تلك العقبات، من خلال عدم تقطيع أواصل الظاهرة بين التخصصات المختلفة[6]. ومن هنا تأتي ضرورة المنهج متعدد التخصصات الذي يجب أن يتم إنجازه من خلال تفكير معرفي ومنهجي متعدٍّ لحدود التخصصات بهدف إخضاع ظاهرة الإسلاموية للبحث نظريًّا ومعرفيًّا وتجريبيًّا.
وقد أصبح تعدد التخصصات وحده، بحكم الواقع، ضرورة تضمن حوارًا دائمًا ومفتوحًا بين التخصصات العلمية (حيث يجب أن يقدم كل تخصص مساهمته في فهم الظاهرة محل البحث)[7]، وذلك لدراسة معمّقة للمشاكل المتعلقة بظاهرة الإسلاموية؛ مثل العنف، وعدم المساواة بين الجنسين، وعدم التوافق مع الحداثة الاجتماعية والسياسية.
ويمكن تلخيص مساهمات المدخل متعدد التخصصات لدراسة ظاهرة الإسلاموية في حثنا على استخدام استراتيجيات المعرفة والتطبيق العملي لها، والتخلي عن المداخل والأفكار الجاهزة؛ ليكون لدينا أكثر من أي وقت مضى القدرة على فهم المشاكل المرتبطة بظاهرة الإسلام السياسي وحلها، وتطوير استراتيجيات جديدة لاستكشاف معرفة غير مسبوقة ومعمقة للظاهرة محل البحث[8].
ولكن، في الحقيقة، ما هي المساهمات المحتملة للمدخل متعدد التخصصات في مجال دراسة الإسلاموية؟
بادئ ذي بدء، دعونا نقرر أنَّ من المفارقة أن معظم الدراسات المكرسة لدراسة الحركات الإسلاموية في العالم الإسلامي المعاصر تميل إلى تحليل ظاهرة إيديولوجية قائمة على شمولية الدين وتفصيله لما يتوجب فعله في مختلف مناحي الحياة دون مراعاة المدخل متعدد التخصصات في صميم نهجها لدراسة ظاهرة الإسلاموية. فجميع الحركات التي توصف بأنها إسلاموية تتميز أولًا بأنها تدمج السياسي في الديني، وأن لديها ما ينظم الحياة قانونيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا …إلخ[9]. ومن ثم يمكننا القول إن الظاهرة الإسلاموية هي التي تفرض على نفسها المدخل متعدد التخصصات.
ومما لا شك فيه أن ظاهرة الإسلام السياسي لها آثار على كل هذه المجالات التي يغطيها العديد من التخصصات في العلوم الاجتماعية والإنسانية كعلم الاجتماع والعلوم السياسية والدراسات الإسلامية… إلخ. ولكن بما أن مستوى تحليل الظاهرة المراد دراستها هو الذي يحدد مدخل دراستها ومنهجه، فنحن نعتقد من جانبنا أن المنهج متعدد التخصصات أمر ضروري، ليس فقط لفهم ظاهرة الإسلام السياسي بشكل أفضل، بل أيضًا لطرح الأسئلة ذات الصلة والبحث عن حلول ملموسة للمشاكل التي تمنع الحداثة الاجتماعية والسياسية للدول ذات الغالبية المسلمة، وتمنع في الوقت ذاته اندماج بعض المسلمين مع محيطهم في دول المهجر. وفي الواقع فإن المعرفة المجزأة وفقًا للتخصصات تمنع غالبًا الربط بين الجزء والكل، بينما يجب أن يفسح المجال لنمط من المعرفة قادر على استيعاب موضوعات متصلة بالظاهرة في سياقاتها، وتعقيداتها وحاصل مجموعها[10].
وللرد بشكل مناسب على الأسئلة التي تثيرها ظاهرة الإسلاموية يجب أن ترتكز طريقة تحليل تلك الظاهرة ودراستها على منهجية عابرة لحدود التخصصات وليس من وجهة نظر تخصص واحد. وهذا هو السبب في أن “الإسلامويات التطبيقية” يجب أن تلجأ إضافة إلى الدراسات الإسلامية، والعلوم السياسية، إلى علم اجتماع الإسلاموية، وعلم اجتماع الحداثة، وعلم الاجتماع السياسي للإسلاموية، والأنثروبولوجيا التاريخية، وإلى كثير غير ذلك، حتى تتمكن من فهم ظاهرة الإسلاموية المعقدة وتحليل علاقتها بالحداثة، وخطاباتها وممارساتها الدينية – السياسية – الاجتماعية. ولكن، بلا شك، فإن ممارسة مدخل متعدد التخصصات حول موضوع الإسلاموية، مثلها مثل أي ظاهرة اجتماعية أخرى، سوف يتعثر بعدد من العوائق التي من الضروري التغلب عليها لإحراز تقدم في هذا المجال.
العقل الإسلامي بينما مشروع “الإسلامويات التطبيقية” هو نقد العقل الإسلاموي.
المبدأ الرابع: اعتماد مدخل لا يتجاهل النصوص المؤسسة في تحليل الظاهرة الإسلاموية
يقول قسم وازن من الأدبيات في مجال الإسلاموية، وتحت تأثير كل من علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا، إن تحليل النصوص التأسيسية لفهم ممارسات ومخيلة الإسلامويين هو اختزال لواقعهم، وأنه يكفي الاقتصار على ما يقوله الإسلاميون عن أنفسهم بخصوص أنهم ديمقراطيون، وأن ولاءهم هو لدولهم الوطنية على سبيل المثال كحقيقة مسلّم بها. ويعتقد هؤلاء أن الحوار المباشر في صورة مقابلات مع ممثلي الإسلاموية هو السبيل الوحيد القادر على أن يُظهر مثلًا أنهم قابلون للاندماج في الحداثة وقبول الديمقراطية والدولة الوطنية… إلخ[11].
وبعبارة أوضح، يعتقد هذا الفريق من الباحثين أن الخطاب الديني للإخوان المسلمين هو مجرد واجهة بلاغية لا تؤثر على ممارساتهم، ويبدو أن هذا الفريق ينكر حقيقتين واضحتين: الأولى، أن الإخوان المسلمين لديهم ثقافة وتراث نصي يتعارضان تمامًا مع ما يدّعون وصفهم به من قبول الحداثة والديمقراطية…إلخ. ثانيًا، لم يقل الإخوان المسلمون قط إن هذه النصوص لم تعد تؤثر على ممارساتهم وأهدافهم الاستراتيجية.
وإن من يقول إن تحليل النصوص التأسيسية لفهم ممارسات ومخيلة الإسلاميين هو اختزال لواقعهم، لا يستخدم نهجًا تفرضه الظاهرة الإسلاموية وطبيعتها على الباحث، بقدر ما يعمل على اختزال تلك الظاهرة القائمة على نصوص مؤسسة لها كرؤية للعالم في عدد قليل من المقابلات [المخطط لها بعناية] مع بعض قياداتها تتعمد استخدام «خطاب مصطنع» موجَّه للغرب تحديدًا بهدف كسب تعاطفه وتأييده السياسي.
المبدأ الخامس: اعتماد مدخل يفرق منذ البداية بين الإسلام والإسلاموية
يبدو أنَّ من الضروري الفصل بوضوح بين الحقلين الدراسيين (الإسلام والإسلاموية)؛ أولًا لتجنب كثير من الخلط الذي ينتج عن ذلك، وثانيًا من أجل فهم أعمق وأدق لظاهرة الإسلاموية. ومن هنا تنشأ فكرة مجال جديد للدراسات عابر لحدود التخصصات، ومقاربة أو نهج جديد نسميه علم الإسلامويات (دراسة الإسلاموية) التطبيقية. وعلى الرغم من الفصل بين مجالي البحث، الإسلام (الدين) والإسلاموية (الإيديولوجية السياسية التي تقوم على تفسير وضعي للإسلام) فإنهما يكملان بعضهما بعضًا في إطار مقاربة أشمل متعددة التخصصات.
وعلاوة على ذلك، فهذا الفصل ما هو إلا فصل جزئي، يهدف إلى إعطاء هذا المجال مكانًا مشتركًا بين حقلي الدراسات الإسلامية ودراسات العلوم السياسية. وعلى الرغم من أن وقوع هذا المجال على حدود تخصصَي العلوم السياسية والدراسات الإسلامية فإنه بلا شك يستعين بالتخصصات الأخرى، وعلى رأسها علم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجي وعلوم اللغويات وعلم الاقتصاد والدراسات القانونية… إلخ.
المبدأ السادس: اعتماد مدخل مقارني تأريخي للأفكار
يزعم بعض الباحثين ولاسيما الغربيين منهم أن جماعة الإخوان المسلمين يمكن لها أن تسلك الطريق نفسه الذي سلكته الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا. كما يعتقد بعض الباحثين أن الإسلاموية يمكن أن تصبح الشكل الإسلامي لـ”لاهوت التحرير”[12]. وهؤلاء لا يضعون في اعتبارهم أن الهدف الرئيسي للإسلاموية هو إقامة نظام إسلامي، بمفهوم محدد، وهو نظام لا يعترف بالدولة الوطنية ولا يُنظَر فيه إليها على أنها مؤسسة عامة تراقب مصالح الناس وتنظم الشؤون العامة، ولكن كأساس وركيزة للإسلاموية ولحركات الإسلام السياسي لفرض نموذج تديُّنهم حتى ولو بالقوة. وقد أنتجت الطبيعة الفكرية الخاصة بتطور الحركات الإسلاموية السياسية في واقع الأمر لاهوتًا رجعيًّا للتكفير، لا تقدميًّا للتحرير[13].
فالإسلاموية نشأت على أهداف خاصة تجعلها أكثر قابلية للمقارنة بالأصولية البروتستانتية منها إلى لاهوت التحرير، فالإسلاموية هي أصولية تشترك في عدد معين من السمات مع أي تطرف ديني؛ كالمؤتمر المعمداني الجنوبي في الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة «الميلاد جديد»، وكذلك الأصولية الهندوسية على سبيل المثال. وكما توضح الأستاذة الجامعية الكندية «ميشلين ميلو»[14] هناك سمات أساسية للتطرف الديني تتشارك فيها الحركات الأصولية على الرغم من التنوع الكبير لأشكال التعبير والجذور الاجتماعية والثقافية بينها، ويمكن إجمال هذه السمات فيما يلي:
– الخطاب العدواني بشكل عام الذي يرتكز أساسًا على نظريات المؤامرات تجاه الحداثة.
– العودة إلى الدين في جميع جوانب الحياة باعتباره الطريقة الوحيدة الصالحة للتغلب على العلل المصاحبة للحداثة.
-التمترس خلف مسألة الهوية.
– القدرة على التجييش الشعبوي لإقامة نظام سياسي واجتماعي بديل، وفرضه بالقوة.
لذا يتوجب البحث عن أوجه التشابه بين الإسلاموية، خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، وبين التنظيمات والأفكار الإشكالية القديمة والمعاصرة؛ وذلك لفهم أفضل لتنظيمهم وخطابهم، وسلوكياتهم على أرض الواقع، ودينامياتهم الداخلية، ومدى خطورتهم على المجتمعات، واستشراف مآلهم. وهنا يمكن طرح مجموعة من الأسئلة من بينها: ما أوجه التشابه بين الإخوان والأفكار الإشكالية القديمة والمعاصرة في اليهودية والمسيحية وأنماط التدين غير التوحيدية الأخرى؟ ما أوجه التشابه بين الإخوان والتنظيمات الإشكالية القديمة والمعاصرة كإخوان الصفا والإسلاموية الشيعية المعاصرة؟ ما أوجه الشبه بين الإخوان واليمين الديني المتطرف في الغرب؟ كيف نستشرف مآل الإخوان من خلال ما آلت إليه تلك التنظيمات والأفكار الإشكالية القديمة؟
الخاتمة
أوضحت هذه الدراسة أن فهم ظاهرة الإسلاموية يتطلب منهجًا بحثيًّا متعدد التخصصات، فهذه الظاهرة لا يمكن أن تفُسَّر انطلاقًا من تخصص واحد فقط أو من خلال مقاربة واحدة، وأن المدخل المقارن التاريخي للأفكار يساعد على فهم أعمق للتيارات الإسلاموية، وبالتالي يمكننا من رصد التحولات التي تطرأ على ممارساتها، وهو ما يعزز قدرتنا على فهم تلك الظاهرة والتعامل معها بواقعية وموضوعية.
وإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسة أن المقاربة التي تراعي النصوص المؤسسة تمكن الباحث من فهم الخلفيات الفكرية والدينية التي تنطلق منها التيارات الإسلاموية، وهذا يساعد على تحديد مواطن الالتقاء والاختلاف بين هذه التيارات، وكذلك إلقاء الضوء على التأويلات والقراءات المختلفة للنصوص الدينية التي تنفي من يعتبر أي محاولة لاحتكار التحدث باسم الإسلام.
كما أوضحت الدراسة أنَّ من الضروري الفصل بوضوح بين الحقلين الدراسيين (الإسلام والإسلاموية)؛ لتجنُّب كثير من الخلط الذي ينتج عن ذلك ومن أجل فهم أعمق وأدق لظاهرة الإسلاموية باعتبارها إيدلوجية تمثل نوعًا من التدين يجب ألّا يُختزل فيه الدين.
وما سبق، إضافة إلى حتمية المقاربة النقدية وحتمية اللجوء للوثائق في دراستنا لظاهرة الاسام السياسي أو الإسلاموية، يمكن أن يمثل منطلقات يُتفق عليها لفهم أفضل لظاهرة الإسلاموية وتفكيك خطابتها وتحليل سلوكها والبت في الجدليات المثارة حولها منذ الكتابات الأولى عنها في الربع الثاني من القرن الماضي. كما يمكن أن يمثل الخطوة الأولي في طريق الحوار الأكاديمي المنشود حول تلك الظاهرة، فهو عمل لا ينتهي بمجرّد وضْع هذه الدراسة، بل يبدأ منها.
[1] تعتمد تلك الدراسة على دراسة سابقة لمركز تريندز جرى التنظير فيها لمقاربة جديدة لدراسة الإسلاموية ويمكن من خلالها استنباط أهم المبادئ لحوار أكاديمي بنَّاء لفهم أفضل للإسلاموية. للاطلاع على الدراسة:
وائل صالح، الإسلامويات التطبيقية.. نحو مرجعية معرفية عربية لدراسة ظاهرة الإسلام السياسي، اتجاهات حول الإسلام السياسي، العدد الخامس، سبتمبر 2021. https://vu.fr/wrGYh
[2] . وائل صالح، لماذا تتعاطف معها الأكاديميا الغربية؟ (6) عندما يتحول فريق من باحثي الإسلاموية إلى أجهزة تسجيل تعيد ترديد مقولات الإخوان المنمّقة، أصوات أون لاين، 16 يوليو 2020، على الرابط: https://bit.ly/2cbm4J6
[3] . وائل صالح، لماذا تتعاطف دوائر عديدة في الأكاديميا الغربية مع الإسلاموية؟ هل تتوافق الإسلاموية مع المواطنة والعيش المشترك، مؤمنون بلا حدود، 1 فبراير 2021، على الرابط: https://bit.ly/Muqkrk
[4]. نشر تلك الموسوعة في دار الفكر الإسلامي، التي أنشأها جمال البنا لنشر كتبه.
[5] . Violaine LEMAY, « Notes de cours », SHA 706 – Intervention: interdisciplinarité pratique, Programme de doctorat en Sciences humaines appliquées, Québec, Université de Montréal, 2011. p. 1-9)
[6] .J. LEMOIGNE, (2002). « Légitimer les connaissances interdisciplinaires dans nos cultures, nos enseignements et nos pratiques », Ingénierie de l’interdisciplinarité. Un nouvel esprit scientifique, sous la direction de François Kourislsky, Paris, L’Harmattan, p. 30.
[7] . Wael Saleh et Patrice Brodeur L’islam politique à l’ère du post-printemps arabe: Sommes-nous entrés dans l’ère du nécro-islamisme?, Éditions L’Harmattan, 2017, p. 28.
[8] . J. LEMOIGNE, (2002). « Légitimer les connaissances interdisciplinaires dans nos cultures, nos enseignements et nos pratiques », Ingénierie de l’interdisciplinarité. Un nouvel esprit scientifique, sous la direction de François Kourislsky, Paris, L’Harmattan, p. 30.
[9] . Wael Saleh et Patrice Brodeur L’islam politique à l’ère du post-printemps arabe: Sommes-nous entrés dans l’ère du nécro-islamisme ?, Éditions L’Harmattan, 2017, p. 28.
[10] . MORIN, E. (2000). « Chapitre 5 : Affronter les incertitudes », Les sept savoirs
nécessaires à l’éducation du futur, Paris, Éditions du Seuil, p. 12.
[11]. وائل صالح، لماذا تتعاطف دوائر عديدة في الأكاديميا الغربية مع الإسلاموية؟، عندما يتحوّل فريق من باحثي الإسلاموية إلى أجهزة تسجيل تعيد ترديد مقولات الإخوان المنمّقة، مؤمنون بلا حدود، 11 يناير 2021، على الرابط:https://bit.ly/2cbm5g8
[12] . انظر على سبيل المثال الدراسات التالية:
Hamid Dabashi Theology of Discontent: Ideological Foundations of the Islamic Revolution in Iran, New York University Press, 2005, 706 P.
Modernes », 2018/4 n° 700 | pages 66 à 94, [2] Sylvie Taussig, De l’islam politique à la théologie musulmane de la libération, Gallimard | « Les Temps Modernes », 2018/4, n° 700 | pages 66 à 94.
[13] . وائل صالح، لماذا تتعاطف دوائر عديدة في الأكاديميا الغربية مع الإسلاموية؟ (1)، أصوات أون لاين، 11 يونيو 2020، على الرابط:
[14] . Milot, M. (1998). Religion et intégrisme, ou les paradoxes du désenchantement du monde. Cahiers de recherche sociologique, (30), 153–178. https://doi.org/10.7202/1002659ar