Insight Image

ندوة عن بعد – رحلة الإخوان المسلمين العالمية: من أستاذية العالم إلى البحث عن ملاذات آمنة

01 ديسمبر 2020

ندوة عن بعد – رحلة الإخوان المسلمين العالمية: من أستاذية العالم إلى البحث عن ملاذات آمنة

01 ديسمبر 2020

نظم “مركز تريندز للبحوث والاستشارات“، ندوة “عن بُعد” تحت عنوان “رحلة الإخوان المسلمين العالمية: من أستاذية العالم إلى البحث عن ملاذات آمنة“، شارك فيها نخبة من الخبراء في حركات الإسلام السياسي، لمناقشة وضع جماعة الإخوان المسلمين في هذه المرحلة بعد ما تعرضت له الجماعة من ضربات شديدة في العديد من الدول العربية والأوروبية.

في بداية فعاليات الندوة، أعرب الدكتور محمد عبدالله العلي، مدير عام “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، في كلمته الترحيبية، التي ألقتها نيابة عنه الأستاذة نورة الحبسي الباحثة في المركز، عن شكره للمشاركين في فعاليات هذه الندوة، التي تعد الرابعة ضمن فعاليات “منتدى الإسلام السياسي السنوي الأول”، الذي دشنه المركز مؤخراً، ويركز على مناقشة الأبعاد كافة المرتبطة بالمشروع الفكري والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وأدار فعاليات الندوة الدكتور فيكتور جيرفيس الباحث في “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، الذي أشار إلى أهمية هذه الندوة في تسليط الضوء على جانب مهم في رحلة جماعة الإخوان المسلمين، والذي يتمثل في بحث الجماعة الآن عن ملاذات آمنة لها في محاولة للتكيّف مع ما تعرضت له في هذه المرحلة من مواجهات أفقدتها الكثير من عناصر قوتها.

جماعة “الإخوان ” امتلكت طموحاً مبكراً نحو العالمية ولد مع نشأتها

في البداية، أشار الدكتور أشرف سعد العيسوي، باحث وخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية في “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، في ورقته بعنوان “العلاقات بين الأطر التنظيمية والمنطلقات الأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي”، إلى مجموعة من الحقائق الرئيسية، أولها، أن رحلة جماعة الإخوان المسلمين نحو العالمية اعتمدت بالأساس على التنظيم الدولي للجماعة، الذي يمثل بالنسبة إليها “الذراع الخارجية”، التي تروّج لأفكارها وأيديولوجياتها وتعمل على خدمة مشروعها السياسي، وثانيها أن الجماعة تعد نموذجاً للفاعلين الدوليين من غير الدول، فهي موجودة في أكثر من سبعين دولة حول العالم، وتمتلك العديد من أدوات التأثير في المشهدين الإقليمي والدولي، وتطمح ليس إلى الوصول إلى السلطة فقط وإنما تسعى إلى بناء دولة عابرة للقارات أيضاً، وثالثها أن الأيديولوجية التي تتبنّاها الجماعة هي أيديولوجيا عابرة للحدود، لا تحترم سيادة الدول، ولا تقر بخصوصيتها الثقافية والاجتماعية والحضارية.

وأوضح الدكتور العيسوي طبيعة العلاقة بين الأطر التنظيمية والمرتكزات الأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين، من خلال مجموعة من النقاط الرئيسية، أولها أن الجماعة امتلكت طموحاً مبكراً نحو العالمية ولد مع نشأتها، حينما قام مؤسسها حسن البنّا بإنشاء قسم خاص ضمن الهيكل التنظيمي والإداري سمّاه “قسم الاتصال بالعالم الإسلامي”، وثانيها أن المرتكزات الفكرية والأيديولوجية التي انطلقت منها الجماعة نحو العالمية، تضمنت مجموعة من المبادئ المهمة، أبرزها، عالمية الدعوة الإخوانية، وأستاذية العالم، وعدم الاعتراف بالدولة الوطنية والحدود الجغرافية، وإحياء دولة الخلافة الإسلامية.

وفي إطار حديثه عن ثالث هذه النقاط التي تتعلق بأدوات التغلغل الإخواني في المجتمعات الغربية،أشار الدكتور العيسوي إلى وثيقتين مهمتين تجسدان بوضوح رحلة جماعة الإخوان المسلمين نحو العالمية، واستراتيجيتها الرامية إلى اختراق المجتمعات الغربية، الوثيقة الأولى تحمل عنوان “مذكرة تفسيرية: الهدف الاستراتيجي العام للجماعة في أمريكا الشمالية”، أعدها القيادي الإخواني محمد أكرم عام 1991، التي تشير بوضوح إلى أن الهدف الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين هو تطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، تمهيداً لإقامة الخلافة الإسلامية العالمية، والوثيقة الثانية هي وثيقة سرية عثرت عليها الشرطة السويسرية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بعدما نفذت مداهمة ليلية مفاجئة على فيلا يملكها رجل الأعمال الإخواني “يوسف ندا”، وتوضح كيفية تحقيق التغلغل الإخواني في المجتمعات الأوروبية.

وأشار الدكتور أشرف العيسوي إلى أن أدوات التغلغل الإخواني في المجتمعات الغربية تتمثل في تأسيس ما يُشبه “الغيتوهات أو المجتمعات المغلقة” الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين والجاليات المسلمة بوجه عام، والسيطرة على العديد من المراكز الثقافية والجمعيات الخيرية في الدول الغربية، وتوظيف الأذرع الإعلامية المختلفة في رسم صورة مثالية للجماعة، وتعزيز التواصل مع الدول الغربية الفاعلة، وخاصة الولايات المتحدة.

وأنهى الدكتور العيسوي حديثه بالتأكيد على أمرين، الأول أن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية لاحتواء خطر جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي تندرج ضمن حقها السيادي في اتخاذ الخطوات التي تضمن لها الحفاظ على هويتها الوطنية. والثاني أن أي تحرك لمواجهة خطر جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي، ينبغي أن يأخذ في الاعتبار أن هذه الجماعة والحركات التي تدور في فلكها لا تمثل الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه التي تدعو إلى التسامح والاعتدال والوسطية وتؤمن بأهمية الحوار والتعايش بين الأديان والثقافات.

ضرورة تجفيف منابع “الإخوان” المالية

عقب ذلك عرضت الدكتورة جوسلين سيزاري، رئيسة الأكاديمية الأوروبية للأديان، أستاذة مادة الدين والسياسة، جامعة برمنغهام، الولايات المتحدة الأمريكية، ورقة بعنوان “الهواجس الغربية المتنامية بشأن الإسلام السياسي ومستقبل تنظيم الإخوان المسلمين”، ذكرت فيها أن مخاوف الدول الغربية من جماعات الإسلام السياسي بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، تنبع من مهاجمة هذه الجماعات لمبدأ العلمانية الذي يمثل فلسفة الحكم الرئيسية في هذه البلدان ويؤكد ضرورة الفصل التام بين الدين والدولة. وبرغم أن هذه الجماعات تحاول أن تبدو وكأنها لا تدعو إلى تغيير هذا المبدأ في الدول الغربية، فإن رفضها لتطبيقه في الدول العربية والإسلامية يكشف ازدواجيتها ويثير قلق الدول الغربية.

وذكرت الدكتورة سيزاري أن قوة “الإخوان” تكمن في محاولة الجماعة إضفاء الطابع الاجتماعي عليها، مشيرة إلى أنها سعت دائماً إلى الاقتراب من الشرائح الاجتماعية الفقيرة لتقديم الخدمات التي تحتاجها هذه الشرائح، وذلك بهدف التوغل في النسيج الاجتماعي للدولة، وهو ما كان يدفع العديد من أفراد هذه المجتمعات إلى الانضمام إليها، غير أن الجماعة فقدت جزءاً كبيراً من مصداقيتها عندما بدأت في الخوض في العمل السياسي وهو ما يحدث الآن في المغرب وتونس، وحدث من قبل في مصر أيضاً بعد قيام الثورة المصرية.

ورأت الدكتورة سيزاري أنه لا يمكن ربط مستقبل “الإخوان” بنتائج الانتخابات الأمريكية أو بغيرها من الانتخابات، وإنما بكيفية تعامل الجماعة مع الشرائح والقطاعات المختلفة في المجتمعات التي توجد فيها، فالجماعة تمتلك أدوات القوة في الجانب الاجتماعي، ودائماً ما تعيد التفكير في الدور الاجتماعي والدور السياسي من أجل إعادة صورتها كحركة اجتماعية وليست كحركة سياسية، وختمت الدكتورة سيزاري مؤكدة أن جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الحالي هي جماعة اجتماعية أكثر منها سياسية.

 من جانبه، ذكر الأستاذ أمجد طه، صحفي بريطاني-عربي ومحلل سياسي، مؤلف كتاب “خدعة الربيع العربي”، المملكة المتحدة، في ورقة بعنوان “تطور الدور العالمي للإخوان المسلمين: من الدعم إلى التعبئة”، أنه لا يرى اختلافاً بين التوجهات النازية في تحقيق السيطرة على الدول وما تفعله جماعة الإخوان المسلمين، التي تستخدم الأصولية والتطرف للوصول إلى السلطة، وعندما تحقق هذا الهدف فإنها تقضي على أي معارضة كما حدث مع مرسي في مصر.

وأشار إلى أن الدعم الذي حصلت عليه جماعة الإخوان المسلمين في بعض الدول الأوروبية جعل من الصعب إيقافها، مشيراً إلى أن الجماعة لديها 500 مؤسسة في دول الاتحاد الأوروبي، وبدأت مؤخراً في الاعتماد على نفسها في توفير التمويل اللازم من خلال فتح المئات من المتاجر التجارية في الدول الأوروبية، هذا بالإضافة إلى الدعم المالي الذي يتلقونه من بعض المؤسسات الإسلامية والخيرية.

كما تحدث الأستاذ أمجد طه عن وجود جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، مشيراً إلى أن الجماعة تمارس العديد من الأنشطة التجارية هناك، كما يوجد لوبي قوي يدعمها بشدة، بالرغم من أن هناك بعض التقارير التي دانت الجماعة. وضرب مثالاً بتقرير تم تسليمه لمكتب رئيس الوزراء البريطاني عام 2014، أوضح أن عضو جماعة الإخوان يمكن أن يصبح متطرفاً وإرهابياً، فقد أكد حسن البنّا قبوله استخدام العنف السياسي. واختتم الأستاذ أمجد طه كلمته بالتأكيد على ضرورة تجفيف منابع الإخوان المالية، مشدداً أنه من دون ذلك لا يمكن مواجهة الإخوان وإيقافهم.

أفكار سيد قطب المتطرفة تشكّل مصدر قلق كبير في الغرب

من جهته، أشار ليم دوفي، باحث ومتحدث ومستشار في شؤون التطرف ومكافحة الإرهاب، بالمملكة المتحدة، في ورقة بعنوان “المسار العالمي للإخوان المسلمين.. التهديدات والمخاطر” إلى استقرار العديد من عناصر الإخوان المسلمين منذ الستينيات في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ورأى أن تأثير أفكار سيد قطب المتطرفة داخل الجماعة يشكّل مصدر قلق كبير للمجتمعات والحكومات في الغرب. كما أشار إلى وجود جماعات كثيرة ليست تابعة لـ “الإخوان” لكنها متأثرة بشكل كبير بأفكارها وهو ما يشكّل مصدر قلق آخر للعالم الغربي.

وفيما تحدث دوفي عن بعض الأخطاء التي ارتُكبت في بريطانيا في التعامل مع “الإخوان المسلمين”، أشار إلى أن فرنسا تقود الآن مواجهة تيار الإسلام السياسي عموماً خاصة في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون الذي تحدث عن انعزالية الإسلام في فرنسا، وتهديد حركات الإسلام السياسي لقيم الجمهورية الفرنسية وعلمانيتها، إذ تعتقد فرنسا أنه إذا لم تُواجَه مخاطر تيار الإسلام السياسي فإن البلاد ربما تُواجِه عواقب وخيمة تتعلق بهويتها وقيمها العلمانية.

وتطرق الدكتور إيلان بيرمان، النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكي،الولايات المتحدة، في ورقته التي عرضها بعنوان “العلاقات بين أنشطة الإخوان المسلمين في العالم.. نموذج الولايات المتحدة وأوروبا”، إلى وضع جماعة الإخوان المسلمين في المرحلة الحالية، وقال إن الجماعة تمر بمرحلة انتقالية بسبب بعض المشكلات التي تواجهها على الصعيد التنظيمي، خاصة بعد ما فقدته في ضوء تجربتها الفاشلة في حكم مصر بعد ثورة 25 يناير، موضحاً أن هناك صراعاً قائماً بين فريقين، الأول، يرغب في المشاركة والانخراط مع الحكومات، والثاني يميل إلى استخدام العنف، ومع تصاعد نبرة الفريق الثاني فإن الجماعة تعاني الآن حالة من الرفض المجتمعي لممارساتها.

وتناول الدكتور بيرمان قضية إدراج جماعة “الإخوان المسلمين” على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن هذا الأمر لم يكتب له النجاح خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب نظراً إلى عاملين، أولهما اعتبار واشنطن أن تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية سيكون له انعكاسات سلبية على علاقاتها بدول مثل تونس والمغرب وغيرها من الدول التي تلعب فيها الجماعة دوراً مهماً في الحكم، وثانيهما رؤية واشنطن أن ذلك التصنيف قد يؤثر في علاقاتها مع قطر التي تستضيف قوات أمريكية، فضلاً عن حرصها على لعب دور سياسي يساعد في إنهاء أزمة قطر مع جيرانها.

 تفكيك ادّعاء “الإخوان” بأنهم حركة مرت بمرحلة تحول ديموقراطي

وقال الكولونيل (متقاعد) الدكتور إران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، إسرائيل. في ورقته التي عرضها بعنوان “حقيقة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. بين الأيديولوجيا والمشروع السياسي”، إننا نواجه مشكلة مزدوجة نابعة من نجاح جماعة الإخوان المسلمين في تسويق نفسها في الغرب كحركة مرت بمرحلة تحول ديموقراطي، ومن ثم لا بد من أن نقوم بتفكيك هذا الادعاء.

ورأى أنه في المعركة الأيديولوجية مع “الإخوان” هناك وسيلة واحدة للتعامل مع الجماعة وهو العودة إلى الأصول من خلال الإشارة إلى أن نشأة “الإخوان” كان في ظل أنظمة شمولية مثل البلشفية والنازية وغيرها، ومن ثم يمكن القول إن تيار الإسلام السياسي عموماً وضمنه جماعة الإخوان، يعد جزءاً من هذه الأنظمة الشمولية، فضلاً عن أن هناك رفضاً واضحاً في كتب حسن البنّا للمنظومة الديموقراطية في الغرب، وهو ما يجب أن نعود إليه ونروّج له في العالم الغربي لكشف زيف ادعاء الإخوان بأنهم حركة ديموقراطية أصولية أو أنهم حركة إسلامية أصولية ذات ميول ديموقراطية.

واختتم الكولونيل ليرمان حديثه بالإشارة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدى الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال دعمه تيار الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أن مواجهة هذا التحدي، يتطلب تحقيق نوع من التنسيق أو المواءمة بين دول المنطقة ودول أوروبا.

في ختام الندوة، فُتح باب النقاش، حيث أجاب المشاركون على بعض أسئلة المتابعين، فأكد وا أن على الدول الغربية أن تغيّـر من طريقة تعاملها مع جماعة الإخوان المسلمين، بحيث يكون هناك موقف موحد وإجراءات متناسقة من جانب مختلف هذه الدول في مواجهة الجماعة، إذ إن وجود مواقف غير متناسقة من شأنه أن يمنح الجماعة فرصة للتكيّف مع مثل هذه الإجراءات.

وفي رد حول موقف الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من جماعة الإخوان المسلمين، توقع المشاركون ألا يعيد بايدن إحياء سياسات الرئيس باراك أوباما بشأن الإخوان في ظل التحذيرات التي خرجت داخل أمريكا نفسها من خطورة الجماعة على المصالح الأمريكية، بالإضافة إلى الرأي العام العربي الذي بات ينظر إلى “الإخوان” كتهديد حقيقي وهو بالطبع ما سيأخذه بايدن في الاعتبار، فضلاً عن اعتراف أوباما نفسه في كتابه “الأرض الموعودة” بفشل أمريكا في التعامل مع أحداث الربيع العربي وخاصة في الاعتماد على “الإخوان” كجماعة معتدلة يمكن أن تشكل بديلاً في الحكم.

 

المواضيع ذات الصلة