Insight Image

وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان.. بين الانقسام الداخلي والضمور التنظيمي

08 نوفمبر 2022

وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان.. بين الانقسام الداخلي والضمور التنظيمي

08 نوفمبر 2022

المقدمة:

أحدث إعلان جماعة الإخوان المسلمين نبأ وفاة إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد[1]، حالة من الارتباك داخل الجماعة في ظل الانقسامات الداخلية التي تشهدها على مدار العامين الماضيين؛ خاصة وأن الوفاة جاءت بعد أيام من إعلان جبهته عن وثيقة سياسية،[2] ردًا على الوثيقة السياسية التي أعلنها “تيار التغيير” أو المكتب العام منتصف أكتوبر الماضي.

ولم يقتصر انعكاس وفاة إبراهيم منير على وضع الجماعة المنقسم منذ إلقاء السلطات المصرية القبض على محمود عزت في أغسطس 2020 نائب المرشد والقائم بأعماله آنذاك[3]، وإنما امتد أثره إلى الجبهة التي كان يتزعمها منير في العاصمة البريطانية لندن.

ولذلك ذهبت بعض التقديرات إلى أن وفاة إبراهيم منير سيمتد تأثيرها إلى أنشطة وفعاليات الجماعة سواء داخل مصر أو خارجها، وخاصة أنها مازالت تحاول إعادة إنتاج نفسها، وتسعى إلى إسقاط النظام السياسي في مصر، ورغم أن الهدفين يبدوان مختلفين إلا أن الجماعة، عبر الجبهات المنقسمة تسعى إلى تحقيقهما ولو بدرجات متفاوتة وفقًا لرؤية كل جبهة.

وتبحث هذه الورقة في تأثير وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان على حالة التشظي التي تعيشها الجماعة، وفيما إذا كانت هذه الوفاة سوف تصب في صالح جبهة محمود حسين، ومن ثّم ستكون خصمًا من رصيد جبهة لندن. كما ترصد أيضًا مآلات الوضع التنظيمي للجماعة بعد وفاة منير، وهل يمكن استغلال وفاته في التقارب بين الجبهات المتنازعة؟ وخاصة أن إبراهيم منير كان يُعدّ من صقور التنظيم الرافضة لأي تقارب على حساب ما كان يؤمن به من تفسير للائحة الداخلية للجماعة.

أزمة القيادة والصراع عليها

بدأت الأزمة داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ تفجر الخلاف الأول، الذي نشب بعدما قام محمود عزت في مايو 2015 بصفته قائمًا بأعمال المرشد العام، بإقالة اللجنة الإدارية العليا الأولى التي تولى أمرها محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد[4]، وتعيين لجنة أخرى تولى أمرها محمد عبد الرحمن المرسي، عضو مكتب الإرشاد[5].

وقد حملت إقالة محمد كمال من عضوية اللجنة الإدارية العليا الأولى في طياتها بوادر انشقاق كان ظاهرًا في الصراع بين مجموعة مثّلها كمال رأت ضرورة الإسراع إلى العمل المسلح ومجموعة أخرى مثّلها مع محمود عزت كلٌ من إبراهيم منير ومحمود حسين[6]، حيث كانت ترى أن مضار العمل المسلح أكبر من نفعه، ولذلك أوجبت التوقف عن ممارسته.

الخلاف هنا كان على اختيار قيادة هذه اللجنة واختيار أعضائها، وهنا تدخلت قيادة الجماعة ممثلة في محمود عزت لتغيير اللجنة وقيادتها ممثلة في محمد كمال، حيث تم تعيين لجنة أخرى بقيادة محمد عبد الرحمن المرسي، وضمت في عضويتها محمد كمال الذي خضع للتحقيق إلى أن أعلن استقالته من كل المناصب داخل جماعة الإخوان المسلمين.

عند هذه النقطة انشقت مجموعة محمد كمال، التي انحازت إلى العمل المسلح أو “رد الصائل” وفق المفاهيم الفقهية التي تؤمن بها هذه المجموعة، وقد أطلقت هذه المجموعة على نفسها اسم المكتب العام للإخوان أو “الكماليون”، وأعلنت اتخاذها العنف مسارًا واضحًا للتغيير.

بعد أن انتهت هذه المرحلة من الصراع خاصة بعد مَقتل محمد كمال في أكتوبر 2016، بدأت ملامح صراع جديد تظهر حول قيادة الجماعة بين إبراهيم منير الموجود في لندن ومحمود حسين الموجود في إسطنبول، وظهر الصراع بصورة أوضح بعد القبض على محمود عزت، حيث أراد منير أن ينفرد بالسلطة والقيادة، بينما رأى حسين أنه الأحق بقيادة الجماعة، وقد استمر الصراع بين الجبهتين إلى أن تطور حين أعلنت جبهة التغيير أو “الكماليون” عن نفسها كجبهة ثالثة تصارع هي الأخرى على قيادة الجماعة.

بدا أن الصراع أكثر وضوحًا على قيادة التنظيم بعد إعلان نبأ وفاة إبراهيم منير، حيث تتصارع الجبهات الثلاث على حيازة منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان حتى تنال شرعية قيادة التنظيم، وهنا لا يبدو الصراع على منهج العمل ولا على الأفكار أو الاستراتيجيات، ولكن على مجرد قيادة التنظيم.

ومن المرجح أن تعزز وفاة إبراهيم منير من الصراع بين الجبهات الثلاث، وخاصة أن غياب منير قد يدفع الجبهتين الأخريين، وخاصة جبهة إسطنبول إلى الاستنفار من أجل الاستحواذ على منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، بما يساعدها على إنهاء الصراع لمصلحتها وبسط سيطرتها على الجماعة.

تأثير وفاة نائب المرشد على التنظيم

لا يمكن اعتبار وفاة إبراهيم منير[7] أمرًا مفاجئًا لجبهات الإخوان المنقسمة، فالرجل كان يبلغ من العمر 85 عامًا، وقد كان يعرف هو وجبهته أنه على أعتاب الموت، وقد يُغادر الحياة في أي لحظة، ولعل هذا ما دفعه لاختيار د. محي الدين الزايط نائبًا لما عرف باللجنة الإدارية العليا[8]، التي شكلها منير؛ كي تعاونه في إدارة شؤون التنظيم.

وبرغم أن خبر وفاة إبراهيم منير لم يكن مفاجئًا للإخوان، لكنه أصاب الجبهات المتصارعة داخل الجماعة بحالة من الارتباك، وخاصة جبهة لندن التي تُدرك أن الجبهة تخلو من شخصية يمكن أن تكون في شعبية وكاريزما منير، أو أن تكون قادرة على منافسة خصومها في الجبهة المناوئة في الصراع الدائر مع محمود حسين.

إن اختيار د. محي الدين الزايط من قبل جبهة لندن لتولي منصب القائم بأعمال المرشد مؤقتًا حتى إجراء انتخابات في موعد أقصاه شهر واحد، لم يملأ الفراغ الذي تركه منير، خاصة وأن الزايط كان عضوًا في مجلس شورى الجماعة، بينما يشغل غريمه في جبهة إسطنبول، محمود حسين عضوية مكتب الإرشاد، وأمين عام الجماعة، وهذا ما يُضعف موقف جبهة لندن وربما يخصم من رصيدها في الصراع الدائر مع خصومها داخل الجماعة. ولا تُعد هذه النقطة هي الوحيدة التي تصب في صالح جبهة محمود حسين في مواجهة جبهة إبراهيم منير؛ فجبهة حسين مازالت تمتلك مفاتيح التنظيم وولاء إخوان مصر الذين يشكلون مصدر قوة لها.

قد يسعى محمود حسين إلى حسم الصراع مع جبهة لندن لصالحه، خاصة أنه بات الأقوى بعد وفاة منير، ويمتلك مفاتيح الجماعة داخل مصر، ويضع يده على خزائنها[9]، وقد تدفع هذه القوة الكثيرين من الإخوان الذين وقفوا في منطقة الوسط انتظارًا للجبهة الرابحة كي يعلنوا ولاءهم له، وبالتالي سوف تزيد أسهمه بصورة كبيرة[10].

سيناريوهات حسم الصراع والجبهات الثلاث

السيناريو الأول: بات سيناريو حسم الصراع لصالح جبهة دون أخرى هو الأقرب إلى الواقع بعد وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان إبراهيم منير[11]. وتشير المؤشرات إلى أن جبهة محمود حسين باتت أقرب من جبهة منير إلى حسم هذا الصراع. ومما يزيد من إمكانية تحقق هذا السيناريو أن بعض الدول التي تدعم تنظيمات الإسلام السياسي في العموم وجماعة الإخوان على وجه الخصوص، ستقوم بتقديم الدعم لجبهة محمود حسين، بهدف انتشال الجماعة من متاهات الانقسام التي ضربتها قبل أكثر من عامين[12].

إلى جانب ذلك، فإن هناك أزمة لائحية تنتظر جبهة إبراهيم منير، إذ إن لائحة جماعة الإخوان المسلمين تُعطي الحق لمحمود حسين لتولي شؤون التنظيم، بالنظر إلى أنه هو الوحيد من بين أعضاء مكتب الإرشاد الموجود خارج السجن[13].

ولاشك أن نجاح محمود حسين في حسم الصراع لصالحه سيدفعه إلى تزكية نفسه ليتولى منصب القائم بأعمال المرشد بدلًا من مصطفى طلبه، الذي سبق أن عينته جبهة إسطنبول على رأس لجنة لتولي هذا المنصب، في إطار صراعها مع جبهة لندن. وهنا ستتحول طبيعة هذه اللجنة، بحيث تكون بمثابة لجنة بديلة تعاوِن وتساند محمود حسين في منصبه الجديد بنفس الأعضاء أو إضافة أعضاء جدد.

السيناريو الثاني: هو أن يظل الصراع مستمرًا عند آخر نقطة وصل فيها؛ بمعنى أنه لن يتم حسمه لصالح جبهة على حساب أخرى، وهذا السيناريو غير مرجح، نظرًا للمستجدات المطروحة بشأن الخلاف بين الجبهات الثلاث، وعدم وجود من يملأ الفراغ الذي سيترتب على رحيل إبراهيم منير، فضلًا على امتلاك محمود حسين قدرات عالية لحسم الصراع، إذ إنه ومنذ بداية الصراع يتعامل بدهاء شديد، فلا يتخذ أي موقف إلا إذا كان واثقًا بالنتائج المرجوة منه.

السيناريو الثالث: هو أن تتنامى قوة جبهة لندن، وألا تتأثر بوفاة إبراهيم منير، خاصة وأنه ترك مؤسسات ربما تكون قادرة على تعويض رحيله، غير أن هذا السيناريو يبدو أنه غير مرجح أيضًا، نظرًا إلى أن منير كان يتمتع بسمات شخصية ربما لا تتوافر في أي شخصية أخرى مرشحة لخلافته، حيث كانت هذه السمات بالإضافة إلى خبرته عاملًا مهمًا في نجاحه في كسب بعض جولات الصراع مع جبهة إسطنبول، أو على الأقل صموده أمامها منذ بداية الصراع وحتى وفاته.

الخاتمة:

من شأن وفاة إبراهيم منير أن تعزز من الانقسام داخل جماعة الإخوان المسلمين، كما أنها سوف تنقل الصراع داخل جبهة إبراهيم منير، فيما ستسعى جبهة محمود حسين إلى استغلال هذه الوفاة لتحقيق أهدافها وحسم الصراع لصالحها.

وقد تتسبب وفاة إبراهيم منير في حدوث حالة من الانهيار أو الضمور التنظيمي للجماعة وذلك بالنظر إلى ما يلي:

  • إن حسم الصراع القائم بين الجبهات الثلاث لصالح جبهة معينة لا يعني انتهاءه، فقد تجاوزت هذه الجبهات فكرة التقارب وتنامت خلافاتها وصراعاتها، حتى باتت أكبر من حلها، فكل جبهة ترى أن الجبهة المناوئة قد خرجت عن خط الجماعة.
  • برغم أن هناك تيارًا داخل جبهة لندن يقبل فكرة التقارب مع جبهة إسطنبول، فإنه يمثل أقلية مقابل تيار كبير يرفض أي تقارب مع الجبهات المناوئة؛ ما يعزز من فرضية استمرار الصراع داخل الجماعة.
  • إصرار جبهة لندن على المضي قدمًا لتحقيق هدفها الخاص بقيادة الجماعة، ومن ثم تعيين قائم جديد بأعمال المرشد يكون من بين أعضائها الذين يميلون إلى التصعيد والاستمرار في نفس الخط الذي رسمه منير، وهو ما سترفضه بالطبع جبهة إسطنبول.

المراجع

[1] توفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 4 نوفمبر عام 2022 على خلفية جلطة دماغية أصيب بها في اليوم السابق للوفاة نقل على أثرها إلى مستشفى في العاصمة البريطانية لندن ثم لفظ أنفاسه بعدها بساعات.

[2] أعلنت جبهة إبراهيم منير وثيقة سياسية يوم 15 أكتوبر عام 2022، أي قبل ساعات من عقد المؤتمر الذي أعلن المكتب العام للإخوان عقده في إسطنبول لإعلان وثيقة سياسية، وهو ما اعتبره بعض المراقبين قطع الطريق على خصوم الجبهة الذين شرعنوا في وثيقتهم العنف تحت مسمى “الحراك الثوري”.

[3] تم إلقاء القبض على محمود عزت في أغسطس من عام 2020 أثناء وجوده في أحد المنازل بحي التجمع الخامس بالقاهرة.

[4] تم انتخابات اللجنة الإدارية العليا، المعنية بإدارة شؤون التنظيم داخل مصر، في فبراير من العام 2014 والتي تم إيقافها من قبل محمود عزت في مايو من العام 2015.

[5] تم تشكيل اللجنة الإدارية العليا الثانية، برئاسة محمد عبدالرحمن المرسي، في يونيو من العام 2015 واستمرت حتى فبراير من العام 2017.

[6] تم تشكيل لجنة تحقيق مع محمد كمال، رئيس اللجنة الإدارية الأولى بقرار من محمود عزت، واستمر التحقيق معه إلى أن أعلن استقالته من اللجنة الإدارية العليا الثانية التي كان عضوًا بها، فضلًا عن تقديم استقالته من عضوية مكتب الإرشاد وكل المناصب التنظيمية في مايو من العام 2016.

[7] دُفن إبراهيم منير بعد الصلاة عليه في مسجد بشرق لندن يسمى East London Mosque وسط تجمع حاشد للإخوان والإسلاميين الذين حطوا على بريطانيا.

[8] هذه اللجنة مشكَّلة من كل من: أحمد شوشة، ومحمد الدسوقي، ومحمد الجزار، ومصطفى المغير، وأسامة سليمان، ومحمد البحيري، ومحمود الإبياري، ونجيب الظريف، وحلمي الجزار، وجمال حشمت، ومحي الدين الزايط.

[9] تعامل محمود حسين بمكر ودهاء مع إبراهيم منير؛ فعندما كان يتواصل مع محمود عزت قبل إلقاء القبض عليه، لم يكشف عن وسائل تواصله لا مع الإخوان داخل مصر، ولا مع محمود عزت، كما أنه كان يدير استثمارات الإخوان داخل وخارج القاهرة.

[10] منير أديب، أيّهما سبقت وفاته الآخر إبراهيم منير أم “الإخوان”؟، موقع جريدة النهار اللبنانية، منشور بتاريخ 5 نوفمبر 2022، يمكن مراجعته على الرابط،

https://www.annaharar.com/arabic/makalat/annahar-alarabi-authors/04112022024625121

[11] أبلغ إبراهيم منير أنصاره قبل وفاته بقرابة شهرين بأنّ أخبارًا سارة ينتظرونها في الطريق، وعرف الباحث من مصادره داخل الدائرة الضيقة التي تجتمع مع إبراهيم منير، أن بعض الدول تواصلت مع الراحل ووعدته بالدعم واعتباره الممثل الشرعي للجماعة، ومن ثم اتجهت التحليلات إلى قرب حسم الصراع لصالح إبراهيم منير.

[12] وفاة إبراهيم منير.. هل تكتب شهادة انهيار الإخوان؟ موقع العين الإخبارية، منشور بتاريخ 4 نوفمبر 2022، يمكن مراجعته على الرابط، https://al-ain.com/article/brotherhood-ibrahim-mounir-death-collapse

[13] تنص اللائحة الداخلية للإخوان أن يتولى أحد نواب المرشد إدارة شؤون التنظيم في حال وفاته أو وجود مانع، كالمرض وخلافة، لحين إجراء انتخابات، وفي حال تعذر ذلك يتولى أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنًا، ووفق هذا النص تولى محمد هلال، عضو مكتب الإرشاد والأكبر سنًا، منصب المرشد العام مؤقتًا بعد وفاة المرشد محمد المأمون الهضيبي، حتى أجريت انتخابات أسفرت عن تولي محمد مهدي عاكف منصب المرشد.

المواضيع ذات الصلة