خلال العقود الثلاثة الأخيرة، شهدت وفيات الأطفال دون سن الخامسة تراجعا ملحوظا، من 12.6 مليون في عام 1990 إلى 5 ملايين فقط عام 2020، وهو ما يشكل انخفاضا بنسبة 60% خلال هذه الفترة، من 93 وفاة لكل ألف ولادة عام 1990 إلى 37 وفاة بحلول 2020. وإن كان أطفال الدول الأفريقية جنوب الصحراء، لم يحظوا بهذا القدر من الانخفاض في الوفيات بينهم، حيث ظلت الوفيات بين أطفال هذه الدول تحوم حول 74 وفاة لكل ألف ولادة، وهو معدل يبلغ 14 ضعف معدلات الوفيات بين أطفال الدول الأوروبية ودول شمال أمريكا. ولذا نجد أن من بين الخمسة ملايين وفاة سنويا حاليا بين الأطفال دون الخامسة، يشكل أطفال الدول الأفريقية جنوب الصحراء ودول جنوب آسيا 80% (أربعة ملايين) من هذه الوفيات، على الرغم أنهم يشكلون فقط 50% من الولادات الحديثة. وتحتل خمس دول بالتحديد المراتب الأولى في معدلات الوفيات بين أطفالها، وهي نيجيريا والهند وباكستان والكونغو الديموقراطية وأثيوبيا، وتقع ثلث هذه الوفيات، أي أكثر من مليون ونصف، في دولتي نيجيريا والهند.
ومن المنظور الدولي، تحتل الأمراض المعدية، بما في ذلك الالتهاب الرئوي الحاد، والإسهال، والملاريا المراتب الأولى على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد هذه الطائفة العمرية، بالإضافة إلى المضاعفات الناتجة عن الولادة المبكرة، والاختناق أثناء الولادة، والعيوب الخلقية، والتي تحتل هي الأخرى مراتب متقدمة على تلك القائمة. ومما يزيد الموقف سوءا ويرفع من وفيات الأطفال دون سن الخامسة في الدول سابقة الذكر، غياب الطاقم الطبي المؤهل للمساعدة في عملية الولادة، وغياب الرعاية الصحية في فترة ما بعد الولادة أيضا، وعدم توفر الغذاء الكافي للمولود الجديد، سواء من خلال الرضاعة أو من خلال حليب الأطفال في الحالات التي لا يمكن فيها الرضاعة الطبيعية. وفي فترة ما بعد الولادة، يشكل فقدان برامج التطعيم الفعالة والعلاج المناسب لأمراض الطفولة الشائعة، أسبابا رئيسية خلف الوفيات بين هؤلاء الأطفال. وفي الشهور والسنوات اللاحقة، يلقى الكثير من هؤلاء الأطفال حتفهم بسبب نقص وسوء التغذية، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، من خلال زيادة خطر الوفاة بسبب أمراض الطفولة الشائعة مثل الإسهال، والالتهاب الرئوي الحاد، والملاريا. ويكفي لإدراك حجم تأثير نقص وسوء التغذية على معدلات الوفيات بين من هم دون سن الخامسة، حقيقة أن 45% من الوفيات بينهم، ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بنقص وسوء التغذية.
ويستمر حاليا هذا الوضع، على الرغم من أن أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015، تتضمن ضمان توفير المتطلبات الصحية الأساسية لجميع الأطفال، وخصوصا الهدف رقم (3.2.1) والساعي إلى منع جميع الوفيات الممكن تجنبها بين الأطفال الرضع ومن هم دون سن الخامسة بحلول 2030. وذلك من خلال خفض وفيات الأطفال الرضع إلى 12 فقط من بين كل 1000 ولادة في جميع دول العالم، وخفض الوفيات بين من هم دون سن الخامسة إلى 25 فقط من بين كل 1000 ولادة، وفي جميع دول العالم أيضا.
وجدير بالذكر هنا، أن العلماء يبذلون حاليا جهودا حثيثة نحو تخليق تطعيمات طبية في شكل أقراص أو كبسولات، وهو لا يغني فقط عن الحاجة إلى تعاطي هذه التطعيمات عن طريق الحقن، وإنما أيضا سيغني عن ضرورة الاحتفاظ بالتطعيمات في سلسلة تبريد متواصلة، من المختبر أو المصنع، إلى المستشفى أو العيادة، حيث يتم حقنها. الاستغناء عن سلسلة التبريد هذه (Cold Chain)، إذا تم تحقيقه، فسيشكل ثورة في عالم مكافحة الأمراض المعدية، وخصوصا تلك المعروفة بأمراض الطفولة، كالحصبة، والدفتيريا، والنكاف، وشلل الأطفال، والسعال الديكي، والجديري المائي، وغيرها.