-خبراء وأكاديميون: الذكاء الاصطناعي.. قوة تحويلية تشكل الاقتصادات وتقود الابتكار وتؤثر على المشهد الجيوسياسي
نظمت سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في سيول بالتعاون مع مركز تريندز للبحوث والاستشارات والمعهد الآسيوي للبحوث بجامعة كوريا، كشريكين معرفيين، ندوة علمية بعنوان “الذكاء الاصطناعي من أجل مستقبل مستدام وآمن: تسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق الاستقرار العالمي والابتكار الأخلاقي”، وذلك في قاعة فيريتاس بجامعة كوريا في العاصمة سيول، بحضور سعادة عبدالله سيف النعيمي، سفير دولة الإمارات لدى جمهورية كوريا، والدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ”تريندز”، والبروفيسور يو تشاك، نائب رئيس جامعة كوريا، وبمشاركة باحثين وخبراء وأكاديميين؛ بهدف استكشاف الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل عالمي مستدام وآمن.
أهمية الذكاء الاصطناعي
وفي كلمته الترحيبية، قال سعادة السفير عبدالله سيف النعيمي، إن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقدم تقني، بل أصبح قوة تحويلية تشكل الاقتصادات، وتقود الابتكار، بل وتؤثر على المشهد الجيوسياسي.
وشدد سعادته على أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدرك أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي وتأثيره الإيجابي في تعزيز تقديم الخدمات.
وأشار إلى أنه في أكتوبر 2017، أطلقت الإمارات “استراتيجية الذكاء الاصطناعي”، مما مهد الطريق لعصر جديد من الخدمات الحكومية ومشاريع البنية التحتية.
تشكيل مستقبل العالم
وفي كلمة مماثلة، شدد الدكتور محمد عبدالله العلي على أهمية الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل العالم، مؤكداً أن مركز تريندز يولي اهتماماً كبيراً لهذا المجال، مشيداً بالتعاون الإماراتي الكوري في مجال العلم والمعرفة، ودور السفارة الإماراتية في كوريا في تنظيم مثل هذه الفعاليات.
واستعرض أرقاماً توضح النمو الهائل في استثمارات الذكاء الاصطناعي عالمياً، مما يؤكد أهميته المتزايدة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي لبناء مستقبل أكثر أماناً واستدامة، مع التركيز على الجانب الأخلاقي في تطوير هذه التقنيات، محذراً من التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي.
وتقدم بالشكر للسفارة على اختيار مركز تريندز شريكاً معرفياً في تنظيم هذه الفعالية العلمية، والشركاء في جامعة كوريا العريقة على استضافتهم وتعاونهم في تنظيم هذه الندوة.
تعاون مهم
وقد هنأ الدكتور كيم دونغ-وون رئيس جامعة كوريا في كلمة مسجلة منظمي الندوة والمشاركين فيها، وأكد أن التعاون الثنائي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كوريا أمر بالغ الأهمية للجانبين، وشهد توسعاً في مجالاته، من التركيز على الطاقة والبناء، إلى العديد من المجالات الأخرى، بما فيها التكنولوجيا.
وقال إن جامعة كوريا على استعداد لتعزيز التعاون البحثي والأكاديمي مع مركز تريندز للبحوث والاستشارات في مجالات، مثل الذكاء الاصطناعي، والأمن الدولي، ومكافحة الإرهاب، والتقنيات المتقدمة، وغيرها.
مكتب تريندز يعزز التعاون
وفي كلمته الافتتاحية قال البروفيسور لي جين-هان، مدير معهد الدراسات الآسيوية في جامعة كوريا إن تدشين مكتب تريندز في كوريا سيعزز التعاون العلمي والبحثي مع المجموعات العلمية الكورية، معرباً عن تطلع الجامعة إلى مزيد من التعاون العملي مع المكتب.
وقال: “يجب أن نسعى جاهدين لتحقيق نتائج مفيدة ومجدية للجانبين، ولن ندخر جهداً في دعم تحقيق أهدافنا المشتركة”.
مخرجات من الطراز الأول
بدوره قال الدكتور موسى كيم جونغ دو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية، جامعة كوريا، مدير مكتب تريندز في كوريا إنه بصفته رئيساً لمكتب تريندز كوريا سيعمل على تقديم كل ما يتطلبه المكتب، مؤكداً أنه من خلال البحث والتعاون المتبادل بين “تريندز” وجامعة كوريا سنحقق مخرجات ونتاج بحثي مهم ووازن ومن الطراز الأول، مشيراً إلى أن المكتب سيركز على الأبحاث الهادفة التي تضع الإنسان في المركز.
إمكانيات هائلة
عقب ذلك بدأت أعمال الندوة التي قدمت لها الباحثة سعاد الحمادي، وأكد الخبراء والمتحدثون أهمية الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل عالمي مستدام وآمن، وقالوا إن الذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانيات هائلة تساهم في معالجة التحديات البيئية العالمية، مثل تغير المناخ، ونضوب الموارد، وتطوير حلول مبتكرة لتحقيق الاستدامة ونماذج الاقتصاد الدائري، والمساهمة الفعالة في تعزيز الأمن العالمي.
الاستدامة
وتناولت الجلسة الأولى بالندوة، التي أدارها الدكتور هان إن-تايك، الباحث بمعهد سيجونجغ، الذكاء الاصطناعي كمحفز للاستدامة، حيث قدم سعادة الدكتور سعيد الظاهري مدير مركز دراسات المستقبل، جامعة دبي، رئيس جمعية الروبوتات والأتمتة، ورقة عمل أكد فيها أن للذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في مواجهة تحديات تغير المناخ، مؤكداً إمكاناته الهائلة في دفع عجلة الاستدامة.
لكن الدكتور سعيد الظاهري حذر من أنه رغم هذه الإمكانات الواعدة، فإن هناك تحديات يجب التغلب عليها، مثل استهلاك الطاقة الهائل لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي والاعتبارات الأخلاقية المرتبطة باستخدام هذه التقنية.
وشدد على أهمية الاستثمار في البحث والتطوير لتطوير حلول مبتكرة لمعالجة هذه التحديات وضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي والمناخ
من جانبها سلطت رقية النعماني طالبة دكتوراه، في برنامج إدارة التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة، بكلية الهندسة، بجامعة سيول الوطنية، والباحثة في شركة بترول أبوظبي الوطنية، الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في مكافحة تغير المناخ، موضحة كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف الحياد الكربوني من خلال تحسين استهلاك الطاقة، ودمج مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.
وأشارت إلى أمثلة واقعية من الإمارات وكوريا، وشددت على أهمية نشر الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية لضمان توزيع فوائده بشكل عادل.
نافع للحضارة
من جانبه قال الدكتور كيونغ جون لي، أستاذ نظم المعلومات، كلية الأعمال بجامعة كيونغ هي، كوريا الجنوبية إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة ستساهم في تحقيق الاستدامة في العديد من المجالات.
وأشار إلى أن دولة الإمارات لديها اهتمام ملحوظ بتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واستثمارات كبيرة في هذا المجال، وأن كوريا تعد من بين الدول العشر الأكثر تطوراً في مجال الذكاء الاصطناعي، وهناك فرص واعدة للتعاون بينها وبين دولة الإمارات.
وشدد على أهمية أن يتمتع جميع الناس بإمكانية الوصول إلى إدارة الذكاء الاصطناعي، لأننا نرى أن الذكاء الاصطناعي لن يدمر الحضارة الإنسانية، بل سيكون مفيداً للجميع.
الذكاء الاصطناعي والمستقبل
عقب ذلك بدأت الجلسة الثانية وأدارها الباحث في مركز تريندز، زايد الظاهري، وتركزت حول دور الذكاء الاصطناعي في التعريفات المستقبلية للأمن.
وذكرت الباحثة في تريندز نجلاء المدفع أن الذكاء الاصطناعي يطمس الحدود التقليدية، ويقدم تحديات جديدة، مبرزة التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي في تشكيل المخاوف الأمنية، مع تقدم تقنية الذكاء الاصطناعي بمعدل غير مسبوق، ينتقل التركيز التقليدي على الدفاع الإقليمي والجسدي إلى المجالات الرقمية.
الذكاء الاصطناعي والصحة
وقدم الدكتور جون-ميونغ كوون، الرئيس التنفيذي لشركة ميديكال للذكاء الاصطناعي المحدودة، رؤية حول دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تعريف الأمن في المستقبل، مشيراً إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على إعادة تشكيل قطاع الرعاية الصحية فحسب، بل إنه يؤثر أيضاً على الأطر المجتمعية الأوسع نطاقاً، كما تناول الاعتبارات الأخلاقية الخاصة بنشر الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، مع التركيز على التوازن بين الابتكار وسلامة المرضى.
وعرض الدكتور كوان جهاز AI-ECG، لتحليل تخطيط قلب يعتمد على الذكاء الاصطناعي، موضحاً أثره على المجتمع الطبي، مشدداً على تقاطع الذكاء الاصطناعي والأمن الصحي، ضمان التكامل الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لحماية سلامة المرضى.
أما الدكتور ما دونغ-هون، الأستاذ في كلية الدراسات العليا للإعلام والاتصال، جامعة كوريا، سيول فقد أشار الى دراسة أجريت على طلاب جامعة كوريا واظهرت أن برنامج ChatGPT يتمتع بقدرات قوية في مجالات الكتابة والتنظيم وسرد القصص. ومع ذلك، كشفت الدراسة عن محدودية البرنامج في الدخول في نقاشات عميقة وإنتاج أعمال إبداعية وتقديم حلول مبتكرة. وخلصت الدراسة إلى أن التكنولوجيا مهما تطورت، لن تستطيع أن تتفوق على الثقافة الإنسانية.
التطلعات المستقبلية
إلى ذلك أوضح الدكتور دو-هوان كيم ، الأستاذ في جامعة دوكسونغ للسيدات في سيول، أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة تكنولوجية هائلة تحمل في طياتها إمكانياتٍ لا حصر لها. ومع ذلك، وطالب بضرورة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بدلاً من الخوف منه وأنه يجب أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أداة قوية يمكن أن تساهم في بناء مستقبل أفضل للبشرية. والعمل على تطوير إطار تنظيمي مناسب لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنية.
عقب ذلك ألقت مريم المطوع المسؤولة في سفارة دولة الإمارات في جمهورية كوريا توصيات الندوة، ومن أبرزها أهمية الاستثمار في البنية التحتية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعاون الدولي، ووضع إرشادات أخلاقية لاستخدام هذه التقنيات.
كما دعت الندوة الى رفع دعم الأبحاث ورفع مستوى الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ وتحفيز اعتماده على نطاق واسع، وتشجيع الابتكارات القائمة عليه، وأهمية الشفافية، إضافة إلى الدعوة إلى تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من مزايا الذكاء الاصطناعي والحد من تهديداته، وضرورة وضع سياسات استباقية لتبني أطر أمنية تستجيب لدور الذكاء الاصطناعي المتطور.
وأشارت التوصيات إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديات وفرصاً كبيرة، حيث يمكن أن يساهم في حل العديد من المشكلات البيئية والاجتماعية، ولكن يجب التعامل معه بحذر وتطوير إطار تنظيمي مناسب.