-خبراء ومتخصصون:
- تطوير مقاربات دقيقة ضرورة لفهم الظواهر السياسية والاجتماعية في العالم العربي
- المجتمعات العربية تمكنت من «نبذ الإسلاموية» والتفريق بين الدين والتدين
- الشرق الأوسط يشكل المنطقة المحورية الأكثر تأثيراً واضطراباً في السياسة الدولية
أكد المشاركون في المؤتمر الدولي «العالم العربي الحالي .. الديناميات والجهات الفاعلة والقضايا الجيوسياسية»، الذي نظمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بمشاركة مجلس شباب «تريندز»، وبالتعاون مع جامعة أوتاوا، في مقر الجامعة بكندا، أن بنية العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط تشهد تحوّلات عميقة، خاصة بعد أحداث عام 2011 وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن وجود تحولات جيواستراتيجية عالمية، أهمها ارتحال البيئات الجيوسياسية المحملة بالصراعات والتقلبات لمناطق جديدة من العالم، وتداعي النموذج الغربي في الحَوكمة.
وأشاروا إلى ضرورة تطوير مقاربات دقيقة لفهم الظواهر السياسية والاجتماعية المرتبطة بالعالم العربي الحالي بشكل أعمق، موضحين أن المجتمعات العربية انعتقت من تأثير الأيدلوجيا الإسلاموية التي كانت سائدة قبل أحداث 2011، وتمكنت من «نبذ الإسلاموية» مع ظهور اتجاهات قومية محافظة، والقدرة على التفريق بين الدين والتدين.
وعُقد مؤتمر «العالم العربي الحالي» على هامش أعمال الكونجرس الـ 91 للجمعية الفرنكوفونية للمعرفة، وجاء ضمن جولة «تريندز» البحثية والمعرفية العالمية في كندا، وشهدت أعمال المؤتمر مشاركة كوكبة من الخبراء والأكاديميين والباحثين والمتخصصين.
مقاربات دقيقة
وأدار المناقشات في المؤتمر البروفيسور باتريس برودور، الأستاذ المساعد في جامعة مونتريال بكندا، مؤكداً أنه بعد مرور 13 عاماً على الأحداث التي شهدتها دول عربية عدة، وتخللتها قراءات متعددة وتقييمات غير متوقعة، لابد اليوم من تطوير مقاربات أكثر دقة لفهم الظواهر السياسية والاجتماعية المرتبطة بالعالم العربي.
بينما استهل المداخلات في المؤتمر، البروفيسور دومينيك أفون، من المدرسة العملية للدراسات العليا – باريس، موضحاً أنه من المهم تطوير مقاربات متعددة التخصصات قادرة على التعامل مع موضوعات البحث الرئيسية في العالم العربي وفقاً لأوجهها المتنوعة.
تحوّلات عميقة
فيما قدم الدكتور وائل صالح، خبير قسم الإسلام السياسي في «تريندز»، مداخلة بعنوان «العالم العربي بعد ما يسمي الربيع العربي .. بين القطيعة والاستمرارية»، أكد خلالها أن بنية العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط تشهد اليوم تحوّلات عميقة، يُعزى البعض منها إلى مرور العالم بثلاث تجارب مؤلمة وهي بترتيب وقوعها: ما سمي بالربيع العربي، وجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف أن البعض الآخر يُرجع هذه التحولات إلى وجود تحولات جيواستراتيجية عالمية، من أهمها التحول من «العالم المعولم» إلى «العالم المحوجز»، وارتحال البيئات الجيوسياسية الحُبلى بالصراعات والتقلبات لمناطق جديدة من العالم، وتداعي النموذج الغربي في الحَوكمة، وارتحال مصادر القوة الشاملة لآسيا في عالم بصدد التحول لعالم متعدد الأقطاب.
عدم استقرار عالمي
وأكد حمد الحوسني، الباحث في قسم الإسلام السياسي بـ«تريندز»، أن منطقة الشرق الأوسط تحتل مكانة استراتيجية مهمة في منظومة العلاقات الدولية، ومن هنا يبرز البعد الجيوسياسي للمنطقة، والتي تشهد تحولات عميقة في بنية النظام الإقليمي، وانتقال موقع الثقل في العالم العربي من دول مركزية رئيسية إلى فواعل، خاصة في حالة عدم الاستقرار في جميع الأقاليم حول العالم.
وبين أن المنطقة العربية ستشهد تحولات جديدة، مثل مرحلة ما بعد التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيمي القاعدة و«داعش»، مع وجود احتمالات أن يشهد الشرق الأوسط موجة مختلفة من الصراعات، وعمليات إرهابية من نوع جديد، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من حالة عدم الاستقرار والعنف.
بدوره، تحدث الدكتور فريد بلقاسم، من جامعة تونس المنار، عن «حقبة ما بعد الربيع العربي: هل هذه نهاية الإسلام السياسي؟» موضحاً أن مسألة مستقبل الإسلاموية طرحت من وجهات نظر عدة، مستعرضاً نموذج حركة النهضة في تونس، من خلال إعادة النظر في تاريخ صعود وسقوط الحركة بين عامي 2011 و2021، حيث يشهد الإسلام السياسي في تونس، تنظيمياً وأيديولوجياً، حالة من التراجع السياسي والاجتماعي منذ 25 يوليو 2021، لكن من المهم إدراك أن حالة التراجع لا تعني بالضرورة نهايته.
تداعيات وتوازنات
وقال صقر الشريف، الباحث ومدير إدارة التدريب والتطوير في «تريندز»، إن العالم العربي يشهد مجموعة متنوعة من الديناميات والجهات الفاعلة والقضايا الجيوسياسية، أبرزها الصراعات الداخلية، والتداعيات الاقتصادية، وتحولات السياسات الخارجية، بينما تتنوع الجهات الفاعلة بين الدول العربية والقوى الإقليمية والدولية، مما يؤثر على التوازنات كافة في المنطقة.
وتابع أن الشرق الأوسط يشكل المنطقة المحورية الدولية الأكثر تأثيراً واضطراباً في السياسة الدولية المعاصرة، ومن جملة ما أشارت إليه تلك التوجهات السياسية الكبرى في الشرق الأوسط ظهور ما يمكن أن يطلق عليه صراع المحاور الجيوبوليتيكية في مواجهة القوى الإقليمية.
ضغوط دولية
من جانبها، أشارت الدكتورة زينب التوجاني، من كلية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية في جامعة منوبة – تونس، إلى أن حزب النهضة في تونس ضعف إلى حد كبير، وفي عام 2024، تكبد الحزب خسائر فادحة، مضيفة أن هذا الوضع هز حزب النهضة، لكنه لا يعني نهاية الإسلام السياسي في تونس، فمن المهم الإشارة إلى أن مستقبل الإسلام السياسي في تونس يخضع لعوامل كثيرة، بما في ذلك الإجراءات الحكومية والديناميات الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن الضغوط الدولية.
أما الدكتورة أمل هارون، من جامعة مونتريال الكندية، فناقشت في مداخلتها بعض الجوانب الحالية للديناميات الجندرية والعلاقة مع الخطاب الديني بين شباب الطبقة الوسطى المتعلم في دلتا مصر، حيث يعتبر الزواج الحدث الاجتماعي الأهم في حياة الشباب ليصبحوا مسؤولين اجتماعياً، مبينة أن بعض خريجي الجامعات يؤمنون بمفاهيم تقاسم مهام الحياة اليومية والمساواة ورفض العنف، ما يمثل انعتاقاً من تأثير الأيدلوجيا الإسلاموية خصوصاً التي كانت سائدة قبل أحداث 2011.
أبعاد جيوسياسية
من جهته، أوضح عبدالعزيز الشحي، الباحث الرئيسي في «تريندز»، أن التطرف ظاهرة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار في العالم العربي، ولها أبعاد جيوسياسية واسعة، ومواجهة التطرف تتطلب جهداً كبيراً من جميع الدول العربية والمجتمع الدولي، وذلك من خلال العمل على حلّ الأزمات السياسية، وتعزيز الحوار الديني، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومكافحة التطرف، وتعزيز التعاون الدولي، مضيفاً أن إقليم الشرق الأوسط سيكون طرفاً فاعلاً في توجيه أنماط العلاقات وتفاعلاتها الإقليمية والدولية بصورة واضحة، وليس فقط متلقياً أو مراكز للتأثير التابعة.
وتحدث منتصر حمادة، من مجلس الجالية المغربية بالخارج، عن أهم التطورات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمعات العربية بعد أحداث 2011، ومن أهمها «نبذ الإسلاموية» وظهور اتجاهات قومية محافظة، والتفريق بين الدين والتدين، مبيناً أن أحداث 2011 في العالم العربي كشفت حدود المشروع الإسلاموي، خاصة من خلال مقارنة خطابهم خلال فترة المعارضة التي مارسوها وفترة الحكم أو المشاركة في الحكم.
سياسة حذرة
بينما تطرق الدكتور توفيق أكليمندوس، الخبير في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إلى الجهات الفاعلة والتحديات التي تواجه السياسة الخارجية المصرية، موضحاً أن مصر دولة قوية، ولكنها محدودة الموارد، وتعمل في ظل نظام إقليمي غير مستقر، وهذا له آثار عديدة منها السياسة الحذرة الموجهة نحو تقليل المخاطرة إلى الحد الأدنى، والبحث عن طرق غير مكلفة للدفاع عن المصالح الوطنية.
وذكر أن مجتمع السياسة الخارجية المصرية يهدف إلى أن يكون واقعياً، فعلى سبيل المثال تعتقد مصر أن من مصلحتها ولادة عالم متعدد الأقطاب، ولكنها تدرك أيضاً أن أغلب مصالحها وسياساتها تفترض أو تتطلب التعاون الوثيق مع الدول الغربية.
بحث التعاون المعرفي
وفي سياق متصل، ناقش باحثو «تريندز» ضمن جولتهم البحثية والمعرفية العالمية في كندا، سبل التعاون العلمي والمعرفي مع المجلس الوطني الكندي للبحوث «NRC»، وذلك خلال جلسة نقاشية، أكد خلالها الجانبان أهمية المؤسسات البحثية ومراكز الفكر النشطة في تحليل ومعالجة القضايا العالمية المعاصرة، واستشراف مستقبلها.
كما استعرض باحثو «تريندز» آليات التعاون والشراكة مع عدد من المؤسسات البحثية ومراكز الفكر في مدينة مونتريال الكندية، ومنها مركز مكافحة التطرف المؤدي إلى العنف«CPRMV» ، ومركز البحوث والدراسات الدولية، ومعهد الدراسات الدينية في جامعة مونتريال، إلى جانب قسم العلوم السياسية بجامعة كيبك في مونتريال.