إن حالة التسارع غير المسبوق التي تشهدها المجتمعات الإنسانية بفعل نُظُم الذكاء الاصطناعي جعلت عملية إدارة التغير بداخلها أمرًا شديد الصعوبة والتعقيد، فلا تكاد تستقر القوانين والنُّظُم والسياسات حتى يلاحقها تطوّر تكنولوجي جديد يؤدي إلى إعادة تشكيلها من جديد، وبين ا تحاول المؤسسات، على اختلاف أدوارها، استشرافَ المستقبل للاستعداد الجيد له وإعداد الخطط والاستراتيجيات المناسبة، إذا بها تتفاجأ بأن ذلك المستقبل بات أقربَ إليها مما توقعت، وأصبحت مضطرة للتعامل الفوري معه، بإيجابياته وسلبياته، وكأن «الارتجال » أصبح إحدى أدوات التعامل مع هذا الواقع الجديد.
وما يزيد الأمر خطورة، أن العالم من حولنا أصبح متمركزًا بشدة حول الإنترنت، وجميع التفاعلات الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وكذلك الاقتصادية والعسكرية أصبحت معتمدة بصورة رئيسية عليه، فنُظُم العمل والتعليم وشؤون التجارة والاقتصاد لا يمكن أن تستمر في أداء مهامها بعيدًا عن الإنترنت، وأصبح هو بمثابة العمود الفقري لإدارة البنية التحتية الحرجة للدول، مثل نُظُم المراقبة والأمن، ونُظُم إدارة محطات الكهرباء والسدود ومحطات الطاقة، ونظم المواصلات ذاتية القيادة وإشارات المرور، حتى التحكم في الأجهزة المنزلية التقليدية، كلها أمور أصبحت تعتمد بصورة أساسية على الإنترنت.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أن البنية التحتية للإنترنت، التي تدير كافة هذه التفاعلات الذكية، لا تخلو من الثغرات والتهديدات السيبرانية، وعلى الرغم من أن نظام السيلكون واللغة الثنائية Binary system المستخدَمة في الكمبيوتر والبرمجيات قد أثبتت نجاحا كبيرًا خلال السنوات الخمسين الماضية، إلا أن هذا النظام قد لا يستطيع أن يكون هو نفسه -بشكله الحالي- حجرَ الأساس الذي ستقوم عليه التطورات التكنولوجية خلال الخمسين عاماً المقبلة، وأصبح من الضروري إعادة النظر في آلية عمل هذا النظام حتى نضمن حياة مستقرة وآمنة من التهديدات السيبرانية.
فلا يمكن أبدًا لنظام أمني قائم على مبدأ الثغرات الصفرية والأبواب الخلفية أن تُؤسَّسَ عليه حياة بشرية متكاملة قائمة بصورة كاملة على الاستفادة من مكتسبات الثورة الصناعية الرابعة؛ من نُظُم الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء والروبوتات، والسيارات، والدرون ذاتية التشغيل، تلك النُّظُم التي تدير كل التفاعلات اليومية للبشر، والتي إذا تم اختراقها فإن الخسائر ستكون فادحة، فيكفي أن هجمة سيبرانية عملاقة قادرة على أن تعيد البشرية إلى عصور الظلام، ودقائق أو ساعات قليلة حتى تصبح الحياة المزدهرة بالتكنولوجيا الذكية الغنَّاء، مصدرَ سعادة البشرية ورخائها المنتظَر، مجرَّد كومة من الأجهزة الإلكترونية والأجساد البشرية الممزَّقة تعلو فوق بعضها؛ حيث التدمير الشامل دون إطلاق رصاصة واحدة.