كتب

الإرهاب السيبراني: العدو غير المرئي وإعادة تشكل الأمن العالمي

11 نوفمبر 2025

Publication Thumb

ISBN: 978-9948-660-06-4

د.إ 30

يمكنك الحصول على نسختك بصيغة PDF، مع السماح بثلاثة تنزيلات فقط خلال خمسة ايام

لم يكن الإرهاب، بصفة عامة منذ لحظة تفشي العنف على خلفية أهداف دينية، أو أيديولوجية، أو سياسية، حدثًا عرضيا بقدر كونه لحظة مؤسسة أو تكوينية لمسار في التاريخ تولدت معه رؤية على النقيض من الوضع الطبيعي في المجتمع الإنساني كما في السياسة والأخلاق هذه الرؤية أو هذا المسار المنحرف، استعان في مراحله القديمة والتقليدية بالشروط كافة التي تمنحه التوغل والتغلغل في البنى المجتمعية لتضحى منصات هجومية، بينما بحث عن حوامل اجتماعية ليشكل من خلالها شبكات في استطاعتها أن تقوض المجتمع الدولة، ثم يحقق حالة انفصالية وانعزالية يراكم فيها نفوذه ويؤسس معها مجتمعا موازيا له اقتصادياته ومفاهيمه في الأمن والسياسة والهويات وغيرها من الجوانب. لهذا، فالإرهاب السيبراني، الذي يشكل انعطافة في ظل واقع أو عالم معولم ومرقمن، لم يعد مجرد وسيط للتواصل أو منصة للمعاملات الاقتصادية بل تحول إلى ساحة صراع وأحد مسارح العنف. وقد برز بوصفه نمطا يجمع بين الدوافع الأيديولوجية للإرهاب التقليدي وبين الوسائط التقنية المتقدمة التي تتيح له توسيع نطاقه وتعميق أثره.

ولتن تقاطعت في الإرهاب السيبراني الاعتبارات الأمنية والسياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، فإن المسألة لا تتعلق فقط، بتهديد مباشر للبنية الأساسية للدول أو بسرقة بيانات مالية وشخصية، وإنما تتجاوز ذلك إلى زعزعة الاستقرار، وتقويض الثقة في المؤسسات، وتشكيل بيئات متخمة بشروط وعوامل أو بالأحرى إغراءات التجنيد والتعبئة والتطرف.

لقد واكب العالم، خلال العقود الأربعة الأخيرة، قفزة تقنية غير مسبوقة في مجال الاتصالات الحديثة والتكنولوجيا الرقمية، بداية من الحواسيب الشخصية في الثمانينيات، مرورا بظهور الإنترنت وانتشارها في العقد الذي تلاه، وحتى الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي في الألفية الثالثة. هذه النماذج التطورية، لم تكن تعكس مجرد أدوات تقنية استعمالية إنما تخفي أنماطا ثقافية وقيمية وأخلاقية في طور التشكل، ولها طبيعة تتماس مع شكلها الحديث المتطور والدينامي. وبمعنى آخر، لم تكن مجرد وسائط وآليات وظيفية، إنما هي عبارة عن بيئة تنافسية معولمة لها رأسمالها الرمزي في المعلومة والبيانات بوصفها حقيقة وسلطة في آن، وقد نقلت الإنسان إلى مستوى آخر في الصراع الأيديولوجي، ومن ثم، فالإرهاب السيبراني يؤشر إلى مساحة جديدة من النشاط الراديكالي على المستويين النظري والحركي الذي يعيد من خلاله الإرهابيون إنتاج علاقات القوة والهيمنة، والبحث عن فرص التمكين والسلطة.

هذه التحولات، أو ما يمكن وصفه بـ«الطوفان الرقمي»، قد كشف عن تهديدات غير تقليدية. إذ لم يعد مقياس الأمن القومي والوطني - وحتى الدولي مقصورًا على حماية القدرات العسكرية للحدود البرية والبحرية والمجال الجوي، بل أصبح يتمثل أيضًا في امتلاك المعرفة التقنية والقدرة على حماية الحدود السيبرانية من الانتهاك الذي قد يتم بلمسة زر صادرة من قارة أخرى. إنه انعطاف نوعي في تاريخ الإرهاب في ظل الالتقاء المثير بين الراديكالية التقليدية والتقنية المتقدمة، وكذلك بين الفضاءين المادي والافتراضي ليبعث هذا الالتقاء تهديدات جمة تتخطى الحدود والأنظمة التقليدية.