منذ أن أصبحت شبكة الإنترنت تُستخدم استخدامًا تجاريًا على نطاق واسع، فقد استصحبت معها آمالًا بمزيد من الحريات: حرية الأفراد في الحصول على المعلومات، وحرية التعبير عن آرائهم، وحرية الانخراط في حوارات وتشكيل المجتمعات. وقد نظر رُوَّاد الإنترنت الأوائل إلى المنصات الرقمية باعتبارها تمثل الحارس على تلك الحُرّيات، وأنها الجهة المنوط بها توسيع نطاق تلك الحريات -ولكن على وجه يعزز الديمقراطية- من خلال إتاحة منصة شاملة تسمح بتعزيز وجود الأصوات المتنوعة في جميع أنحاء العالم. وقد تحقق هذا الأمل التقني المتفائل عبر تجربة إنسانية متطورة، ولو بشكل جزئي على الأقل، إذ أدت شبكة الإنترنت بالفعل إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على عملية الوصول إلى المحتوى، كما أدت إلى توسيع قدرة الأفراد بشكل كبير على تلقي جميع أنواع البيانات، وإمكانية إنشائها ونشرها، مما أدى إلى إحداث تحول جذري في علاقة البشر مع المعلومات، وعلاقتهم فيما بينهم. هذا الوصول المعزز إلى المعلومات والمحادثات أعاد تعريف نسيج التجربة الإنسانية نفسه، وأثمر فوائد واسعة للأفراد والمجتمعات لا يمكن الإحاطة بها. ومع تطور الإنترنت في السنوات المقبلة، فمن شبه المؤكد أنه سيستمر في تقديم فوائد جديدة بطرائق لا يمكن للأفراد والمجتمعات تخيِّلها حتى الآن.
بيد أن كل هذه الفوائد العديدة لم تمنع شبكة الإنترنت من استصحاب التغيير الضارّ في المجتمعات وحياة الأفراد. صحيحٌ أن شبكة الإنترنت قد حققت التواصل البشري والمشاركة المدنية، لكنها في المقابل أدت إلى تعريض شرائح واسعة من المجتمع لأشكال مختلفة من المحتوى الضارّ، فقد تحول كثير من مواقع الإنترنت إلى منصاتٍ للتضليل، والتحريض على التنمر والكراهية، ونشر المحتوى المثير للاشمئزاز، مما يقوّض سلامة الأفراد وكرامتهم، ويهدد بتقسيم المجتمعات، ويزعزع النظم الديمقراطية. ومن الواضح أن الخوارزميات المصممة لتكييف المحتوى المنشور في الإنترنت من قِبَل المستخدمين قد أدت إلى بث روح الفُرقة والاستقطاب، وزرعت المزيد من الأفكار المتطرفة، وزادت من تآكل التماسك الاجتماعي'. لقد كان المأمول من شبكة الإنترنت أن تُوَسّع مساحة الحرية وتُعَزّز الديمقراطية وتقدم ثقافة مجتمعية متساوية وشاملة،…