في الوقت الذي لا يزال فيه العالم يبحث عن الأسباب التي نشأ عنها فيروس كوفيد - 19، ويتساءل: هل هو فيروس مُخلَّق في المعامل البيولوجية أم هو نتاج تفاعل عوامل طبيعية؟ وكيف السبيل إلى معالجة تداعياته؟، خرجت روسيا، منذ أن بدأت عمليتها العسكرية على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، باتهامات مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن واشنطن تدير عدداً من المعامل البيولوجية على حدودها مع أوكرانيا. الأمر الذي سبب قلقاً بالغاً داخل الأسرة الدولية، وأعاد إلى الأذهان خطورة أسلحة الدمار الشامل.
وثمة جملة من الاعتبارات التي أدت إلى إعادة التفكير ورد الاعتبار إلى الأسلحة البيولوجية منها: النزعة القوية لدى الدول النامية إلى امتلاكها، تعويضاً عن ضعف منزلتها في سياق النظام الدولي الحالي، وصعوبة الكشف عن برامج تطوير الأسلحة البيولوجية، والتطور الذي فتح الباب على مصراعيه لعدد من الدول للمغامرة بسلوك "طريق تعويض" عدم القدرة على امتلاك السلاح النووي، بإنتاج الأسلحة البيولوجية والكيمائية، لتصحيح الخلل الاستراتيجي الحاصل في موازين القوى على المستوى العالمي.
وتهدف الدراسة إلى محاولة الإجابة عن تساؤل رئيسي مفاده: إلى أي مدى ستلجأ الدول إلى الحروب البيولوجية في المستقبل؟ وفي هذا الإطار، تتناول الدراسة الاتهامات الروسية للولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا حول تطوير برامج بيولوجية على أراضي هذه الأخيرة، وماهية الحرب البيولوجية، وتطور استخدام الأسلحة البيولوجية، وأنواع تلك الأسلحة، واتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية: ما لها وما عليها، والسمات العامة للحروب البيولوجية، ولماذا تلجأ الدول للأسلحة البيولوجية، وأوجه التشابه بين الحروب البيولوجية والسيبرانية، ومستقبل الحروب البيولوجية.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية، وجائحة كورونا، أكدتا أن الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، تتنافس في إنتاج الأسلحة الجرثومية وتطويرها، ولا تحترم ولا تمتثل للقانون الدولي، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديداً استراتيجيّاً للأمن والسلم الدوليين. وإن احتمال وقوع حروب بيولوجية يزداد ارتفاعاً مع مرور الوقت، وبخاصة مع ظهور مستجدات دولية ناجمة عن انتشار فيروس كورونا، الذي ما تزال الشكوك تحوم حول مصدره. كما أن العالم لا يزال أمام موجات أخرى من الفيروسات غير الطبيعية سواء أكانت ناتجة عن التغيرات المناخية أم عن الحروب البيولوجية الحاصلة أو الممكنة أو المتوقعة.
إن خطر الأسلحة البيولوجية لا يقتصر على عامل استعمالها أو التهديد بها، بل يتعدى ذلك إلى تداعيات جيوسياسية بعيدة، في ظل فشل اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية في منع تطوير الأسلحة البكتيرية وإنتاجها وتخزينها وفي عدم التمكن من تدميرها، ذلك أنها اتفاقية تفتقر إلى تقنيات الرقابة الفاعلة، وتغيب عنها صفة الإلزامية، كما تخلو من أي عقوبات تُسلَّط على الدول المنتهِكة لأحكامها.