شهد العالم خلال السنوات القليلة الماضية تطورات كبيرة تتعلق قضايا الأمن، التي انعكست على دور الدولة، فبعد أن كانت الدول هي الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية وتحتكر حق استخدام القوة الشرعية لتوفير الأمن، تغير الأمر بعد ظهور فاعلين جدد (دون الدولة» ودخول أطراف جديدة في المشهد السياسي، مثل الشركات الأمنية الخاصة في مجال تقديم الخدمات الأمنية، والقيام بوظائف جديدة كانت من قبل تدخل ضمن مهام الجيوش الوطنية كتأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح والقتال وغيرها (ارحمة، 2021).
وباتت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تمتلك إمكانات هائلة لتكون بمنزلة أداة لتغيير قواعد اللعبة في مجال الأمن الدولي، وأصبحت أحد أبرز العوامل التي لها تأثير واضح في العلاقات بين الدول، وما ساعد هذه الشركات على ذلك هو حصولها على قبول أوسع وانتشار أكبر، إذ توظفها الدول للقيام بمهام محددة داخل حدودها وخارجها، وإضافة إلى ذلك تستخدم الدول هذه الشركات للتدخل في المناطق التي بها صراعات أو نزاعات دون وجود أي مسؤولية قانونية على الدولة الراعية، وما يزيد الأمر تعقيدًا هو استعمال العديد من المنظمات غير الحكومية هذه الشركات لتقديم خدمات على غرار حماية الموظفين والمقرات والعمليات إضافة إلى توفير الدعم العسكري وتحليل المخاطر في سياقات مختلفة وغير ذلك من المهام، فعلى سبيل المثال: نجد منظمة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود وغيرها تستعين بهذه الشركات في تنفيذ مهام محددة (مركز تطوير القطاع الأمني وسيادة القانون، 2016).
وقد ظهر الكثير من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على الساحة الدولية، إلا أن أبرز هذه الشركات والتي تركز عليها الدراسة هما شركتا (بلاك ووتر) الأمريكية، و(فاغنر) الروسية.
وإجمالا، نجد أنه بالرغم من عدم وجود اتفاق حول وضع إطار قانوني ينظم عمل هذه الشركات فإنها تلقى استحسانًا من معظم دول العالم سواء الكبرى في استخدامها أداةً لتنفيذ سياستها الخارجية وحماية مصالحها، أو من الدول النامية في المساعدة في تقديم خدمات أمنية مختلفة، أو الدول غير المستقرة في إحكام السيطرة الأمنية على مفاصل الدول، وهو ما يعد مؤشرًا على انتشارها.
لذا، تسعى هذه الدراسة للتعرف على الشركات العسكرية والأمنية مصورة أشمل، وذلك من خلال خمسة محاور رئيسية: يتولى المحور الأول تعريفها، وبيان نشأتها، وتطورها، وخصائصها، وتوضيح مهامها، والعوامل التي أدت إلى تنامي دورها. ويستعرض المحور الثاني الرؤى الأكاديمية والسياسية حول أنشطة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، بمعنى الرأي المؤيد والرأي المعارض لهذه الشركات.
أما المحور الثالث فيتناول علاقة هذه الشركات بالقانون الدولي الإنساني، والأشكال القانونية لهذه الشركات، إذ يتناول هذا المحور قسمين، يهتم القسم الأول بعلاقة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة بالقانون الدولي الإنساني، أما القسم الثاني فيتطرق إلى الإشكاليات القانونية لهذه الشركات. أما المحور الرابع فيستعرض أبرز الجهود الدولية لتنظيم عمل هذه الشركات، المتمثلة في وثيقة «ونترو» عام 2008، ومدونة السلوك الدولية عام 2010. وينصرف اهتمام المحور الخامس إلى نموذجي الدراسة (شركة بلاك ووتر الأمريكية، وشركة فاغنر الروسية).