تفرض حالة الصعود الصيني، اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً، تساؤلات مهمة حول تأثير هذا الصعود على مستقبل وشكل النظام العالمي الأحادي القطبية الراهن. وحتى مع افتراض أن هذا الصعود سينتهي إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، فسيظل هناك سؤال مهم آخر حول آليات هذا الانتقال، وهل سيرتبط بحدوث صدام عسكري حتمي بين الولايات المتحدة والصين؟ أم يمكن أن يحدث ذلك باعتباره أمراً واقعاً من دون وقوع هذا الصدام؟ وما هو المدى الزمني المتوقع لحدوث هذا الانتقال؟
هناك كتابات عدة طُرحت خلال السنوات الأخيرة بشكل عام، وعقب بدء جائحة "كوفيد-19" بشكل خاص، للإجابة عن هذه التساؤلات، لكن في ظل حالة التعقيد التي تتسم بها العلاقات والتفاعلات الدولية يصبح تقديم إجابات منضبطة علمياً عملية صعبة؛ الأمر الذي يجعل من الضروري الرجوع إلى أبرز نظريات العلاقات الدولية المعنية بدراسة شروط الانتقال وآلياته داخل النظام العالمي. وهناك نظريات عدة، لكن هذه الدراسة تعتمد على نظريتين أساسيتين؛ هما نظرية "تحول القوة"، ونظرية "استقرار الهيمنة". ويرجع اختيار الدراسة لهاتين النظريتين إلى تماسك مقولاتهما بشكل كبير حتى الآن، بالإضافة إلى اعتمادهما مداخل مختلفة ومتمايزة لفهم عملية الانتقال داخل النظام العالمي؛ ما يسمح بتقديم إجابات منهجية ومتماسكة نسبياً.
لا تدعي الدراسة، استناداً إلى هاتين النظريتين، أنها قدمت إجابة نهائية بشأن تأثير الصعود الصيني على مستقبل النظام العالمي، أو آليات حدوث هذا الانتقال، لكنها تمثل مساهمة أولية وضرورية في سياق جهد بحثي مطلوب خلال المرحلة الراهنة.