تمثل ظاهرة الفاعلين المسلحين من غير الدول واحدة من أبرز التحديات التي تواجه العالم العربي في الوقت الراهن، وقد أصبح بعض هؤلاء الفاعلين أكثر خطورة مع اتجاههم نحو استخدام طائرات الدرونز في المجال العسكري، ومن أبرز الفاعلين المعنيين «الحوثيون» و «حزب الله» و «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبعض فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، كما تحولت كل من ليبيا وسوريا في ظل الحرب الأهلية التي شهدتها كل من الدولتين إلى ساحة لاستخدام أنواع مختلفة من طائرات الدرونز، سواء من قبل دول أو فاعلين مسلحين من غير الدول
وتركز هذه الدراسة على رصد وتحليل مظاهر وأسباب تصاعد هذه الظاهرة، فضلاً عن تحليل وتقييم تداعياتها على قضايا الأمن والاستقرار وعملية بناء الدولة الوطنية في المنطقة وتُعنى كذلك باستشراف آفاقها المستقبلية.
وينتشر الفاعلون المسلحون من غير الدول الأكثر استخداماً لطائرات الدرونز في دول عربية ضعيفة ومتصدعة، كما تعتبر إيران من القوى الرئيسية التي أسهمت - ولاتزال - في استمرارية ظاهرة الفاعلين المسلحين من غير الدول في العالم العربي، وفي تعزيز القدرات العسكرية لبعض هؤلاء الفاعلين من خلال تزويدهم بطائرات درونز وغيرها من الأسلحة وتوظف إيران وكلاءها في المنطقة من أجل تحقيق أهدافها، حيث تعتبرهم مكوناً مهماً ضمن استراتيجيتها الأمنية والدفاعية.
ومادامت ظاهرة الدول الضعيفة والمتصدعة في العالم العربي مستمرة فسوف تستمر معها ظاهرة الفاعلين المسلحين من غير الدول، ونظراً للمزايا العديدة التي توفرها لهم طائرات الدرونز فسوف يسعي هؤلاء الفاعلون لتعزيز قدراتهم العسكرية اعتماداً على هذا السلاح الرخيص والمؤثر، ومن المتوقع أن يتوسع بعض هؤلاء الفاعلين في تصنيع بعض أنواع طائرات الدرونز وتطوير نظم تسليحها، الأمر الذي يعمق من مصادر الخطر والتهديد على الدول والمجتمعات.
وبناءً عليه، فإنه لا مجال للحد من هذه الظاهرة وتداعياتها المستقبلية إلا من خلال إعادة بناء الدول الضعيفة والمتصدعة على أسس ومبادئ المواطنة وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن إصلاح أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبخاصة المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتبني سياسات ناجزة لتحقيق العدالة الانتقالية والتنمية الاقتصادية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في إطار تسويات سياسية شاملة ومصالحات تاريخية تضع نهاية للحروب الأهلية والانقسامات الداخلية التي تعصف بعدد من الدول العربية، وبدون توفير متطلبات وشروط تحقيق ذلك سوف تظل دول عربية عديدة تعيش حالة «الصوملة بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات كارثية على قضايا الأمن والاستقرار ليس على الصعيد العربي فحسب، بل على الصعيد العالمي أيضاً.