بنيت علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع الآخر على أساس إدراك الجماعة لنفسها إدراكا ينبع من تصور يُصنف الآخر إما إلى مؤيد يقف معها أو خصم يكيد لها كيدا، وقد ارتبطت هذه العلاقة، على مدى السنوات المتعاقبة، بالمصالح الذاتية للجماعة وبالديناميات والتفاعلات بين تياراتها.
ويرتبط موقف الإخوان من الآخر بحالة الضعف أو القوة التي تعيشها الجماعة، في الحالة الأولى تلجأ إلى التحالف والتماهي معه وتتودد له، وفي حالة القوة تنكــث باتفاقاتها وتسعى للهيمنة على الآخر والسيطرة عليه؛ لأنها تؤمن بأنها يجب أن تقود العالم بأسره انطلاقا من فكرة أستاذية العالم» الراسخة في عقليتها.
وقد توقف الفصل الأول من الكتاب عند تعامل الأدبيات الإسلامية الحركيـة مـع الآخر، مع الاقتصار تحديدا على صورة الآخر في الأدبيات الإخوانية»، نسبةً إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928 .
وأخذا بعين الاعتبار كثرة منظري المشروع الإخواني في المنطقة، فقد تم الاشتغال في هذا الفصل على أهم الأسماء المرجعية، وهي ثلاثة بالتحديد، تحظى بشعبية وكاريزمــا يصعب أن نعاينها لدى أسماء أخرى من خارج هذا الثلاثي: يتعلق الأمر بالثلاثي حسن البنا، لأنه مؤسس الجماعة، وسيد قطب الذي تجاوزت شهرته مصر وأصبــح اسمه لصيقا بتغذية أدبيات الإسلاموية الإخوانية أو الإسلاموية الجهادية، ويوسف القرضاوي الذي يبقى الأكثر غزارة في التأليف.
وفي سياق الاشتغال على أدبيات هذا الثلاثي، تم التركيز تركيزا مكثفا على ثلاثة أعمال مرجعية ضمن أخرى: «مجموعة الرسائل الحسن البنا، ومعالم في الطريق الســيـد قطب، و»أعداء الحل الإسلامي» ليوسف القرضاوي.
يبدو حضور الآخر في أدبيات الجماعة من خلال هذه النماذج التي تم التطرق إليها في هـذا الفصل حضورًا قارا وبنيويا، وغالبًا ما يُقصد به كل من يوجد خارج الجماعة، وقد بدأ التنظير لذلك مع حسن البنا واستمر مع سيد قطب وبقي كذلك مع يوسف القرضاوي.
ثمة مجموعة من التقاطعات في أدبيات الثلاثي من قبيل اختزال سيد قطب للجماعة المسلمة الحقيقية في إعادة تكرار تجربة «الجيل القرآني الفريد»، وهو الخيار نفســه الـذي يدعو إليه حسن البنا، في إطار التمييز عن الغير أو الآخر.
وتظل معضلة إقصاء الآخر في الأدبيات الإخوانية معضلة بنيوية، لا هي بالعرضية ولا بالعابرة، وهي التي تمهد لعقلية الاصطفاء والأستاذية والتمركز على الذات وممارسة التقية والبيعة.
أما محطة سيد قطب فهي مفصلية في التنظير لحضور الآخر في أدبيات الجماعة، بحيث لو افترضنا أن لدينا سُلَّما حول التسامح والتشدد في التعامل مع الآخر، فإننــا نجد رؤى سيد قطب في مستوى أعلى مقارنةً مع رؤى حسن البنا ويوسف القرضاوي.
وههنــا تطـرح ملاحظة بخصوص صورة الآخر في أدبيــات يوسف القرضاوي، إذ اتضح أن رؤاه قبل سنة 2000، كانت أقرب إلى رؤى سيد قطب، أما رؤاه بعد ذلك المنعطف، فكانت أقرب إلى رؤى حسن البنا، ومن أسباب ذلك التطورات الاستراتيجية التي مرت بالمنطقة العربية خلال هذه الحقبة.
لقد تأرجح موقف الإخوان تاريخيا من الآخر المدني في مصر من التحالف إلى العداء؛ فتارة هاجمت الأحزاب والقوى المدنية ووصفتها بأنها سيئة الوطن الكبرى، وتارةً أخرى انضوت تحت لوائها ودخلا معا إلى البرلمان، ثم ما لبث كل ذلك أن تغير بعد 2011، وأضحت الجماعة على عداء مع القوى المدنية.
لقد اتسمت العلاقة بين الإخوان والآخر الإسلاموي غير المنتمي للجماعة في مصر بالتوافق الظاهري، واستفادت الجماعة منه لحشد تيارات الإسلام السياسي خلفها، بيـد أن الجماعة التي لا تثق إلا بنفسها خسرت حلفاءها واحدا تلو آخر، ولم يبق معهـا إلا قلـة متشرذمة من بقايا الإسلاميين الذين دفعوا ثمناً باهظا للتحالف معها...