منذ عام 1980 وحتى 2003 كان العراق طرفًا في ثلاثة حروب متتالية حملت جميعها اسم حرب الخليج»، وقد شاءت الأقدار أن يكون هذا البلد خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، طرفًا أساسيًا في صراعاتها وسببا مباشرًا في انقسام المنطقة. ولكن لم تكن هذه هي صورة العراق على الدوام، بل تباين دوره وتأثيره من حقبة إلى أخرى. فمنذ تأسيس دولته الحديثة قبل أكثر من مئة عام، اختلف دور العراق في عهده الملكي الذي تأسس عام 1921 واستمر 37 عاما عن العراق الجمهوري منذ بدايته عام 1958 إلى غاية اليوم وفي العهد الجمهوري اختلفت الجمهورية العراقية بنسختها العسكرية الأولى عن حقبة البحث الممتدة من 1968 إلى غاية 2003، وأخيرًا جمهورية العراق بصورتها الاتحادية التي تتبنى النظام البرلماني التوافقي الذي تأسس بعد سنة 2003 بنظام يختلف عن ا السابقة من حيث مركز السلطة ومصدرها وقوة ،قرارها، وقد اختلف بطبيعة الحال، بصورة موازية تأثيره فيمن حوله، فتارة يكون هذا البلد عامل استقرار وتوازن في المنطقة، وتارة أخرى يتحول إلى عامل قلق وعدم استقرار، وهـو مـا يدفع دول المنطقة إلى أن تضرب حوله طوقا من العزلة والإقصاء.
وبعد عشرين عاما من الصراعات والتجارب والمشاريع التي أعقبت آخر حروب الخليج سنة 2003، وهي الحرب التي أسقطت النظام الشمولي في العراق وأفرزت دولة ذات نظام برلماني فيدرالي لم يتسن للعراق الاندماج في المنطقة وممارسة دوره الذي يتناسب مع مقوماته الجيوسياسية وثوابت سياسته الخارجية الجديدة التي تقوم على حسن النيات والانفتاح على جواره العربي والإسلامي.