شهد الحضور الروسى فى منطقة الشرق الأوسط قفزة نوعية دفعت الكثيرين فى المنطقة وخارجها إلى التساؤل حول أهداف روسيا وحدود طموحها، وانعكاسات الدور الروسي المتنامي على توازنات القوى بالمنطقة ومسار قضاياها الشائكة.
لقد اختفى البعد الأيديولوجي فى السياسة الروسية، وأصبحت أكثر براجماتية في خدمة مصالح البلاد الحيوية ومقتضيات أمنها القومي، ويتصدر أولوياتها بالمنطقة العمل من أجل تحقيق "قفزة استراتيجية" للنفوذ الروسي بها؛ وذلك باستكمال مثلث القواعد العسكرية، سوريا (طرطوس) - السودان (فلامينجو) - ليبيا، واختراق حزام الإرهاب الضاغط عليها وتصفيته، وتعظيم المصالح الروسية؛ حيث تمثل المنطقة سوقاً واسعة للصادرات الروسية المختلفة ومنها التقنيات العالية ومنظومات التسلح، إلى جانب التنسيق في سوق الطاقة مع دول المنطقة فى إطار صيغة "أوبك+".
وتقوم روسيا بتوظيف كل قدراتها لدعم تحركاتها وتحقيق أهدافها، ويشمل ذلك مدى واسع من الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، أبرزها دبلوماسية القمة والوساطة مع اختلاف فاعليتها من قضية لأخرى؛ فهي محورية في الملف السوري، ومهمة في الملف النووي الإيراني، وأكثر محدودية في الملف الفلسطيني. هذا إلى جانب بناء الشراكات التنموية على أساس المصالح المتبادلة. ورغم أن روسيا أكثر ميلاً إلى توظيف الأدوات الدبلوماسية، فإن التطورات فى المنطقة فرضت عليها توظيفاً أوسع للأداة العسكرية على النحو الذي تجاوز مجرد مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري التقني، ليشمل التدخل العسكري المباشر في الحالة السورية أو غير المباشر في ليبيا.
وسيزداد الدور الروسي وسيتسع نطاقاً في المستقبل، بالنظر إلى مصالح روسيا الحيوية المتنامية في الشرق الأوسط على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، والثقة والقبول اللذين أصبحت تتمتع بهما روسيا بوصفها شريكاً لكثير من دول المنطقة.