ملخص تنفيذي
- الهدف الرئيسـي من هذه الدراسة هو سبر أغوار طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين بالأنظمة المتعاقبة على حكم الدولة المصـرية منذ نشأة تلك الجماعة حتى الآن، وبيان السمات العامة والأدوات المُستخدمة من الجماعة في إدارة هذه العلاقة المتأرجحة، وتحليل السلوك والممارسة الفعلية للجماعة، التي قامت على توظيف الدين لخدمة مشـروعها السـياسـي العابر لحدود الدولة الوطنية.
- تُثير الدراسة مجموعة من التساؤلات والفرضـيات البحثية؛ لفك شفرات مرتكزات الطرائق والاستراتيجيات التي تنتهجها الجماعة في تعاملها مع نُظُم الحكم، ومعرفة أهم المحطات التاريخية للتعاون والمهادنة والصـراع بينهما، والدوافع والغايات الحقيقية للولوج إلى السلطة والتقرب إليها، واستغلال الفرص المتاحة في البيئة المجتمعية والسـياسـية للتمدد والانتشار في طبقات المجتمع المصـري.
- تطرح الدراسة كذلك طائفة أخرى من التساؤلات حول مدى تأثير احترافية الجماعة للعمل السـياسـي في بنيتها التنظيمية، وعلى التحديات التي واجهتها، وعلى كيفية التعامل مع تلك الصعوبات، وكيفية الخروج من أزماتها الداخلية المتتالية. فضلاً عن كيفية استغلال الجماعة أحداث ما سُمي بـ "الربيع العربي" للوصول إلى هدفها الأسمى ومشـروعها للتمكين، والسـيطرة على مؤسسات الدولة ومقدّراتها.
- تبنّت الدراسة، في سعيها للإجابة على هذه الفرضـيات والتساؤلات، عدداً من المقاربات والمناهج، من بينها: المنهج التاريخي، والمنهج التحليلي، من أجل كشف الأسباب الفعلية وراء سعي الجماعة الدؤوب للتودد والتقرب إلى السلطة أحياناً، أو الدخول في مواجهة معها في معظم الأحيان.
- استخدمت الدراسة عدداً من المقاربات النظرية لتقديم رؤية كلّية لطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين بأنظمة الحكم المتعاقبة، منذ سنوات النشأة الأولى حتى ما بعد يونيو 2013، والتي من بينها: مقاربة الحركة الاجتماعية، ومقاربة الدولة الموازية، ومقاربة التغيير، ومقاربة بنية الفرصة السـياسـية.
- يجد المتابع المدقق لمحددات ومرتكزات العلاقة بين الجماعة وأنظمة الحكم، منذ العهد الملكي حتى الآن، أنها لم تكن قائمة على وتيرة واحدة، وأنها علاقة قائمة على المراوحة بين التعاون والصدام، والتوظيف المتبادل.
- استخدمت الجماعة أدوات عدة (دينية، وإعلامية، وسـياسـية، واقتصادية، واجتماعية)، ولم تترك فرصة لاستخدام أدوات "القوة الخشنة" و"الاستقواء بالخارج"، إلا انتهزتها لمواجهة أنظمة الحكم، وذلك انطلاقاً من مرجعياتها الفكرية والأيديولوجية.
- ثمة مجموعة من السمات العامة لتعامل الجماعة مع نُظُم الحكم في مصـر، من بينها: الفشل في تقدير قوة هذه الأنظمة وفي إدارة الصـراع معها، والمرونة والبراغماتية، وتشابه بدايات ونهايات العلاقة بمختلف أنظمة الحكم، والصدام مع مختلف هذه الأنظمة دون استثناء، والازدواجية والانتهازية في التعامل، وادعاء "المظلومية التاريخية" لاكتساب تعاطف المجتمع بفئاته المختلفة، والعداء الدائم للدولة الوطنية.
- خلال الفترة (1928 - 1970) تعاقب على حكم مصـر أكثرُ من 25 حكومة ونظامان سـياسـيان، الأول نظام ملكي برلماني والثاني نظام جمهوري. وقد تأرجحت علاقة الجماعة مع هذه الحكومات والأنظمة خلال هذه الفترة بين المهادنة والتعاون تارة، والمنافسة والصـراع تارة أخرى.
- مرّت العلاقات بين الجماعة ونظام الحكم الملكي في مصـر بمرحلتين أساسـيتين: الأولى تمتد من عام 1928 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، واتسمت في أغلب فتراتها بالتقارب القائم على المصالح المشتركة بين الجماعة والقصـر من جهة وبين الجماعة والحكومة من جهة أخرى. أما المرحلة الثانية فامتدت من عام 1946 حتى حَلّ الجماعة في عام 1948، واتصفت بالصـراع والمجابهة بين الجماعة والنظام السـياسـي القائم آنذاك.
- مرت علاقة الجماعة بنظام الرئيس جمال عبدالناصـر أيضاً بمرحلتين: الأولى: مرحلة التعاون والتحالف (1952-1954)، وتميزت هذه المرحلة بنوع من الهدوء الحذر، أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة الصدام والحَلّ، وذلك بعد أن قام الإخوان في 26 أكتوبر1954 بمحاولة اغتيال عبدالناصـر في الإسكندرية.
- اختلفت رؤية وطريقة تعامل كل من الرئيسـين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك مع الجماعة، ففي حين حاول السادات "توظيف الإخوان" لمساعدته في مواجهة خصومه السـياسـيين عقب توليه الحكم، ذهب مبارك إلى التعامل معهم بحذر شديد، ووظفهم لخدمة مصالح النظام واستمراره في الحكم.
- على الرغم من اختلاف رؤية كل من السادات ومبارك للجماعة، فإن هناك سمات مشتركة بينهما في سبل تعاملهما مع الجماعة، إذ رفض كلاهما إضفاء الشـرعية القانونية عليها، حتى مع السماح لها بالعمل السـياسـي والاقتصادي والاجتماعي، كما أن علاقة كليهما بالجماعة كانت تبدأ بالتعاون ثم لا تلبث أن تتحول إلى الصدام، وذلك بعد محاولتها الخروج عن القواعد والأطر المرسومة.
- يُجمِع الباحثون المصـريون على أن جماعة الإخوان المسلمين لم تُطلق ثورة الشباب ضد نظام مبارك في 25 يناير 2011، إلا أنها أدّت دوراً مهماً فيها.
- اتضح هذا الدور في مجمل التفاعلات السـياسـية التي تلت ثورة 25 يناير، والذي مَكَّنَ الجماعة من إحكام قبضتها على معظم مراحل الفترة الانتقالية الأولى التي عاشتها مصـر، من مظاهرات مليونية، واستفتاءات وإعلانات دستورية، وانتخابات تشـريعية ورئاسـية، حتى وصلت إلى سدة الحكم بإعلان فوز مرشحها محمد مرسـي في الانتخابات الرئاسـية لعام 2012.
- اتسم موقف جماعة الإخوان المسلمين من ثورة 25 يناير بالتناقض، بداية من تأكيد عدم المشاركة في التظاهرات، مروراً باعتبار مشاركة بعض الشباب في التظاهرات مشاركة فردية، وصولاً إلى ادعاء التحريض على التظاهرات ودفع المواطنين لها، إلا أن الشعبية التي نجحت الجماعة في اكتسابها خلال تلك الفترة، مستفيدةً من إرث تاريخي صورت فيه نفسها جماعةً تتعرض إلى الاضطهاد على مدار عقود، كُلُّ ذلك دُمِّرَ بالكامل في أقل من عام، لتصبح اليوم جماعة محظورة قانونيّاً وقضائيّاً، ليس في مصـر فحسب، ولكن في بلدان عربية عدة.
- تراوحت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال المرحلة الانتقالية (فبراير 2011 - يوليو 2013) بين التهدئة تارة، والشد والجذب تارة ثانية، والصدام تارة ثالثة. وكانت المصلحة الذاتية هي المحرك الأساسـي لموقف الجماعة من مختلف التطورات التي شهدتها مصـر في هذه المرحلة.
- خلال فترة حكم الجماعة شهدت العلاقة بينها وبين القضاء أزمات متتالية، وتوتراً حاداً، تجلت مظاهره في محاولة إصدار قانون جديدة لتنظيم القضاء، وأزمة النائب العام وحصانة مجلس الشورى والجمعية التأسـيسـية لوضع الدستور. ووصل الأمر إلى حد التطاول والاعتداء على السلطة القضائية، والدعوة إلى التظاهر تحت شعار "تطهير القضاء".
- إن عاماً واحداً من حكم الإخوان المسلمين كان كافياً لكشف أن الجماعة تفتقر إلى برنامج انتخابي قادر على حل المشكلات، وأن شعاراتها تهدف إلى التلاعب بالمشاعر، وإن هي إلا شعارات للحشد والتوظيف والتعبئة، وأنها لا تحمل في جعبتها برامج وخططاً تنموية حقيقية، الأمر الذي أدى إلى الخروج الجماهيري عليها.
- اتسمت علاقة جماعة الإخوان بالنظام السـياسـي الذي نشأ بعد ثورة 30 يونيو (عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور والرئيس المنتخب عبدالفتاح السـيسـي) بخصـيصة واحدة، وهي المواجهة من أجل البقاء، إذ انتهجت الجماعة أسلوب "المعارضة الصلبة"، القائمة على ممارسة العنف تجاه الدولة ومؤسساتها، بعدما رفضت كل خطوات المرحلة الانتقالية، من استفتاء على دستور، وانتخابات تشـريعية ورئاسـية، وما ترتب عليها.
- اعتمدت الجماعة في الأسلوب العنيف الذي اختطته لنفسها على جملة من المرجعيات القائمة على تبني خطاب "عودة الشـرعية"، والمرجعيات الدينية القائمة على فتاوى شـيوخ الجماعة، فضلاً عن أدوات التعبئة الجماهيرية، وإطلاق العمل العنيف والمسلح، وتشويه رموز الدولة ومؤسساتها، ومحاولة إنهاك الاقتصاد الوطني.