ترتكز المنظومةُ الأيديولوجيةُ للجماعاتِ الإسلامويةِ، على شبكة من المفاهيم والمقولات، التي بها تبني خطابها، وتصنع المعنى، وتضفي عليه معقولية تمنحه جاذبية في أوساط قطاعات من المسلمين الباحثين عَمَّا يشعرهم بخصوصـية الانتماء، وبأنهم يشكلون كياناً لا نظير له، في عالم يتجه - أكثر فأكثر - في عصـر العولمة إلى التجانس والتماثل. وهي مفاهيم لها جذورها في التقليد الإسلامي الموروث، تستعيدها تلك الجماعات في إطار مسعاها بهدف ربط الحاضـر بالماضـي، والإيهام بالتطابق بينهما، وتعيد صـياغتها وشحنها بالدلالات بما يتناسب واحتياجات الفاعلين فيها وأهدافهم في التعبئة والتحشـيد.
ويبرز، في هذا المضمار، مفهوم الولاء والبراء بوصفه أبرز المفاهيم المتجذرة في الخطاب الإسلاموي المعاصـر، وهو خطاب مسكون بهاجس الهوية؛ إذ تظهر هذه المسألة بوصفها إحدى المسائل المحورية التي يستمد منها تيار الإسلام السـياسـي برُمَّته مشـروعيته، كما أنه خطاب مشدود بقوة إلى تحديد رؤية المسلم لذاته، وإلى ضبط قواعد علاقته بالمسلمين وبغير المسلمين، فهو من هذه الزاوية ذو بعدين متلازمين: بُعْد نظري من حيث وظيفته في تشكيل رؤية العالم ومكانة الكيانات البشـرية فيه، وبُعْد عملي من حيث تحويل تلك الرؤية إلى واقع عملي، وانعكاسها على العلاقات بين تلك الكيانات. وتكمن خطورة هذا المفهوم في ارتباطه الوثيق بجملة من المفاهيم ذات الحضور البارز في خطابات الإسلام السـياسـي، على تعددها وتنوعها، من قبيل الحاكمية والشـريعة ونواقض الإسلام والتَّقِيَّة والتكفير والجهاد. فإن مفهوم الولاء والبراء - من حيث ما يكتنزه من دلالات، وما يحيل عليه من أبعاد متعددة: دينية واجتماعية وسـياسـية، وما يؤديه من وظائف - ليس معزولاً عن تلك المفاهيم التي يتشابك معها، ومن ثَمَّ تستقيم للخطاب بِنْيَتُه، وتنثال معانيه نافذةً إلى وجدان جموع الأنصار المتلهفة لما يَسْتَنْفِرُ ما استقر في المخيال من تصورات "الطائفة المنصورة" من جهة، والآخر "المخالف، المشـرك، الكافر" من جهة أخرى، ولما يشحنها لتخوض غمار الدفاع عن تلك الطائفة ضد الآخر - العدو البغيض - لتستعيد كرامةً وعزةً مهدورتيْن، تحفزها تمثلاتها عن أمجاد السلف الصالح...