نعيش اليوم في زمن يفيض بالتناقضات، زمن يُبشِّر من جهة بحرية الفرد وقدرته على إعادة تعريف ذاته كما يشاء، لكنه في المقابل يضعه أمام جدران جديدة من الهويات المنغلقة، والصراعات الثقافية، والحروب الإعلامية على الوعي الجمعي. في هذا السياق، تتوالى إصدارات فكرية كبرى، لا تكتفي بتشخيص الأزمات، بل تقترح سبلا لفهمها وتجاوزها، والكتب، على اختلاف موضوعاتها، تشترك في سؤال محوري: كيف نعيش ونفكر في عالم يتأرجح بين التعددية والانقسام بين البحث عن المعنى وسيولة الحقيقة، بين وعود الحرية وإغواء التلاعب ؟
هوية زائفة أم حرية متسيبة ؟
لكن هذه المساحة للحوار تصطدم بواقع آخر ترصده أستريد فون بوسكيست في L’ere des impostures. ففي عصر يفترض أنه عصر الحرية الفردية، يتزايد من يختلقون لأنفسهم هويات وهمية: أبيض يدعي السواد، أو شخص يتقمص هوية الضحية الناجية من المحرقة أو الإرهاب. هذه الظواهر تكشف أن الحرية حين تفصل عن الحقيقة تتحوّل إلى إمبراطورية الوهم»، حيث تختزل الهوية في شهادة أصل. ويصبح الانتحال لعبة اجتماعية مسموحة وهنا تتجلى مفارقة أساسية: كلما زادت قدرتنا على إعادة تشكيل ذواتنا ازداد ضغط الجماعات الفاعلة داخل المجتمع على فرض حدود الانتماء الأصلي.
