يمز العالم حاليا بتحوّل عميق ومتعدد الأبعاد، يتجاوز مجرد التحولات السياسية أو الاقتصادية. ويشهد العالم تأكلا ممنهجا للواقع القديم، وبروز منظومة جديدة تتسم بالتشظي وعدم اليقين. وهذا التحوّل ليس مجرد انتقال من القطبية الواحدة إلى التعددية القطبية، بل هو عملية أعمق تتضمن تفكك القوة ولامركزية النفوذ، وأزمة ثقة شاملة تمتد لتشمل الجغرافيا السياسية، والوسائط الإعلامية، بل وحتى الهوية الثقافية. وتجمع المقالات في هذا العدد الافتتاحي من مجلة “رؤى انجلوفوينة” بين تحليل هذه التحوّلات الجارية وبين إطار فكري يعنى بكيفية فهمها والتعامل معها.
وتأتي مجلة “رؤى انجلوفوينة” استكمالا للمشروع الذي بدأ مع “رؤى فرانكوفونية”، لكن بتركيز مختلف العالم الناطق بالإنجليزية، حيث تتصدر أكثر النقاشات الفكرية والبحثية تأثيزا في عصرنا هذا العالم هو الذي يضع كثيرًا من المفاهيم والسياسات التي تترجم لاحقا إلى اتجاهات عالمية، ولذلك من الضروري أن تصل هذه الرؤى إلى القارئ العربي بشكل نقدي وواع.
وتستكشف المقالات التالية الجوانب السياسية والاجتماعية، والتكنولوجية، والفلسفية لهذا التحول من تراجع الحوكمة العالمية التقليدية في مواجهة التنافس بين القوى العظمى، إلى انهيار الثقة بالفضاء الرقمي المشبع بالمحتوى الاصطناعي. كما نبحث في السباق المحموم نحو حوكمة الذكاء الاصطناعي، والواقع الإنساني المؤثر للنزوح، والتحديات الأخلاقية التي يفرضها التقدم التكنولوجي في مجالي التكنولوجيا الحيوية والفضاء. ويقدم هذا التقرير رؤية تجمع بين التحليل الدقيق والتفكير النقدي بهدف إلقاء الضوء على الديناميكيات الخفية التي تشكل حاضرنا ومستقبلنا.
