النشرات الإخبارية الشهرية

نحو فهم جديد للقوة في عصر التحولات السردية والتكنولوجية

مكتب تريندز الافتراضي في كندا

تجمع الكتب التي يضمها هذا العدد خيوطا فكرية تبدو متباعدة من الذكاء الاصطناعي إلى التضليل السياسي، ومن نقد التخطيط الحضري إلى أزمة الديمقراطية، ومن صناعة السلطة في المجتمعات القديمة إلى تحولات الرأسمالية لكنها، عند وضعها في إطار واحد، تكشف عن منطق عميق يحكم السياسة والمجتمع في القرن الحادي والعشرين صراع على تشكيل المستقبل، عبر السيطرة على الخيال، والسرديات، والبنى الرمزية والتنظيمية التي تحدد ما يُعد ممكنا أو مرغوبا في المجتمع.

يتضح من هذه الأعمال أن الأنظمة الاجتماعية والسياسية لا تعمل عبر القوانين والمؤسسات فقط، بل عبر خيال جمعي يُنتج تصورا لما يجب أن يكون عليه العالم، وهو خيال لا ينشأ تلقائيا، بل يُصنع ويدار. فالمقاربات التي تنظر إلى المجتمعات المعاصرة بوصفها مجتمعات المشاريع تكشف أن الرأسمالية الجديدة لم تعد تستند إلى العمل المستقر أو الهوية المهنية، بل إلى إعادة تشكيل التطلعات الفردية نفسها، بحيث يُعاد إنتاج السلطة من خلال توجيه رغبات الأفراد لا من خلال تقييد حركتهم فقط. ويتقاطع هذا المنطق مع نظريات فوكو حول السلطة الحيوية، ومع نقد ماركس للسلعنة الشاملة. ويظهر هنا الرابط بين نقد «منطق المشروع» وناقد الأيديولوجيا في التخطيط والعمل السياسي: فالسلطة اليوم تُمارس عبر هندسة المستقبل المتخيل أكثر مما تُمارس عبر فرض الحاضر القائم.

وفي السياق نفسه، يتبين أن التضليل السياسي لا يمس الحقيقة فحسب بل يعيد تشكيل الإدراك الجماعي عبر خلق عوالم سردية بديلة تهمش الحقيقة وتعيد تعريف الحرية ذاتها. فالمواطن في بيئة معلوماتية زائفة لا يمارس اختيارًا واعيًا، بل يتحرك ضمن إحساس متخيل بالقدرة بينما يتحكم الآخرون بالسياق الذي يتخذ فيه قراراته. وهكذا يشترك التضليل السياسي مع المشروع النيوليبرالي في نمط واحد : التحكم بالقدرة على تخيل المستقبل والإحاطة بالواقع. وعندما تتعطل القدرة على التوقع وتنهار الثقة بالمصادر يفقد المواطن دوره في العملية الديمقراطية، ويفقد العامل قدرته على التحرر من أطر المشروع. إنها أزمة خيال سياسي قبل أن تكون أزمة مؤسسات.