
سناب شوتس
ماذا لو نجح ماسك بـ”حزب أمريكا”؟
06 يوليو 2025
مع المستجدات الاستثنائية التي تشهدها الساحة السياسية الأمريكية على المستوى التشريعي، أعلن إيلون ماسك عن تأسيسه “حزب أمريكا”؛ وذلك لتمثيل الناخبين من تيار الوسط. هذا الإعلان جاء بعد استطلاع ماسك لرأي مستخدمي منصة إكس حول هذه الفكرة، والتي كانت نتيجتها تأييد %65 ومعارضة %35. وعلى الرغم من أن نتيجة هذا الاستطلاع لا تمثل الأمريكيين بطبيعة الحال؛ بالنظر إلى أن من شاركوا فيه كانوا من كل دول العالم، فإن مسألة تأسيس حزب جديد -وخلفه ماسك- تتطلب منا التوقف عندها بشكل جاد.
إن تأسيس الأحزاب في الولايات المتحدة من الناحية الإجرائية ليست معقدة. فمسألة التأسيس تمر بعدد من المراحل، وهي: تسجيل الحزب رسميًّا في إحدى الولايات بحكم عدم وجود هيئة فيدرالية واحدة للتسجيل، ثم جمع التواقيع لدخول الانتخابات، وتعيين لجنة وطنية للحزب لغرض جمع التبرعات ووضع البرنامج الانتخابي وغيره، ثم التسجيل في لجنة الانتخابات الفيدرالية، وترشيح من سيخوض الانتخابات، والحصول على الاعتراف الرسمي (ليخوض الحزب الانتخابات في كل ولاية)، والامتثال لقوانين التمويل والشفافية، مع ضمان عدم وجود أي تمويل خارجي.
ومع وجود الحزبين -الجمهوري والديمقراطي- فإن مجابهتهما ليست بالأمر الهيّن. ومن هنا جاء استهداف ماسك لفئة معينة من الأمريكيين، ألا وهم الناخبون الوسط؛ من منطلق أن ماسك لا يسعى لأن يفوز بأغلبية مقاعد الكونغرس، ولا لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة. بل إن الأمر الذي يسعى له ماسك -حسب إعلانه- ينم عن مدى استيعابه لقوانين اللعبة السياسية في أمريكا. ويرى ماسك أن المرحلة للأولى للحزب تتمثل في التركيز على الكونغرس، وذلك عبر ضمان الفوز بمقعدين أو ثلاثة مقاعد في مجلس الشيوخ الذي يتكون من 100 مقعد، و(8) إلى (10) مقاعد في مجلس النواب الذي يتكون من 435 مقعد. هذه الخطوة ستتيح لماسك لعب دور مهم ومحوري في ترجيح كفة أي من الحزبين في تمرير أو رفض مشاريع القوانين في أمريكا. أمّا المراحل التي ستلي المرحلة الأولى، فمن المؤكد أنها ستلعب على السمعة التي سيحظى بها الحزب، ليتدرج مع الوقت؛ إلى أن يصل لمرحلة لعب الدور الحقيقي في منافسة الحزبين الرئيسيين.
ولا يمكننا أن نُغفل مسألة التحديات التي سيواجهها ماسك مع هذه الخطوة. فالبيئة السياسية الأمريكية تتميز بالقطبية الحادة، ويصعب اختراقها بالنظر إلى تاريخها العريق. كما أن مموليها وداعميها الأساسيين هم من كبريات الشركات، وجماعات الضغط المختلفة. والأمر الآخر الذي سيواجهه بلا أدنى شك، هو الهجمات السياسية والإعلامية المتعارف عليها في الولايات المتحدة، والتي غالبًا ما تغير مزاج الناخبين على أرض الواقع. هذه النقطة من السهل أن يتم توظيفها من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، خصوصًا مع وجود تناقضات في مواقف ماسك الليبرالية واليمينية في نفس الوقت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استهداف ماسك اقتصاديًّا يُعَدُّ أمرًا سهلًا، وذلك بالإسقاط على الخسائر التي تكبدها مع قرارات ترامب الأخيرة.
أمّا الإيجابيات فتتمثل بعدة نقاط؛ (1) لديه شعبية ضخمة نظرًا لحضوره الإعلامي القومي، وامتلاكه لمنصة إكس. وقد لعب دورًا محوريًّا في فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أي أنه من الطبيعي أن يلقى دعم الناخبين. (2) قدرته المالية التي يستطيع بها تمويل حزبه بالكامل. (3) أفكاره غير التقليدية، فلاشك أنها ستحظى بتأييد الناخبين، خصوصًا مع التغيرات المتسارعة التي نشهدها في جميع المجالات، وإيمان الناخبين بأن السياسات التقليدية مع التطورات الحالية غير مجدية. (4) الأمر الأهم هم شريحة الشباب ورواد الأعمال المؤيدون والمتعاطفون مع خط ماسك؛ إذ إن تأييدهم (بأي طريقة) سيكون له -لاشك- دور في نجاح تجربة ماسك.
وفي المحصلة، فإلى الآن لم تُطبق فكرة الحزب على أرض الواقع. وفي حال تطبيقها فإن ماسك له خبرة في التعامل مع الحزبين، أي أن المشهد السياسي سيكون مليئًا بالمفاجآت. ومن الممكن أن تكون هذه الخطوة مناورة لتغيير الخط الذي اتبعه ترامب ضد مصالح ماسك، وهذا الأمر مطروح وبقوة. وعلى كل حال، فإنه في حال تأسيس هذا الحزب على المدى المنظور، وخوضه للانتخابات النصفية في نوفمبر 2026، وتحقيقه للفوز بالطريقة التي يرمي لها ماسك في المرحلة الأولى، فإن المشهد السياسي سيكون مقرونًا باللعب في الوسط، ليكون العامل الحاسم في الموافقة أو الرفض على أي قرار بالنظر لمصالح ماسك. ومن غير المستبعد في هذه الحالة أن يسعى الحزبان للتقرب من حزبه، لبناء الثقة وتحقيق المصالح المتبادلة.