Insight Image
Snapshot Image

سناب شوتس

واقع جديد في الصراع الإسرائيلي-الإيراني مع عملية “الأسد الصاعد”

13 يونيو 2025

مع العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل ضد إيران وأسمتها “الأسد الصاعد” يبدو أن واقعًا جديدًا ستشهده منطقة الشرق الأوسط؛ خصوصًا مع استهداف بعض من القيادات الإيرانية العسكرية هذه المرة في الداخل الإيراني. اغتيال محمد باقري رئيس هيئة الأركان، وحسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني يُعد أهم اغتيالين في التاريخ السياسي العسكري الإيراني بعد قاسم سليماني، الذي تم اغتياله في الأراضي العراقية على يد واشنطن. الضربات الإسرائيلية تُعد قاصمة وخطيرة للنظام السياسي في إيران، خصوصًا أن فكرة أن تكون الاغتيالات الإسرائيلية في الداخل الإيراني وبشكل معلن بهذه الطريقة، فهو مُحدِّد جديد في إدارة الصراع الإسرائيلي مع طهران. هذه الاغتيالات ضد المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى في الداخل تُعد الأهمّ في التاريخ المعاصر، فهي سابقة كما كان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في إيران في يوليو 2024 سابقة أيضًا. ماحدث يُعبر عن رسالة بأن الأراضي الإيرانية غير آمنة، لا للمسؤولين الإيرانيين ولا للأجانب. فاستخباراتيًّا، هذه الضربات هي مؤشر آخر بأن إيران مخترقة من جميع الجبهات.

وبالرغم من توقع المراقبين لهذه الضربات مع التحركات الأمريكية الأخيرة فيما يتعلق ببعثاتها الدبلوماسية، وتصريحات ترامب التي أوضح فيها عدم تفاؤله بمسار مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، فإن الضربات الإسرائيلية قد يُفهم منها بأنها ستؤدي إلى تجميد المسار التفاوضي على المدى المنظور على أقل تقدير، فالرد الإيراني سيكون مطلوبًا للداخل الإيراني، وستسعى طهران لإنجاز أمرٍ مّا قد يكون عبر إلحاق أي نوع من الخسائر المُرضِيَة لحفظ ماء وجه النظام السياسي في الداخل، بحكم أنه يستمد شرعيته من فكرة تصدير الثورة والعداء لإسرائيل. المدى الزمني للضربات الإسرائيلية-الإيرانية سيكون متقطعًا، ومركّبًا، إلا أنه من غير المتوقع أن يكون طويًلا، ليصل إلى مرحلة الحرب الشاملة والمستمرة كالحرب الأوكرانية؛ وذلك بالنظر إلى عدد من الاعتبارات أبرزها: (1) إدراك صانع القرار الإيراني أن المواجهة المباشرة بحرب شاملة ضد إسرائيل هي مواجهة ضد أمريكا بشكل مباشر. وبمقاييس أدوات القوة الشاملة، فالكفة أثقل للجانب الإسرائيلي. (2) الدول في إقليم الشرق الأوسط مناوئة لأي حرب بين الطرفين، وستسعى لخفض التصعيد عبر توظيف أدواتها الدبلوماسية، وأدواتها الجغرافية كإغلاق مجالاتها الجوية أمام طرفي الصراع. (3) الوضع الاقتصادي العالمي لا يتحمل أزمات دولية جديدة، خصوصًا أن الضربات أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 12%، وسوق الأسهم شهد تقلبات ملحوظة، مقابل ارتفاع أسعار الذهب والعملات الرقمية كملاذ آمن، وهو الأمر الذي سيُعزز من طرح البنك الدولي الذي خفّض توقعاته للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.7 في المئة في عام 2025 من 3.4 في المئة في توقعات يناير، و3.7 في المئة في عام 2026 من 4.1 في المئة في توقعاته السابقة؛ وذلك على ضوء أداء الاقتصاد الدولي بعد مقاربة واشنطن الحمائية، ومسار التعريفات الجمركية، التي أثرت وستؤثر على معظم دول العالم؛ فأن تكون هناك مواجهات عسكرية في أهم منطقة مصدّرة للنفط، فلاشك أن تداعياتها ستطول حركة الاقتصاد العالمي. (4) عدم رغبة الدول الكبرى كروسيا والصين في دخول إيران في حرب في الوقت الحالي، خاصة مع انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، وانشغال الصين بأزمتها الاقتصادية مع إدارة ترامب، التي تسعى لحلها عبر مسار المفاوضات الذي بدأته معها مؤخرًا. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن هناك قناعة لدى طهران، بعدم استعداد هذين اللاعبين في الوقت الحالي لدعمها؛ نظرًا للمعطيات في الأرض التي تحدُّ من ذلك.

وعلى كل حال، فمع وضوح مقاربة نتنياهو الرامية إلى تقوية وضعه في الداخل بعد الأزمة التي يمر بها مع ائتلافه، ولاسيما الجناح الديني المتمثل بأحزاب “الحريديم” المعارضة لملف تجنيد الحريديم الشباب، ومكالمته -أي نتنياهو- الأخيرة مع ترامب التي لا يُستبعد أن تكون حددت معالم الضربات وأهدافها وسيناريوهاتها بحكم أنها استمرّت لـ 40 دقيقة -رغم التصريحات الأمريكية بأن السلوك الإسرائيلي كان أحاديًّا، وحديث الإعلام الإسرائيلي أن خلاف ترامب ونتنياهو لم يكن حقيقيًا وإنما مضللًا لتنفيذ هذه الضربات- ، فإن هناك تفهمًا إسرائيليًّا وأمريكيًّا لرد الفعل الإيراني. وعلى الرغم من أن السيناريو الأرجح لملف المواجهات سيكون محدودًا مكانيًّا وزمانيًّا، إلا أن توسع المواجهات وتحولها إلى حرب شاملة يبقى مطروحًا، ولو أنه غير مرجح. وما يمكن الاتفاق عليه هو أن الواقع الجديد للمنطقة سيكون متمثلًا في استمرار هذه العمليات المحدودة والمباشرة، (ولكنها مؤثرة) والتي لاشك أنها ستخلق محددات جديدة في إدارة الصراعات الإقليمية، لا عبر الوكلاء، بل بشكل مباشر ومحدد، عبر استهداف أهم رؤوس الأنظمة السياسية والعسكرية داخل الدول.