25 أغسطس 2021

ضمن سلسلة أنشطته العلمية المتنوعة، نظم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أمس الثلاثاء، ندوة عن بُعد بعنوان: "مستقبل الحروب والصناعات العسكرية"، ناقشت المتغيرات التي ستطرأ على الحروب المستقبلية والصناعات العسكرية في ظل التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم.

شارك في الندوة، التي أدراها الدكتور جون بروني المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز سيج الدولي بأستراليا، نخبة من الباحثين والمتخصصين في مجال الدفاع والتحليل العسكري والاستراتيجي والأمني.

وأكد المشاركون في الندوة أن استراتيجيات الحروب المستقبلية والصناعات العسكرية ستعتمد بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت تلعب دوراً رئيسياً وفاعلاً في مجالي الحروب والتسليح العسكري، مشيرين إلى أن هذه التقنيات الحديثة أحدثت ثورة في القدرات العسكرية للجيوش، كما ستهيمن مستقبلاً على الحروب وصناعة التسليح العالمية، حتى تصبح الروبوتات بديلاً عن البشر في ساحات وميادين الحروب.

وقدمت للندوة، علياء الجنيبي باحثة في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، قائلة إن سمات الحروب المستقبلية ستتغير مع تطور أدواتها، كما أنها ستكون أقل اعتماداً على العنصر البشري، وستعتمد على القدرات التكنولوجية وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وذكرت أن الندوة تناقش التطورات المستقبلية المرتقبة في مجال الصناعات الحربية والعسكرية، مبينة أن القوى العسكرية الكبرى أصبحت تتجه نحو الاستثمار وبشكل متزايد في الابتكار والتطوير.

وتساءلت الجنيبي عن الخطوات القادمة المنتظرة في مستقبل الحروب في ظل التنافس وطموحات وأهداف كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وكيف سيتأثر أمن واستقرار الشرق الأوسط بكل هذه التطورات، وهل سيحدد السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي أين ومتى ولماذا ستحدث الحروب؟

واستهل الندوة الدكتور جون بروني المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز سيج الدولي بأستراليا، معرفاً بالمشاركين فيها، ومتطرقاً إلى محاور الندوة التي تناولت الإمكانيات والتحديات والفرص المستقبلية التي تحدد مدى سيطرة الذكاء الاصطناعي على القدرات العسكرية، إضافة إلى الآفاق المستقبلية في الصناعة الدفاعية العالمية.

"الذكاء الاصطناعي والقدرات العسكرية في القرن الحادي والعشرين"

بدوره، شارك يعقوب لابين الباحث المشارك في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية في إسرائيل، في الندوة بورقة عمل حملت عنوان: "الذكاء الاصطناعي والقدرات العسكرية في القرن الحادي والعشرين: الإمكانيات والتحديات والفرص المستقبلية".

وأكد لابين أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أحدثت ثورة في القدرات العسكرية، سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي، مضيفاً أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت موجودة بشكل متزايد في المعدات العسكرية، انطلاقاً من مجال الرادارات إلى أنظمة تحليل المعلومات إلى المنصات المستقلة.

وذكر الباحث المشارك في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، أن الذكاء الاصطناعي بات جزء لا يتجزأ من الحروب الحديثة للجيش الإسرائيلي، حيث تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي القادة الميدانيين بشكل متزايد على اتخاذ قرارات في الوقت المناسب، كما تمكن وحدات الاستخبارات من اكتشاف الأهداف تلقائياً، وتساعد هيئة الأركان العامة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.

وأوضح يعقوب لابين أن قدرات الذكاء الاصطناعي على مسح كميات هائلة من البيانات وتحديد مواقع المعلومات العملياتية أصبحت تشكل جزءاً رئيسياً ومهماً من قدرات الجيوش على تعقب الأهداف الحساسة عند مواجهة القوات المختلطة، التي يطلق عليها اسم "الجيوش الإرهابية".

واستعرض لابين مجموعة من الأمثلة حول كيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء أساسي من القتال، كما تحدث عن الجيل القادم من المركبات القتالية المدرعة ذاتية القيادة Carmel، التي يتم تطويرها حالياً لصالح وزارة الدفاع الإسرائيلية، إلى جانب عدد من الأنظمة التي طورتها شركات الدفاع الإسرائيلية الرائدة.

وقال إن الجيوش العالمية تحاول التكيف مع التطورات التكنولوجية الحديثة، متوقعاً حدوث ثورة صناعية جديدة في صناعة التسليح، كما أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على صناع القرار في حروب المستقبل، منوهاً بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على انتقاء الأهداف الثابتة والمتحركة بدقة عالية كما توفر مزايا وفوائد تفتقر لها الأسلحة التقليدية.

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي أصبح يستخدم لبناء منصات مستقلة لمعارك المستقبل، مبيناً أن الحروب المستقبلية ستكون مختلفة عن السابق، حيث ستستخدم أنظمة محاكاة المعارك والتخطيط المسبق للحروب بالاعتماد على التكتيكات المتطورة.

"الابتكار والبحث والتطوير في الصناعة الدفاعية العالمية: آفاق المستقبل"

أما الدكتور عوزي روبن مهندس ومحلل في مجال الدفاع، وزميل باحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية، فقدم خلال الندوة ورقة عمل حملت عنوان: "الابتكار والبحث والتطوير في الصناعة الدفاعية العالمية: آفاق المستقبل".

وأكد أن التاريخ يُظهر أن التكنولوجيا شكلت ساحات المعارك وحسمت الحروب، كما أن التقنيات الحديثة كانت الدافع الرئيسي لصعود أسلحة وتكتيكات واستراتيجيات جديدة، حتى أصبحت تشكل وتحدد مصير الدول ومسار المستقبل.

وأشار روبن إلى أنه في الآونة الأخيرة سيطرت الحرب الصناعية على ساحات المعارك، فغيرت الحرب من حالة متحركة إلى حالة ثابتة في الحرب العالمية الأولى، وعكستها من حالة ثابتة إلى متحركة في الحرب العالمية الثانية، وفي نهاية تلك الحرب، سيطرت على ساحة المعركة آلات قتال كبيرة ومكلفة ومعقدة، وكلها تستخدم ذخائر إحصائية غير دقيقة تتطلب الكثير من القوة النارية لضمان الضربات.

وأوضح أن الثورة الصناعية الثانية - المعروفة باسم ثورة التكنولوجيا العالمية- أدخلت أسلحة دقيقة إلى ساحات المعركة، مبيناً أنه أصبح هناك اتجاهين واضحين: الأول أن تكلفة منصات القتال الرئيسية، وخاصة الطائرات المقاتلة، كانت تنمو بشكل كبير نحو عدم القدرة على تحمل التكاليف، والثاني هو أن قوة الحوسبة لأنظمة الحالة الصلبة الحديثة كانت تضاعف نفسها كل 18 شهراً، مؤكداً أن هذا الأمر مكّن من إضفاء الذكاء على الذخائر البسيطة، وتحويلها من مجرد ذخائر إلى أسلحة رخيصة ولكنها معقدة ودقيقة.

ونوه الدكتور عوزي روبن بأن هذه التحولات غيّرت طبيعة الحرب ووجه ساحات المعارك، كما أن التكلفة المتزايدة قلصت من أنظمة الحرب القديمة وأسلحتها مقابل الأسلحة الحديثة التي يتم مواجهتها من خلال أنظمة الدفاع الذاتي النشطة، مشيراً إلى أن التطورات التكنولوجية قد تجعل ساحة المعركة المستقبلية فارغة من الجنود، حيث سيعمل معظم الجنود في الخفاء كمشغلين للأسلحة الآلية عن طريق التحكم عن بُعد.

وقال إنه في العصر الحديث أصبحت تتوفر أسلحة متطورة ودقيقة في إصابة الأهداف بأسعار تصل إلى 30 دولار فقط، كما أن الطائرات المسيرة باتت قادرة على حمل قنابل ذكية وإصابة الأهداف بدقة عالية جداً، مبيناً أن تبعات التكنولوجيا الحديثة ليست عسكرية فقط، بل لها تبعات مجتمعية متباينة.

ونوه بأن الروبوتات ستكون بديلاً عن البشر في ساحات وميادين الحروب مستقبلاً، مع انتشار المركبات القتالية ذاتية القيادة والتي تدار عن بُعد في مخططات وتكتيكات الحروب.

نقاش مفتوح

إلى ذلك، شهدت الندوة نقاش مفتوح حول محاور الندوة، حيث أكد المشاركون أنه يجب تطوير التعامل مع المخاطر الأخلاقية في مجال الحروب الذكية، لكي تتمكن الدول من شن حروب نظيفة خالية من الأخطاء الجسيمة، كما يجب التأكد من أن العنصر البشري هو المسيطر على الأنظمة التكنولوجية، وهو القادر على منحها التصريح بإطلاق النار، إضافة إلى مجابهة عمليات القرصنة التي تقف حائل دون السيطرة والوقاية من المخاطر الأخلاقية في مجال التسليح التكنولوجي.

وذكروا أن دول العالم بدأت تتجه نحو الجيل الخامس من التسليح، ما يجعل أنظمة التسليح والأنظمة القتالية أقل تكلفة من السابق، ولكن في الوقت نفسه لن تكون الحروب التكنولوجية بديلاً عن الاستراتيجية القتالية التقليدية، ولكنها تكميلية وإضافية لها، حيث أن أهميتها تتغير وفقاً للنطاق الجغرافي للقتال وطبيعة الحروب والأسلحة المستخدمة.

وفي ختام الندوة، تقدم الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ "تريندز للبحوث والاستشارات" بالشكر والتقدير للمشاركين في ندوة "مستقبل الحروب والصناعات العسكرية"، على ما قدموه من أوراق عمل قيمة وأطروحات ثرية بالمعلومات المفيدة، موضحاً أن "تريندز" يسعى من خلال تنظيم مثل هذه الندوات والمحاضرات إلى تقديم معلومات معرفية شاملة لصناع القرار وكافة أفراد المجتمع.