يعد التغير المناخي أحد أبرز المشكلات التي تواجه العالم وأكثرها تعقيدا، حيث يؤثر ليس فقط على النظم البيئية إنما يؤثر كذلك على الاقتصادات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم على حد سواء . وبالرغم من أن أسباب هذا التغير المناخي هي أساسا الثورات الصناعية وما تلته من استخدام الصناعات كثيفة الانبعاثات لتحقيق نمو اقتصادي متسارع للدول الأكثر نموما وتطورا، وهو الأمر الذي لم يكن باستطاعة الدول النامية فعله، إلا ان تبعاث أعباء تلك الازمة لا يتم تقاسمها بالتساوي حيث تواجه العديد من البلدان النامية عواقب تغير المناخ لأنها تواجه تغيرات في هطول الأمطار والظواهر الجوية الشديدة والفيضانات المتزايدة والجفاف الشديد، وبالتالي، هناك اختلال في التوازن بين المسؤولية عن تغير المناخ، والأضرار الناجمة عنه، والافتقار إلى الموارد اللازمة للتكيف، فالدول المتقدمة والتي تعد تاريخيا أكبر الدول المسببة للانبعاثات تتحمل المسؤولية الأقل عن الأزمة الحالية بينما تعاني الدول النامية من العواقب الأشد وطأة سواء على المستوي البيئي أو على المستوي الاقتصادي
فوفقا لبيانات مجموعة البنك الدولي حول الانبعاثات الكربونية لعام 2019، فقد بلغ نصيب أكبر خمس دول من حيث الانبعاثات الكربونية الدفينة حوالي 56%، في المقابل بلغ نصيب باقي دول العالم %44% فقط ، وهو ما يوضح غياب العدالة المناخية عالميا كما يوضح شكل رقم (1).
فهنا يشكل هذا العبء غير المتكافئ جوهر العدالة المناخية، وهي حركة تطالب بحلول عادلة ومنصفة الأزمة المناخ، مع الاعتراف بالمسؤولية التاريخية للدول المتقدمة وتركيز احتياجات المجتمعات الأكثر ضعفا .
ومن ثم أصبحت قضية تغير المناخ سببًا رئيسيا في ندرة المياه والغذاء والطاقة في العديد من المناطق حول العالم، ومساهمة بدرجة كبيرة في التدفقات الجماعية القسرية للسكان فيما يعرف بظاهرة اللجوء البيئي، والتي قد يكون بعضها داخلياً، ولكن آثارها قد تمتد إلى خارج الحدود الوطنية، ومن هذا المنطلق، نجد أن دول العالم في هذه الآونة تتعامل مع ظاهرة التغيرات المناخية كقضية أمنية تتطلب حلولاً سياسية جنباً إلى جنب مع الحلول العلمية، وذلك من خلال التركيز على كيفية ربط أسباب تغير المناخ وآثاره بالعدالة البيئية والاجتماعية التي قد تنجم عنها صراعات جسيمه.
وفي هذا السياق ، تعد العلاقة بين التغير المناخي والأوضاع الاقتصادية إحدى العلاقات المعقدة، حيث يتداخل بها تأثير المناخ والبيئة والظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم، تعد قضية العدالة المناخية في مقدمة القضايا العالمية الملحة في وقتنا الحالي التي تطرح بشدة على صعيد الأجندات الدولية والإقليمية لا سيما التي تتعلق بقضايا تغير المناخ، وبالتالي يسعى منهج العدالة المناخية إلى التوفيق بين اعتبارين أحدهما ضرورة التخفيف والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وثانيا : الحاجة إلى تغيير الأنظمة الموروثة لاستخراج المواد ونقلها، وتوزيعها، وتوليد الطاقة، وإنتاج السلع، وتقديم الخدمات، وطرق الاستهلاك، وطرق التخلص منها، والتمويل.
لذا فإن العدالة المناخية تعد أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول الفقيرة، فكل الأزمات التي يعانيها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، يؤكد إدوارد ويلسون، عالم الأحياء الأمريكي، أنها في الأساس متصلة بالبيئة، كما تؤكد العديد من الدراسات أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشري في المجالات المختلفة لاستخدام الطاقة أدت إلى احتباس حرارى عالمي غير مسبوق، كانت له تداعياته السلبية على الاقتصادات العالمية.
حيث أشار تقرير المخاطر العالمية Global Risks Report، الصادر في يناير 2024، عن المنتدى الاقتصادي العالمي WEF ، إلى أن المخاطر المرتبطة بالبيئة عالميا تأتي في المرتبة الثانية خلال العامين القادمين، في حين أن المخاطر المرتبطة بالبيئة وتأثيراتها والمخاطر المرتبطة بالتنوع البيولوجي تأتي كأكبر خمس مخاطر عالمية خلال العشر سنوات القادمة، وهو ما يؤكد أن نحو %50% من المخاطر العالمية خلال السنوات القادمة هي هي مخاطر مرتبطة بالتغيرات المناخية وعدم تحقيق العدالة المناخية.
وتأتي أهمية هذه الدراسة في أنه حتى وقتنا الحالي لا يوجد اتفاق دولي ينص أو يحدد كيفية تطبيق مبدأ توزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشكل منصف وعادل، والتعامل الناجح مع قضية التغييرات المناخية من خلال اعتماد رؤية شاملة، تأخذ في الاعتبار الأبعاد المتشابكة والمترامية لتأثيرات التغيرات المناخية، وفى الصدارة منها ضرورة تحول العالم إلى اقتصاد من نوع جديد، يعتمد على موارد جديدة للطاقة، وتكنولوجيا جديدة في الصناعة وممارسات مختلفة في الاستهلاك والحياة، وتوجه أكبر نحو الاقتصادين الأخضر والأزرق.