توصلت حركة حماس وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وفقًا لما أعلنه الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري. تزامن الإعلان، الذي جاء مساء الأربعاء من العاصمة القطرية الدوحة، مع كلمة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، أشار فيها إلى أن الاتفاق النهائي يعكس إلى حد كبير إطار الاقتراح الذي طرحه في مايو الماضي. وفي الأسابيع الأخيرة، تزايدت الضغوط الدولية، لاسيما من الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي لعب دورًا حاسمًا في دفع إسرائيل لقبول بنود الاتفاق. ويعكس هذا الاتفاق بداية أمل لإنهاء معاناة إنسانية استمرت خمسة عشر شهرًا، وأدت إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، وتدمير واسع للبنية التحتية في غزة.
يركز هذا التقرير على تحليل اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، باعتباره خطوة حاسمة نحو إنهاء النزاع المسلح. ويستعرض التقرير مضمون الاتفاق، ومراحله الرئيسية، وآليات التنفيذ، مع تسليط الضوء على أبرز ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية. أيضًا، يقدم تحليلًا للوضع الإنساني الكارثي في غزة، ويناقش مستقبل الاتفاق، وفرص تحقيق سلام دائم، مع التركيز على التحديات المحتملة التي قد تعيق تطبيقه.
أولًا، تفاصيل الاتفاق
ينص الاتفاق، الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 يناير، على التزام الطرفين بثلاث مراحل رئيسية[1]؛ لتجنب المزيد من إراقة الدماء والتصعيد الإقليمي، وذلك على النحو التالي:
المرحلة الأولى: وقف مؤقت للأعمال العسكرية
تستمر المرحلة الأولى من الاتفاق ستة أسابيع، وتركز على وقف مؤقت للأعمال العسكرية بين الجانبين[2]. بموجب الاتفاق، تنسحب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية المكتظة إلى الحدود الشرقية للقطاع، وكذلك يتوقف الطيران العسكري الإسرائيلي عن التحليق لمدة 10 ساعات يوميًا، وترتفع المدة إلى 12 ساعة خلال أيام تبادل الأسْرى. الهدف من هذه الإجراءات هو تقليل التوتر العسكري، وإيجاد بيئة آمنة لعودة النازحين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. تشمل هذه المرحلة أيضًا ضمان عدم تصعيد العمليات من جانب حركة “حماس”، حيث يُطلب منها التوقف عن إطلاق الصواريخ، أو تنفيذ أي هجمات ضد إسرائيل. يأتي هذا التوقف المؤقت اختبارًا لمدى استعداد الطرفين للالتزام بوقف إطلاق النار الدائم، مع وجود آليات رقابية صارمة يشرف عليها الوسطاء؛ لضمان التنفيذ السليم لهذه المرحلة.
تبادل الأسْرى والمحتجزين
أحد أبرز بنود الاتفاق هو تبادل الأسْرى بين الطرفين، حيث تفرج حركة “حماس” عن 33 محتجزًا إسرائيليًا، بينهم أحياء ورفات موتى، فيما تطلق إسرائيل سراح ما بين 990 و1650 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال. تُنفَذ عملية التبادل على مدى 6 أسابيع بواقع 3 محتجزين إسرائيليين يُفرج عنهم أسبوعيًا، فيما تطلق إسرائيل سراح أسْرى فلسطينيين بنسب محددة: 30 معتقلًا فلسطينيًا لكل مدني إسرائيلي، و50 لكل جندية إسرائيلية. ويشترط الاتفاق التزام الطرفين الكامل بشروط وقف إطلاق النار خلال عمليات التبادل. يأتي هذا البند كخطوة إنسانية تهدف إلى تعزيز الثقة بين الطرفين، وإيجاد مناخ إيجابي يمهّد لتنفيذ المراحل الأخرى من الاتفاق. فضلًا عن ذلك، فإن نجاح عملية التبادل يمكن أن يفتح الباب أمام مفاوضات أوسع بشأن الأسْرى والملفات العالقة بين الجانبين.
المساعدات الإنسانية
يشمل الاتفاق خطة متكاملة لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة. تتضمن الخطة دخول 600 شاحنة يوميًا محملة بالإمدادات الأساسية، منها 50 شاحنة مخصصة لنقل الوقود، و300 شاحنة مخصصة لمناطق شمال القطاع الأكثر تضررًا[3]. وتشمل المساعدات الغذاء، والأدوية، والمعدات الطبية، ومواد إعادة الإعمار. بالإضافة إلى ذلك، يتم دعم المستشفيات والمراكز الصحية بالمستلزمات اللازمة لتقديم الرعاية الطبية، في حين تُخصص موارد لإعادة تأهيل المخابز ومرافق الدفاع المدني. الهدف من هذه المساعدات هو تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان، خاصة النازحين الذين فقدوا منازلهم بسبب الحرب. ويتم تنفيذ توزيع المساعدات تحت إشراف منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة؛ لضمان وصولها إلى جميع الفئات المحتاجة. كذلك، يتضمن الاتفاق إزالة العوائق التي تواجه عمليات الإغاثة، بما في ذلك قيود المعابر ونقص الوقود.
آلية متابعة تنفيذ الاتفاق
لضمان نجاح الاتفاق، تم وضع آلية رقابية صارمة تتابع تنفيذ بنوده بدقة. وتشمل هذه الآلية فريقًا مشتركًا من الوسطاء الدوليين، وممثلين عن الطرفين لمراقبة وقف إطلاق النار، ورصد أي خروقات. ويتم تبادل التقارير اليومية بين الوسطاء حول سير الاتفاق، مع تحديد إجراءات تصحيحية فورية، حالَ حدوث انتهاكات. بالإضافة إلى ذلك، يُشرف الفريق على قوائم تبادل الأسْرى؛ لضمان الشفافية والالتزام بالجدول الزمني المحدد. وتوفر الآلية أيضًا ضمانات لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم، مع معالجة أي عوائق قد تعرقل عملية الإغاثة. ويعكس هذا النظام الرقابي التزام الأطراف الدولية بتحقيق أهداف الاتفاق، ومنع أي تصعيد جديد. ويعتمد نجاح هذه الآلية بشكل كبير على التعاون الكامل من الجانبين، واستمرار الضغط الدولي؛ لضمان احترام الالتزامات المتفق عليها.
المرحلة الثانية: وقف دائم للعمليات العدائية
تهدف المرحلة الثانية إلى تحقيق وقف دائم وشامل للعمليات العدائية بين إسرائيل وحركة “حماس”. ويتمثل الهدف الأساسي لهذه المرحلة في استعادة الهدوء المستدام في قطاع غزة، ما يسهم في تعزيز الاستقرار والأمن لكل الأطراف. وتتطلب المرحلة الثانية التزامًا كاملًا بعدم استئناف أي أعمال عسكرية، مع الشروع في محادثات دبلوماسية تهدف إلى تعزيز الثقة، وبناء آلية مشتركة لحل النزاعات المستقبلية. أيضًا، تتضمن المرحلة تعاونًا دوليًا لدعم جهود تحقيق سلام طويل الأمد، مع توفير ضمانات أمنية للطرفين. ويُتوقع أن تلعب الأطراف الوسيطة دورًا حاسمًا في مراقبة هذه المرحلة، وضمان الالتزام بها. ويعتمد نجاح هذه المرحلة على تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات السياسية، التي يمكن أن تمهّد الطريق نحو تسوية أوسع للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
المرحلة الثالثة: إعادة إعمار غزة
تركز المرحلة الثالثة على إعادة إعمار قطاع غزة بشكل شامل ومستدام. وتمتد الخطة بين 3 و5 سنوات، وتشمل إعادة بناء المنازل المدمرة، وإصلاح البنية التحتية الأساسية، وترميم المرافق العامة مثل المدارس والمستشفيات. ويتم تنفيذ عملية الإعمار تحت إشراف دولي، بمشاركة قطر، ومصر، والأمم المتحدة؛ لضمان الشفافية والعدالة في توزيع الموارد. كذلك، تتضمن الخطة فتح المعابر الحدودية؛ لتسهيل حركة الأفراد والبضائع، ما يعزز النشاط الاقتصادي المحلي. وتُعد هذه المرحلة حاسمة لتحسين حياة السكان المتضررين، وتهيئة بيئة مستقرة يمكن أن تدعم جهود تحقيق السلام الدائم. ويُتوقع أن يواجه تنفيذ هذه المرحلة تحديات عديدة، بما في ذلك التمويل، وتأمين بيئة آمنة للعمل، لكن التزام الأطراف الدولية يمكن أن يضمن نجاحها.
ثانيًا، ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية
ردود الفعل الفلسطينية
في قطاع غزة، رحّب الفلسطينيون باتفاق وقف إطلاق النار، واعتبروه بارقة أمل لإنهاء المعاناة الإنسانية الهائلة، التي استمرت أكثر من 15 شهرًا، وتجمع الناس في بعض المناطق للاحتفال بالاتفاق، معبرين عن آمالهم في العودة إلى حياة طبيعية، بعيدًا عن الحرب والدمار[4]. وأكدت حركة حماس قبولها بنود الاتفاق، مشددة على أن الاتفاق ثمرة صمود الشعب الفلسطيني في غزة على مدى أكثر من 15 شهرًا، وأنه يشكل خطوة أولى نحو تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية وإنهاء الحصار[5]. ورغم الدمار الكبير والخسائر الفادحة التي خلّفتها الحرب، فقد أعربت “حماس” عن استعدادها للتعاون مع الأطراف الدولية؛ لضمان تنفيذ مراحل الاتفاق المختلفة، بما يشمل إطلاق سراح الأسْرى وإعادة إعمار غزة.
ردود الفعل الإسرائيلية
في إسرائيل، تراوحت ردود الفعل بين الترحيب الحذِر والانتقاد الشديد. على المستوى الرسمي، رحب الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، بإعلان التوصل لاتفاق هدنة في غزة، ووصفه بأنه “الخيار الصحيح” لإعادة الرهائن المحتجزين في القطاع. وأعرب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، دعمه للمرحلة الأولى من الاتفاق، لكنه أشار إلى أن التقدم نحو المرحلة الثانية التي تتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار سيعتمد على تطورات الوضع الميداني، ومدى التزام “حماس” بالاتفاق.
وأعربت بعض القوى السياسية اليمينية عن معارضتها، ورأت أن الاتفاق قد يضعف موقف إسرائيل الأمني. وشدد زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل بتسلئيل سموتريتش، الذي هدد بالاستقالة، وإيتمار بن غفير، على رفضهم أي انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، أو إطلاق سراح الأسْرى الفلسطينيين دون ضمانات صارمة.[6]
ومع ذلك، ووفقًا لما تتناقله وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن هناك أغلبية داخل الحكومة الإسرائيلية تؤيد وقف إطلاق النار، ولن تكون هناك عراقيل أمام إتمام الصفقة، رغم الأصوات اليمينية المعارضة لتمرير الصفقة. كذلك، فإن الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، بمَن في ذلك 17 قياديًا من حزب الليكود، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يدعمون إتمام الصفقة، في حين يرفض 7 من أعضاء الحزب التصويت لمصلحتها.
ردود الفعل العربية
لقي الاتفاق ترحيبًا عربيا واسعًا، فقد أعرب سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، عن ترحيب دولة الإمارات بالاتفاق بين حركة حماس وإسرائيل، مثمنًا جهود الوساطة التي بذلتها قطر ومصر والولايات المتحدة لتحقيق هذا الاتفاق[7]. وشدد على ضرورة التزام الأطراف ببنود الاتفاق لتخفيف معاناة الأسْرى والمدنيين، ودعا إلى إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل ومستدام لسكان غزة. وأكد، أيضًا، موقف الإمارات الداعم لحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وفي مصر، رحب الرئيس عبدالفتاح السيسي بالاتفاق، واعتبره خطوة مهمة نحو السلام، وأكد ضرورة تسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة لمواجهة الكارثة الإنسانية التي سببها العدوان. كما جدد التزام مصر بدورها كوسيط رئيسي لتحقيق سلام عادل، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
أيضًا، أعربت وزارة الخارجية الأردنية عن ترحيبها بالاتفاق، مشيدة بالجهود الإقليمية والدولية التي أسهمت في تحقيقه. وأكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ضرورة الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والعمل على إعادة إعمار غزة، ودعا إلى تحرك دولي فوري لإيصال المساعدات الإنسانية الكافية، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
وفي لبنان، أشاد رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بالاتفاق، معربًا عن أمله في أن يكون مستدامًا ويؤدي إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية. ووصف الاتفاق بأنه “إنهاء لصفحة دموية” في تاريخ الشعب الفلسطيني، داعيًا المجتمع الدولي إلى ضمان التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
ورحبت السعودية، من جانبها، بالاتفاق، مؤكدة أهمية البناء عليه لمعالجة أساس الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ودعت إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، وشددت على ضرورة تمكين الفلسطينيين من حقوقهم، بما في ذلك إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ردود الفعل الدولية
رحب المجتمع الدولي باتفاق وقف إطلاق النار، واعتبره خطوة مهمة نحو إنهاء النزاع. فقد رحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالاتفاق، ورأى أنه يمثل فرصة لتخفيف المعاناة الهائلة التي خلّفها الصراع في غزة. ودعا إلى توسيع نطاق الإغاثة الإنسانية بشكل دائم، والعمل على إنشاء مسار سياسي موثوق به لتحقيق مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي الولايات المتحدة، أثنى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على دبلوماسية الولايات المتحدة “المثابرة والدقيقة”، وأشاد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بالاتفاق[8]. وأكد كلاهما أهمية التنفيذ الكامل للاتفاق؛ لضمان تحقيق تقدم نحو الاستقرار والسلام في المنطقة.
أيضًا، أعرب رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن دعمه للاتفاق، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار يجب أن يتيح زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية. وشدد على ضرورة العمل على حل الدولتين لضمان سلام دائم لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي ألمانيا، أعربت وزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، عن أملها في أن يؤدي الاتفاق إلى إطلاق سراح الرهائن وإنهاء العنف في غزة، وأكدت أهمية استغلال هذه الفرصة لتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.
ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الأطراف إلى الالتزام الكامل بالاتفاق، مؤكدة أنه يمثل بارقة أمل للمنطقة التي عانت طويلًا ويلات الصراع. وأشارت إلى ضرورة أن يكون الاتفاق نقطة انطلاق نحو حل دبلوماسي دائم.
وفي فرنسا، رحب الرئيس إيمانويل ماكرون بالاتفاق، مشددًا على أهمية أن يتبعه حل سياسي يضمن استقرار غزة، وإنهاء معاناة سكانها، كما دعا إلى دعم الجهود الإنسانية والإعمار في القطاع.
أخيرًا، أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن أمله في أن يكون الاتفاق بداية لسلام دائم واستقرار في المنطقة، مؤكدًا دعمه لحقوق الفلسطينيين، ودور تركيا في تحقيق هذا الهدف.
ثالثًا، الوضع الإنساني في غزة وآثار الحرب
خلّفت الحرب أوضاعًا إنسانية كارثية في قطاع غزة، حيث نزح نحو 90% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون شخص عن منازلهم. وتشير التقارير إلى تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء. وقد تضاعفت معاناة المدنيين بسبب الحصار المفروض على القطاع، ما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والوقود. وفقًا للأرقام، قُتل أكثر من 46 ألف فلسطيني، وأصيب أكثر من 110 آلاف، معظمهم من النساء والأطفال، خلال النزاع، ما دفع المجتمع الدولي إلى تصعيد انتقاداته لإسرائيل، واتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية. في المقابل، تعرضت إسرائيل لخسائر فادحة، حيث قُتل 1,200 شخص في هجوم أكتوبر 2023 الذي شنته حركة حماس[9]. وتعزز تداعيات الحرب الإنسانية والاقتصادية الحاجة إلى إعادة إعمار شاملة بدعم دولي، مع ضمان حماية حقوق المدنيين وتحقيق العدالة للضحايا.
هل يُنهي الاتفاق الحرب بشكل دائم؟
عند دراسة تفاصيل الاتفاق الحالي بين حركة حماس وإسرائيل، يتضح أنه ليس اتفاقًا لإنهاء الحرب بقدر ما هو وقف مؤقت للقتال لإفساح المجال أمام التوصل إلى حل دائم. فالمفاوضون أمامهم ستة أسابيع فقط لإتمام المرحلة الثانية، التي تتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق أو تمديد وقف القتال المؤقت، فإن احتمالية العودة إلى القتال تبقى قائمة[10].
العوامل المؤثرة في مستقبل الاتفاق:
- طبيعة الائتلاف الحاكم في إسرائيل
يعتمد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على دعم اليمين المتطرف، الذي يمثله أعضاء مثل بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، ويعارض هذا التحالف بشدة أي نهاية دائمة للحرب. ورغم أن المرحلة الأولى مرت دون عقبات كبيرة من هذا الائتلاف، فإن المرحلة الثانية قد تواجه صعوبات أكبر. وتشير تقارير إلى أن نتنياهو وعد سموتريتش بعدم المضي قدمًا في المرحلة الثانية، وهو ما يعكس المعضلة السياسية التي يواجهها رئيس الوزراء.
- الوضع الداخلي لـ”حماس”
تعرضت القيادة العليا لحركة حماس لخسائر كبيرة خلال الحرب، ما أدى إلى ظهور قادة جدد قد لا يكونون متمرسين في المفاوضات. وقد يؤثر هذا الأمر في قدرة الحركة على اتخاذ قرارات متماسكة أو التوافق داخليًا على المصالح التي يجب السعي إلى تحقيقها. ورغم استمرار العمليات العسكرية للحركة، فإن المشهد السياسي الداخلي يظل غير واضح.
- عامل دونالد ترامب
لعب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، دورًا في التوصل إلى المرحلة الأولى من الاتفاق، حيث مارس ضغوطًا على نتنياهو لقبول الصفقة. ومع ذلك، يبقى موقف ترامب المستقبلي غير واضح: هل يسعى لإنهاء الحرب بشكل دائم، أم كان هدفه فقط تحقيق هدنة مؤقتة للتفاخر بها؟ سيظل موقف الإدارة الأمريكية المقبلة حاسمًا، نظرًا لاعتماد إسرائيل الكبير على الدعم الأمريكي.
- إرهاق الحرب بين الجانبين
يعاني سكان غزة أوضاعًا إنسانية كارثية، حيث تم تهجير نحو 90% من السكان، ما جعلهم يتطلعون بشدة لإنهاء القتال. في المقابل، أظهرت استطلاعات الرأي دعمًا شعبيًا إسرائيليًا لإنهاء الحرب عبر التفاوض. وقد يفرض هذا الإرهاق تكاليف سياسية على القادة، حالَ استئناف القتال، خاصة مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية.
الخلاصة
رغم التوصل إلى الاتفاق، يظل مستقبل غزة غامضًا ومليئًا بالتحديات. من أبرز القضايا العالقة دور حركة حماس في المرحلة المقبلة، إذ تطالب بعض الأطراف الإقليمية والدولية بأن تدير السلطة الفلسطينية فقط قطاع غزة. أيضًا، تواجه إسرائيل انتقادات داخلية بسبب تخفيف موقفها بشأن انسحابها الكامل من غزة. على الجانب الآخر، تتطلب إعادة إعمار القطاع التزامًا ماليًا وسياسيًا دوليًا كبيرًا، وسط تساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي على تقديم الدعم اللازم. يضاف إلى ذلك خطر تجدد العنف، حالَ فشل تنفيذ الاتفاق أو استمرار الخلافات حول قضايا مثل الحدود والمساعدات الإنسانية. وفيما يوفر الاتفاق بصيصَ أملٍ لسكان غزة، فإنه يعتمد بشكل كبير على إرادة الأطراف المعنية، ومدى قدرتها على الالتزام بشروطه؛ لضمان سلام طويل الأمد؛ وربما الأهم استمرار الضغط الأمريكي؛ من أجل استكمال جميع مراحل الاتفاق، وإنهاء الحرب بشكل دائم.
[1] تفاصيل المراحل الثلاث في:
What do we know about the Israel-Hamas ceasefire deal in Gaza? Aljazeera, January 15, 2025:
https://www.aljazeera.com/news/2025/1/15/what-do-we-know-about-the-israel-gaza-ceasefire-deal
[2] Raffi Berg, What we know about the Gaza ceasefire deal, BBC, January 15, 2025: https://www.bbc.com/news/articles/cy5klgv5zv0o
[3] Web Desk, Gaza ceasefire in Israel-Hamas deal to begin on January 19, Qatar confirms, Khaleej Times, January 15, 2025: https://www.khaleejtimes.com/world/mena/gaza-ceasefire-to-begin-on-january-19-in-3-phases-qatar-confirms
[4] صحيفة الخليج، 15 يناير 2025: https://tinyurl.com/4t3rf8wm
[5] العربية، 15 يناير 2025: https://tinyurl.com/mt8x6737
[6] سي سي إن عربية، 15 يناير 2025: https://tinyurl.com/eb3n2azj
[7] وكالة أنباء الإمارات-وام، 15 يناير 2025: https://tinyurl.com/555tfx4m
[8] الأهرام، 16 يناير 2025: https://tinyurl.com/53da38nz
[9] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأرض الفلسطينية المحتلة: https://www.ochaopt.org/ar
[10] Jeremy Diamond, Mick Krever, Lauren Kent, and Eric Levenson, What’s in the Hamas-Israel ceasefire and hostage release deal, CNN, January 15, 2025: https://edition.cnn.com/2025/01/15/us/whats-in-the-hamas-israel-ceasefire-and-hostage-release-deal/index.html