Insight Image

الأهداف والنتائج والمستقبل: مؤتمر باريس الدولي لدعم الاحتياجات الإنسانية في السودان

16 أبريل 2024

الأهداف والنتائج والمستقبل: مؤتمر باريس الدولي لدعم الاحتياجات الإنسانية في السودان

16 أبريل 2024

بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب الدائرة في السودان انعقد المؤتمر الإنساني الدولي حول السودان ودول الجوار في العاصمة الفرنسية باريس. وجاء توقيت انعقاد المؤتمر في لحظة حرجة من عمر الحرب الدائرة في السودان؛ إذ يشتد النزال بين طرفي الصراع من ناحية، وينشغل الرأي العام العالمي، الرسمي وغير الرسمي، بالتصعيد الإيراني الإسرائيلي، وبتطورات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، فضلًا عن عودة الحرب الروسية الأوكرانية إلى الواجهة، والمناوشات بين الولايات المتحدة وحلفائها والصين في بحر الصين الجنوبي من ناحية ثانية.

وبالتوازي مع انعقاد المؤتمر الإنساني، عُقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية لدعم مبادرات السلام الدولية والإقليمية الهادفة إلى وضع حد للحرب في السودان، وهو أمر لا يقل أهمية عن محاولات جمع الأموال والموارد اللازمة لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان؛ وخاصة أن الواقع يؤكد أن وقف الحرب المشتعلة بين طرفي النزاع هو المفتاح الأساسي لمواجهة المشكلات الإنسانية المتفاقمة في بلد يعاني أزمات مركبة منذ عشرات السنين.

إن اختيار باريس يومَ 15 إبريل لانعقاد المؤتمر ليس اعتباطيًّا أو وليد الصدفة، فقد انطلقت الحرب في السودان في اليوم ذاته من العام الماضي، وهي الآن تدخل عامها الثاني، وسط مخاوف كثير من السودانيين بأنها باتت حربًا منسية وأفضت إلى نتائج مأساوية، فهناك 27 مليون سوداني، أي ما يزيد على نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وما لا يقل عن 18 مليون نسمة يواجهون حالة افتقاد الأمن الغذائي. وتُبيّن تقارير الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 8 ملايين سوداني قد تشرّدوا، منهم 6.3 مليون نازح داخلي.[1] وخلفت الحرب، حتى الآن، ما يقرب من 15 ألف قتيل، وعددًا غير محدود من المصابين والمفقودين[2].

ونتناول في هذه الدراسة حجم الأزمة الإنسانية في السودان وفق التقارير الدولية، وتقديم قراءة لمؤتمر باريس وموقف الحكومة السودانية منه، وأهم النتائج التي توصل إليها، ونختم بالحديث عن المستقبل المتوقع للأزمة الإنسانية في السودان. 

أولًا، حجم الأزمة الإنسانية في السودان:

أسهمت عوامل عدة في تفاقم الأزمة الإنسانية بالسودان، يأتي على رأسها بالطبع الحرب الدائرة الآن بين الجيش وقوات الدعم السريع، الأمر الذي أدى إلى عدم الاستقرار، والنزوح المستمر على نطاق واسع، إلى جانب التدهور الاقتصادي الحاد، وتفشي الأمراض، وأزمة نقص في الغذاء والدواء.[3]

1- على مستوى الهجرة الداخلية واللجوء: أوجدت الحرب في السودان أسوأ كارثة نزوح على مستوى العالم، إذ يمثّل النازحون السودانيون نحو 12% من مجمل النازحين في العالم، وذلك بحسب تقديرات منظمة الهجرة الدولية[4]. وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة من تفاقم التداعيات الكارثية للأزمة الإنسانية في السودان، وناشدت مجتمع المانحين توفير 4.1 مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 25 مليون سوداني تضرروا من الحرب، وأدت إلى تشريد نحو 10 ملايين شخص، عبر 1.5 مليون منهم الحدود إلى بلدان مجاورة[5]. وكانت صحيفة التايمز البريطانية، قد أكدت في تقرير لها، إن ما يقرب من 8 ملايين سوداني أُجبروا على ترك منازلهم، بسبب أعمال العنف التي بدأت مع بداية الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ إذ فرّ 1.6 مليون إلى دول عدة، بينها جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، في حين عبر نحو 450 ألفًا إلى مصر[6].

2- أزمة غذائية حادة: أشار برنامج الغذاء العالمي إلى أن هناك ما يقارب 18 مليون شخص، في أنحاء السودان، يعانون ” الجوع الحاد”، بينما يواجه أكثر من خمسة ملايين شخص، مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررًا من الصراع[7]. وحذر البرنامج أيضًا من عدم قدرته على تقديم المساعدات الغذائية بانتظام بسبب أن واحدًا من كل 10 أشخاص يواجهون مستويات الطوارئ من الجوع في مناطق النزاع الساخنة، بما في ذلك الخرطوم ودارفور وكردفان ومؤخرًا الجزيرة[8]،  وأن أقل من 5 في المئة من السودانيين يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم وجبة كاملة في الوقت الراهن. ومن جانبها أكدت مديرة برنامج الأغذية العالمي أن الحرب في السودان “قد تخلّف أكبر أزمة جوع في العالم” في بلد يشهد أساسًا أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي[9].

3- ارتفاع نسبة البطالة: تتعمق الأزمة الإنسانية في السودان بشكل كبير في ظل ارتفاع نسبة المتعطلين عن أنشطتهم اليومية إلى أكثر من 60 في المئة من سكان البلاد المقدر تعدادهم بنحو 42 مليون نسمة، إذ فقدَ 5 ملايين من العاملين في القطاعين الخاص والعام وظائفهم، فيما ظل نحو 19 مليون طالب خارج الدراسة منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف إبريل العام الماضي. [10]

4- العنف الجندري: حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن النساء والفتيات النازحات بسبب النزاع يتعرضن بشكل متزايد لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال والاعتداء الجنسيين[11]. وفي السياق ذاته، بلغ عدد حالات الاعتداء الجنسي الموثقة من قبل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الحكومية، حتى يناير الماضي (136) حالة. توزعت هذه الحالات ما بين العاصمة الخرطوم والمناطق الأخرى المتأثرة بالقتال، لكن هذه الأرقام لا تمثل نسبة 2% من العدد الكلي لجرائم الاعتداء الجنسي[12]. كما ذكرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، أنه منذ اندلعت الحرب في منتصف إبريل الماضي، سُجلت 96 حالة اختفاء قسري بين النساء اللاتي من المرجح أن يكن قد تعرضن للاغتصاب والاستعباد الجنسي أو جرى تسخيرهن للأعمال المنزلية. وأشارت منظمات أممية إلى ارتفاع حالات “زواج الأطفال بسبب التشتت الأسري، إذ فقد آباء وأمهات أبناءهم وهم يهربون هلعًا من المعارك أو بسبب عنف جنسي واغتصاب وحالات حمل غير مرغوب فيها.[13]

5- مأساة الأطفال: أكدت منظمة إنقاذ الطفولة أن 14 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في السودان من أجل البقاء على قيد الحياة. وتشير الأرقام إلى أن 3.6 ملايين طفل، دون سن الخامسة في السودان، يعانون سوء التغذية الحاد[14]، وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من انهيار أنظمة تزويد المياه والصرف الصحي، مع تفاقم انتشار الأمراض في البلاد، والاعتقالات التعسفية، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب، وتجنيد واحتجاز الأطفال. كما أبدى استياءه من جراء تقارير تتعلق بـ “أعمال العنف الجنسي” المتصلة بالنزاع[15].

6- تفشي الأمراض والأوبئة: حذرت منظمة الصحة العالمية من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان في خضم استمرار القتال والنزوح الجماعي وتفشي الأمراض، فقد تسببت الحرب خلال 8 أشهر في مقتل ما لا يقل عن 12,260 شخصًا وإصابة أكثر من 33,000 شخص[16]. ويتعرض العديد من السكان للأمراض وسوء التغذية والعنف القائم على النوع الاجتماعي ومشاكل الصحة العقلية الحادة. وفي غضون شهر واحد من اندلاع الحرب انتشرت الكوليرا من 3 إلى 9 ولايات مع وجود أكثر من 5,400 حالة اشتباه بالإصابة ومؤكدة و170 حالة وفاة. وأبلغت 11 ولاية عن أكثر من 4,500 حالة اشتباه بالإصابة بالحصبة و104 حالات وفاة. كما أبلغت 14 ولاية عن أكثر من 6,000 حالة إصابة بحمى الضنك و56 حالة وفاة[17]. وفي ظل هذه الأوضاع الإنسانية المتردية في السودان، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومات المشاركة في المؤتمر بدعم جهود التحقيق في الانتهاكات المستمرة في السودان. ودعت أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى إلى ضرورة تنسيق العمل بموجب أنظمة العقوبات الخاصة بكل منها على السودان، لتحديد الكيانات والأفراد المسؤولين عن عرقلة المساعدات والانتهاكات الجسيمة[18].

والخلاصة، أن حجم الأزمة الإنسانية في السودان أكبر بكثير مما يكتب أو ينشر عنها في وسائل الإعلام العالمية، الأمر الذي يحتم على الأسرة الدولية ضرورة التحرك العاجلة لمواجهتها قبل استشرائها، وخاصة أن مؤتمر باريس يعد خطوة في هذا الاتجاه.

ثانيًا، مؤتمر باريس.. الأهداف والأطراف المشاركة:

عقد المؤتمر برئاسة مشتركة من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. وبالتوازي، مع انعقاد المؤتمر، عقد اجتماع وزراء الخارجية لما يقرب من 20 دولة، لدعم مبادرات السلام الدولية والإقليمية الهادفة لوضع حد للحرب في السودان[19].

1-أهداف المؤتمر: يهدف المؤتمر، كما أشارت وزارة الخارجية الفرنسية، إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها الالتزام بتمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية الضرورية للسودان، وثانيها إحراز تقدم في ضمان وصول المساعدات من دون عوائق. وثالثها ضرورة ألا يطغى عدم الاستقرار في النظام الدولي على الأزمات التي تؤثر في الأفارقة، بما في ذلك السودان[20]. ويسعى المنظمون للمؤتمر إلى جمع تبرعات مالية تصل إلى 3.8 مليارات يورو لعام 2024، بينما المتوافر في الوقت الحالي لا يصل إلى الخمس المطلوب لسد الاحتياجات الإنسانية[21].

وفضلًا عن تلك الأهداف المعلنة، يوجد هدف آخر تسعى إليه الدول الأوروبية، يتمثل في وقف هجرة اللاجئين السودانيين إلى الدول الأوروبية. فقد أظهرت إحصاءات نشرتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن تزايد انتقال اللاجئين السودانيين إلى أوروبا، إذ وصل ستة آلاف لاجئ إلى إيطاليا قادمين من تونس وليبيا منذ بداية 2023[22].

2-الأطراف المشاركة: شارك في المؤتمر إلى جانب الدول الداعية له منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية،[23] وعدد من الدول العربية والأفريقية، ومسؤولو المجتمع المدني الدولي[24]. إضافة إلى نحو 40 شخصية من المجتمع المدني السوداني، يأتي على رأسهم رئيس الوزراء السوداني السابق، عبدالله حمدوك، وقيادات أخرى من تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم”، وشخصيات مستقلة وزعماء أهليون[25].

وعلى مستوى المؤتمر الوزاري الموازي للمؤتمر الإنساني، شاركت دول الجوار (تشاد، ليبيا، كينيا، جيبوتي، جنوب السودان، مصر وإثيوبيا)، إضافة الى دول الخليج (السعودية والإمارات)، والقوى الغربية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنروج). وشاركت أيضًا منظمات إقليمية عدة مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، إضافة إلى وكالات للأمم المتحدة، وذلك من أجل الاتفاق على إعلان مبادئ وإجراء تقييم لمختلف مبادرات إحلال السلام في السودان.[26]

ثالثًا، الموقف السوداني من المؤتمر:

برغم تصريح الخارجية الفرنسية بأن الهدف من المؤتمر هو الجمع بين جميع الشركاء المعنيين، فإنه لم تجرِ دعوة طرفي النزاع للمشاركة في المؤتمر، الأمر الذي أدى إلى بروز تساؤل حول كيف يُضمَن وصول المساعدات الإنسانية ودعم مبادرات السلام الهادفة إلى وضع حد للحرب في السودان من دون مشاركة طرفي الصراع؟

وفي المجمل، جاء الموقف الرسمي السوادني رافضًا للمؤتمر؛ فأدانت وزارة الخارجية السودانية استضافة فرنسا للمؤتمر “من دون التشاور أو التنسيق” مع الحكومة و”من دون مشاركتها”، وقالت إن “هذه الخطوة الفرنسية تشكل استخفافًا كبيرًا بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ سيادة الدول”. كما استنكرت الخارجية السودانية استخدام ذريعة الحياد بين من يسمّيها المنظمون طرفي نزاع لتبرير تجاهل السودان في تنظيم المؤتمر، وعدّت ذلك أمرًا غير مقبول وسابقة خطيرة في العلاقات الدولية. [27]

وفي الوقت ذاته، أعادت وزارة الخارجية السودانية تأكيدها التزام الحكومة السودانية بتسهيل جميع الجهود الممكنة وتيسيرها لجمع المساعدات الإنسانية وتقديمها للمحتاجين في جميع أنحاء البلاد. كما أكدت أيضًا أن الميليشيات نهبت أكبر مخازن برنامج الغذاء العالمي بالجزيرة، ما أدى إلى حجز الإمدادات الغذائية الضرورية التي تكفي لأكثر من مليون ونصف المليون من المحتاجين.[28]  ومن جانبه، أعرب سفير السودان لدى فرنسا عن دهشته واستنكاره لغياب حكومة بلاده عن المؤتمر. وقال: “إننا نخشى بشدة من أن يتمخض هذا المؤتمر في المحصلة النهائية عن مجرد مهرجان دعائي وترويجي، ومنشط سياسي وإعلامي ودبلوماسي، واستنفار مالي، هدفه الأوحد هو تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية لـ(ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، وحليفها السياسي، تحت ستار الاهتمام بمأساة الشعب السوداني”[29].

رابعًا، قراءة في نتائج المؤتمر:  

توجد بعض النتائج الإيجابية التي خرج بها مؤتمر باريس والتي يمكن البناء عليها من قبل المجتمع الدولي، لحل شفرة الأزمة الإنسانية في السودان، من بينها:

جمع قدر من الأموال اللازمة لمواجهة الأزمة الإنسانية: حيث أعلن الرئيس الفرنسي جمع أكثر من مليارَي يورو، منها 900 مليون يورو من دول الاتحاد الأوروبي من ضمنها 110 ملايين من فرنسا، وذلك للاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا في قطاعات الأمن الغذائي والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الأكثر ضعفًا”[30]. كما أكد المبعوث الأمريكي الخاص للسودان أن الولايات المتحدة ستقدم تمويلاً إضافيًّا يتجاوز مئة مليون دولار لإغاثة الشعب السوداني في ظل الصراع الدائر على أراضيه[31]. ومن جانبها أكدت وزيرة شؤون التنمية والشراكات الدولية الفرنسية أن فرنسا وفّرت في العام الماضي 50 مليون يورو من المساعدات الإنسانية المختلفة، أنها ستواصل توفير الدعم للأطراف التي شاركت في مؤتمر جدة للدعم الإنساني، للوفاء بتعهداتها[32].

واللافت للنظر أنه برغم أن التعهدات بالتبرعات طموحة، فإنها لا تزال بعيدة عن مبلغ 4 مليارات يورو اللازم لتوفير المساعدات بحسب الأمم المتحدة؛ فمنذ بداية العام الجاري، طلبت الأمم المتحدة مساعدات إنسانية للسودان تبلغ 3.8 مليارات يورو، لكن ما توفر منها حتى اليوم لا يزيد على 5 في المئة. [33]

إعادة وضع السودان على الأجندة الدولية: يُعد انعقاد مؤتمر باريس بمثابة رمي حجر في المياه الراكدة بعد أن نسي العالم الأزمة السودانية في ظل بيئة استراتيجية دولية صراعية تنتشر فيها الحروب الإقليمية. وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الفرنسي على أنه “منذ عام، وجد السودانيون أنفسهم ضحايا حرب رهيبة.. لا تترك إلا الفوضى والمعاناة”. وأن “السودانيين هم أيضًا ضحايا النسيان واللامبالاة”. من جهتها، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أن المجتمع الدولي يجب ألا يصرف نظره عن الحرب في السودان التي تسببت في أزمة إنسانية كارثية، وذلك في أثناء حديثها عن “المعاناة التي لا توصف” للسودانيين وشعورهم بأن العالم تخلى عنهم.[34]

الضغط على أطراف الصراع لإنهاء الحرب: إن أحد أهم مخرجات هذا المؤتمر هو عقد اجتماع سياسي لوزراء الخارجية من 20 دولة، الأمر الذي يعني السير قدمًا في محاولة وقف الحرب، وإيجاد حلول توافقية سلمية لمرحلة انتقالية جديدة في السودان؛ إذ أكد الاتحاد الأوروبي ضرورة الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وإنشاء آليات مراقبة لوقف الدمار الذي لحق بالشعب السوداني والبلاد، ومواصلة دعم جهود الوساطة الإقليمية والدولية، لإحلال السلام في السودان. كما طالب الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف المتحاربة بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي بحماية المدنيين. وهدد الاتحاد الأوروبي في الوقت ذاته بأنه من خلال الآليات الدولية، سوف يعمل على تحديد جميع الجهات الفاعلة المسؤولة ومحاسبتها على الفظائع التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها في حق الشعب السوداني.[35]  ومن جانبه، حذر وزير الخارجية الأمريكي من أن واشنطن ستعزز الجهود من أجل محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والفظائع الأخرى من قوات (الدعم السريع) والجيش السوداني، بما في ذلك تشديد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الأفراد والمؤسسات والكيانات الأخرى المسؤولة عن الانتهاكات[36]. كما فرضت بريطانيا وكندا عقوبات على كيانات مرتبطة بطرفي الصراع بالفعل.

المطالبة بوقف الدعم الخارجي للأطراف المتحاربة: طالب المجتمعون في مؤتمر باريس حول السودان، في إعلان مشترك، كل الأطراف الأجنبية بوقف تقديم الدعم المسلّح لطرفَي النزاع. ودعت 14 دولة كل الأطراف الإقليمية والدولية إلى تقديم الدعم من دون تحفظ لمبادرة سلام موحدة لمصلحة السودان.[37]

ويمكننا القول إن النتائج التي توصل إليها مؤتمر باريس ضئيلة في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، وعدم خروج المؤتمر بآلية واضحة من أجل وقف الحرب.

خامسًا، مستقبل الأزمة الإنسانية في السودان:

على الأرجح فإن الأزمة الإنسانية في السودان ستستمر في ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على وقف الحرب؛ ومع ذلك هناك مجموعة من الحلول الممكنة لتحسين الوضع الإنساني في السودان، أولها تواصل العمل الدولي لوقف الحرب، فمفتاح حل الأزمة الإنسانية في السودان يتمثل في تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لوقف الحرب الدائرة الآن، وقيام المنظمات الأممية، والمانحين الدوليين بواجباتهم الإنسانية.

ثانيها، زيادة الوعي العالمي بالأزمة الإنسانية في السودان والضغط على الجهات الدولية لتقديم المساعدة والدعم اللازم، وذلك عن طريق حملات الدعم والتشبيك مع الجهات الفاعلة الدولية.

ثالثها، المطالبة والضغط في اتجاه زيادة التمويل المخصص لمساعدة النازحين واللاجئين في السودان وتوجيهها بشكل فعال لتلبية الاحتياجات الضرورية. رابعها، مطالبة طرفي الصراع بالتعامل الجاد بشأن ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في كل المناطق في السودان لإنقاذ الوضع الكارثي من التفاقم والتدهور[38]، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها.

والخلاصة هي أن مؤتمر باريس على الرغم من ضآلة نتائجه، يعد خطوة مهمة من خطوات عدة مطلوبة من قبل الأسرة الدولية لوقف الحرب الأهلية في السودان، ومواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك، وأن مستقبل حل الأزمة السودانية يتوقف على ضرورة إقناع طرفي الصراع بضرورة الجلوس على مائدة المفاوضات، وتقديم المصلحة الوطنية السودانية على المصالح الذاتية، الأمر الذي يتطلب من القوى الدولية والإقليمية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الأزمة السودانية.


[1] – ميشال أبونجم، مؤتمر دولي في باريس لدعم حاجات السودان الإنسانية… ووقف الحرب، الشرق الأوسط، 6 إبريل 2024، https://2u.pw/AHopm4En

[2] – أحمد يونس، حرب السودان المنسية تدخل عامها الثاني، جريدة الشرق الأوسط/ 15 إبريل 2024، https://2u.pw/H2qqYQZ7

[3] – “المنظمة الدولية للهجرة تطلق مناشدة لدعم أكثر من مليوني شخص ومجتمعات متضررة من الأزمة الإنسانية في السودان”، وكالة الأمم المتحدة للهجرة، 8 مارس 2022، https://2u.pw/jYrjSFnj

[4] – “الأمم المتحدة تطلق نداء لإغاثة 25 مليون سوداني”، سكاي نيوز عربية، 8 فبراير 2024، https://2u.pw/yEWJkrlv

[5] – “المنظمة الدولية للهجرة تطلق مناشدة لدعم أكثر من مليوني شخص ومجتمعات متضررة من الأزمة الإنسانية في السودان”، مرجع سابق.

[6] – “هل نسي العالم أزمة السودان في خضم حرب غزة؟”، بي بي سي عربية، 8 فبراير 2024، https://2u.pw/mjqIdefa

[7]  – المرجع السابق.

[8] – “الأمم المتحدة تطلق نداء لإغاثة 25 مليون سوداني”، مرجع سبق ذكره.

[9] – “رمضان “الحرب” في السودان.. معاناة مضاعفة ونداء دولي”، قناة الحرة، 11 مارس 2024، https://2u.pw/5Utz3Vua

[10] – “الأمم المتحدة تطلق نداء لإغاثة 25 مليون سوداني، سكاي نيوز عربية”، مرجع سبق ذكره.

[11] -” استمرار الاستجابة الأممية للأزمة الإنسانية في السودان”، الأمم المتحدة، 10 مايو 2023، https://2u.pw/xP3EhKDN

[12] – “السودان: النساء بين ويلات الحرب والعنف الجنسي”، صحيفة التغيير، 9 مارس 2024، https://2u.pw/qhR0VS6R

[13] – “عام على الحرب في السودان.. عائلات باعت أطفالها لتطعمهم”، العربية نت، 12 إبريل 2024،  https://2u.pw/fGl57Pti

[14] – “هل نسي العالم أزمة السودان في خضم حرب غزة؟”، مرجع سابق ذكره.

[15] – “غوتيريش يتحدث عن ضرورة وقف التصعيد في السودان خلال رمضان”، شبكة فايرل، 7 مارس 2024، https://2u.pw/P4gKDBaT

[16] – “السودان: استمرار الصراع يفاقم من انتشار الأمراض ويحد من القدرة على مساعدة المحتاجين”، الأمم المتحدة، 8 ديسمبر 2023، https://2u.pw/jq33dbcn

[17] – المرجع السابق ذكره.

[18] “هيومن رايتس ووتش تطالب مؤتمر باريس بدعم التحقيق في انتهاكات السودان”، سودان تربيون، 13 إبريل 2024، https://sudantribune.net/article284398/

[19] – ميشال أبونجم، مؤتمر دولي في باريس لدعم حاجات السودان الإنسانية… ووقف الحرب، مرجع سبق ذكره.

[20] – “البعثة الأممية لتقصي الحقائق: الشعب السوداني تحمل ما يكفي”، سكاي نيوز عربية، 11 إبريل 2024، https://2u.pw/ZCri0wDt

[21] ميشال أبونجم، 20 وزير خارجية حول طاولة مؤتمر باريس… والخرطوم تندد لتجاهلها، جريدة الشرق الأوسط، 12 إبريل 2024، https://2u.pw/Pcb04lSJ

[22] مخاوف من توجه اللاجئين السودانيين إلى أوروبا، سكاي نيوز عربية، 13 إبريل 2024، https://2u.pw/OIbJAWA6

[23] ميشال أبونجم، “20 وزير خارجية حول طاولة مؤتمر باريس… والخرطوم تندد لتجاهلها”، جريدة الشرق الأوسط، 12 إبريل 2024، https://2u.pw/Pcb04lSJ

[24] – ميشال أبونجم، “مؤتمر باريس حول السودان «الاثنين» في غياب طرفَي النزاع”، جريدة الشرق الأوسط، 11 إبريل 2024، https://2u.pw/9f2zSpa2

[25] – “باريس تحتضن مؤتمرًا حول السودان لبحث سبل الدعم بعد عام على بدء النزاع”، فرانس 24، 15 إبريل 2024، https://2u.pw/BUUCdbAv

[26] – “باريس تستضيف مؤتمرًا دوليًّا حول السودان”، الجزيرة نت، 15 إبريل 2024، https://2u.pw/W8sp4Wd4

[27] – “السودان يدين استضافة فرنسا مؤتمرًا حول الوضع الإنساني دون مشاركته”، جريدة الشرق، 12 إبريل 2024، https://2u.pw/wLjvOByK

[28] – “وزارة الخارجية ترفض مؤتمر باريس الإنساني بشأن السودان”، صحيفة الراكوبة، 2 إبريل 2024، https://2u.pw/5utzdsee

[29] – ميشال أبونجم، “مؤتمر باريس حول السودان «الاثنين» في غياب طرفَي النزاع”، جريدة الشرق الأوسط، 11 إبريل 2024، https://2u.pw/9f2zSpa2

[30] – “مؤتمر باريس حول السودان يتعهد مساعدات إنسانية بمليارَي يورو (ماكرون)”، فرانس 24، 15 إبريل 2024، https://2u.pw/QQE9FxcP

[31]  – “بمبلغ من 9 أرقام.. مساعدات أمريكية إضافية للسودان”، سكاي نيوز عربية، 11 إبريل 2024، https://2u.pw/RQxmj1Fc

[32] – ميشال أبونجم، مؤتمر دولي في باريس لدعم حاجات السودان الإنسانية… ووقف الحرب، مرجع سبق ذكره.

[33] – “الأمم المتحدة تناشد الدول المانحة توفير الدعم العاجل للشعب السوداني”، اليوم السابع، 16 إبريل 2024، https://2u.pw/RHxmBgdC

[34] – “باريس تستضيف مؤتمرًا حول السودان في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب”، فرنس 24، 15 إبريل 2024، https://2u.pw/3tni0GWa

[35] – “شعب يستحق الأفضل.. الاتحاد الأوروبي يهدد بملاحقة المتسببين في كوارث السودان”، القاهرة الإخبارية، 16 إبريل 2024، https://2u.pw/39fX0xAK

[36] – «مؤتمر باريس» يعزز آمال السودانيين… ويتعهد بمساهمات مالية اقتربت من مليار يورو”، جريدة الشرق الأوسط، 16 إبريل 2024، https://2u.pw/kkVGiYvS

[37] – مؤتمر باريس يطالب الأطراف الأجنبية بوقف دعمها المسلح لفرقاء السودان، العربية نت، 15 إبريل 2024، https://2u.pw/zttRdeiH

[38] – د. بخيت أوبي، “تجاهل الأزمة الإنسانية في الحرب الجارية في السودان: الأسباب والحلول”، موقع الراكوبة، 23 فبراير 2024، https://2u.pw/eWk5oNtB

المواضيع ذات الصلة