Insight Image

الاعتراف الفرنسي بالصحراء كمغربية قراءة في الأسباب والتداعيات

31 يوليو 2024

الاعتراف الفرنسي بالصحراء كمغربية قراءة في الأسباب والتداعيات

31 يوليو 2024

على خلفية العيد الوطني للمغرب، الثلاثاء الموافق 30 يوليو 2024، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في رسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس: إن فرنسا تعترف بالمقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء المغربية، في إطار السيادة المغربية، كأساس وحيد لحل دائم للقضية، مؤكدًا على دعم فرنسا الواضح والثابت لخطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في عام 2007. وأضاف ماكرون في رسالته أن الخطة المذكورة ستكون، من الآن فصاعدًا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل مستدام ومتفاوض بشأنه، طبقًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ولعل هذه الخطوة المحورية لم تكن مفاجئة؛ إذْ سبقها تَفَهُّم فرنسي في فبراير الماضي، عندما أفصحت فرنسا على لسان وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه إبان زيارته للمغرب عن أن فرنسا تعلن عن دعمها “الواضح والمستمر” لمقترح الحكم الذاتي، وهو التصريح الذي ساهم في تحسين العلاقات بين فرنسا والمغرب بصورة معتبرة في أعقاب التصريح به.

وعليه، فإن هذه الدراسة تأتي لتتبع مسار العلاقات المغربية الفرنسية، منذ الاستعمار، ومرورًا بالاستقلال، وصولًا إلى الاعتراف الأخير، وتَبَيُّن دوافعه وتبعاته على العلاقات الثنائية بين البلدين من ناحية، وعلى العلاقات الفرنسية مع دول الجوار المغربي من ناحية ثانية، ثم الموقف الأممي من القضية من ناحية ثالثة.

المصدر/ هيئة الإذاعة البريطانية https://www.bbc.com/arabic/articles/cd1dly973gqo

 

أولًا: نبذة تاريخية عن العلاقات المغربية الفرنسية:

تُعَدُّ العلاقات الفرنسية المغربية علاقات تاريخية ومعقدة، تشمل أبعادًا عدة: معنوية ومادية، وتتضمن جوانب سياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية. وقد مرت هذه العلاقات بمرحلتين أساسيتين؛ هما مرحلة الاستعمار، ومرحلة الاستقلال وما بعده.

  1. الفترة الاستعمارية:

بدأت العلاقات بين فرنسا والمغرب بشكل كبير في القرن التاسع عشر[1]. حتى انتهت باحتلال فرنسا المغرب عام 1912 بعد توقيع معاهدة فاس. وتُعَدُّ معاهدة فاس في 30 مارس 1912، التي وقعتها فرنسا مع السلطان عبد الحفيظ، والتي وضعت المغرب تحت الحماية الفرنسية، هي الأساس القانوني للاستعمار الفرنسي للمغرب، وبموجب هذه الاتفاقية احتفظ السلطان بالسيادة النظرية، في حين تَوَلَّتْ فرنسا السيطرة الفعلية على الشؤون الداخلية والخارجية للمغرب. ولإدارة المغرب استعماريًا؛ أنشأت فرنسا إدارة استعمارية في المغرب تحت قيادة المقيم العام، الذي كان بمثابة الحاكم الفعلي للبلاد. وتم تقسيم المغرب إلى مناطق تتم إدارتها من قِبَل مسؤولين فرنسيين. وكعادة الاستعمار فقد شهدت تلك الفترة استغلالًا اقتصاديًا واسعًا، حيث استغلت فرنسا الموارد الطبيعية للمغرب، بما في ذلك الفوسفات والمعادن والزراعة. وقد تم تأسيس شركات فرنسية لاستغلال هذه الموارد، مما أثر على الاقتصاد المحلي، وساهم في تحويله لخدمة المصالح الفرنسية. وقد استثمرت فرنسا بكثافة في البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية إبان الاستعمار، وذلك انطلاقًا من المنظور الاستعماري الفرنسي بشأن استمرارية الاستعمار في مستعمراته، والاعتقاد أن تلك البلدان جزء من الوطن الأم، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في الاقتصاد المغربي، لكنه في الوقت نفسه أسس تبعية اقتصادية لفرنسا. واتساقًا مع ذلك المنظور، وفيما يخص الثقافة والتعليم؛ فقد تم اعتماد نظام تعليمي فرنسي، حيث أنشأت فرنسا مدارس تعتمد النظام التعليمي الفرنسي، مما أدى إلى انتشار اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية بين النخب المغربية.

وعليه؛ فقد كان لفترة الاستعمار تأثير ثقافي عميق، حيث تأثرت الحياة الثقافية في المغرب بشكل كبير بالثقافة الفرنسية، وانتشرت اللغة الفرنسية والأدب والفنون الفرنسية.

ومع ذلك، لم تستطع السياسات والإجراءات الفرنسية في المغرب أن تحول دون نشوء حركات المقاومة خلال فترة الاستعمار، فقد ظهرت حركات مقاومة وطنية؛ وعلى رأسها حركة الاستقلال، التي قادتها شخصيات بارزة مثل علال الفاسي ومحمد الخامس. وقام المغاربة بتنظيم احتجاجات ومظاهرات، وأحيانًا أعمال مقاومة مسلحة ضد الحكم الفرنسي. وبفضل النضال المستمر والمفاوضات، حصل المغرب على استقلاله في 2 مارس 1956. حيث تم التوصل إلى اتفاق مع فرنسا لإنهاء الحماية واستعادة السيادة الكاملة للمغرب.

وقد كان للفترة الاستعمارية تأثير عميق على التحديث والتغيير الاجتماعي في المغرب، فقد جلب الاستعمار الفرنسي تغييرات اجتماعية كبيرة، بما في ذلك التحديث والتغريب، وقد أثرت هذه التغييرات على الهيكل الاجتماعي والثقافي في المغرب لعقود. من هذه التغيرات، تلك التوترات الاجتماعية التي تبلورت نتيجة للاستغلال الاقتصادي والتدخل الثقافي، فقد ظهرت توترات اجتماعية بين المغاربة والمستعمرين الفرنسيين. فخلال فترة الاستعمار الفرنسي، كانت العلاقات المغربية الفرنسية تتسم بالهيمنة والسيطرة من قِبَل فرنسا، مع بعض الاستفادة الاقتصادية والبنية التحتية. وفي الوقت نفسه، أثرت هذه الفترة بشكل عميق على الثقافة والمجتمع المغربي، وأدت إلى تنامي حركات المقاومة التي انتهت باستقلال المغرب.

  1. الاستقلال وما بعده:

حصل المغرب على استقلاله عن فرنسا في عام 1956، ومع ذلك استمرت العلاقات بين البلدين قوية. فقد احتفظت فرنسا بنفوذ اقتصادي وثقافي كبير في المغرب، حيث استمرت الشركات الفرنسية في العمل في البلاد، واستمر تدفق الطلاب المغاربة إلى فرنسا. ويمكن الوقوف على عدد من العوامل التي أدت في النهاية إلى الاستقلال، وهذه العوامل ثلاثة: عوامل داخلية تتصل بالنضال والمقاومة، وعوامل تتصل بالقيادة، ودور السلطان محمد الخامس، وعوامل دولية تتمثل في تأثيرات الحرب العالمية الثانية وما تلاها[2].

  • النضال الوطني والمقاومة

منذ بداية الحماية الفرنسية في عام 1912، بدأت تظهر حركات وطنية مغربية تطالب بالاستقلال، وتأسست أحزاب سياسية وجمعيات سرية تهدف إلى مقاومة الاستعمار الفرنسي، مثل حزب الاستقلال الذي تأسس في عام 1944، كما شهدت المغرب في تلك الفترة العديد من الاحتجاجات والمظاهرات ضد الحكم الفرنسي، مثل مظاهرات 1937 و1947 التي نظمها الوطنيون المغاربة.[3]

  • دور السلطان محمد الخامس

لا يمكن إنكار دور القيادة والزعامة الوطنية في الحصول على الاستقلال المغربي، فقد لعب السلطان محمد الخامس دورًا مهمًا في حركة الاستقلال[4]. إذ كان يعتبر رمزًا للوحدة الوطنية والمقاومة ضد الاستعمار. ففي عام 1947، ألقى السلطان خطاب طنجة الذي دعا فيه إلى الاستقلال والوحدة الوطنية، مما أثار غضب السلطات الفرنسية، ثم كانت مرحلة نفي السلطان علامة فارقة في مسيرة الاستقلال المغربي، ففي عام 1953، نفى الفرنسيون السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر في محاولة لإضعاف الحركة الوطنية، لكن هذا الإجراء أدى إلى تصعيد الغضب والمقاومة الشعبية.

جـ- العوامل الدولية

  • تأثير الحرب العالمية الثانية :بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت القوى الاستعمارية بصفة عامة، وفرنسا على وجه التحديد، تفقد قوتها، وانتشرت موجة من حركات الاستقلال في أفريقيا وآسيا. وكان لهذه الحركات تأثير محفز على الوطنيين المغاربة.
  • دعم القوى الكبرى: حصلت الحركة الوطنية المغربية على دعم معنوي وسياسي من بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة التي كانت تؤيد حق الشعوب في تقرير مصيرها.

كان لكل ما سبق تداعيات معتبرة على التصعيد العسكري والمقاومة المغربية، ففي بداية الخمسينيات، تأسس جيش التحرير المغربي، الذي قام بتنظيم عمليات عسكرية ضد القوات الفرنسية والإسبانية في المناطق الشمالية والجنوبية من المغرب؛ مما زاد الضغط على فرنسا للتفاوض على إنهاء الحماية. وفي 16 نوفمبر 1955 عاد السلطان محمد الخامس من منفاه بعد مفاوضات مع السلطات الفرنسية، مما اعتبر خطوة حاسمة نحو الاستقلال. وفي 2 مارس 1956، وقعت فرنسا اتفاقية مع المغرب تمنح البلاد استقلالها الكامل، تلا ذلك إعلان الاستقلال الرسمي في 2 مارس 1956.

وعليه؛ فإن حصول المغرب على الاستقلال عن فرنسا كان نتيجة لنضال طويل من قِبَل الحركات الوطنية، والدور القيادي للسلطان محمد الخامس، والمقاومة المسلحة، والدعم الدولي المتزايد لحركات الاستقلال في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى مفاوضات ناجحة مع فرنسا وانتهاء الحماية الفرنسية واستعادة السيادة الوطنية للمغرب في عام 1956[5].

ثانيًا: توحيد الأراضي المغربية .. جهود لم تكتمل:

بعد الاستقلال عن فرنسا، واصل المغرب جهوده لاستعادة السيطرة على المناطق التي كانت تحت الحماية الإسبانية. ففي عام 1956، استعاد المغرب منطقة طنجة الدولية. وفي عام 1958، تم استرجاع طرفاية، وفي عام 1969 تم استرجاع سيدي إفني. كما سعت المغرب لاستعادة الصحراء الغربية من إسبانيا في نوفمبر 1975 عبر المسيرة الخضراء، ومع ذلك ظل ملف الصحراء الغربية أحد محددات وتحديات السياسة الخارجية المغربية لعقود، فتاريخيًا؛ كانت الصحراء الغربية تحت الحكم الإسباني منذ أواخر القرن التاسع عشر. وبدأ المغرب يطالب بالسيادة على هذه المنطقة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، ووصل الأمر إلى حد التصعيد الدولي. وقررت محكمة العدل الدولية أن الصحراء الغربية كانت تحت سيادة مغربية قبل الاستعمار الإسباني، لكن المحكمة لم تقدم حلًا حاسمًا للصراع، وتبعًا لذلك قرر الملك الحسن الثاني الإعداد لمسيرة ضخمة في 6 نوفمبر 1975، حيث أعلن الملك عن تنظيم ما عُرف حينها باسم “المسيرة الخضراء”، والتي وُصفت بأنها مسيرة سلمية ضخمة لاستعادة الصحراء الغربية، وترتب على ذلك تعبئة شعبية واسعة، فقد تمت دعوة حوالي 350,000 مغربي (منهم 10% من النساء) للمشاركة في المسيرة، مزودين بالأعلام الوطنية والمصاحف وشعارات السلام، ولكن دون أسلحة. وانطلقت المسيرة في 6 نوفمبر 1975 من مدينة طرفاية باتجاه الصحراء الغربية، وتم التأكيد على كونها مسيرة سلمية ترمز إلى الوحدة الوطنية والحق المغربي في استعادة أراضيه. وقد ترتب على ذلك حدوث تفاهم مغربي إسباني، حيث أدت المسيرة إلى ضغط كبير على إسبانيا، مما دفعها إلى الدخول في مفاوضات مع المغرب وموريتانيا، كان لها تداعيات معتبرة على مستقبل الصحراء الغربية، ونتج عنها ما عُرف باتفاق مدريد، ففي 14 نوفمبر 1975[6]، تم توقيع اتفاقية مدريد بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا، والتي تقضي بانسحاب إسبانيا، وتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، وترتب على هذا الاتفاق انسحاب إسبانيا رسميًا من الصحراء الغربية في 26 فبراير 1976. وقد خلفت هذه التفاعلات نزاعًا مستمرًا حول الصحراء، فرغم نجاح المسيرة في استعادة السيطرة المغربية على جزء كبير من الصحراء الغربية، إلا أن النزاع لم ينتهِ، إذْ قامت جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، في ذلك الوقت، بإعلان قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، واستمرت في مقاومة الوجود المغربي[7]، وقد استمر النزاع المسلح بين المغرب والبوليساريو حتى إعلان وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في 1991، ومنذ ذلك الحين تجري محاولات لحل النزاع عبر المفاوضات. أمّا عن الوضع الحالي للصحراء، فيمكن التمييز بين ملمحين رئيسيين فيه؛ أولهما السيطرة المغربية، وثانيهما؛ البعثة الأممية. فمن ناحية، يسيطر المغرب حاليًا على معظم أراضي الصحراء الغربية، ويعتبرها جزءًا من أراضيه، ويعمل على تنميتها وتطويرها. ومن ناحية أخرى تستمر الأمم المتحدة في مساعيها لإيجاد حل سياسي دائم للنزاع عبر بعثة “مينورسو” (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية).[8]

وفي هذا المقام تستعرض الدراسة تسلسلًا تاريخيًا لتطورات ملف الصحراء:

التطور التاريخ
المغرب يضم ثلثي الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا. وجبهة البوليساريو تعلن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وحكومتها في المنفى في الجزائر. والآلاف من اللاجئين الصحراويين يفرون إلى غرب الجزائر ليقيموا مخيمات قرب بلدة تندوف. 1976-1975
 موريتانيا تنسحب من الصحراء الغربية، والمغرب يضم حصتها من المنطقة. 1979
وقف لإطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين فشلت عدة جولات للمحادثات برعاية أممية في التوصل إلى تسوية دائمة للصراع. 1991
وفاة محمد عبد العزيز الأمين العام لجبهة البوليساريو ورئيس الجمهورية الصحراوية، وتولي إبراهيم غالي القيادة خلفًا له. 2016
 منطقة الكركرات تشهد توترًا بين جبهة البوليساريو والمغرب، والبعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية (مينورسو) تتدخل لمنع المواجهات، والطرفان يسحبان قواتهما بعد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. 2016
ناشطون صحراويون يغلقون المعبر الحدودي الوحيد الذي افتتحه المغرب عام 2002 لإيصال منتجاته إلى غرب أفريقيا عبر الأراضي الموريتانية. أكتوبر 2020
المغرب يعلن إقامة حزام أمني لتأمين انتقال الأشخاص ونقل السلع عبر معبر الكركرات الحدودي، وجبهة البوليساريو تعلن انتهاء وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه قبل ما يقرب من 30 عامًا. نوفمبر 2020
 إسبانيا تعلن أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، هي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف. 2022
إسرائيل تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتقول إنها تدرس افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة تكريسًا لهذا القرار. 2023

المصدر: هيئة الإذاعة البريطانية https://www.bbc.com/arabic/articles/crgk2gpqgy1o

ثالثًا: تطور العلاقات السياسية والدبلوماسية بين فرنسا والمغرب:

يتمتع البلدان بعلاقات سياسية ودبلوماسية قوية، حيث توجد سفارات وقنصليات متبادلة في كلا البلدين. وتساهم فرنسا في دعم المغرب في مجالات عدة؛ مثل الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب. أمّا على مستوى الزيارات الرسمية، فيتميز التاريخ الحديث بزيارات رسمية متبادلة بين قادة البلدين لتعزيز التعاون والشراكة. فشهدت العلاقات بين المغرب وفرنسا عددًا كبيرًا من الزيارات الرسمية التي تعكس العلاقات الوثيقة والمتعددة الأبعاد بين البلدين، بدءًا من الزيارات الرئاسية والملكية، نزولًا للمستويات الأدنى من الزيارات. وفي هذا الإطار قام الملك الحسن الثاني بعدة زيارات رسمية إلى فرنسا خلال فترة حكمه (1961-1999)، لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، واستمر الملك محمد السادس في الزيارات الرسمية لفرنسا، فمنذ توليه العرش في عام 1999، قام الملك محمد السادس بالعديد من الزيارات الرسمية إلى فرنسا، حيث التقى مع الرؤساء الفرنسيين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاون في مختلف المجالات.

أمّا على مستوى زيارات الرؤساء الفرنسيين، فقد قام جميع رؤساء فرنسا بزيارات رسمية إلى المغرب منذ الاستقلال، وهذه الزيارات كانت عادة ما تتضمن لقاءات مع القيادة المغربية وبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي، بدءًا من شارل ديغول، وصولًا لماكرون، حيث حرص الأخير على القيام بزيارات منتظمة لبحث قضايا التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع الملك محمد السادس. ومن أبرز الزيارات الرئاسية المتبادلة زيارة الملك محمد السادس إلى فرنسا في عام 2019 لتعزيز التعاون الاستراتيجي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وزيارة إيمانويل ماكرون إلى المغرب في عام 2017، لتعزيز الشراكة الثنائية وبحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك[9].

رابعًا: العلاقات الاقتصادية والتجارية بين فرنسا والمغرب:

جدول يوضح أهم الصادرات المغربية إلى فرنسا

المصدر/ https://tradingeconomics.com/morocco/exports/france

تُعَدُّ فرنسا من أكبر الشركاء التجاريين للمغرب. فالمعروف أن الشركات الفرنسية في المغرب تنشط في قطاعات متعددة؛ مثل البنوك، والتأمين، والبنية التحتية، والطاقة، ويعكس حجم التبادل التجاري بين البلدين متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ولتلك العلاقات أثر عميق على الاقتصاد المغربي خاصة في قطاعيْ الاستثمار والتجارة، ففي السنوات الأخيرة، بلغ حجم التبادل التجاري بين المغرب وفرنسا حوالي 10 مليارات يورو سنويًا. وهذا الرقم يتضمن الصادرات والواردات بين البلدين في مختلف السلع والخدمات؛ إذ يُصَدِّر المغرب كميات كبيرة من المنتجات الزراعية لفرنسا، مثل الفواكه والخضراوات، وكذا بعض المنتجات الصناعية مثل الملابس والمنسوجات، والمعدات الكهربائية، والسيارات، وقطع الغيار، والمواد الخام كالفوسفات ومشتقاته، والذي يُعَدُّ المغرب من أكبر مصدريه. أمّا على مستوى الواردات، فيستورد المغرب مجموعة متنوعة من المنتجات الصناعية، مثل السيارات، والطائرات، والمعدات الكهربائية، والأجهزة الطبية، والمنتجات الغذائية بأنواعها، والسلع الكمالية مثل الأزياء والعطور والإكسسوارات الفاخرة.

وعلى مستوى الاستثمار، تقوم الشركات الفرنسية في المغرب بالاستثمار في قطاعات متعددة مثل البنوك، والتأمين، والطاقة، والبنية التحتية، والسيارات، وكذا في مشاريع التنمية في المغرب، بما في ذلك التعليم والصحة والبنية التحتية.[10]

جدول يوضح أهم الصادرات الفرنسية إلى المغرب

المصدر/ https://tradingeconomics.com/france/exports/morocco

خامسًا: البُعد الاجتماعي في العلاقات بين فرنسا والمغرب:

مؤخرًا؛ بات البُعد الاجتماعي يُعَدُّ شأنًا محوريًا في العلاقات بين فرنسا والمغرب، حيث يوجد عدد كبير من المغاربة المقيمين في فرنسا، وهم يساهمون في المجتمع الفرنسي اقتصاديًا وثقافيًا. بالمقابل، يقيم عدد من الفرنسيين في المغرب، ويشاركون في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وتُعتبر الجالية المغربية في فرنسا واحدة من أكبر وأهم الجاليات في البلاد، ولها تأثيرات كبيرة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إذ يقدر عدد المغاربة المقيمين في فرنسا بحوالي 1.5 مليون شخص، وهو ما يجعل الجالية المغربية واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية في فرنسا، وتنتشر الجالية المغربية في مختلف أنحاء فرنسا، ولكنها تتركز بشكل خاص في المدن الكبرى مثل باريس، ومرسيليا، وليون، حيث تتواجد مجتمعات مغربية كبيرة. وثقافيًا؛ يحتفظ المغاربة في فرنسا بتراثهم الثقافي واللغوي، مع احتفاظ العديد منهم باللغة العربية أو الأمازيغية إلى جانب الفرنسية. كما يواصلون الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية والوطنية المغربية، كما يولي المغاربة في فرنسا أهمية كبيرة للتعليم، ويشارك العديد من أبناء الجالية في النظام التعليمي الفرنسي. وهناك نسبة جيدة من المغاربة الفرنسيين الحاصلين على شهادات جامعية. أمّا على مستوى الاندماج الاجتماعي؛ فإن الجالية المغربية مندمجة بشكل كبير في المجتمع الفرنسي، مع مشاركة واسعة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. غير أن بعضهم يواجهون تحديات تتعلق بالاندماج، مثل التمييز والصعوبات الاقتصادية، حيث يشكل المغاربة جزءًا مهمًا من القوة العاملة في فرنسا، ويعملون في مجموعة واسعة من القطاعات؛ بما في ذلك البناء، والصناعة، والخدمات، والتعليم. وجديرٌ بالذكر أن هناك عددًا كبيرًا من المغاربة الفرنسيين الذين يديرون أعمالهم الخاصة، سواء في التجارة الصغيرة أو في المشاريع الكبرى. كما أن التحويلات المالية تُعَدُّ مُدخلًا معتبرًا في الاقتصاد المغربي، حيث يرسل المغاربة المقيمون في فرنسا تحويلات مالية دورية كبيرة إلى عائلاتهم في المغرب، مما يسهم في دعم الاقتصاد المغربي. وعلى مستوى التأثير السياسي للجالية المغربية، فإن العديد من المغاربة الفرنسيين يشاركون في الحياة السياسية الفرنسية، سواء كناخبين أو كمرشحين. وهناك عدد من السياسيين الفرنسيين من أصول مغربية يَشغلون مناصب هامة في الحكومة والبرلمان.

سادسًا: الاعتراف الفرنسي بالصحراء كمغربية .. التَّحَوُّل من تَحَدٍّ إلى مُحَفِّز:

تاريخيًا؛ ظلت قضية الصحراء الغربية تمثل أحد تحديات السياسة الخارجية المغربية بصفة عامة، وفي علاقاتها مع دول الجوار والشركاء الاستراتيجيين بصفة خاصة، وعلى رأسهم فرنسا؛ حيث ظل الموقف الفرنسي بخصوص ملف الصحراء غير حاسم، حتى أن رسالة الرئيس ماكرون في يوليو 2024، التي أعلنت فيها فرنسا دعمها مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية، لم يَرِدْ فيها اعتراف رسمي بمغربية الصحراء، مما يثير حفيظة وحذر الرباط، ولعل ذلك مرده -ضمن أسباب عدة- يعود إلى الرغبة الفرنسية في الحفاظ على موقف متوازن بين المغرب والجزائر، والذي يحول دون إبداء الدعم الفرنسي المباشر للموقف المغربي في هذه القضية، خاصة وأن الجزائر تُعَدُّ الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو. وعليه، تستعرض الدراسة في هذا المقام المقترح المغربي، والموقف الفرنسي منه، والأسباب الدافعة للسلوك الفرنسي الأخير، وتداعياته الثنائية والإقليمية[11].

  • ما هو المقترح المغربي للحكم الذاتي للصحراء الغربية؟:

يُعرف نَصًا بـاسم “المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حُكمًا ذاتيًا”، والصادرة في 13 أبريل 2007، وقد سلمها مندوب المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك إلى الأمين العام حينذاك “بان كي مون”، وذلك باعتبار هذا المقترح إطارًا سياسيًا وضعه المغرب كحل لقضية الصحراء الغربية. ويهدف المقترح إلى منح الصحراء الغربية حُكمًا ذاتيًا تحت السيادة المغربية، بدلًا من الاستقلال الكامل، أو الانفصال الذي تدعو إليه جبهة البوليساريو، التي تطالب بإقامة دولة مستقلة في الإقليم. ويعتقد المغرب أن هذا المقترح يمثل حلًا وسطًا يضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة، ويعزز من وحدة المملكة وسيادتها، ويُعَدُّ المقترح مبادرة مفصلة، ومرقمة في 35 نقطة، تتناول مختلف الجوانب للقضية، وتتكون من بنود رئيسية وفرعية، وبنودها الرئيسية ثلاثة كالتالي:

    • البند الأول يتصل بالتزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي، ويتكون هذا البند من عشرة بنود فرعية، منها إعلان المغرب “تكفلها من خلال هذه المبادرة لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، بمنحهم مكانتهم اللائقة، وتمكينهم من القيام بدورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدًا عن أي تمييز أو إقصاء”، على أن “يتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم، من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، مع احتفاظ المغرب بميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين”، على أن “يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقًا لمبدأ تقرير المصير، ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة”.
    • البند الثاني يتصل بالعناصر الأساسية للمقترح المغربي، ويشمل اختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء، خاصة في مسائل الإدارة المحلية، والشرطة المحلية، والمحاكم، والميزانية المحلية، والخصوصية الثقافية. وعددت في هذا البند هيئات الجهة، سواء برلمان الحكم الذاتي للصحراء، ورئيس حكومة يُنصبه الملك، ومحكمة عليا جهوية[12].
    • البند الثالث يتصل بمسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله، وفي هذا البند يُشير المقترح إلى أن نظام الحكم الذاتي للجهة -يُقصد بها الصحراء الغربية- موضوع تفاوض، ويُطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية، ووفقًا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، على أن تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، وكذا تُصدر المملكة عفوًا شاملًا يستبعد أي متابعة، أو توقيف، أو اعتقال، أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو[13].
  • الموقف الدولي والفرنسي من المقترح المغربي قُبيل الاعتراف الفرنسي:

أمّا فيما يتصل بالموقف الفرنسي قُبيل الاعتراف الأخير، فقد اتسم بأربعة ملامح رئيسية؛ أولها دعم الجهود المغربية دون إخلال باستقرار المنطقة، عبر الإشادة بالمبادرة المذكورة، إذ اعتبرت فرنسا المبادرة المغربية للحكم الذاتي “أساسًا جديًا وذا مصداقية” للحل السياسي في الصحراء الغربية. هذا الموقف يعكس دعم باريس لمقترح الحكم الذاتي كمقاربة بناءة للتفاوض، مع التأكيد على أن فرنسا تدعم أي حل من شأنه أن يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة، وتعتبر المبادرة المغربية خطوة إيجابية في هذا الاتجاه.[14]

ثاني تلك الملامح للموقف الفرنسي السابق هو عدم الاعتراف الرسمي أو الصريح لدعم المبادرة كمقترح جاد، إذ لم تعترف فرنسا -رسميًا- بمغربية الصحراء الغربية. ويتماشى هذا الموقف مع سياسة فرنسا التقليدية التي تسعى للحفاظ على توازن علاقاتها مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو. ومن ناحية أخرى تعلن فرنسا عن الالتزام بالموقف الأممي، إذ تؤكد على دعمها لمبادئ الأمم المتحدة من حيث حل النزاع عبر المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، مما يعني أنها تدعو إلى إيجاد حل يتوافق عليه جميع الأطراف ويضمن استقرار المنطقة. ثالث تلك الملامح هو محاولة تخفيف وطأة هذا الملف على العلاقات الثنائية الوثيقة مع المغرب. ورابع تلك الملامح هو الرغبة الفرنسية في الحفاظ على التوازن في العلاقات الثنائية مع المغرب من جهة، ومع الجزائر من جهة أخرى، حيث تحرص فرنسا على الحفاظ على علاقات جيدة مع الجزائر، التي تعارض المبادرة المغربية وتدعم جبهة البوليساريو، وهو ما كان يتطلب من فرنسا أن توازن بين موقفها من دعم المبادرة المغربية، وبين حماية مصالحها في المنطقة، وكذا الرغبة الفرنسية في الاصطفاف ضمن الإجماع الدولي بشأن الصحراء الغربية، وتدعم الحلول التي تستند إلى القرارات الدولية، وتعزز من استقرار المنطقة.[15]

  • الأسباب الدافعة للاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على الصحراء:

اتخذت فرنسا خطوة غير مسبوقة بالاعتراف رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وفقًا لرسالة ماكرون إلى العاهل المغربي بمناسبة العيد الوطني، حيث مَثَّل هذا الاعتراف تغيرًا ملحوظًا في السياسة الفرنسية تجاه النزاع في الصحراء الغربية، ويمكن إجمال الدوافع وراء هذا السلوك فيما يلي:

  • إعادة تقييم الاستراتيجيات في اتجاه تعزيز العلاقات الثنائية مع المغرب

قد تكون فرنسا أعادت تقييم استراتيجياتها في منطقة شمال أفريقيا. ونظرًا لتطور العلاقات مع المغرب، قررت دعم موقف المغرب بشكل أكثر وضوحًا، واتخذت قرار تعزيز العلاقات مع المغرب، الذي يعتبر حليفًا استراتيجيًا في مجال الأمن والتعاون الاقتصادي، مما قد ينعكس بمكاسب محتملة -وقد تكون حصرية- لفرنسا في مجالات الاستثمار والطاقة والأمن في المنطقة.

  • الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية

قد تكون رأت فرنسا في الاعتراف بالسيادة المغربية خطوة نحو تحقيق الاستقرار في منطقة الصحراء الغربية، التي تشهد نزاعًا طويل الأمد، وأن دعم السيادة المغربية يمكن أن يساعد في تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة، وانعكاسات ذلك على مكافحة الإرهاب، حيث يلعب المغرب دورًا هامًا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية في شمال أفريقيا، كما قد يعكس رغبة فرنسا في دعم حليفها في جهوده الأمنية.

  • إعادة ترتيب العلاقات مع الجزائر

على عكس العلاقات الفرنسية المغربية، تتسم العلاقات بين فرنسا والجزائر بالتعقيد والتقلب، فعلى الرغم من التعاون الثنائي المعتبر بين البلدين، إلا أن الإرث الاستعماري والتباين حول القضايا السياسية يمثّل دائمًا تحديًا مستمرًا أمام العلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين البلدين، ففرنسا تعتبر واحدة من أكبر المستثمرين في الجزائر، والتجارة بين البلدين واسعة. لكن التغيرات في السياسات الاقتصادية أو الأزمات المالية قد تؤثر على استقرار العلاقات الاقتصادية.

  • الضغوط الدولية

رغم وجود دعم دولي واسع للتسوية السلمية، لا تزال هناك تباينات في المواقف الدولية حول التفاصيل الخاصة بحل النزاع. فبعض الدول تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، بينما تدعو دول أخرى إلى استفتاء لتقرير المصير، فأُمميًا؛ تلعب الأمم المتحدة دورًا رئيسيًا في جهود حل النزاع، عبر بعثات السلام مثل “المينورسو” (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية)، حيث تسعى المنظمة إلى تحقيق حل سياسي للنزاع بناءً على قرارات مجلس الأمن. أمّا على المستوى الأوروبي، فيتبنى الاتحاد الأوروبي مواقف تدعو إلى إيجاد حل سلمي ودائم للنزاع، ويشجع على المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو. ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي يشدد على احترام حقوق الإنسان والحقوق الدولية في الصحراء الغربية. أمّا الاتحاد الأفريقي؛ فيعتبر النزاع في الصحراء الغربية قضية مهمة في سياق القضايا الإقليمية، والمنظمة تدعو إلى التوصل إلى حل سياسي تفاوضي، وتقدم الدعم للجهود المبذولة لحل النزاع. وأمّا على مستوى الدول، فهناك دول تدعم المطالب المغربية، مثل إسبانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، ودول أخرى، مع استمرار التردد الفرنسي حتى التاريخ المذكور، وهو ما يمثل مزيدًا من الضغوط على فرنسا في ظل متانة العلاقات مع المغرب[16].

  • المصالح الاقتصادية

قد يكون الاعتراف مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية؛ حيث يعتبر المغرب شريكًا اقتصاديًا مهمًا لفرنسا في شمال أفريقيا، والاعتراف بالسيادة المغربية يمكن أن يعزز فرص التعاون في مجالات مثل التجارة، والطاقة، والاستثمارات، ويمنحها مزايا محتملة وحصرية ومبكرة في المنطقة. كما أن لفرنسا استثمارات كبيرة في المغرب، وقد يمثل الاعتراف بالسيادة المغربية جزءًا من جهود حماية وتعزيز هذه الاستثمارات.

  • التداعيات المترتبة على الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على الصحراء:

أدى الاعتراف الفرنسي الأخير بالسيادة المغربية على الصحراء -بتأييدها لمقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية- أدى لمجموعة من التداعيات المعتبرة على الساحة الإقليمية؛ أولها وأهمها هو توتر العلاقات مع الجزائر، حيث قررت الجزائر سحب سفيرها في باريس “على الفور”، وذلك على الرغم من تواتر تقارير إعلامية عن إعلام باريس للجزائر بشكل مسبق بمضمون قرارها. وقد صدر بيان رسمي عن وزارة الخارجية الجزائرية جاء فيه: “لقد أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضًا في إقليم الصحراء الغربية. وهذه الخطوة -التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة- قد تمت من قِبَل الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين، دون تقييم متبصر للعواقب التي تسفر عنها”. كما اتهم البيان باريس بـ«انتهاك الشرعية الدولية، والتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وتناقض كل الجهود الحثيثة والدؤوبة التي تبذلها الأمم المتحدة بهدف استكمال مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، فضلًا عن أنها تتنصل من مسؤولياتها الخاصة المترتبة على عضويتها الدائمة في مجلس الأمن”. وبذلك فإن التطور الأخير قد وصل بالعلاقات الجزائرية الفرنسية إلى توتر معتبر، في مقابل أفق غير محدود لتوثيق العلاقات مع المغرب. أمّا على مستوى ما يُعرف بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، فقد أعلنت البوليساريو استبعاد فرنسا من أي مبادرة لغرض وضع حد “للاستعمار في الصحراء”[17].

في النهاية، تبقى العلاقات الفرنسية المغربية علاقات استراتيجية ومتعددة الأبعاد، والإقدام الفرنسي الأخير على الاعتراف بالسيادة المغربية قد انتقل بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق غير محدودة للتعاون سوف يكون مفيدًا لفرنسا في إعادة ترتيب مصالحها الاستراتيجية، وتفكيك العديد من التحديات الفرنسية في المنطقة، خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مع فرص مُكلفة فرنسيًا لرأب الصدع الحاصل في العلاقات مع الجزائر بفعل الاعتراف الأخير، لكنها لاتزال قائمة.


[1] إكرام الحادقي. “التجارة في العلاقات المغربية الفرنسية 1830-1912”. (2016) .‎ p 12.

[2] ا. م. د. عواد إبراهيم خضر. “تطور العلاقات المغاربية-الفرنسية 1974-1989”. مجلة الدراسات التربوية والعلمية 2, no. 12 (2021): p 1.

[3] لوبيز غارسيا، بيرنابي، and سناء بوزيده. “عبد الكريم وتحرير المغرب في خمسينيات القرن العشرين”. NAQD , (2021): 43-65., p 17.

[4] خضراوي، and بشيخ. “حزب الاستقلال المغربي ودوره في إنهاء الحماية الفرنسية بالمغرب 1944-1956 م”. PhD diss., université ibn khaldoun-tiaret, 2020, p 25.

[5] أمينة، and شعبوني. “موقف فرنسا من بعض القضايا المغربية 1962 ـ 1978”. PhD diss., Université d’Alger 2-Abou el kacem Saâdallah, p 20.

[6] م. م. رائد راشد محمد/ م. م. أحمد ماجد عبد الرزاق. “اتفاقية مدريد الثلاثية 14تشرين الثاني 1975 وموقف أطراف النزاع على الصحراء الغربية منها”. مجلة ديالى للبحوث الإنسانية 1, no. 38 (2009).‎

[7] أنور، and بلعلمي. “النزاع في الصحراء الغربية”. (2022)، ص 19.

[8] الناجم، متو يسلم، جمال، and تراكة. “الآليات الأممية لتصفية النزاع في الصحراء الغربية”. (2016) ص 7.

[9] BBC News عربي. “استجابة لأسئلتكم: 8 معلومات مهمة عن البوليساريو وقضية الصحراء الغربية،” May 6, 2018. https://www.bbc.com/arabic/middleeast-44023401.

[10] HALLEB, Nassima. “المنافسة الاستثمارية في منطقة المغرب العربي دراسة حالة: العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ 1999”. PhD diss., Université d’Alger 3-Brahim Soltane Chaibout., p 14.

[11] BBC News عربي. “المغرب والجزائر: بعد اعتراف فرنسا بخطة المغرب حول الصحراء الغربية، حكومة الجزائر تسحب سفيرها من باريس.” BBC News عربي. July 30, 2024. https://shorturl.at/sBGGs.

[12] ———. “الصحراء الغربية: حقائق عن أحد أطول النزاعات في القارة الأفريقية,” July 18, 2023. https://www.bbc.com/arabic/articles/crgk2gpqgy1o.

[13] البدوي، حسن، and حسن. “مُقترح لحل مشكلة الصحراء الغربية.” دورية کان التاريخية: المستقبل الرقمي للدراسات التاريخية 2, no. 6 (2009): p 30.‎

[14] بشرى محمود صالح. “دور إسبانيا في تداعيات مشكلة الصحراء الغربية 1975-1991”. مجلة العميد مجلة فصلية محكمة تعنى بالأبحاث والدراسات الإنسانية 11, no. 44 (2022): p43.‎

[15] بن عائشة، and محمد الأمين. “قضية الصحراء الغربية والمواقف الدولية المتباينة”. مجلة الرائد في الدراسات السياسية 4, no. 1 (2023): ص 25.

[16] محمد فتيني محمد كنباش. “موقف منظمة الوحدة الأفريقية من مشكلة الصحراء الغربية (1963-1986م) “. Albaydha University Journal 1, no. 1 (2019): p 38.‎

[17] BBC News عربي. “الجزائر تستنكر ‘اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية’ ولا تعليق من باريس والرباط،”July 26, 2024. https://www.bbc.com/arabic/articles/cd1dly973gqo.

المواضيع ذات الصلة