Insight Image

الانتخابات الألمانية: قراءة تحليلية في النتائج والتداعيات الداخلية والخارجية

24 فبراير 2025

الانتخابات الألمانية: قراءة تحليلية في النتائج والتداعيات الداخلية والخارجية

24 فبراير 2025

شهدت الانتخابات التشريعية الألمانية، التي جرت يوم الأحد 23 فبراير 2025، تحولات كبيرة في الخريطة السياسية، حيث تصدّر الحزب المسيحي الديمقراطي “CDU/CSU” بقيادة فريدريش ميرتس النتائج، وحصل على نسبة 28.5% من الأصوات، مما يمهّد الطريق لميرتس لتولي منصب المستشار[1]. غير أن هذه الانتخابات شهدت أيضًا تقدما كبيرا لحزب “البديل من أجل ألمانيا ” (AfD)، الذي حقق أفضل نتيجة في تاريخه بحصوله على 28.5% من الأصوات، وهو أفضل أداء لليمين المتطرف منذ أيام الحرب العالمية الثانية. فما هو التفسير العام لنتائج الانتخابات الألمانية 2025؟ وكيف سيتأثر تشكيل الحكومة القادمة بالأداء الانتخابي لكل حزب؟ وما هي تداعيات هذه النتائج على السياسات الداخلية المُرتقبة لألمانيا؟ وكيف سيؤثر هذا التغيير على الدور القيادي لألمانيا في الاتحاد الأوروبي؟ وما هي الانعكاسات المحتملة على العلاقات الألمانية الأمريكية في ضوء هذه الانتخابات؟

أولًا، نتائج الانتخابات

يتكون البرلمان الألماني ( البوندستاغ ) من 630 مقعدًا، ويتم تحديد عدد المقاعد التي يحصل عليها كل حزب بناءً على نسبته من الأصوات التي يحصل عليها في الانتخابات. كما يُشترط أن يحصل الحزب على حد أدنى بنسبة 5% من الأصوات ليتمكن من دخول البرلمان.[2] وقد أسفرت الانتخابات عن النتائج التالية[3]:

  • الاتحاد المسيحي :(CDU/CSU) 208 مقاعد، بنسبة 28.5%، بقيادة فريدريش ميرز.
  • حزب البديل من أجل ألمانيا :(AfD) 152 مقعدًا، بنسبة 20.8%، بقيادة أليس فايدل.
  • الحزب الاشتراكي :(SPD) 120 مقعدًا، بنسبة 16.4%، بقيادة أولاف شولتز.
  • حزب الخضر :(GRÜNE): 85 مقعدًا، بنسبة 11.6%، بقيادة روبرت هابيك.
  • حزب اليسار :(Die Linke): 64 مقعدًا، بنسبة 8.8%، بقيادة هايدي رايشينك وكات جان فان آكن.
  • حزب إس إس في (SSW)[4]: 1 مقعد واحد، بنسبة 0.2 % بقيادة ستيفن شلايدر.
  • الحزب الديمقراطي الحر :(FDP) 0 مقعد، بنسبة 4.9%، بقيادة كريستيان ليندنر.
  • تحالف سارة فاغنكنشت [5](BSW): 0 مقعد، بنسبة 4.8%. 

ثانيًا، خلفية الانتخابات وأهميتها

تأتي هذه الانتخابات المبكرة بعد انهيار الائتلاف الحاكم برئاسة أولاف شولتز في نوفمبر الماضي، نتيجة للخلافات العميقة بشأن إدارة الاقتصاد والسياسات المتعلقة بالإنفاق الحكومي[6]. وبالتالي، فإن الانتخابات التشريعية هذه تأتي في وقت حساس، حيث تشهد الساحة السياسية الألمانية تحولات كبيرة، ليس فقط على مستوى نسب الأصوات، بل أيضًا في إعادة توزيع المقاعد، وانعكاسات ذلك على الخارطة السياسية في البرلمان. وفي ضوء هذه النتائج، يُعَد فوز الاتحاد المسيحي “CDU/CSU” الذي يقوده فريدريش ميرتس بنسبة 28.5% من الأصوات، إحدى أبرز اللحظات في هذه الانتخابات. هذا الفوز يشير إلى استعداد الناخبين لدعم التيار المحافظ الذي قد يستعيد زمام الأمور السياسية في البلاد. على الجانب الآخر، حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) مكسبًا تاريخيًّا بحصوله على 8.20% من الأصوات، وهو ما يمثل أقوى أداء لليمين المتطرف في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، ما يعكس تنامي الدعم للخطاب اليميني في مواجهة التحديات الداخلية والدولية. من ناحية أخرى، كانت النتائج مخيبة للآمال بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي “SPD”، الذي حصل على 16.2% من الأصوات، ما يمثل أدنى نسبة له منذ عقود. هذه النتيجة تشير إلى تحولات مهمة في أولويات الناخبين، ورغبتهم في التوجه نحو حلول سياسية واقتصادية جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة. هذه الانتخابات لم تكن مجرد إعادة توزيع للمقاعد، بل كانت أيضًا مصدرًا لانقسامات عميقة في الرأي العام، مما قد يكون له تبعات مهمة على تشكيل الحكومة المقبلة والسياسات التي ستتبعها.

ثالثًا، قراءة في النتائج وتحليلها

تشير هذه النتائج إلى تحول كبير نحو اليمين في السياسة الألمانية، فقد أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي يواجهان الآن التحدي المتمثل في تشكيل حكومة ائتلافية، على الأرجح دون أي مشاركة من حزب البديل من أجل ألمانيا أو الحزب الديمقراطي الحر، حيث استبعدت جميع الأحزاب الرئيسية التعاون معهم. كما أنها تشير عمومًا إلى تزايد استياء الناخبين من الركود الاقتصادي، وتزايد المخاوف المتعلقة بالهجرة، وتغير التحالفات الدولية، وكلها عوامل أعادت تشكيل الخطاب السياسي في ألمانيا. وفيما يلي قراءة في النتائج وتأثيراتها على الأحزاب والقوى السياسية:

الاتحاد المسيحي (CDU/CSU) بقيادة فريدريش ميرز

حصد الاتحاد المسيحي، الذي يُعَدُّ من الدعائم الأساسية في السياسة الألمانية، 208 مقاعد، بنسبة 28.5%. ويأتي هذا الأداء بمثابة تأكيد على الثقة التي ماتزال تحظى بها القوى المحافظة بين شريحة كبيرة من الناخبين. يُعَدُّ فريدريش ميرز شخصية محورية استطاعت أن تعيد لتيار الاتحاد المسيحي مكانته، ما قد يشير إلى رغبة الناخبين في استقرارٍ سياسي يعتمد على قيم وتقاليد محافظة. ومن الناحية البرلمانية، فإن حصول الحزب على هذا العدد من المقاعد يمنحه نفوذًا كبيرًا في المفاوضات الائتلافية التي ستجري لتشكيل الحكومة المقبلة.

حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) بقيادة أليس فايدل

حقق حزب البديل من أجل ألمانيا نتيجة مفاجئة بحصوله على نسبة 20.8%، وحصوله على 152 مقعدًا، ما يجعله أفضل أداء لليمين المتطرف منذ الحرب العالمية الثانية[7]. هذه النتيجة تعكس تحوّلًا خطيرًا في المشهد السياسي، حيث يُظهر أن جزءًا كبيرًا من الناخبين يبحث عن بدائل جذرية ترفض التيارات التقليدية. وعلى الرغم من أن أغلب الأحزاب المعتدلة سترفض إشراك حزب اليمين المتطرف في الحكومة، فإن قوته البرلمانية ستشكل ضغطًا على الأطراف الأخرى لتبني مواقف أكثر صرامة في السياسات الداخلية والخارجية.

الحزب الاشتراكي (SPD) بقيادة أولاف شولتز

على النقيض من الاتحاد المسيحي، سجل الحزب الاشتراكي نسبة 16.4%، وحصل على 120 مقعدًا، وهو أدنى أداء له منذ فترة طويلة. ويُظهر هذا التراجع أزمة ثقة بين الناخبين وغضبهم من سياساته الداخلية والخارجية، وقد يشير إلى فشل الحزب في تجديد رؤيته وبرنامجه السياسي لمواجهة التحديات الراهنة[8]. وفي ظل هذه النتيجة، سيتعين على الحزب الاشتراكي إعادة تقييم استراتيجيته، خاصة وأن دوره التقليدي في تشكيل الحكومة قد تضاءل، ما يجعل منه لاعبًا أقل تأثيرًا في المفاوضات الائتلافية.

حزب الخضر (GRÜNE) بقيادة روبرت هابيك

حصل حزب الخضر بقيادة روبرت هابيك على 85 مقعدًا بنسبة 11.6%. وتُعتبر النتيجة جيدة نسبيًّا لحزب كان له دور محوري في الدفاع عن قضايا البيئة والعدالة الاجتماعية. فمع تزايد الوعي البيئي وتنامي الاهتمام بالقضايا المناخية على الساحة العالمية، يحتفظ حزب الخضر بمكانته كعامل استقرار في المشهد البرلماني، ما يجعله طرفًا مهمًّا في أي ائتلاف حكومي يسعى لتحقيق توازن بين مختلف التوجهات السياسية.

حزب اليسار (Die Linke) بقيادة هايدي رايشينك وجان فان آكن

حصل حزب اليسار على 64 مقعدًا بنسبة 8.8%، ما يُشير إلى بقاء التيار اليساري قادرًا على اجتذاب جزء من الناخبين رغم المنافسة المتزايدة من التيارات الأخرى[9]. ويمثل هذا الحزب صوتًا لمطالب العدالة الاجتماعية ومحاربة التفاوت الاقتصادي، وهو ما قد يؤثر على السياسات الاجتماعية في الحكومة الجديدة إذا ما أُدرج في التحالف الائتلافي.

إخفاق الأحزاب في دخول البرلمان FDP وBSW

لم يتمكن الحزب الديمقراطي الحر (FDP) بقيادة كريستيان ليندنر من تجاوز العتبة اللازمة، حيث حصل على 5% فقط؛ ومن ثم لم يحصل على أي مقاعد في البرلمان. كذلك، فشل تحالف سارة فاغنكنشت (BSW) في دخول البرلمان؛ حيث لم يتمكن من تجاوز عتبة الـ4.8%. وتُعَدُّ هذه النتيجة بمثابة نهاية العهد لبعض التيارات الليبرالية واليسارية التقليدية، وتُبرز أهمية إعادة صياغة استراتيجياتها لمواكبة المتغيرات الجديدة في تفضيلات الناخبين.

رابعًا، تداعيات النتائج على تشكيل الحكومة الجديدة

يشير توزيع المقاعد الجديد إلى إعادة ترتيب معادلة القوى داخل البرلمان، حيث أصبح الاتحاد المسيحي وحزب البديل من أجل ألمانيا لاعبَيْن رئيسيين في المشهد السياسي. هذا التغيير قد يؤدي إلى مفاوضات مطولة لتشكيل حكومة تُحقق الأغلبية البرلمانية، خاصةً في ظل تراجع أداء الحزب الاشتراكي، وعدم تمكن بعض الأحزاب من دخول البرلمان. وتتجه المفاوضات نحو ضرورة إيجاد تحالف يجمع بين قوى معتدلة وقادرة على التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية، مع ضرورة استبعاد الأطراف المتطرفة التي قد تُعرقل عملية التوافق السياسي.

السيناريوهات الائتلافية المحتملة

1. ائتلاف الأحزاب “الكبيرة” التقليدية

 من بين السيناريوهات الأكثر احتمالًا أن يسعى الاتحاد المسيحي إلى تشكيل ائتلاف يشمل حزب الخضر والحزب الاشتراكي. فمع حصول الاتحاد المسيحي على 208 مقاعد والحزب الاشتراكي على 120 مقعدًا، بالإضافة إلى دعم حزب الخضر بـ85 مقعدًا، يشكل هذا التكتل قاعدة برلمانية قوية تفوق الأغلبية المطلوبة في البرلمان. لكن التحدي يكمن في تجاوز الفوارق الأيديولوجية بين هذه الأحزاب، خاصةً مع وجود خلافات جوهرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

تحديات اندماج الحزب الاشتراكي

يواجه الحزب الاشتراكي تحديات كبيرة نتيجة انخفاض نسبته إلى 16.2%، ما يُضعفه في مفاوضات الائتلاف. وقد يؤدي ذلك إلى تحفظات داخلية ومخاوف من تأثير نتائج الانتخابات على سياسات الحزب التقليدية، ما يدفع الأطراف إلى البحث عن بدائل أخرى، أو إعادة النظر في شكل الشراكة مع الحزب الاشتراكي. وفي حال لم تتوصل الأطراف إلى توافق شامل، قد تُضطر إلى النظر في خيار حكومة أقلية، وهو خيار غير معتاد في النظام الديمقراطي الألماني.

استبعاد التيارات المتطرفة

على الرغم من أن حزب البديل من أجل ألمانيا قد حقق نتيجة قوية بنسبة 20.8%، وحصد 152 مقعدًا، فإن مواقفه اليمينية المتطرفة تجعل من غير المرجح إدراجه في أي تحالف حكومي مع الأحزاب المعتدلة. وقد أكد ميرتس أنه لن يتحالف مع “البديل”، وذلك بعد الزوبعة التي أثارها بسبب تعاونه مع الحزب في تمرير أحد التشريعات[10]. ومع ذلك، سيظل حزب البديل قوة معارضة تضغط على صانعي القرار لإعادة النظر في بعض السياسات الداخلية والخارجية؛ ما يؤثر على الحوار السياسي الوطني، ويضيف تحديات للأطراف المشاركة في عملية التفاوض.

2. سيناريوهات بديلة وخيارات غير تقليدية

إذا لم تتمكن الأطراف من الوصول إلى توافق شامل لتشكيل ائتلاف حكومي متماسك، فقد تُضطر إلى النظر في خيارات بديلة، مثل تشكيل حكومة أقلية أو إعادة ترتيب التحالفات بما يسمح بتواجد أكثر مرونة في البرلمان. ورغم أن مثل هذه السيناريوهات تُعَدُّ استثنائية في سياق النظام الألماني، إلّا أن الضغوط الداخلية وتباين النتائج قد تفتح المجال أمام تجارب سياسية جديدة، تستدعي من الأحزاب المشاركة إعادة صياغة استراتيجياتها للتعامل مع متطلبات المرحلة الانتقالية.

خامسًا، التحولات المتوقعة في السياسات الداخلية والخارجية

على الصعيد الداخلي

فوز التحالف المحافظ بقيادة فريدريش ميرتز، يدل على تحول في الثقة السياسية، بعيدًا عن الحكومة السابقة التي قادها أولاف شولتز، والتي شهدت تراجعًا حادًّا في دعمها. فقد أدت إلى ظهور بعض القضايا، مثل إصلاح قانون “كابح الديون”، والسياسات الاقتصادية المتعلقة بتخفيف البيروقراطية وخفض تكاليف الطاقة، التي أثارت جدلًا واسعًا، ما يشير إلى تحديات كبيرة في إعادة تنشيط الاقتصاد الألماني. كما أدت موجة الهجمات المرتبطة بطالب اللجوء إلى زيادة الدعوات لتشديد سياسات الهجرة والأمن، ما يعكس انقسامًا حادًّا في الرأي العام حول هذه القضايا الحيوية.[11]

وتشير النتائج الحالية إلى احتمال أن تتبنى الحكومة الجديدة سياسات داخلية تجمع بين الاستقرار الذي يطلبه التيار المحافظ وبين تطلعات التجديد لدى التيارات اليسارية والبيئية. فمن جهة، قد يؤدي بروز الاتحاد المسيحي إلى تبني سياسات اقتصادية تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار المالي وتشجيع الاستثمار. ومن جهة أخرى، سيظل حزب الخضر وحزب اليسار مناصرًا لقضايا العدالة الاجتماعية والحماية البيئية؛ ما يستدعي التوصل إلى حلول وسط تضمن تحقيق توازن بين مختلف الاهتمامات الوطنية.

السياسة الخارجية والتأثير الجيوسياسي

 على الصعيد الدولي، من المتوقع أن تؤثر النتائج الجديدة على توجهات ألمانيا الخارجية؛ إذ إن بروز التيار المحافظ، ممثلًا في الاتحاد المسيحي وحزب البديل، قد يفرض ضغوطًا لإعادة تقييم العلاقات مع الشركاء التقليديين، واتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه التحديات الجيوسياسية. ولعل أبرز التأثيرات في هذا السياق يتعلق بموقع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إذ قد يُعاد توجيه السياسات الخارجية لتصبح أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، خاصةً في ظل تصاعد النزاعات والتحديات الجيوسياسية. فمع بروز قوى شعبوية يمينية ويسارية مثل AfD وBSW، قد تواجه ألمانيا ضغوطًا لإعادة النظر في سياساتها التقليدية المؤيدة لدعم أوكرانيا والعلاقات مع واشنطن؛ ما قد يؤثر بدوره على الاستقرار والتحالفات الدولية. كما سيُختبر الدور الذي ستلعبه ألمانيا في مواجهة التحديات الاقتصادية والتجارية مع الصين، في ظل سعي عمالقة الاقتصاد الصيني للسيطرة على قطاعات استراتيجية في السوق الألماني.

  • ماذا تعني النتائج بالنسبة للاتحاد الأوروبي

تشير النتيجة إلى أن بروكسل ستشهد استقرارًا أكبر في إطار الاتحاد الأوروبي، إذ يُتوقع أن يؤدي تشكيل ائتلاف قوي من الأحزاب الكبرى ( CDUوSPD والخضر) إلى إعطاء ألمانيا دورًا قياديًّا أكثر وضوحًا في إعادة تشكيل السياسات الأوروبية. ومن المرجح أن يُتيح هذا الائتلاف الواسع إمكانية إصلاح القيود الدستورية المتعلقة بالديون؛ ما يفتح الباب أمام استثناءات أوضح للإنفاق الدفاعي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الألمانية. مثل هذه الإصلاحات ستعزز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء أوروبا، وتدعم جهود إكمال السوق الموحدة التي دعت إليها تقارير دراجي وليتا.

من المُتوقع أيضًا أن تشكيل حكومة مستقرة بقيادة ميرز سوف يمثل دفعة قوية من الاستقرار للاتحاد الأوروبي من أكبر دولة عضو فيه. فقد كانت ألمانيا -تاريخيًّا- تمثل العمود الفقري للمحرك الفرنسي الألماني، ولكنها غابت عن دور القيادة في الأوقات التي تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية. الآن، مع عودة ألمانيا إلى ساحة القيادة، يمكن لبروكسل أن تحظى بدعم سياسي واقتصادي يساعدها في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة.

وفي خطاب الفوز، أكد ميرز أن العالم لن ينتظر على ألمانيا أو على أوروبا، ما يشير إلى أن مستقبل الاتحاد الأوروبي سيعتمد إلى حد كبير على مدى قدرة ألمانيا في حشد الدعم لحزبه وائتلافه الوطني، من أجل تحقيق حلول مبتكرة ومرنة في مجالات التنافسية الأوروبية والتعاون الدفاعي والصناعي، وكذلك في تأمين التمويل اللازم، تحت ميزانية أوروبية جديدة، أو حتى عبر مبادرات ديون مشتركة. 

  • ماذا تعني النتائج بالنسبة لواشنطن

تشير التحليلات إلى أن واشنطن ستواجه ألمانيا أكثر حزمًا واستقلالية تحت قيادة ميرز، حيث ستعمل الحكومة على التصدي للتدخلات الأمريكية المحتملة، مع الحفاظ على علاقات اقتصادية واستراتيجية وثيقة. ومن المتوقع أن يستغل ميرز تفويضه السياسي لتعزيز استقلال كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي. هذا يعني أن ألمانيا ستسعى بجدية نحو تنفيذ أجندة أوروبية أكثر قوةً واستقلالية، خاصة في مجالات الدفاع الأوروبي وسياسات الطاقة والتنافس الاستراتيجي مع الصين.

قد يؤدي الموقف الألماني الجديد إلى حدوث احتكاكات دبلوماسية، إذ يُتوقع أن يتعرض ترامب وفريقه لانتقادات حادة من قبل الألمان، خاصة فيما يتعلق بمسألة “جدار الحماية”، الذي يمنع القوى الشعبوية مثل AfD من الدخول في الحكومة الائتلافية، بالإضافة إلى اتهامات بالتدخل الذي يشبه أساليب موسكو، أي على هيئة ضغوط أمريكية صريحة، أو تهديدات بالرسوم الجمركية، ما قد يواجه ردود فعل قوية من برلين.[12]

على الصعيد الاقتصادي، يحمل هذا التطور أيضًا فرصًا إيجابية لواشنطن؛ إذ إن خلفية ميرز المؤيدة للأعمال، وتركيزه على الاقتصاد، يمكن أن يُسهما في تعزيز التعاون بين البلدين. كما أن توجه ألمانيا الحازم تجاه الصين قد يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية، خاصة مع خطط معظم الشركات الألمانية لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة.

الخاتمة

في الختام، تُعَدُّ نتائج الانتخابات الألمانية تَحَوُّلًا سياسيًّا محوريًّا، يُعيد تشكيل الخريطة السياسية داخل البلاد وخارجها. فقد برزت مؤشرات واضحة على رغبة الناخبين في التغيير، من خلال دعم التيارات المحافظة، وارتفاع نسبة التيار اليميني المتطرف، ما يعكس استياءً من السياسات السابقة، ورغبة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الراهنة.

إنّ فوز الاتحاد المسيحي -بقيادة ميرز- يشير إلى عودة الثقة في التيار المحافظ، وإلى إمكانية تحقيق استقرار سياسي يُمكّن ألمانيا من استعادة دورها القيادي في إرساء المبادرات الإصلاحية داخليًّا، وتطوير سياسات اقتصادية متوازنة. وعلى الجانب الآخر، يمثل أداء حزب البديل من أجل ألمانيا قفزة نوعية تُسلّط الضوء على التوجه المتصاعد نحو الخطاب اليميني المتطرف؛ ما يستدعي من صانعي القرار تَحَوُّلًا في طريقة إدارة السياسات الداخلية والخارجية لتفادي الانقسامات وتعزيز ثقافة التسوية.

على الصعيد الأوروبي، قد تمنح هذه النتائج دفعة قوية من الاستقرار لبروكسل، إذ من المتوقع أن يُسهم تحالف الأحزاب الكبرى ( CDUوSPD والخضر) في إعادة هيكلة السياسات الأوروبية، بما يخدم النمو الاقتصادي، ويعزز من التعاون الدفاعي والصناعي. أمّا على مستوى العلاقات مع واشنطن، فتُشير التحليلات إلى مواجهة محتملة مع حكومة أمريكية قد تجد نفسها أمام ألمانيا أكثر حزمًا واستقلالية، قادرة على الدفاع عن مصالحها الوطنية، وتعزيز سياساتها الخارجية، بما يتماشى مع التحديات الدولية الراهنة.


[1] سكاي نيوز عربية، 23 فبراير 2025:

https://www.skynewsarabia.com/world/1779204-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%94%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%85-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%AA%D8%B3-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D9%84%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AE%D9%84%D8%B5-%D9%84%D8%A7%D9%94%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7

[2] Deutsche Welle, February 23, 2025: https://www.dw.com/en/german-election-results-in-graphics/a-71724186

[3] Bundestagwahl 2025, tagesschau, February 23, 2025: https://www.tagesschau.de/inland/bundestagswahl

[4] رابطة ناخبي جنوب شليسفيغ هي حزب سياسي إقليمي في شليسفيغ هولشتاين في شمال ألمانيا. يمثل الحزب الأقليات الدنماركية والفريزية في الولاية.

[5] تحالف ساره فاغنكنشت – العقل والعدالة هو حزب سياسي في ألمانيا تأسس في 8 يناير 2024. وقد وُصِف بأنه يسار متطرف، وشعبوي يساري، وقومي يساري، واشتراكي، ومحافظ ثقافيًّا، ومحافظ اجتماعيًّا، ومتشكك في الاتحاد الأوروبي، ومنتقد للولايات المتحدة.

[6] يورو نيوز، 23 فبراير 2025:

https://arabic.euronews.com/2025/02/23/german-legislative-elections-friedrich-merz-to-become-new-chancellor-rise-of-the-far-right

[7] BBC, Febraury 23, 2025: https://www.bbc.com/news/live/ckg82wwrwy6t

[8] DW, February 23, 2025:

https://www.dw.com/en/german-election-projections-say-cdu-csu-leads-with-29/live-71700729

[9] France24, February 23, 2025:

https://www.france24.com/en/live-news/20250221-german-far-left-in-surprise-comeback-ahead-of-election

[10] Alexandra Hudson, Merz: No coalition talks with AfD, Reuters, February 23, 2025:

https://www.reuters.com/world/germany/german-election-2025-updates-2025-02-23/?arena_mid=YNDZOQUmpkILII1Lb9br

[11] Specialeurasia, February 23, 2025: https://www.specialeurasia.com/2025/02/23/germany-2025-federal-elections/

[12] Germany shifts rightward: Our experts answer the big questions about the country’s election, Atlantic Council, February 23, 2025:

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/germany-shifts-rightward-our-experts-answer-the-big-questions-about-the-countrys-election/

المواضيع ذات الصلة