مقدمة:
نظمت إسرائيل يوم 23 مارس 2021 أول انتخابات برلمانية لها في ظل جائحة “كوفيد-19” وفي ظل الأوضاع الجديدة التي أوجدتها اتفاقيات السلام الجديدة الموقعة بينها وبين أربع دول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، ورابع انتخابات برلمانية خلال عامين بعدما انتهت الانتخابات الثلاثة السابقة دون حسم الأغلبية لطرف محدد، مما أدى إلى تشكيل حكومات ما لبثت أن انهارت في ظل عدم تناغم الأحزاب المشكّلة لها وقدرتها على تسوية خلافاتها.
وبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو يعلق آمالاً كبيرة على هذه الانتخابات لتحقيق أغلبية مريحة تضمن له تشكيل حكومة يمينية مستقرة تحت قيادته، والاستفادة مما اعتبرها إنجازات كبيرة لحكومته، سواء في إدارتها لأزمة جائحة “كوفيد-19” أو توقيعها لاتفاقات السلام الجديدة (اتفاقيات إبراهيم) مع أربع دول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، جاءت النتائج مخيبة لهذه الآمال، ومؤكدة للاتجاهات التي سادت في الانتخابات الثلاثة الأخرى الماضية لجهة انقسام الناخبين الإسرائيليين.
وضمن هذا السياق، تبحث هذه الورقة نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ودلالاتها وتداعياتها على المشهدين الإسرائيلي والإقليمي، من خلال أربعة محاور أساسية، يعرض أولها لخريطة الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في هذه الانتخابات وتوجهاتها. ويناقش ثانيها نتائج هذه الانتخابات وأبرز دلالاتها، ويبحث ثالثها في شكل الحكومة الجديدة المحتمل وقاعدتها التحالفية ومدى استقرارها وتماسكها. أما المحور الرابع والأخير فيتناول أبرز السياسات والتوجهات المحتملة للحكومة الجديدة.
أولاً- خريطة الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات:
تشمل خريطة القوى السياسية في إسرائيل مجموعة من الأحزاب التي تضم أحزاباً يمينية وأخرى يسارية، وأحزاباً علمانية وأخرى دينية، بالإضافة إلى الأحزاب العربية. ومن أبرز هذه الأحزاب التي شاركت في انتخابات 2021، ما يلي:
- حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو الذي يتولى منصب رئاسة الوزراء منذ نحو 12 عاماً وهي أطول فترة يقضيها رئيس وزراء إسرائيلي في المنصب. وخاض الحزب الذي ينتمي إلى اليمين الإسرائيلي الانتخابات بقائمة تضم 45 مرشحاً.
- حزب “يش عتيد” (هناك مستقبل)، ويرأسه وزير المالية السابق يائير لابيد. وينتمي هذا الحزب إلى يسار الوسط، وهو حالياً من أحزاب المعارضة الرئيسية، وهو المعارض الأبرز لليكود، وقد خاض الحزب الانتخابات بـ20 مرشحاً.
- حزب “تكفا حداشاه” (الأمل الجديد) الذي يتزعمه جدعون ساعر، وهو وزير سابق استقال من الليكود وشكل هذا الحزب، وتعهد بإنهاء حكم نتنياهو. ويعارض الحزب الذي ينتمي إلى اليمين المحافظ، قيام دولة فلسطينية مستقلة لكن حملة ساعر تركزت على الحكم النظيف وتنشيط الاقتصاد. وخاض الحزب الانتخابات بقائمة مكونة من 20 مرشحاً.
- حزب “شاس” للمتدينين اليهود الشرقيين برئاسة آريه درعي، وهو من أحزاب اليهود المتشددين ويؤيد نتنياهو. وخاض الحزب الذي ينتمي إلى اليمين الديني، الانتخابات بقائمة ضمت 12 مرشحاً.
- حزب “يهوديت هتوراه” للمتدنيين اليهود الغربيين وهو من أحزاب اليهود المتشددين التي تنتمي إلى اليمين الديني، ويعد من المؤيدين لنتنياهو. وخاض الحزب الانتخابات بـ 14 مرشحاً.
- حزب “هتسيونيت هدتيت” (الصهيونية الدينية) الذي يتزعمه اليهودي المتشدد بتسلئيل سموتريتش، وهو حزب قومي يميني ديني متشدد يرفض بالمطلق قيام دولة فلسطينية، ويؤيد نتنياهو، وخاض الحزب الانتخابات بـ 10 مرشحين.
- حزب “يمينا” ويرأسه المليونير نفتالي بنيت رائد الأعمال التكنولوجية والذي شغل سابقاً منصب وزير الدفاع في عهد نتنياهو، وهو حزب قومي يميني يعارض بالمطلق قيام دولة فلسطينية. وقد توترت علاقة بنيت بنتنياهو خلال الحملة الإنتخابية خاصة في ملف كورونا وإدارة الحكومة للأزمة الصحية، وخاض الحزب الانتخابات بـ 15 مرشحاً.
- كاحول لافان (أزرق أبيض) تشكّل هذا التحالف في أوائل عام 2019 من ثلاثة أحزاب وسطية هي “حوسين ليسرائيل” برئاسة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق بيني جانتس، و”تلم” بقيادة وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، و”يش عتيد” بقيادة وزير المال السابق يائير لبيد، وترأسه غانتس. وظلت هذه الأحزاب المشاركة محافظة على تحالفها في انتخابات سبتمبر 2019 ومارس 2020، إلا أن انضمام غانتس إلى حكومة وحدة بالشراكة مع نتنياهو أدّى إلى تفكّك التحالف، ليخوض حزب غانتس «حوسين ليسرائيل» هذه الانتخابات منفرداً مع حفاظه على اسم «كاحول لافان»، حيث تقدم الحزب الذي ينتمي إلى تيار الوسط بـ 10 مرشحين.
- إسرائيل بيتينو وهو حزب ليبرالي يميني، تأسس عام 1999 بزعامة أفيغدور ليبرمان الذي انشق عن حزب «الليكود»، ويدعو إلى أن تكون إسرائيل «دولة يهودية» ذات قومية واحدة من خلال ترحيل العرب داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربية. ويفضل الحزب «حل الدولتين»، مع استبدال أراضٍ بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويعلن منذ عام 2019 إنه يرفض الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو. وخاض الحزب الانتخابات بقائمة ضمن 10 مرشحين.
- حزب “العمل” وهو الحزب المؤسّس لإسرائيل، ويعرّف نفسه بأنه «حزب صهيوني اشتراكي ديموقراطي»، ويصطف في معسكر يسار الوسط، ويتبنى التوجه العلماني، وتترأسه الناشطة النسوية والبيئية ميراف ميخائيلي، التي تستبعد أن تشرك في حكومة مع نتنياهو. كان هو الحزبَ الأقوى في إسرائيل، إلا أنه في العقدين الأخيرين بات تمثيله في الكنيست متواضعاً. وخاض الحزب الانتخابات بقائمة ضمت 15 مرشحاً.
- حزب ميرتس وهو حزب يساري، يتزعمه نيتسان هوروفيتس، أعلن أن هدفه منع نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة، ويعد ميرتس من الأحزاب الصغيرة التي تشغل عدد قليلاً من مقاعد البرلمان ربما لا تزيد على 4 مقاعد. وخاض الحزب الانتخابات بقائمة تكونت من 6 مرشحين.
- القائمة المشتركة” برئاسة أيمن عودة، وتضم 3 أحزاب عربية هي “الجبهة”، و«التجمع»، و«العربية للتغيير»؛ وتقدمت بقائمة ضمت 10 مرشحين.
- حزب “القائمة العربية الموحدة “راعم” ويترأسه منصور عباس، وقد خاض الانتخابات بقائمة ضمت 4 مرشحين.
شكل (1): قائمة الأحزاب الإسرائيلية التي شاركت في انتخابات مارس 2021 وتوجهاتها
ثانياً: نتائج الانتخابات ودلالاتها:
جاءت نتيجة الانتخابات التي أعلنت بعد الانتهاء من فرز جميع الأصوات على النحو التالي[1]:
جدول (1): الأحزاب المشاركة في انتخابات مارس 2021 وعدد المقاعد التي حصلت عليها
وتكشف قراءة هذه النتائج عن مجموعة من الدلالات والملاحظات، أهمها:
- أن مزاج الناخب الإسرائيلي يتجه بدرجة كبيرة إلى تيار اليمين بمختلف توجهاته القومية والعلمانية والمتطرفة والدينية، فبحسب نتائج الانتخابات، فإن هذا التيار تمكن من الحصول على نحو 72 مقعداً، بنسبة 60% من إجمالي مقاعد الكنيست التي يبلغ عددها 120 مقعداً؛ ما يعني أن هناك أغلبية يمينية في البرلمان. وحسب الباحث والمحلل السياسي، أنطوان شلحت، فإن هذه الانتخابات كانت “أشبه بمباراة دربي بين الأحزاب اليمينية ودارت حول شخص الزعيم الذي سيقود الحكم اليميني وليس حول السياسة التي ينبغي على إسرائيل أن تنتهجها، وهي سياسة يمينية بامتياز منذ سنوات طويلة”[2].
- أثبتت النتائج أن الناخبين الإسرائيليين لم تقنعهم الإنجازات التي حققتها حكومة نتنياهو، سواء على صعيد إدارتها لأزمة جائحة “كوفيد-19″، حيث قامت إسرائيل بإعطاء أكبر عدد من جرعات لقاح كورونا مقارنة مع دول أخرى في جميع أنحاء العالم، واستطاعت من خلال علاقات شخصية لنتنياهو مع شركة بيونتيك وفايزر تأمين كميات من جرعات اللقاح ربما أكثر مما تحتاجه إضافة إلى كميات كبيرة من لقاح موديرنا، أو على صعيد تمكنها من توقيع اتفاقيات السلام الجديدة مع الدول العربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان). ومن بين الأسباب التي يمكن أن تفسر ذلك حالة الانقسام السياسي الحاد في الشارع الإسرائيلي بين التيارات والأحزاب المختلفة، وإشكاليات الفساد التي تحيط بنتنياهو.
- رغم أن مزاج الناخب الإسرائيلي يتجه بشكل كبير، كما أوضحت نتائج الانتخابات، نحو اليمين بمختلف توجهاته فإن الخلافات بين قادة هذا التيار تحد من قدرتهم على تشكيل جبهة يمينية موحدة تتيح لها تشكيل حكومة مستقرة، وأبرز مثل هو الخلاف بين نتنياهو وبين جدعون ساعر زعيم حزب “تكفا حداشاه” (الأمل الجديد) الذي انشق عن الليكود وتعهد بإنهاء حكم نتنياهو، والأمر ذاته ينطبق على أفيجدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتينو”(7 مقاعد).
- تراجع قوة تياري الوسط واليسار بشكل ملحوظة حيث حصلت الأحزاب التي تمثل هذين التيارين على 38 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعداً، وذلك بنسبة 31.6%، وهي نسبة تزيد قليلاً عن نصف نسبة عدد المقاعد التي حصل عليها تيار اليمين.
- حصل معسكر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يضم إلى جانب الليكود أحزاب “شاس” و”يهوديت هاتوراه” و” هتسيونيت هدتيت” (الصهيونية الدينية) على 52 مقعداً بنسبة 43.3% من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعداً. وقد تشكل هذا المعسكر في ضوء تقارب توجهاته وأهدافه، فقد تعهد “شاس” لنتنياهو في فبراير 2021 أنه لن ينضم بشكل مستقل إلى حكومة يقودها أي حزب آخر غير الليكود، ويلتزم “يهوديت هتوراه” بشدة بالبقاء وفياً لنتنياهو ويستبعد حكومة لا يحكمها[3]. وبذل نتنياهو جهوداً كبيرة لدعم حزب (الصهيونية الدينية) ومساعدته على عبور نسبة الحسم لدخول البرلمان، إذ ساعده في إقناع إيتمار بن غفير رئيس حزب “عوتسماه يهوديت“ (قوة يهودية) بالانضمام إليه، وقرر الحزبان أن هدفهما هو تعزيز فرص تشكيل حكومة يمنية برئاسة نتياهو ومواجهة تحالفات اليسار ومنعه من تشكيل حكومة[4].
ورغم الجهود التي بذلها نتنياهو في تشكيل معسكر موالٍ له يضمن له تشكيل حكومة مستقرة من دون الحاجة إلى أي من الأحزاب الأخرى، فإن هذه الجهود لم تسفر عن تحقيق هذا الهدف، إذ إن نتنياهو سيكون في حاجة إلى 9 مقاعد أخرى حتى يكون قادراً على تشكيل هذه الحكومة وهو ما يجعله مضطراً إلى أن يسمع بل ويستجيب لشروط الحزب أو الأحزاب الأخرى التي سيلجأ إليها.
- لايزال المعسكر المعارض لنتنياهو قادراً على تعطيله والحد من قدرته على تشكيل الحكومة، حيث حصل هذا المعسكر الذي يضم أحزاباً من مختلف التوجهات من اليمين أو اليسار أو الوسط، على 57 مقعداً موزعة بين أحزاب “يش عتيد” (هناك مستقبل) 17 مقعداً، و”كاحول لفان” (أزرق أبيض) 8 مقاعد، و”العمل” 7 مقاعد، و”إسرائيل بيتينو” 7 مقاعد، و”القائمة المشتركة ” 6 مقاعد، و”تكفا حداشاه” (الأمل الجديد) 6 مقاعد، و”ميرتس” 6 مقاعد[5].
- يمثل حزب “يمينا” الذي يتزعمه نفتالي بينيت وحصل على 7 مقاعد، والقائمة العربية الموحدة التي يتزعمها منصور عباس وحصلت على 4 مقاعد، ما يسميه البعض “بيضة القبان” حيث أن دعمهما لأي فريق من شأنه أن يساعده في تشكيل الحكومة الجديدة.
شكل (2): المقاعد التي حصلت عليها الكتل الانتخابية المؤيدة والمعارضة لنتنياهو[6]
مكاسب الأحزاب وخسائرها:
تكشف نتائج الانتخابات الأخيرة عند مقارنتها بسابقتها التي أجريت في مارس 2020 أن بعض الأحزاب قد حقق مكاسب انتخابية وحصل على عدد مقاعد أكبر في البرلمان، فيما فقد بعضها الآخر عدداً من المقاعد التي كان قد حصل عليها، فيما حافظ بعضها الآخر على وضعه كما هو.
ويوضح الجدول التالي نتائج الانتخابات السابقة التي أجريت في 2 مارس 2020، حيث كانت كالتالي:[7]
جدول (2): الأحزاب المشاركة في انتخابات مارس 2020 ونتائجها وتوجهاتها
وبالنظر إلى نتائج انتخابات مارس 2020 ومارس 2021، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- فقد حزب الليكود 6 مقاعد برلمانية، بعدما حصل في انتخابات مارس 2021 على 30 مقعداً، مقارنة بـ 36 مقعداً حصل عليها في انتخابات مارس 2020.
- يعتبر تحالف أزرق أبيض أو كحول لفان أكبر الخاسرين، فبعد أن حصل التحالف في انتخابات مارس 2020 على 33 مقعداً حصل على 8 مقاعد فقط في انتخابات مارس 2021. ويرجع السبب في ذلك إلى انهيار التحالف وخروج الأحزاب المكونة له منه، حيث خرج حزب “يش عتيد” من التحالف وشارك بمفرده في الانتخابات، فيما لم يظهر الحزب الثالث “تلم” على خريطة الأحزاب التي تمكنت من دخول البرلمان هذه المرة.
- خسرت الأحزاب العربية عموماً 5 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، بعد ما حصلت على 10 مقاعد مقارنة بـ 15 مقعداً في انتخابات مارس 2020. ويرجع ذلك كما سبقت الإشارة إلى الانشقاق الذي ضرب القائمة، بالإضافة إلى تراجع نسبة التصويت في المجتمع العربي من 65% في انتخابات مارس 2020 إلى 53% في انتخابات 2021.
شكل رقم (3): إطار مقارن لنتائج الانتخابات الإسرئيلية في مارس 2020 ومارس 2021
- حافظت بعض الأحزاب في انتخابات 2021 على عدد المقاعد نفسه الذي حصلت عليه في انتخابات 2020، مثل أحزاب “شاس” و”يهوديت هتوراه” و”إسرائيل بيتينو”، مما يشير إلى أن نسبة تأييد هذه الأحزاب اتسمت بالثبات وعدم التغير.
- برغم تراجع نتائج اليسار عموماً في انتخابات 2021، إلا ان مقارنة هذه النتائج بنظيرتها في انتخابات 2020 تكشف أن حزبَيْ اليسار الرئيسيين “العمل” و”ميرتس” قد حققا تقدماً ملحوظاً، ففي انتخابات 2020 حصل تحالف مكون من “العمل” و”ميرتس” و”جيشر” على7 مقاعد فقط، فيما حصل “العمل” بمفرده في انتخابات 2021 على 7 مقاعد، وحصل “ميرتس” على 6 مقاعد بمجموع 13 مقعداً، فيما لم يظهر “جيشر” على خريطة الأحزاب التي تمكنت من دخول البرلمان هذه المرة.
ثالثاً- شكل الحكومة الجديدة وقاعدة تحالفاتها:
وفق النتائج الموضحة سابقاً، فإن هناك ثلاث سيناريوهات لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة :
السيناريو الأول، نجاح نتنياهو في تأمين عدد المقاعد المطلوبة لتشكيل الحكومة (61 مقعداً)، وهو سيناريو يمكن تحققه في إحدى الحالات التالية:
- نجاح نتنياهو في إقناع حزبي “يمينا” الذي يتزعمه نفتالي بينيت، والقائمة العربية الموحدة التي يتزعمها منصور عباس، بالانضمام إلى الكتلة الموالية له. وقد ابدى الحزبان استعداداً مبدئياً للانضمام إلى الكتلة المؤيدة لنتنياهو ولكن بعد الحصول على امتيازات كبيرة، حيث ينظر كلا الحزبين لنفسيهما باعتبار أن مواقفهما حاسمة في تحديد رئيس الحكومة الجديد، ما يعني تشددهما في طلب الامتيازات التي قد يصعب على نتنياهو تلبيتها، ولاسيما مع دخول كتلة الأحزاب المعارضة لنتنياهو في مفاوضات مع مسؤولي الحزبين، الذين دخلوا أيضاً في مفاوضات مع حزب الليكود.
ويبدو حزب “يمينا” الذي يتزعمه نفتالي بينيت أقرب للانضمام إلى كتلة نتنياهو، خاصة وأن الحزب لا يرغب في الذهاب إلى انتخابات خامسة خلال سنتين كما صرح قادته. لكن المشكلة ربما تكون أكبر مع القائمة العربية الموحدة، التي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين منذ عام 1996، وذلك من زاويتين: الأولى، هي تحفظ الأحزاب اليمينية المتشددة في كتلة نتنياهو على انضمام أحزاب عربية إلى حكومة يمينية تديرها هذه الكتلة0، والتي ستكون في هذه الحالة عبارة عن تحالف سريالي يضم حزباً عربياً وحزباً معادياً للعرب، والثانية هي موقف القائمة نفسها التي قد تخشى أن يُنظر إليها على أنها داعمة لليمين الإسرائيلي وتفقد شعبيتها بين عرب 48 مستقبلاً. ومع ذلك فقد عبّر منصور عباس في السابق عن رغبته في التعاون مع نتنياهو، وهو بشكل عام لن يمانع في التعاون مع أي معسكر يشكل الحكومة الإسرائيلية، شرط التجاوب مع مطالب قائمته التي تتمثل في الحصول على مزيد من الدعم والخدمات للمدن والقرى العربية غير المعترف بها داخل إسرائيل.
- نجاح بنيامين نتنياهو في اختراق جبهة الأحزاب اليمينية التي تتبنى مواقف معارضة له وإقناع بعضها بالانضمام، حيث تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن محاولة نتنياهو استقطاب حلفاء سابقين في أحزاب أخرى؛ مثل رئيس حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، ورئيس حزب “أمل جديد” جدعون ساعر، اللذين عرض عليهما التناوب على رئاسة الحكومة، وشمل ذلك أنه مستعد أيضاً للاستقالة لاحقاً، وهي محاولة ستكون محكومة بالفشل بدرجة كبيرة في ضوء مواقف الحزبين المعارِضة لنتنياهو وتعهدهما بالعمل على إسقاط نتنياهو، ولاسيما أن نتنياهو نجح من خلال سياسة كهذه في تفكيك حزب “أزرق أبيض” بزعامة جانتس في عام 2020.
- محاولة استقطاب أعضاء في أحزاب أخرى معارضة لنتنياهو تم انتخابهم للكنيست بالفعل ضمن أحزابهم، وضمهم إلى الكتلة المؤيدة لنتنياهو. ويحتاج نتنياهو إلى عضوين فقط، في حال تم تأمين انضمام حزب يمينا للحكومة، وهي مهمة قد لا تبدو عسيرة.
السيناريو الثاني: نجاح الكتلة المعارضة في تأمين المقاعد اللازمة لتشكيل الحكومة، وفي هذا السياق، أشارت مصادر إعلامية إسرائيلية إلى سعي زعيم المعارضة يائير لبيد إلى جمع عدد كاف من التوصيات التي تسمح له بتولي رئاسة “اللجنة المنظمة” لعمل الكنيست، بهدف إزاحة رئيسها الحالي واختيار رئيس جديد، ومن ثم تشريع قانون يمنع نتنياهو من الترشح لرئاسة الحكومة، وهو أمر أعلن أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “يسرائيل بيتنو” أنه يسعى إليه أيضاً. كما بدأت الأحزاب المحسوبة على هذه الكتلة بالتفاوض مع حزبي يمينا والقائمة العربية المشتركة.
ومع ذلك تبدو مشكلة هذا السيناريو في عدم تجانس قائمة الأحزاب المنضوية تحت هذه الكتلة، والتي تبدو متفقة على هدف واحد هو إزاحة نتنياهو لكن لا يوجد ما يجمع أحزابها من أهداف مشتركة أخرى، وهو ما قد يجعل أي حكومة تشكلها، إذا نجحت في ذلك، حكومة هشة وغير مستقرة.
السيناريو الثالث: فشل تشكيل الحكومة والذهاب إلى انتخابات خامسة، وهو سيناريو محتمل في ضوء حالة عدم الحسم التي أفرزتها هذه الانتخابات.
إن المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات مارس 2021 في إسرائيل هو من التعقيد بحيث يصعب تصور أيٍّ من السيناريوهات الأقرب للتحقق، فالمجال مفتوح أمام السيناريوهات الثلاثة وبنسب متقاربة، وإن كان السيناريو الأول هو أقربها نظرياً في ضوء المؤشرات القائمة.
رابعاً- السياسات المحتملة للحكومة الإسرائيلية تجاه قضايا المنطقة
تشير نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تكشف عن تقدم تكتل اليمين الذي يقوده نتنياهو بفارق طفيف أمام الأحزاب المعارضة “الوسط واليسار واليمين ” إلى أن قدرته على تشكيل حكومة جديدة ستتطلب المزيد من المواءمات والتحالفات مع أحزاب أخرى. وبغض النظر عمن سيشكل الحكومة الجديدة، سواء كان بنيامين نيتانياهو أو زعيم المعارضة يائير لبيد، فإن هذا قد لا ينعكس بدرجة كبيرة على السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه قضايا المنطقة الرئيسية، خاصة أن هناك شبه توافق بين مختلف القوى السياسية، اليمين والوسط واليسار، حول كيفية التعامل مع القضايا الخارجية وإدارة التحديات والمخاطر التي تواجه إسرائيل. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
- مسار التطبيع مع الدول العربية: من المؤكد أن تواصل الحكومة الإسرائيلية الجديدة مسارها الخاص بتوقيع اتفاقيات سلام مع دول عربية جديدة، خاصة إن هذا يعد أحد التوجهات الثابتة لإسرائيل التي طالما سعت منذ عقود إلى إقناع الدول العربية بالالتحاق بقطار السلام والتطبيع الذي بدأته مصر في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهذا ما يفهم من تصريحات لبنيامين نيتانياهو قبل أيام من إجراء الانتخابات الأخيرة لصحيفة “يديعوت”، كشف خلالها أن “بلاده في طريقها للتوصل إلى سلام مع أربع دول أخرى في المنطقة”، وذلك في إشارة إلى اتفاقيات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب.
ولعل ما يعزز من توجه الحكومة الإسرائيلية المقبلة نحو التطبيع مع المزيد من الدول العربية عاملان: الأول، هو إدراكها أن هناك توافقاً في وجهات النظر بينها وبين العديد من الدول العربية الفاعلة فيما يتعلق بخريطة المخاطر والتهديدات المشتركة، وفي مقدمتها الخطر الإيراني وقوى التطرف والإرهاب، والتي تسعى إسرائيل إلى توظيفها في إقناع المزيد من الدول العربية بإبرام اتفاقيات سلام معها. والثاني هو دعم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لهذا التوجه، والتي أعلنت أنها “ستحث دولا أخرى على تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
- مسار المفاوضات مع الفلسطينيين، من المتوقع أن تتجاوب الحكومة الإسرائيلية مع دعاوى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في الفترة المقبلة، لإعطاء الانطباع للمجتمع الدولي أنها راغبة في السلام وداعمة لأي تحركات تبذل للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. لكن مع ذلك، فإن عملية إدارة المفاوضات – في حال استئنافها مع الفلسطينيين – ربما تكون معقدة، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ربما تضم عناصر يمينية متطرفة تتبنى مواقف متشددة تجاه الفلسطينيين، باعتبارهم يشكلون خطراً أمنياً وديموجرافيًا، كما تؤيد هذه العناصر اليمينية سياسة ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والتوسع في الاستيطان، باعتبارها متطلبات تعزز رؤيتها الخاصة بترسيخ الهوية اليهودية في إسرائيل.
وهذه المواقف المتشددة من المتوقع أن تصطدم بمواقف المجتمع الدولي الذي يسعى للتوصل إلى سلام شامل ودائم بين الجانبين، استناداً إلى الأسس والمرجعيات الدولية المتفق عليها، وليس أدل على ذلك من أن البيان الصادر عن اللجنة الرباعية الدولية في شهر مارس 2021، والتي تتألف من كل من (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة)، طالب إسرائيل والفلسطينيين بتجنب أي عمل أحادي الجانب من شأنه أن يقف عقبة أمام حل الدولتين، في إشارة إلى استمرار الاستيطان الإسرائيلي.
لكن في حال تمكن قوى المعارضة التي يسيطر عليها معسكر اليسار من تشكيل الحكومة الجديدة، فإن هذا قد يعطي دفعة أكبر لإحياء المفاوضات مع الفلسطينيين، خاصة أن العديد من قوى وأحزاب اليسار تؤيد فكرة حل الدولتين، وهذا ينسجم مع مطالب اللجنة الرباعية الدولية.
- الملف الإيراني: ثمة إجماع واضح في إسرائيل على أن إيران تشكل خطراً “وجودياً” ينبغي العمل على التصدي له بكل حسم وقوة، ولهذا من المرجح أن تواصل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، أياً كان من سيشكلها، سياساتها التصعيدية في مواجهة هذا الخطر، والحيلولة دون تمدد إيران بالشكل الذي يهدد مصالح وأمن إسرائيل، وذلك من خلال توظيف العديد من الأدوات، لعل أبرزها:
- الاستمرار في سياسة الردع العسكري، من خلال استهداف الميليشيات المسلحة التابعة لإيران في سوريا، والحيلولة دون تحويلها إلى مناطق تمركز لتهديد الأمن الإسرائيلي، هذا إضافة إلى التهديد المستمر باستخدام القوة العسكرية للقضاء على المنشآت النووية الإيرانية.
- المسار السياسي من خلال الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدين لعدم العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في العام 2018، على أساس أن هذا من شأنه تسريع امتلاك إيران للسلاح النووي. وفي الوقت ذاته، من المتوقع أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لممارسة ضغوط حقيقية على إدارة بايدن، وإقناعها بعدم جدوى الدخول في حوار مع إيران، استناداً إلى ممارساتها السابقة وتنصلها الدائم من تعهداتها كما فعلت مع الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في العام 2015، فلم تلتزم بكافة بنوده بل واصلت سراً تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، وتهديد أمن المنطقة واستقرارها.
- بناء إجماع إقليمي يتصدى للخطر الإيراني، من خلال ترويج إسرائيل لفكرة أنه مادامت إيران تشكل خطراً على الأمن والاستقرار الإقليمي، فمن الضروري أن تشمل أي مفاوضات محتملة حول الاتفاق النووي دول المنطقة الرئيسية، والعمل على تضمين مخاوفها في أي تعديلات مرتقبة على هذا الاتفاق، بحيث لا تقتصر وحسب على مشروعها النووي، وإنما تتضمن أيضاً برنامجها للصواريخ الباليستية، ودعمها المستمر للعديد من الميليشيات المسلحة والطائفية، والتي تقف وراء حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تشهدها العديد من دول المنطقة.
- العلاقات مع الولايات المتحدة والقوى الدولية
في حال تمكن بنيامين نيتانياهو من تشكيل الحكومة الجديدة فربما تشهد علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة بعض “الفتور” ، بسبب اختلاف رؤيتهما تجاه مسار عملية السلام مع الفلسطينيين؛ فإدارة الرئيس بايدن – وكما هو واضح من تصريحات العديد من مسؤوليها- تدعم حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، كما أعلنت أنها ستعيد الدعم المقدم للفلسطينيين، وهي مواقف تختلف مع رؤية نيتانياهو التي تنظر إلى مواقف إدارة بايدن باعتبارها تراجعاً عن مواقف الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي كان من المفترض أن تعترف إدارته بأن المستوطنات اليهودية المقامة على أراض محتلة هي جزء من إسرائيل، وهذا ينذر باحتمال الصدام بين إدارة الرئيس جوبايدن والحكومة الإسرائيلية الجديدة في المستقبل. لكن في حال تمكن قوى المعارضة التي يسيطر عليها معسكر اليسار من تشكيل الحكومة الجديدة، فإن هذا قد يعطي دفعة لمسار العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية، خاصة أن رؤية اليسار للعديد من القضايا تتقارب مع رؤية إدارة بايدن، خاصة فيما يتعلق بحل الدولتين، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بالقوى الدولية الأخرى، فإن إسرائيل ستواصل العمل على تعزيز شراكاتها مع روسيا والصين، وبعض القوى الإقليمية الآسيوية كالهند، وخاصة أنها ترتبط بحزمة من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية مع هذه القوى.
خاتمة
لم تختلف الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة عن سابقاتها، ليس فقط لأنها لم تحسم الفائز الذي بإمكانه تشكيل الحكومة الجديدة، وإنما أيضاً لأنها عمقت من المأزق السياسي الداخلي، وأسهمت في تنامي الانقسامات بين القوى السياسية، وربما يكون هذا أحد الملامح الرئيسية للمشهد الإسرائيلي منذ سنوات، لكن هذه الانتخابات خالفت معظم التوقعات التي كانت ترجح فوز نيتانياهو بأغلبية مريحة، استناداً إلى ما حققه من نجاحات في إدارة جائحة “كوفيد –19” وتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية. كما أظهرت هذه الانتخابات أيضاً مدى تعقيد النظام الانتخابي الإسرائيلي، والذي لم يحسم خلال عامين أربع جولات انتخابية بصورة واضحة. وفي ظل حالة الانقسامات الراهنة، ليس من المستبعد إجراء انتخابات خامسة إذا لم يتمكن أي تحالف سياسي من تشكيل حكومة توافقية خلال الفترة المقبلة.
وفي كل الأحوال، فإن هذه الانتخابات وإن كانت ستظل مثاراً للجدل في الداخل حتى يتم الإعلان عن الحكومة الجديدة، فإن تأثيرها على توجهات السياسة الخارجية سيكون محدوداً، لأن هناك شبه إجماع على أولويات هذه السياسة بغض النظر عمن يشكل الحكومة، سواء كانت تنتمي لليمين أو اليسار أو الوسط، فهناك رؤية مشتركة لطبيعة المخاطر والتحديات الخارجية التي تواجه إسرائيل، وكيفية التعامل معها بما يضمن أمنها ومصالحها.
المصادر:
[1] JOSHUA DAVIDOVICH and MICHAEL BACHNER, “Final election results confirm deadlock, offering no clear path to coalition”, The Times of Israel, 25 March 2021, https://www.timesofisrael.com/liveblog-march-25-2021/
[2] “شلحت: اليمين يسيطر على البرلمان ويعيد تنصيب نتنياهو”، موقع عرب 48، 24 مارس 2021، https://bit.ly/2NRabKn
[3] “ها قد عدنا مجددا: دليل تايمز أوف إسرائيل لـ 37 حزبا لا تزال تسعى للفوز بصوتك”، صحيفة تايمز أوف إسرائيل، 23 مارس 2021، https://bit.ly/399nT2H
[4] “بعد إعلان اتفاق نتنياهو مع قائمة “الصهيونية الدينية” … ضجة كبيرة في إسرائيل”، موقع صوت بيروت إنترناشونال، 10 فبراير 2021، https://bit.ly/39aPmB7
[5] أفرام كوهين، بدء عملية فرز الأصوات في المظاريف المزدوجة، موقع هيئة البث الإسرائيلي “مكان”، 25 مارس 2021، https://www.makan.org.il/item/?itemId=102768
[6] Joshua Davidovich and Michael Bachner, “Final election results confirm deadlock, offering no clear path to coalition”, Times of Israel, 25 March 2021. https://www.timesofisrael.com/liveblog-march-25-2021/
[7] “Final results show Likud with 36 seats”, the times of Israel, 5 March 2020, https://bit.ly/3cia0AU