<p style=”text-align: right;”>بلغ الإنتاج والاستهلاك العالمي من اللحوم عام 2018، ثلاثة أضعاف مثيله عام 1988. وحاليا يبلغ حجم الإنتاج والاستهلاك العالمي من اللحوم، أربعة أضعاف مستوياته عند منتصف عقد الستينيات، مع التوقع أن تشهد هذه الزيادة المضطردة منحى تصاعديا مستمرا خلال العقود القادمة. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستهلاك العالمي من اللحوم عام 2050 سيتراوح ما بين 460 إلى 570 مليون طن، وهو ما يعني زيادة بمقدار الضعف عن الاستهلاك العالمي عام 2008، المرتفع أساسا مقارنة بالسنوات والعقود السابقة. مثل هذا الاتجاه المتزايد في استهلاك أفراد الجنس البشري للمزيد من اللحوم، سيكون له عواقب بيئية، كون زيادة الإنتاج تتطلب استغلال المزيد من مصادر المياه والأراضي الصالحة للزراعة، أو تحويل البيئات الطبيعية البرية إلى مساحات ملائمة لتربية الماشية والحيوانات الداجنة، مع المزيد أيضا من استهلاك الطاقة. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن قطاع إنتاج اللحوم بمراحله المختلفة، يعتبر من المصادر الرئيسية لإنتاج غازات الاحتباس الحراري، المسؤولة عن ظاهرة الدفء العالمي.</p><p style=”text-align: right;”>وعلى الصعيد الصحي، ورغم أن تناول كميات معتدلة من اللحوم ومنتجات الألبان، يحمل في طياته فوائد صحية، وخصوصا في الدول منخفضة الدخل، التي يفتقد غذاء أفراد شعوبها للتنوع والتوازن، إلا أن فرط استهلاك اللحوم يحمل أيضا في طياته مخاطر صحية؛ حيث تتواتر الدراسات العلمية التي تظهر أن فرط استهلاك اللحوم، وخصوصا اللحوم الحمراء، واللحوم المصنعة، يعتبر عامل خطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع الأمراض السرطانية. وهو ما حثَّ الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (The International Agency for Research on Cancer)، إلى الإعلان عن أن اللحوم المصنعة يمكن أن تصنف كمواد مسببة للسرطان، كما يحتمل أن تكون اللحوم الحمراء في شكلها الطبيعي هي الأخرى مسرطنة، وإن كان لا يوجد بعد دليل كافٍ للتأكيد على ذلك.</p><p style=”text-align: right;”>ومن المنظور الطبي أيضا، هناك مشكلة فرط استخدام المضادات الحيوية في تربية الماشية لغرض إنتاج اللحوم. فمن الحقائق المثيرة والغريبة في عالم الطب، وبالتحديد عالم الأدوية والعقاقير الطبية، أن أكثر من نصف الاستهلاك العالمي من المضادات الحيوية يستخدم في تربية الماشية والطيور الداجنة بأنواعها المختلفة، وأحيانا تزيد هذه النسبة على النصف بكثير. وهو ما دفع المنظمات والمؤسسات العاملة في مجال الصحة العامة، إلى إطلاق توصيات لمربي الماشية وقطاع إنتاج الغذاء عامة، بضرورة التوقف عن استخدام المضادات الحيوية بشكل روتيني، لغرض تسمين الحيوانات غير المريضة. وتهدف هذه الجهات من تلك التوصيات إلى المساعدة على الحفاظ على فعالية المضادات الحيوية، التي تعتبر من أهم العقاقير المستخدمة في الطب الحديث، من خلال خفض استخدامها غير الضروري للحيوانات. بناء على الدراسات التي أثبتت أن تحديد وتحجيم استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي والدواجن، سيخفض من مقاومة البكتيريا لتلك المضادات الحيوية بنسبة 39 في المئة على الأقل. وبالفعل قامت عدة دول باتخاذ تدابير وإجراءات هادفة إلى خفض استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي والدواجن، مثل دول الاتحاد الأوروبي، التي منعت وحظرت منذ عام 2006 استخدام المضادات الحيوية كمحفز للنمو، لتسمين وزيادة أوزان الحيوانات.</p><p style=”text-align: right;”>وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى ما يعرف بلحوم الأدغال، أي لحوم الحيوانات البرية، مثل الثدييات، والزواحف، والبرمائيات، والطيور، التي يتم اصطيادها من الغابات لغرض الاستهلاك البشري. هذه النوعية من اللحوم، تعتبر مصدرا هاما للغذاء في الدول الفقيرة، وخصوصا سكان المناطق الريفية، ولدرجة أن عدد الحيوانات التي تم قتلها والاتجار بها خلال عقد التسعينيات مثلا في غرب ووسط أفريقيا، أصبح غير مستدام، مهددا هذه الحيوانات بالانقراض والفناء. كما أن استهلاك لحوم الأدغال، يزيد من خطر انتقال الأمراض الحيوانية إلى الإنسان. فالمعروف والمؤكد أن الإنسان والحيوان يشتركان في عدد من الأمراض المعدية، تُعرف بالأمراض حيوانية المنشأ، حيث تعود جذور الكثير من الأمراض التقليدية إلى منشأ حيواني، وهي الأمراض التي تصيب الحيوانات في الأساس، الفقارية في الغالب، لتنتقل منها إلى الإنسان الذي يمكن أن يكون بدوره مصدر عدوى للآخرين. ومؤخرا تزايد الإدراك بأن استهلاك لحوم الحيوانات البرية، قد يمنح بعض الفيروسات الوبائية فرصة القفز من الحيوان إلى الإنسان، ليؤدي ذلك بالتبعية إلى وفاة الملايين ولتأثيرات اقتصادية دولية كارثية.</p>