Insight Image

التنافس الأمريكي-الصيني في أمريكا اللاتينية في عهد بايدن: الأبعاد ومحددات المستقبل

17 فبراير 2021

التنافس الأمريكي-الصيني في أمريكا اللاتينية في عهد بايدن: الأبعاد ومحددات المستقبل

17 فبراير 2021

وصلت العلاقات الأمريكية – الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي أدت اتهاماتها لبكين باتباع سياسات تجارية غير عادلة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية والمدنية إلى الفرض المتبادل للتعريفات الجمركية على البضائع. وتعددت، في ظل التوترات التي شهدتها العلاقات بين القوتين الكبيرتين، ساحات المواجهة بين البلدين التي كان من أبرزها أمريكا اللاتينية التي أصبحت أحد مسارح المواجهات، وإحدى الساحات المهمة لصراعات القوة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين.

ومع وجود إدارة جديدة في واشنطن، بقيادة الرئيس جو بايدن، تبرز تساؤلات حول حدود التأثير المتوقع لذلك على الحضور الصيني المتنامي في أمريكا اللاتينية، وما إذا كانت سياسات بايدن ونهجه الجديد في التعامل مع قضايا المنطقة سيُحجم التوسع الصيني هناك، أم أنه سيُمكِّن بكين من استثمار انشغال بايدن بالمشكلات والأزمات الداخلية، وتعمل على ترسيخ مكانتها في أمريكا اللاتينية بصورة أكبر. ويرتبط بهذا، أيضاً، التساؤل بشأن توجهات دول المنطقة نحو إدارة بايدن وأنماط استجابتها للتنافس الأمريكي الصيني.

ومن أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، تنقسم هذه الورقة إلى خمسة محاور رئيسية، يتناول أولها الوضع الراهن للتنافس الأمريكي الصيني في أمريكا اللاتينية، ويناقش ثانيها رؤية إدارة بايدن للصعود الصيني في أمريكا اللاتينية وكيفية تعامله معه، في حين يركز ثالثها على طبيعة العلاقات الأمريكية اللاتينية في عهد بايدن، ويهتم رابعها باستيضاح النهج الأمريكي في مواجهة التقارب اللاتيني الصيني، أما المحور الخامس فيحلل العوامل المحددة لمستقبل التنافس الأمريكي الصيني في القارة اللاتينية.

أولًا: واقع التنافس الأمريكي الصيني في أمريكا اللاتينية

تُعد أمريكا اللاتينية، بما يتوافر لديها من ثروات طبيعية ضخمة وموقع استراتيجي مهم قريب من الولايات المتحدة، أحد الأقاليم الجغرافية المهمة التي حرصت الصين على تعزيز حضورها فيه. وقد نجحت بكين، بدرجة كبيرة، في الاستفادة من تراجع الاهتمام الأمريكي في عهد ترامب بالقارة اللاتينية، وعملت على ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما أدى إلى تصاعد وتيرة التنافس الأمريكي الصيني في أمريكا اللاتينية واتساع نطاقه، ليشمل مجالات عدة كما يتضح في ما يلي:

1- تنافس اقتصادي قوي: أصبحت الصين، في غضون سنوات قليلة، لاعباً رئيسياً في أمريكا اللاتينية؛ من حيث حجم التجارة الخارجية وتدفقات الاستثمار والتعاون المالي[1]. وفي الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى إعادة الانخراط في أمريكا اللاتينية، فإنها تواجه منافسة جيوسياسية أكثر حدة إذ حققت الصين نجاحات اقتصادية ودبلوماسية هناك مستفيدة في ذلك من إهمال إدارة ترامب وسياستها الخارجية غير المتسقة تجاه المنطقة[2].

ويكشف الوضع الراهن عن أن الصين هي الشريك التجاري الأول للأرجنتين والبرازيل وتشيلي وبيرو وأوروجواي، وقد تطورت علاقتها الاقتصادية مع كولومبيا والمكسيك. كما ضخت الصين عشرات المليارات من الدولارات في صورة استثمارات في شبكات الكهرباء البرازيلية، والطرق السريعة الأرجنتينية، والشبكة اللاسلكية في المكسيك، ومحطات الموانئ البيروفية، ومصانع معالجة الليثيوم البوليفية[3].

وباستبعاد المكسيك، فقد تجاوزت تجارة الصين مع المنطقة، الولايات المتحدة في عام 2018، وزادت في عام 2019 لتصل إلى أكثر من 223 مليار دولار مقابل تجارة الولايات المتحدة البالغة 198 مليار دولار[4].

إلى جانب ذلك، قدمت الصين 137 مليار دولار في صورة قروض لدول أمريكا اللاتينية خلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2019، متجاوزة الإقراض السنوي من المؤسسات المالية التي تقودها الولايات المتحدة، وحصلت فنزويلا وحدها على قروض صينية بلغت 62 مليار دولار. وجميعها عوامل ساهمت في تعزيز العلاقات الصينية اللاتينية من ناحية، وزيادة النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة اللاتينية، في مقابل تراجع الحضور الأمريكي من ناحية أخرى، وهو ما اتضح في إعلان 19 دولة في المنطقة مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق الصينية[5].

كما احتلت، إضافة إلى هذا، أمريكا اللاتينية في عام 2020 أهمية مركزية للمستثمرين الصينيين الذين نجحوا في تنفيذ عدد من عمليات الاستحواذ والشراء للشركات اللاتينية الكبرى العاملة في مجال الطاقة والبنية التحتية؛ فعلى سبيل المثال قامت مؤسسة الشبكة الحكومية الصينية (State Grid Corp) في نوفمبر عام 2020 بشراء شركة لتوزيع الكهرباء في تشيلي. وكانت الصفقة، التي قُدرت قيمتها بـ 4.3 مليار يورو (5.2 مليار دولار) بما في ذلك ديون الشركة التشيلية، أكبر استحواذ صيني في الخارج خلال ذلك العام[6].

2- توظيف متفاوت للدبلوماسية الطبية:

أتاح تفشي وباء كوفيد–19 فرصة غير مسبوقة للصين للمضي قدماً في تنفيذ أهدافها في أمريكا اللاتينية، وقد استخدمت “الدبلوماسية الطبية” لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة، جنباً إلى جنب مع التقدم الذي تحرزه في سلاسل التوريد والاستحواذ الاستراتيجي والقروض المقدمة للدول اللاتينية[7].

وانتهزت الصين الوباء لتعميق علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، من خلال إرسال الإمدادات الطبية بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعي والكمامات لمكافحة كوفيد–19. وأعلنت الأرجنتين، في هذا الصدد، خلال الأشهر الماضية عن سلسلة من المبادرات الجديدة مع الصين في مجالات تجارب اللقاحات، مقايضة العملات، التعاون في الفضاء، والدورات التدريبية للطلاب في مجال الدراسات العسكرية. وقدمت بكين، في الوقت ذاته، قرضًا للإكوادور بقيمة 2.4 مليار دولار خلال العام الماضي[8].

هذا في الوقت الذي رفضت إدارة ترامب في مارس 2020 طلب فنزويلا الحصول على مساعدات مالية لمواجهة وباء كوفيد–19 بسبب عدم اعترافها بحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، الأمر الذي على إثره تدخلت الصين وقدمت المساعدة الطبية لها ولغيرها من دول المنطقة[9].

3- تباين في مستوى الثقة:

شهدت السنوات الأخيرة، تزايد في التوجهات الإيجابية لدى حكومات دول أمريكا اللاتينية وشعوبها نحو الصين، في مقابل تراجع النظرة الإيجابية تجاه الولايات المتحدة. وقد دفعت التجارة والاستثمارات الصينية بعض دول المنطقة، ومنها السلفادور، وجمهورية الدومينيكان، وبنما إلى التخلي عن اعترافها الدبلوماسي بتايوان، لصالح الاعتراف بسياسة “صين واحدة”[10].

وكان للشراكات التجارية القوية تداعياتها على العلاقات الصينية – اللاتينية، حيث اضطر الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، رغم علاقته القوية بالرئيس ترامب، إلى التراجع عن انتقاداته الحادة للصين لكونها الشريك التجاري الأول لبلاده[11].

وتُظهر بعض الإحصائيات أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة، ليس فقط من حيث تواجدها الاقتصادي في المنطقة، ولكن أيضاً في تصورات ورؤى المواطنين اللاتينيين. وقد أظهر مسح أجرته مؤسسة أمريكاز باروميتر (AmericasBarometer) في أوائل عام 2019، تراجع معدل الثقة في الحكومة الأمريكية في 11 من أصل 17 دولة في أمريكا اللاتينية شملها المسح مقارنة بعام 2017. وكان هناك معدل ثقة أقل في الحكومة الأمريكية مقارنة بالصينية في عشر دول لاتينية عام 2017، واتسعت الفجوة بدرجة أكبر في مسح عام 2019 إذ أصبحت ثلاث عشرة دولة لاتينية لديها ثقة أقل في الحكومة الأمريكية مقارنة بالصينية[12].

4- التعاون الأمني:

أدى النفوذ الاقتصادي المتزايد لبكين، بما في ذلك حاجة دول أمريكا اللاتينية إلى التجارة والاستثمارات والقروض الصينية، إلى جعل بعض الدول أكثر تقبلًا لتوسيع نطاق التعاون الأمني معها[13].

وخلال السنوات الماضية، أصبح جيش التحرير الشعبي الصيني نشطاً بشكل متزايد في أمريكا اللاتينية؛ حيث شاركت بعض قواته في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي. كما نشر سفينته الطبية في ثلاث مناسبات منفصلة في موانئ دول المنطقة، ويقوم أيضاً بإرسال سفنه الحربية بانتظام لإجراء تدريبات مشتركة، إلى جانب المشاركة في الدورات التدريبية، وتبادل الزيارات لضباط الجيش والشرطة في دول المنطقة والصين.

وفي الوقت ذاته، قامت شركات الدفاع التي تتخذ من الصين مقراً لها، مثل مجموعة نورينكو (NORINCO)، ببيع مجموعة واسعة من المعدات العسكرية لقوات الأمن اللاتينية، بما في ذلك الدول الصديقة للولايات المتحدة مثل كولومبيا وبيرو، وليس فقط الحكومات المناهضة لواشنطن مثل فنزويلا[14].

ومن المُلاحظ أن الصين تُولي اهتماماً كبيراً في الوقت الراهن بتطوير البنية التحتية للموانئ البحرية وموانئ المياه العميقة حيث وقعت 40 صفقة تجارية للموانئ في منطقة عمليات القيادة الجنوبية الأمريكية. وتكمن خطورة الحضور الأمني والعسكري الصيني المتزايد في المنطقة في أنه – في حالة اندلاع صدام عسكري طويل الأجل بين الصين والولايات المتحدة في آسيا – من المُرجح أن تعمل بكين على استغلال هذا الحضور في مواجهتها العسكرية مع الولايات المتحدة[15]؛ ولهذا فليس مستغرباً أن يعتبر البنتاجون أمريكا اللاتينية “ساحة معركة” في الحرب العالمية الثالثة القادمة، ويستعد وفقاً لهذه الرؤية[16].

ثانياً: إدارة بايدن والصعود الصيني في أمريكا اللاتينية

في ظل ما يُمثله الصعود الصيني من تحديات كبرى لمكانة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، فمن المُرجح أن تميل إدارة بايدن إلى تبني استراتيجية مزدوجة في التعامل مع تنامي النفوذ الصيني هناك، وذلك على النحو التالي:

1- غلبة الرؤى التنافسية:

سعت الولايات المتحدة خلال العقد الماضي إلى كبح النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية عبر سلسلة من البرامج والتهديدات والحوافز. وضغطت إدارة ترامب على الحكومات اللاتينية لمنعها من المشاركة في مبادرات بكين. كما هدد الجمهوريون في الكونجرس عام 2018   باستبعاد السلفادور من خطة التنمية لأمريكا الوسطى، بعد قبولها قرض غير مشروط بقيمة 150 مليون دولار من الصين لتمويل مشاريع البنية التحتية[17].

ومع تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، فإن رؤيته للنفوذ الصيني المتصاعد في أمريكا اللاتينية، لم تختلف كثيراً عن رؤية ترامب؛ حيث تُشير تصريحات كبار المسؤولين في إدارة بايدن إلى أن الصين تظل هي المهدد الرئيس للولايات المتحدة على مستوى العالم.

وقد أكد وزير الدفاع الأمريكي الجديد لويد أوستين، في هذا الإطار، أن الصين تمثل “خطراً متزايداً”، وأن التصدي لها سيكون من أبرز أنشطة البنتاجون. كما وصف أوستين الصين باعتبارها “خصم بلاده الأكبر”، وشدد على مواصلة “تقديم رادع ذي مصداقية في مواجهة الصين”[18]. وشدد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية في إدارة بايدن، في السياق ذاته، على أن الصين تُشكل أكبر اختبار لقوة الولايات المتحدة واصفاً إياها باعتبارها أكبر تحد تمثله أي دولة للولايات المتحدة[19].

وتعهد بايدن نفسه باستعادة دور الولايات المتحدة كقائد عالمي بعد أربع سنوات من سياسة ترامب التي كان شعارها “أمريكا أولاً”، وأكد أن تراجع النفوذ الأمريكي في أمريكا اللاتينية يُشكل تهديدًا للأمن القومي لبلاده[20].

 لذلك سيحافظ بايدن على سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين، مع استمرار توسعها في أمريكا اللاتينية؛ فالمبدأ القائل بأن الصين “منافس استراتيجي” للولايات المتحدة يحظى بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حدٍ سواء، ويشمل ذلك أيضًا دور الصين في أمريكا اللاتينية، ومن ثم فإن ما قد يتغير هو الأدوات وليس الأهداف أو فهم المشكلة[21].

2- تفضيل التعاون في قضايا محددة:

رغم أن النهج الغالب لسياسة بايدن تجاه الصين سيكون التنافس والصدام، فإن ذلك لا ينفي إمكانية أن يكون هناك تعاون بين البلدين. وقد قال أنتوني بلينكن، في هذا الصدد، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ بشأن ترشيحه وزيراً للخارجية: “إنني أعتقد أن الرئيس ترامب كان على حق في اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه الصين”، لكنه قال أيضاً: “هناك جوانب خصومة متزايدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، وبالتأكيد العلاقات تنافسية، ومع هذا ما تزال هناك بعض الجوانب التعاونية عندما يكون ذلك في مصلحتنا المشتركة”[22].

يمكن، في هذا الصدد، مثلا الإشارة إلى تقرير أصدره مكتب واشنطن حول أمريكا اللاتينية في ديسمبر 2020، أوصى بضرورة قيام بايدن بتشجيع شركاء من أوروبا وأمريكا اللاتينية على التوسط للوصول لحل من شأنه إعادة الديمقراطية في فنزويلا. كما أشار التقرير إلى ضرورة إشراك حلفاء فنزويلا أيضاً في هذه الجهود، خاصة الصين وروسيا[23].

ويرى بعض الباحثين، في السياق ذاته، أن إدارة بايدن قد تبحث عن السبل التي يمكن أن تتعاون من خلالها مع الصين في ما يخص القضايا الرئيسية في أمريكا اللاتينية، مثل: البيئة، والتمويل المشترك للبنية التحتية مع الاستمرار في الحذر في ما يخص نوايا بكين طويلة المدى في نصف الكرة الغربي[24].

ثالثًا: طبيعة العلاقات الأمريكية اللاتينية في عهد بايدن

هناك عدد من القضايا التي ستكون محل اهتمام مشترك من جانب الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية في عهد بايدن، فيما ستكون هناك أيضاً بعض الملفات التي ستكون موضع خلاف بين الجانبين، وذلك كما يتضح مما يلي:

1- تنسيق المواقف المشتركة:

هناك بعض القضايا المهمة التي ستعمل إدارة بايدن على معالجتها بالتعاون مع دول المنطقة، ومن بينها قضيتي الهجرة والأزمة الفنزويلية.

  • قضية الهجرة:

تحظى قضية الهجرة باهتمام خاص من قبل بايدن، وقد قام خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى من توليه منصبه رئيساً للولايات المتحدة، بوقف بناء الجدار الحدودي مع المكسيك الذي أمر ترامب ببنائه، بالإضافة إلى إعلانه عن زيادة عدد اللاجئين المسموح لهم دخول الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتبنى بايدن خطاباً أقل عدوانية تجاه السلفادور وغواتيمالا وهندوراس – التي تعرف بدول “المثلث الشمالي”- والمكسيك في ما يتعلق بالهجرة[25].

وفي حين تُخطط إدارة بايدن لبذل المزيد من الجهد لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة الجماعية من خلال تخصيص 4 مليارات دولار لمساعدة دول المثلث الشمالي على مكافحة الفقر والجريمة والمستويات المرتفعة من البطالة والفقر[26]، قام ترامب بقطع المساعدات الأمريكية عن هذه الدول[27].

كما يُخطط بايدن، في السياق ذاته، لدعم دول أمريكا اللاتينية التي تستضيف الجزء الأكبر من اللاجئين الفنزويليين[28]. ومع هذا، فإن العودة إلى عملية اللجوء التقليدية وإصلاح قانون الهجرة الأمريكي سيخلقان مساحة لمفاوضات أكثر صرامة مع المكسيك ودول المثلث الشمالي في ما يخص مكافحة عصابات الجريمة المنظمة[29].

  • الأزمة السياسية في فنزويلا:

تُعد أزمة فنزويلا من بين القضايا التي كانت محل خلاف بين بعض قادة دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة في عهد ترامب، وبرز هذا الخلاف بالتحديد مع رؤساء الأرجنتين وكوبا ونيكاراجوا، وهو ما كان من بين الأسباب التي حالت دون التوصل لحل للأزمة.

وفي ظل إدارة بايدن، ثمة ميل قوي للعمل مع الحلفاء لمواجهة التحديات العالمية الكبرى، خاصة أن إقامة التحالفات تُمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد، لذلك فليس من المستبعد أن تنسق الولايات المتحدة مع دول أمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي من أجل التوصل لصيغة تدعم الانتقال الديمقراطي سلميا في فنزويلا، في ظل رفض إدارة بايدن الحل العسكري لهذه الأزمة[30].

وقد قال بايدن، في هذا الإطار – “إن النهج الذي يركز على العقوبات تجاه فنزويلا والدعاية للحرب الوهمية التي يفضلها ترامب ستتغير”[31]. كما أكد أنتوني بلينكن على “تطلع الولايات المتحدة إلى “استهداف أكثر فاعلية” للعقوبات على فنزويلا في محاولة للضغط على مادورو”، وشدد على “الحاجة إلى التنسيق الأفضل والأقوى والتعاون مع البلدان ذات التفكير المماثل”[32].

إضافة إلى هذا، فقد أكدت “كاميلا هاريس”، نائبة الرئيس بايدن، على مواصلة دعم الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف نحو انتقال سلمي إلى انتخابات جديدة شرعية في فنزويلا، والتي يجب أن تكون الهدف النهائي[33].

2- تباين الرؤى حول عدد من القضايا:

رغم النهج التعاوني الذي سيتبناه بايدن في تعامله مع قضايا أمريكا اللاتينية، فإن ذلك لا ينفي احتمال حدوث خلاف حول قضايا أخرى، ويأتي في مقدمتها قضيتي التغير المناخي والديمقراطية، وذلك كما يتضح فيما يلي:

  • التغير المناخي:

من المُرجح أن تتعرض المكسيك والبرازيل لضغوط قوية من جانب بايدن في هذه القضية، وذلك في ضوء خطط الرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور لتوسيع صناعات النفط والفحم في بلاده، وموقف الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو المتراخي تجاه حماية غابات الأمازون المطيرة في البرازيل.

وقد اشتبك بايدن وبولسونارو بالفعل بخصوص قضية غابات الأمازون؛ حين صرح الأول خلال حملته الرئاسية بأنه ستكون هناك “عواقب اقتصادية كبيرة” لعدم قبول البرازيل المساعدة الأمريكية لحماية الأمازون”[34].

ومن المُحتمل أن تقوم المكسيك والبرازيل بتعديل سياساتهما غير الصديقة للبيئة في مواجهة نية بايدن ربط الالتزامات البيئية بشكل وثيق بالمفاوضات التجارية المستقبلية بين واشنطن وغيرها من الدول، وهو ما سيعني مواجهة بلدان المنطقة عموماً صعوبات جمة عند توقيع اتفاقيات تجارة حرة جديدة مع الولايات المتحدة[35].

  • دعم الديمقراطية:

ستحظى قضية الديمقراطية باهتمام خاص من قبل بايدن، وستكون المساعدات الأمريكية لدول أمريكا اللاتينية مصحوبة – في الغالب – بشروط تعزيز الديمقراطية مثل محاربة الفساد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، خاصة مع تراجع الدعم الشعبي للديمقراطية باعتبارها أفضل نظام للحكم في دول المنطقة[36].

وقد كشف مسح أجرته أمريكاز باروميتر (AmericasBarometer)  عن انخفاض الدعم للديمقراطية في ثمانية بلدان في أمريكا اللاتينية بين أوائل عامي 2017 و2019، وهناك أقل من 65 % من مواطني دول المنطقة يرون أن الديمقراطية هي أفضل نظام للحكم[37].

وستواجه الديمقراطية، في الوقت ذاته، تحدياً خاصاً في البرازيل عام 2022 عندما يترشح بولسونارو لإعادة انتخابه، لأنه من المتوقع أن يطعن في النتيجة إذا خسر الانتخابات. كما أنه من المُرجح أن ينظر بولسونارو إلى تركيز بايدن القوي على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والبيئة وجهود مكافحة الفساد باعتباره يُمثل تهديداً مباشراً لسلطته[38].

رابعًا: النهج الأمريكي في مواجهة التقارب اللاتيني الصيني

هناك بعض التساؤلات المُثارة حول كيفية استجابة الإدارة الأمريكية الجديدة للعلاقات المتنامية بين الصين وأمريكا اللاتينية، والبدائل المتاحة أمام إدارة بايدن في مواجهة هذه العلاقات، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض هذه البدائل في ما يلي:

1- إيلاء اهتمام خاص بالمنطقة:

من المُرجح أن تحظى أمريكا اللاتينية بأهمية خاصة من قبل إدارة بايدن، بهدف محاصرة التوسع الصيني المتزايد هناك. ومن المؤشرات الدالة على ذلك، امتلاك بايدن ذاته خبرة واسعة ومعرفة عميقة بشؤون المنطقة إذ عمل مبعوثاً أمريكياً رئاسياً إليها، وخلال السنوات الثماني التي قضاها نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، سافر إلى أمريكا اللاتينية 16 مرة[39]. كما أنه سبق أن صرح لمجلة أمريكاز كوارترلي (Americas Quarterly) في مارس 2020، قائلاً: “يجب أن ينتبهوا إلى أن عدم كفاءة ترامب وإهماله في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي سينتهي في اليوم الأول من إدارتي”[40].

بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت أمريكا اللاتينية حاضرة في ذهن بايدن منذ اليوم الأول لتوليه منصبه، وهو ما برز بوضوح في تعييناته للفريق المكون لإدارته حيث اختار أول لاتينية لقيادة وزارة الأمن الداخلي والهجرة في البلاد، واختار شخصية من جذور لاتينية لشغل منصب وزير التعليم. كما أن أنتوني بلينكن وزير الخارجية الجديد لديه معرفة عميقة بأمريكا اللاتينية. كما كان الرئيس المكسيكي إلى جانب الكندي في مقدمة قادة العالم الذين هاتفهم بايدن منذ تنصيبه في 20 يناير 2021.

2- إطلاق مبادرات تنموية:

رغم تبني بايدن هدف ترامب المتمثل في محاصرة النفوذ الصيني المتصاعد في أمريكا اللاتينية، فمن المُرجح أن تكون تكتيكاته مختلفة بشكل كبير؛ فبدلاً من توبيخ القادة الإقليميين بلا جدوى للتخلي عن الاستثمار الصيني، سيعمل بايدن على تقديم بدائل لتمويل البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك في القطاعات الحساسة، مثل: الاتصالات السلكية واللاسلكية[41].

في هذا الإطار، فإنه من غير المُرجح أن يلجأ بايدن إلى فرض التعريفات الجمركية في مواجهة قادة دول المنطقة، بل سيكون أكثر استثماراً في ازدهارها وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات التي تتراوح من الجريمة المنظمة إلى الكوارث الطبيعية، حيث سيهتم بتقديم المساعدات الإنسانية إلى هذه الدول[42].

3- الاحتفاظ بأدوات الضغط السياسي والاقتصادي:

على المدى الطويل، يبدو أن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها باحتواء الطموحات الاقتصادية للصين في أمريكا اللاتينية، لكن هذا لا يعني أن واشنطن تفتقر إلى الأدوات التي يمكن أن تلجأ إليها للضغط على دول المنطقة التي تربطها علاقات وثيقة للغاية مع الصين، والتي من بينها: قطع المساعدات المالية عبر المنظمات متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي وبنك التنمية للبلدان الأمريكية، وأيضًا من خلال فرض إجراءات انتقامية تجارية، وقد اُستخدمت جميع هذه الأدوات في عهد دونالد ترامب[43].

خامساً: العوامل المحددة لمستقبل التنافس الأمريكي الصيني

هناك مجموعة من العوامل التي من شأنها أن تحدد مستقبل التنافس بين الولايات المتحدة والصين في أمريكا اللاتينية، وأبرز هذه العوامل ما يلي:

1- تطورات الأوضاع الداخلية بالمنطقة:

تعد تطورت الأوضاع الاقتصادية والتنموية محدداً رئيسياً لطبيعة التنافس بين بكين وواشنطن في دول أمريكا اللاتينية، إذ إن هذه الأوضاع قد تتيح الفرصة لأي من البلدين – إذا استطاع استغلالها لصالحه – لدعم حضوره ونفوذه في المنطقة؛ بمعنى أن مواجهة هذه الدول لأوضاع اقتصادية صعبة سيجعلها في حاجة ماسة إلى الحصول على مساعدات اقتصادية وتنموية خارجية.

في هذا الإطار، ووفقاً للعديد من التوقعات الاقتصادية، ستواجه دول أمريكا اللاتينية ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات الفقر وعدم المساواة بسبب عواقب جائحة كورونا، بالإضافة إلى آثار الفساد وسوء الإدارة وانتشار العنف وانعدام الأمن المستشري في المنطقة[44].

وتُشير تقديرات صندوق النقد الدولي، في هذا الصدد، إلى أن اقتصاد المنطقة تراجع بنسبة تُقدر بـ 8.1 % عام 2020، وأشارت مجلة ذا لانسيت (The Lancet) إلى أن هناك 231 مليون شخص يعيشون في فقر بأمريكا اللاتينية في أواخر 2020[45]. ورغم أن جذور عدم الاستقرار في أمريكا اللاتينية عميقة، وستستغرق معالجة مشاكل مثل الحكم السيئ والعنف وعدم المساواة لسنوات عديدة، فإن الأزمة الحالية تخلق فرصة لواشنطن لتقديم المساعدة الإنسانية والإنمائية لدول المنطقة[46].

وفي حين ما تزال الولايات المتحدة وأوروبا تُعاني من الآثار الاقتصادية لوباء كوفيد–19، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للصين سيبلغ 8.5 % في 2021، مما سيجعلها طرفاً مرشحاً بقوة لمساعدة دول أمريكا اللاتينية على مواجهة التداعيات السلبية للوباء من ناحية[47]، وزيادة حضور شركاتها في القطاعات ذات الأولوية الاستراتيجية في المنطقة بما في ذلك التعدين، والبترول، والزراعة، والكهرباء، والاتصالات من ناحية أخرى[48].

لكن ينبغي الإشارة إلى الكيفية التي يتم من خلالها تقديم المساعدات الاقتصادية والتنموية إلى دول المنطقة، فالمعروف أن الصين لا تربط مساعداتها بشروط سياسية تتعلق بالديمقراطية أو الحكم الرشيد، كما تفعل الولايات المتحدة في الكثير من الأحيان، وهو ما قد يفتح الباب واسعاً أمام بكين لتعزيز حضورها في المنطقة مستغلة تقديم هذه المساعدات.

2- نتائج الانتخابات المقبلة في بعض دول أمريكا اللاتينية:

ستتأثر علاقات الولايات المتحدة بقادة دول أمريكا اللاتينية بنتيجة الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجرى في تشيلي، والإكوادور، وهندوراس، وبيرو، وانتخابات التجديد النصفي للمجالس التشريعية، وانتخابات حكام الولايات التي ستشهدها الأرجنتين، وبوليفيا، والسلفادور، والمكسيك، ولا سيما إذا جاءت نتائج هذه الانتخابات في مصلحة التيارات اليسارية ذات الميولات الاشتراكية القريبة من النهج الصيني[49].

ومن الواضح أن نتائج الانتخابات الأخيرة، تُظهر استياءً متزايداً من الوضع الراهن في جميع أنحاء المنطقة، وتكشف أيضاً عن استعداد المواطنين للتحول نحو اليسار، وهو ما يُساعد الصين على توسيع روابطها الاقتصادية بشكل كبير وزيادة نفوذها في الأمريكتين، في ظل التقارب في الرؤى والتصورات السياسية السائدة بين بكين والحكومات اليسارية في القارة اللاتينية[50].

وفي حين ستحرص بعض الحكومات اليسارية مثل فنزويلا والأرجنتين على الحفاظ على علاقاتها القوية مع الصين، فإن بعض الحكومات اليمينية، ستستمر في تعميق علاقاتها مع بكين ليس لأسباب أيديولوجية أو لكونها تنظر لها باعتبارها حصن أو مانع في مواجهة الهيمنة الأمريكية، ولكن لأنها تسعى إلى تنويع شبكة تحالفاتها الدولية وتعزيز مصادر قوتها[51].

3- أنماط استجابة الدول اللاتينية للتنافس الأمريكي الصيني:

ستكون أنماط استجابة الدول اللاتينية للتنافس الأمريكي الصيني، وتطور علاقاتها بواشنطن وبكين، من العوامل المحددة بشكل كبير لمستقبل التنافس بين البلدين في أمريكا اللاتينية، ومن المرجح أن يكون لتولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة تأثيراً قوياً على حسابات النخب بجميع أنحاء المنطقة.

فمن ناحية، قد تميل بعض الحكومات المعادية للولايات المتحدة، بما في ذلك نظام مادورو في فنزويلا ونظام أورتيجا في نيكاراجوا إلى تعديل سلوكها على المدى القصير على أمل تجنب العقوبات الأمريكية والضغوط الأخرى[52]. ويمكن، في حال حدوث هذا، أن تهدأ إلى حد كبير التوترات الحالية بين الولايات المتحدة وهذه الحكومات، وربما يُسهم هذا في حدوث تحسن في العلاقات مع واشنطن مستقبلًا.

ومن ناحية أخرى، ستسعى الحكومات اليمينية، الموالية لواشنطن، إلى ضمان استمرار الدعم الأمريكي لسياساتها الداخلية في عهد بايدن، خاصة أن بعضها، ومنها كولومبيا والبرازيل، يواجه ضغوطًا شعبية قوية. ويمكن أن تتجه هذه الحكومات في حال شعرت بخفوت دعم واشنطن لها، أو بتغيير في السياسة الأمريكية تجاهها، إلى تقييد مشاركتها كجهات فاعلة، في عدد من القضايا المحورية مثل الأزمة الفنزويلية[53]، والتي توليها الولايات المتحدة أهمية خاصة، وتحتاج إلى حشد الدعم الإقليمي للتوصل إلى حل سلمي لها.

وربما تتجه بعض الحكومات اليمينية إلى التقارب بدرجة أكبر مع الصين، في حال ازدادت ضغوط الإدارة الأمريكية الجديدة عليها، بسبب الخلافات في وجهات النظر بشأن بعض القضايا مثل التغير المناخي والديمقراطية، وهو ما يُفسح المجال لحضور صيني أكبر بالمنطقة.

ونظرًا لأن دول المنطقة لا تستطيع أن تُعلق آمالها على شريك دولي واحد للتغلب على التحديات الكبرى التي تواجهها، فإنها ستحاول تجنب الانحياز للولايات المتحدة أو للصين، وستبحث عن سبل تعظيم استفادتها من الطرفين لاستئناف عملية النمو الاقتصادي[54].

وبالفعل استفادت بعض بلدان أمريكا اللاتينية من الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، بما في ذلك البرازيل والأرجنتين اللذين زادت صادراتهما من المنتجات الزراعية إلى الصين، وأطلق البعض على المكسيك لقب” الفائز في الحرب التجارية”، بسبب انتقال بعض شركات التصنيع الصينية والأمريكية للعمل في شمال البلاد للتحايل على التعريفات الجمركية وتسهيل الوصول إلى السوق الأمريكية[55].

4- طبيعة الممارسات الصينية:

ستجعل الصين، كجزء من استراتيجيتها التوسعية والتدخلية، أمريكا اللاتينية أولوية سياسية خارجية متجددة في عام 2021 إذ أن موقعها الجغرافي يحظى بأهمية استراتيجية لبكين. كما أنها تستورد السلع الصناعية والغذائية من أمريكا اللاتينية، وعلى رأسها فول الصويا، والنحاس، والبترول، والحديد؛ ولهذا ستسعى إلى فرض المزيد من الهيمنة على سوق السلع الأساسية في أمريكا اللاتينية لضمان استمرار نموها الاقتصادي وتعزيز نفوذها في نصف الكرة الغربي[56].

ومن المفارقات، أن تعميق اهتمام الصين بأمريكا اللاتينية قد يقوض أهدافها الخاصة، وذلك لأنها صاغت حضورها الإقليمي على أنه “تحالف بين أنداد”، وصورت نفسها ودول أمريكا اللاتينية على أنها دول نامية تعاونية؛ ومن ثم إذا أدركت دول أمريكا اللاتينية أن الصين تستخدم المنطقة كنقطة انطلاق لمنافسة القوى العظمى، فإن بعض الحكومات الإقليمية سيكون لديها حافزاً أقل للتعاون مع الصين، وقد يجد اليساريون ذوو المعتقدات القومية أن استخدام الأموال الصينية غير مقبول سياسياً إذا كانت هذه الأموال مرتبطة بمساعي الاستعمار الجديد في المنطقة[57] .

5- فاعلية الاستراتيجية الأمريكية:

تجد الولايات المتحدة نفسها، حالياً، في وضع لا يمكنها من استعادة قوتها ونفوذها في أمريكا اللاتينية تلقائياً من خلال زيادة وجودها الاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة فحسب؛ إذ إنه من غير المتوقع أن تقطع الدول اللاتينية علاقاتها مع الصين، في ظل التوقعات بأن تبلغ القيمة السنوية للتجارة الثنائية 500 مليار دولار بحلول عام2025 [58].

ولهذا، فإن مستقبل التنافس الأمريكي الصيني مرهون بالاستراتيجيات والتكتيكات التي ستستخدمها إدارة بايدن في مواجهة التقارب الصيني اللاتيني، والبدائل التي يمكن أن تقدمها لدول المنطقة، سواء كانت في صورة استثمارات أو مساعدات مالية أو تقنية، خاصة مع فشل التهديدات الكثيرة التي أطلقها دونالد ترامب لإثناء حكومات المنطقة عن الاستمرار في التعاون مع بكين. وستكون قضية استثمار شركة هواوي الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس من خدمات المحمول في أمريكا اللاتينية اختباراً حقيقياً للإدارة الأمريكية الجديدة[59].

خاتمة:

من خلال تتبع الصعود الصيني المتزايد في أمريكا اللاتينية، وحاجة بكين إلى ترسيخ حضورها في المنطقة لتأمين حصولها على المواد الخام اللازمة لدعم نموها المتواصل من ناحية، وفي ظل حرص بايدن على استعادة القيادة الأمريكية للعالم وفي نصف الكرة الغربي من ناحية أخرى، يتضح أنه من غير المُرجح أن تهدأ التوترات المتصاعدة بين واشنطن وبكين حتى مع وجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض؛ إذ تتفق توجهات الحزبين الديمقراطي والجمهوري نحو الصين، وكلاهما يتخذ موقفاً صارماً تجاه بكين في ما يتعلق بقضايا العدالة التجارية، والتطلعات الجيوسياسية للصين في العالم وداخل إقليمها الجغرافي.

ومن الضروري أن تبذل دول أمريكا اللاتينية قصارى جهدها لتنويع تحالفاتها الدولية، وتنمية العلاقات مع الشركاء الدوليين لخلق سياق أوسع لتدابير سياساتها الخارجية، ومن الواجب على حكوماتها تبني موقف مشترك في شأن كيفية التعامل مع هاتين القوتين بما يخدم مصالح دولها وشعوبها. وتُقدم قمة الأمريكتين التي من المُقرر أن تستضيفها الولايات المتحدة خلال عام 2021 فرصة مهمة لدول المنطقة لصياغة رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات الأمريكية اللاتينية وموقع الصين منها.

 


المراجع

  1. Patricio Giusto, “Latin America, the new battlefield of China-US competition”, Asia Power Watch, November 16, 2020, https://cutt.ly/dkcjhhC.
  2. Shannon K O’Neil, “Biden Can’t Pick Up in Latin America Where Obama Left Off”, Bloomberg, December 3, 2020, https://cutt.ly/0kcjJWD.
  3. Ibid.
  4. Cassandra Garrison, “Biden in Latin America, a Biden White House faces a rising China”, Reuters, December 14, 2020, https://cutt.ly/Jkcj2Gi.
  5. Paola Zuleta, “How Latin America Can Make the Most of the US-China Competition?”, The Diplomat, December 16, 2020, https://cutt.ly/SkckATb.
  6. “Latin America Emerges as China’s Favorite Hunting Ground for M&A”, Bloomberg, December 27, 2020, https://cutt.ly/4kck2Tu.
  7. Giancarlo Elia Valori, ” Latin America and China: The difficulties in relations and Covid-19″, Modern Diplomacy, January 19, 2021, https://cutt.ly/OkclcJQ.
  8. Cassandra Garrison, “Biden in Latin America, a Biden White House faces a rising China”, Cit.
  9. Paola Zuleta, “How Latin America Can Make the Most of the US-China Competition”,Cit.
  10. Shannon K O’Neil, “Biden Can’t Pick Up in Latin America Where Obama Left Off”, Cit.
  11. Christopher Sabatini, “Collateral Damage? Latin America and China-US Competition”, ISPI, July 13, 2020, https://cutt.ly/IkczkZz.
  12. Dinorah Azpuru, “Four years later, Biden faces a different Latin America”, Global Americans, January 26, 2021, https://cutt.ly/NkczNTk.
  13. Evan Ellis, “Chinese Security Engagement in Latin America”, CSIS Americans, November 19, 2020, https://cutt.ly/zkcxaE8.
  14. Evan Ellis, “Why China’s Advance in Latin America Matters?”, National Defense Magazine, January 27, 2021, https://cutt.ly/zkcxaE8.
  15. Bill Van Auken, “Pentagon to Biden: Latin America a major battlefield in war with China”, World Socialist Web Site, December 4, 2020, https://cutt.ly/3kcKDdC.
  16. Ibid.
  17. Jeff Abbott, “Biden and the US-China-Latin America Triangle”, Dialogo Chino, December 4, 2020, https://cutt.ly/mkcK55n.
  18. Mallory Shelbourne, “SECDEF Nominee Austin Affirms Threat from China, Will ‘Update’ National Defense Strategy“, Us Naval Institute, January 19, 2021, https://cutt.ly/ikcX2r6.
  19. “تحليل: إرث من الأزمات الدولية أمام بايدن.. وتعاملات ترامب السرية العائق الأكبر”، سي إن إن، 22 يناير 2021، https://cutt.ly/ZkcCpBu
  20. Cassandra Garrison, “Biden in Latin America, a Biden White House faces a rising China”, Cit.
  21. Jeff Abbott, “Biden and the US-China-Latin America Triangle”, Cit.
  22. Yifan Yu, “Biden’s top diplomat pick says Trump ‘right’ to be tough on China”, Nikkei Asia, January 20, 2021, https://cutt.ly/kkcBScX.
  23. “Report: How a Biden Administration Can Advance a Peaceful, Democratic Solution to Venezuela’s Crisis”, Washington Office on Latin America, December 18, 2020, https://cutt.ly/FkcNfsO.
  24. Jennifer Heiman, “Biden to adopt ‘dramatically different’ approach to Latin America”, Buenos Aires Times, January 23, 2021, https://cutt.ly/kkcNQXL.
  25. Ibid.
  26. Jennifer Heiman, “What Latin America can expect from Joe Biden”, January 20, 2021, DW, https://cutt.ly/RkbmAF2.
  27. Muqtedar Khan, et al., “Biden faces the world: 5 foreign policy experts explain US priorities – and problems – after Trump”, January 27, 2021, the Conversation, https://cutt.ly/ikbQFTg.
  28. Moisés Naím, “A Latin America in Crisis Will Test Biden’s Bandwidth”, Carnegie Endowment for International Peace, November 09, 2020, https://cutt.ly/MkbmdfH.
  29. Christian Paz, “The Biden Doctrine Begins with Latin America”, The Atlantic, October 26, 2020, https://cutt.ly/7kbnMqI.
  30. Alex Ward, “Joe Biden is already facing an ally problem’, January 26, 2021, Vox, https://cutt.ly/6kNW6vG
  31. Moisés Naím, “A Latin America in Crisis Will Test Biden’s Bandwidth”,Cit.
  32. Michael Krumholtz, “Will Biden’s arrival lead to better U.S. relations with Venezuela?”, Latin America Reports, January 24, 2021, https://cutt.ly/CkNnZVd.
  33. Candidates Answer CFR’s Questions Kamala Harris, CFR, August 21, 2019, https://cutt.ly/PkNYc6i.
  34. Samuel Arnold-Parra, “What a Biden Presidency Means for Latin America”, Global Risk Insights, December 10, 2020, https://cutt.ly/pkbWejM.
  35. Ibid.
  36. Muqtedar Khan, et al., “Biden faces the world: 5 foreign policy experts explain US priorities – and problems – after Trump”,Cit.
  37. Dinorah Azpuru, “Four years later, Biden faces a different Latin America, Cit.
  38. Oliver Stuenkel, “Latin America’s Darkest Hour Can Biden Heal a Fractured Hemisphere?”, Foreign Affairs, January 28, 2021, https://cutt.ly/NkbOYxl.
  39. Dinorah Azpuru, “Four years later, Biden faces a different Latin America, Cit.
  40. Cassandra Garrison, “Biden in Latin America, a Biden White House faces a rising China”, Cit.
  41. Jennifer Heiman, “Biden to adopt ‘dramatically different’ approach to Latin America”, Cit.
  42. Joe Biden, Friend of Latin America”, Inter-American Dialogue, December 9, 2020, https://cutt.ly/bkc1gUz.
  43. Patricio Giusto, “Latin America, the new battlefield of China-US competition”, Cit.
  44. Ibid.
  45. Dinorah Azpuru, “Four years later, Biden faces a different Latin America”, Cit.
  46. Ibid.
  47. Evan Ellis, “The Latin America That Will Engage the New Administration”, CSIS, December 14, 2020, https://cutt.ly/pkbUAx5.
  48. Ibid.
  49. Shannon K O’Neil, “Biden Can’t Pick Up in Latin America Where Obama Left Off”,Cit.
  50. Evan Ellis, “The Latin America That Will Engage the New Administration”,Cit.
  51. Paola Zuleta, “How Latin America Can Make the Most of the US-China Competition?”, Cit.
  52. Evan Ellis, “The Latin America That Will Engage the New Administration”,Cit.
  53. Ibid.
  54. Barbara Stallings, “Opinion: What the US election means for China-Latin American relations”, Dialogo Chino, October 29, 2020, https://cutt.ly/BkbIXia.
  55. Jeff Abbott, “Biden and the US-China-Latin America Triangle”, Op.Cit.
  56. Isabel Bernhard, “China Is Expanding Its Foreign Policy Vision. Is Latin America Ready?”, The Diplomat, January 16, 2021, https://cutt.ly/DkbPwyF.
  57. Ibid.
  58. Cassandra Garrison, “Biden in Latin America, a Biden White House faces a rising China”, Reuters, December 14, 2020, https://cutt.ly/Jkcj2Gi.
  59. Christopher Sabatini, “Collateral Damage? Latin America and China-US Competition”,Cit.

المواضيع ذات الصلة