1. مقدمة:
لطالما كان الاتحاد الأوروبي -المكون من 27 عضوًا- رائدًا في انتقال الطاقة العالمي، وذلك بفضل ما يتبنّاه من دعم قوي للتقنيات النظيفة وجدول أعمال طموح لإزالة الكربون. ويتضمن هذا الجدول مبادرات وتحركات على الأرض، مثل الصفقة الخضراء الأوروبية (في عام 2020) وخطة Fit for 55 Plan (في عام 2021)، والتي تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55% بحلول عام 2030 (من مستويات عام 1990)، كما تهدف إلى تحقيق صافي الانبعاثات صفر بحلول عام 2050. غير أنه منذ عام 2021، واجهت هذه الأهداف رياحًا معاكسة: الحرب الروسية-الأوكرانية، والآثار المتبقية لجائحة كورونا، واضطرابات سلاسل التوريد، والضغوط التضخمية، والاضطرابات في الاقتصاد العالمي، وكل ذلك كان من شأنه تهديد أمن الطاقة، وقلل من القدرة على تحمل التكاليف في دول الاتحاد الأوروبي، لا سيّما أن العديد من هذه الدول مستوردون بشكل كامل للنفط والغاز، وبالتالي يتعرضون بشكل خاص لمخاطر موثوقية الطاقة وتقلبات السوق.
وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بتحولات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، لم يتم إيلاء اهتمام كبير لتحولات الطاقة الإقليمية من حيث التنمية، ولا للتأثيرات الإقليمية المحتملة للسياسات التراكمية. وبالتالي، لا يوجد فهم سياقي للتحولات الإقليمية في مجال الطاقة في أوروبا. ولمعالجة هذه الفجوة، تتناول الفقرات القادمة توضيح ماهيّة التحول إلى الطاقة المتجددة، والتكاليف، وعوائد التحول. وتتناول ثانيًا مناقشة هذا التحول في حالة الاتحاد الأوروبي. ثم تعرض أهم التطورات الحالية التي اتخذتها بعض الدول الأعضاء. وتختم بتحليل التحولات الإقليمية في مجال الطاقة من منظور الاقتصاد السياسي، بهدف دراسة استجابات سياسات الاتحاد الأوروبي في نطاق التنمية الإقليمية القائمة على الابتكار والنمو[1].
وفي السنوات الأخيرة، أدت الأزمات المتعددة التي امتدت عبر المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية إلى تجديد الزخم للاستجابات السياسية المنسقة في أوروبا، والتي تستهدف دعم التحولات المجتمعية من أجل الاستدامة. من الجدير بالذكر أنه في أعقاب الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناجمة عن الانهيار المالي العالمي وأزمة المهاجرين وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تمت مناقشة استراتيجيات إزالة الكربون من الاقتصاد الأوروبي، والتركيز على استراتيجية الصفقة الخضراء الأوروبية (EGD)، وهي استراتيجية “النمو الأخضر” التي تُوَجِّه التنمية الإقليمية في الاتحاد الأوروبي، وذلك قبل أشهر فقط من إعلان جائحة كوفيد-19. لكن في الآونة الأخيرة، ومع حدوث أزمات ارتفاع أسعار الطاقة، وانعدام الأمن في الإمدادات بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، حدث التقلب في سياسات الطاقة الأوروبية، بما في ذلك تأثر محاولات الانتقال بعيدًا عن الفحم لتحقيق أهداف المناخ في أوروبا، ما يعني أن الأزمات طويلة الأجل -الصحية والجيوسياسية والاقتصادية والبيئية- باتت تثير مخاوف بشأن انتقالات الطاقة الإقليمية[2].
ومنذ اعتماد صفقة EGD، تحولت سياسة الاتحاد الأوروبي نحو أجندة الأمم المتحدة 2030 وأهداف التنمية المستدامة. ومع ذلك، فإن الأزمات الصحية والجيوسياسية -غير المتوقعة- أعادت إحياء المناقشات حول المبادئ الأساسية للتنمية الإقليمية في أوروبا (على سبيل المثال، التماسك والقدرة التنافسية والنمو). كما لفتت الانتباه إلى الاضطراب المحتمل لاستراتيجيات مستقبل أوروبا المستدام، والتي تم طرحها في إطار EGD من حيث انبعاثات الكربون وتغير المناخ[3].
وينبغي الاعتراف بأن البحوث بشأن تحولات الطاقة الإقليمية -كموضوع يربط بين تحولات الطاقة والابتكار والتنمية الإقليمية والاستدامة- مازالت حتى الآن قليلة، واستجابةً لهذه البحوث القليلة تتخذ هذه الورقة خطوات للتعرف على سياق تحولات الطاقة الإقليمية في الاتحاد الأوروبي، بناءً على مسار السياسات والاستراتيجيات رغم ما يتخللها من أزمات، وبالتالي تمكين مناقشة حول تحولات الطاقة الإقليمية باعتبارها وسيلة نحو تنمية إقليمية أكثر استدامة، مع تقييم أثر ذلك التحول على التماسك بين أجزاء ومكونات الاتحاد الأوروبي.
2. ماهيّة التحول الأخضر في الاتحاد الأوروبي:
سعت العديد من الدول الأوروبية إلى الحفاظ على إمدادات ثابتة من الطاقة من خلال اتخاذ خطوات، مثل تأخير إيقاف تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وزيادة استخدامها، مما ساعد جزئيًا على تعويض انخفاض التوليد من المحطات النووية والمائية. ومن خلال تسليط الضوء على ما تعرض له الاتحاد الأوروبي جراء انقطاع إمدادات الطاقة الروسية، سنجد أن هذه الأزمة منحت زخمًا جديدًا للدفع نحو انتقال أكثر تنظيمًا للطاقة، يجمع بين الإزالة السريعة للكربون من جهة، وبين ضمان أمن الطاقة والنمو الاقتصادي من جهة أخرى. ففي أوائل عام 2022، أعلنت المفوضية الأوروبية عن خطة REPowerEU، التي أدخلت تدابير “للحد بسرعة من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي وتسريع الانتقال الأخضر”. ويشير هذا الأمر إلى أن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى الخروج من الأزمة الحالية مع تجديد الالتزام بالعمل المناخي[4].
1-2. سمات تحول قطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي:
في عام 2021، كان سوق الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة، بعد الصين والولايات المتحدة. وإذا نظرنا إلى داخل الاتحاد الأوروبي، سنجد أن الانبعاثات في ألمانيا كانت هي الأعلى، بنسبة 23% من الإجمالي، تليها إيطاليا وبولندا، بنسبة 11% لكل منهما. ويلاحظ أن غالبية هذه الانبعاثات تأتي من خمسة قطاعات: النقل (حوالي 28%)، والصناعة الثقيلة (حوالي 25%)، والطاقة (حوالي 22%)، والمباني (حوالي 13%)، والزراعة (حوالي 12%). ويمثل احتراق الوقود الأحفوري 80 في المائة من انبعاثات الاتحاد الأوروبي. وبينما تعتمد بعض دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، على الصناعات الثقيلة، وتعمل كمركز للشحن الجوي والشحن البري، فيصعب نسبيًا إزالة الكربون منها. كما تعتمد بلدان أخرى، مثل بولندا على توليد الطاقة القائمة على الفحم. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، يمكن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تتصرف بطرق مماثلة للتغلب على التحديات، وأن تساعد على تحقيق أهداف المناخ في المنطقة. وفيما يلي خمسة متطلبات للوصول إلى صافي الصفر يمكن لدول الاتحاد الأوروبي النظر فيها لتسريع انتقال الطاقة بطريقة منظمة[5]:
- إنشاء سلاسل توريد مرنة على نطاق واسع لتقنيات إزالة الكربون الرئيسية
- بناء البنية التحتية لشبكة الطاقة لدعم المرونة، وتقليل الحواجز أمام مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة
- إعادة النظر في استخدام الأراضي والقيود المجتمعية والتنظيمية لتسريع تطوير مصادر الطاقة المتجددة
- إعادة تصميم أسواق الطاقة بما يتماشى مع أهداف إزالة الكربون والقدرة على تحمل التكاليف
- ضمان القدرة على تحمل تكاليف التقنيات النظيفة لتعزيز اعتمادها وتسريع انتقال الطاقة
2-2. الفوائد والتكاليف لعملية التحول في الطاقة في الاتحاد الأوروبي:
يمكن أن يوفر انتقال الطاقة فوائد اقتصادية واسعة للاتحاد الأوروبي، مثل زيادة موثوقية الطاقة والنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، على سبيل المثال. وذلك من خلال تطوير سلاسل التوريد لمصادر الطاقة المتجددة، مثل تصنيع الطاقة الشمسية الضوئية (PV). ويُظهر تقرير صافي التحول للصفر[6] أن الاستثمارات التراكمية المتزايدة لأوروبا نحو صافي الانبعاثات صفر يمكن أن تصل إلى حوالي 1.7 تريليون يورو بحلول عام 2030، أي ما يعادل، بالقيمة الحقيقية، 11 ضعف إنفاق خطة مارشال لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن هذا الانتقال يمكن أن يلغي ستة ملايين وظيفة حتى عام 2050، إلا أنه يمكن أن يخلق أيضًا 11 مليون وظيفة. ونظرًا لأن فقدان الوظائف والمكاسب سيحدث بشكل مضطرب في سوق العمل، فستكون هناك حاجة إلى التدريب ودعم الانتقال[7]. وبالإضافة إلى الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن الانتقال الناجح من شأنه أن يعزز أمن الطاقة في المنطقة، من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وواردات الطاقة. وسيكون الهدف هو رفع نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة النهائي إلى 45% بحلول عام 2030، مقارنة بـ 22% اليوم. وبحلول عام 2030، يمكن لهذه التغييرات أن تقلل من إجمالي فاتورة الطاقة في الاتحاد الأوروبي بنسبة 10%.
ومن ناحية أخرى، فإن الانتقال الأقل تنظيمًا، الناتج عن الافتقار إلى التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي –إلى جانب عوامل أخرى بالطبع- يمكن أن يرفع في نهاية المطاف تكلفة الطاقة للأسر والشركات في العقود القادمة. ويذكر تقرير متخصص أن إنتاج الهيدروجين الأخضر في ألمانيا سيكلف 20% أكثر من استيراده من إسبانيا. كما أن الفشل في التصرف سيؤدي إلى تكاليف بيئية واقتصادية سلبية شديدة عبر القطاعات والبنية التحتية وصحة الإنسان وإدارة الكوارث. وكل هذا من شأنه أن يتجاوز بكثير تكاليف العمل والتكيُّف[8].
وستحتاج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات جماعية تحويلية لتحقيق أهدافها. ما يعني أن تنفيذ الانتقال سوف يؤدي إلى تغيير عميق، مثل حدوث تحولات كبيرة في كل من إمدادات الطاقة والكهرباء على نطاق واسع. فعلى جانب العرض -على سبيل المثال- فإن معدل تركيب مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، يجب أن يزداد من ثلاث إلى خمس مرات من متوسط 2018-2020. وعلى جانب الطلب، ستكون هناك حاجة إلى كهرباء شاملة لعدة قطاعات لتقليل الطلب المباشر على الوقود الأحفوري. ووفقًا للتقرير المشار إليه سابقا حول المنظور العالمي للطاقة لعام 2022، فإن عدد المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات على طرق الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، سيحتاج إلى زيادة من 1% من الإجمالي إلى حوالي 20% في عام 2030[9]. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يلعب القطاع الخاص أيضًا دورًا رائدًا في الاستثمار، في مجالات الأتمتة والابتكار والقدرات الجديدة، وجذب القوى العاملة وإعادة تأهيلها، وإطلاق مبادرات لزيادة القبول الاجتماعي للتدابير اللازمة لتحقيق صافي الانبعاثات الصفر. فمن دون هذه العوامل التمكينية الرئيسية وغيرها، لن تتمكن أوروبا من نشر تقنيات انتقال الطاقة بالسرعة والحجم اللازمين.
ومع ضخامة الفوائد المتوقعة وتنوع الالتزامات الضرورية لتحول الطاقة، فإن الوفاء بهذه الالتزامات يتطلب جهدًا غير مسبوق، ولابُد من زيادة السرعة الحالية، وتعظيم حجم التحول بشكل كبير. ويُذكر أنه من عام 2019 إلى عام 2021، انخفضت انبعاثات قطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي بأقل من نصف المعدل اللازم للبقاء على المسار الصحيح نحو 1.5 درجة مئوية. وسيحتاج الاتحاد الأوروبي الآن إلى مضاعفة الوتيرة الحالية لنشر مصادر الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أضعاف، وذلك لتجنب تحول أقل تنظيمًا، والذي سيكون أكثر تكلفة وضررًا على الاقتصاد والبيئة، من التحول الذي يوازن بين كل من القدرة على تحمل التكاليف والموثوقية، والاعتمادية، والمرونة، والأمن[10].
3. الإجراءات المتبعة للتحول في الطاقة في الاتحاد الأوروبي:
نظرًا لأهمية الطاقة لجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبينما يتم توليد أكثر من 80 % من انبعاثات غازات الدفيئة في الاتحاد الأوروبي من خلال إنتاج الطاقة واستخدامها، فمن المؤكد أن إزالة الكربون من نظام الطاقة هو أمر بالغ الأهمية للوصول إلى أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية[11] في عام 2030. ويستلزم تحقيق هذا الأمر إجراء تعديلات على محاور متعددة كما يلي[12]:
- التخلص التدريجي من الطاقة الأحفورية: يتطلب تحييد الكربون والاقتصاد الخالي من الكربون، التخلص التدريجي من جميع مصادر الطاقة الأحفورية. ويستلزم ذلك استبدال توليد الكهرباء القائم على الوقود الأحفوري والتدفئة المكانية والنقل الخاص وخفض استخدام الفحم والنفط والغاز المكرر، من خلال دعم قيود الاتحاد الأوروبي والقيود الوطنية على استخدام الفحم لتوليد الطاقة.
- التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة: يسير التخلص التدريجي من الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري -جنبًا إلى جنب- مع زيادة إنتاج الطاقة المتجددة. وفي هذا السياق كانت هناك زيادة على مستوى الاتحاد الأوروبي في حصة الموارد الجديدة في مزيج الطاقة. وفي سبيل إزالة الكربون بالكامل من نظام الطاقة، يجب دمج المزيد من الطاقة المتجددة مع انخفاض إجمالي الطلب، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة الطاقة، وهذا يعني حتمًا الفصل بين النمو الاقتصادي وبين استهلاك الطاقة، لاسيّما أن طموحات الانفصال في الاتحاد الأوروبي مدعومة بدراسات حديثة توضح أن النمو الاقتصادي ممكن دون زيادة استهلاك الطاقة.
- الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة وقدرات التخزين والنقل: إن دمج مصادر الطاقة المتجددة -الأكثر تقلبًا- يستلزم تغييرًا هيكليًا أساسيًا في نظام الطاقة. ونظرًا للتوزيع الجغرافي غير المتكافئ للوقود الأحفوري ومصادر الطاقة المتجددة، فإن هناك حاجة إلى بنية تحتية جديدة تربط المناطق التي يمكن فيها إنتاج الطاقة بتكلفة زهيدة بمراكز الطلب المرتفع.
- السيطرة على أسعار الطاقة: ستؤدي تكاليف الاستثمار المطلوبة لبناء نظام الطاقة المتجددة الجديد، بما في ذلك شبكات النقل ومرافق التخزين، إلى دفع أسعار الكهرباء في المستقبل. وفي الوقت نفسه، فإن التخلص التدريجي من الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري يقلل من تكاليف انبعاث الكربون، والذي له تأثير سلبي على أسعار الطاقة. ومن غير المؤكد إلى حد كبير ما إذا كان التأثير الصافي لإزالة الكربون على أسعار الطاقة إيجابيًا أو سلبيًا. فهو من ناحية يعتمد على انخفاض تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة والنقل والتخزين، ومن ناحية أخرى يعتمد على سياسة تسعير الكربون في الاتحاد الأوروبي.
وبشكل عام، ستجلب إزالة الكربون آثارًا على الاقتصاد الكلي في أعقابها؛ حيث سيتم تمرير زيادة في الطلب على تقنيات الطاقة المتجددة، والتغيرات في تكاليف نظام الطاقة عبر الاستثمارات المطلوبة من خلال سلاسل التوريد، مع تَوَقُّع تأثيرات أوسع نطاقًا على أسعار المستهلك والقيمة المضافة والعمالة. ويحرص صانعو السياسات الأوروبيون على تعزيز الانتقال إلى نظام الطاقة المتجددة، وبالتالي فإن هناك العديد من السياسات المعمول بها لتسريع هذا الانتقال. فبحلول عام 2030، يجب توفير ما لا يقل عن 42.5% من إجمالي الطلب على الطاقة في الاتحاد الأوروبي من خلال تقنيات الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وبحلول عام 2050 على أبعد تقدير، يجب تلبية ما يقرب من 100% من إجمالي الطلب على الطاقة عن طريق الطاقة المتجددة لتلبية الحياد المناخي[13].
ويوضح الشكل التالي تطور حصص الطاقة المتجددة في إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة منذ عام 2005. صحيحٌ أن هذه الحصة قد نَمَتْ باستمرار إلى 22.1% في عام 2020، ومع ذلك، فإن تحقيق الأهداف المحددة لعامي 2030 و2050 يحتاج الآن إلى النمو بسرعة أكبر.
شكل يوضح تطور حصص الطاقة المتجددة في إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة منذ عام 2005*
* يوضح الشكل حصة الطاقة المتجددة في إجمالي استهلاك الطاقة في أوروبا. القيم المذكورة لعاميْ 2030 و2050 هي أهداف سياسية. راجع في ذلك المفوضية الأوروبية، 2021.
ومن المقدر أن التحول إلى اقتصاد محايد للكربون والوصول إلى الأهداف المناخية الحالية لعام 2030 سيتطلب استثمارات سنوية إضافية تبلغ حوالي 260 مليار يورو. ومع ذلك، على المدى الطويل، ستكون تكاليف إزالة الكربون، والتحول السريع لنظام الطاقة، أقل من الأضرار الناجمة عن تغير المناخ. وإذا لم يتم اتخاذ المزيد من الإجراءات، فلن يتحقق الحياد المناخي في عام 2050؛ حيث سيتم تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 60% فقط، في حين يتطلب تحقيق الحياد المناخي أن تكون حصة كل قطاع 100% أو قريبة منه. وبالتالي، فإن جهود الاتحاد الأوروبي الحالية لإزالة الكربون تفشل في مضاهاة الطموحات السياسية المنصوص عليها في الصفقة الخضراء. ولسد هذه الفجوة، يجب تكثيف هذه الجهود بشكل كبير[14].
4. تحديات انتقال الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي:
يمثل كل هدف أوروبي أولوية للمؤسسات الأوروبية، ولكن التنفيذ الكامل لكل هدف غالبًا ما يواجه عقبات. يتمثل أحد التحديات الرئيسية لنجاح انتقال الطاقة في الالتزام السياسي والإرادة في الدول الأعضاء. ويُعَدُّ تحول الطاقة “كفاءة مشتركة” بين المؤسسات الأوروبية والحكومات الوطنية. في الواقع، لم تكن الدول الأعضاء حريصة على ترك مثل هذا الموضوع الاستراتيجي حصريًا لمسؤولية الاتحاد الأوروبي. لذلك، على الرغم من الاتفاقيات، يمكن القول إن هناك سرعات مختلفة لانتقال الطاقة في الاتحاد الأوروبي بين الدول الأعضاء، كما أن هناك نتائج مختلفة. فقد شهدت إيطاليا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، اتجاهًا متزايدًا نحو نقل الطاقة المتجددة بنهجين مختلفين (إيطاليا أكثر اعتمادًا على الدولة، في حين أن المملكة المتحدة أكثر اعتمادًا على السوق)، في حين فشلت ألمانيا وبولندا في التنفيذ؛ حيث تعبر بولندا عن معارضتها للهدف الأوروبي المتمثل في الحياد المناخي[15].
ويلخص الشكل التالي إجمالي الطاقة المتاحة في الاتحاد الأوروبي، ونسبة التحول للطاقة المتجددة والوقود الأحفوري في الاتحاد الأوروبي. بالرغم من ارتفاع مصادر الطاقة المتجددة إلا أن الوقود الأحفوري مازال مهيمنًا.
Source: Eurostat
وفي محاولة لفهم هذه التطورات، تسلط الفقرات التالية الضوء على جهود بعض الدول الأوروبية في التحول في الطاقة، لتوضح الاختلافات في الرؤى والجهود فيما بينها، ما يمكن أن يؤثر على تماسك الاتحاد الأوروبي، كما سنشير في موضع تالٍ.
1-4. إيطاليا:
على الرغم من أن إيطاليا كانت تعتمد بشدة على الوقود الأحفوري في بداية الألفية، إلا أنها تمكنت من تحويل مزيج الطاقة لديها خلال السنوات الثماني عشرة الماضية. ففي عام 2000، كان لدى إيطاليا نظام طاقة غريب؛ فهي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري (المستورد)، دون أي إمكانات نووية، وذلك بعد الاستفتاء الشعبي عامي 1987 و2011، ونشر مصادر الطاقة المتجددة المنخفضة، وأدت الديناميكيات طويلة الأجل إلى تغيير كبير في مزيج الإنتاج. في عام 2000، غطى الوقود الأحفوري حوالي 88% من إجمالي الطلب على الطاقة (شكل النفط 50%)، وانخفضت هذه الحصة إلى 74% بحلول عام 2018 (انخفض النفط بنسبة 16% واحتل الغاز موقعه القيادي بنسبة 35%). خلال هذه الفترة، تمكنت إيطاليا من تعزيز نشرها للطاقة المتجددة؛ فقد ارتفعت المصادر المتجددة إلى 20% من الإجمالي، بعدما كانت تشكل نحو 7% فقط في عام 2000. كما تمكنت إيطاليا من زيادة كفاءة الطاقة، مع تقليل انبعاثات غازات الدفيئة. وفي إطار جهودها لإزالة الكربون من نظام الطاقة، أعلنت إيطاليا قرارها بالتخلص التدريجي من الفحم لتوليد الكهرباء بحلول عام 2025. وتجاوزت إيطاليا الأهداف الأوروبية لعام 2020 بشأن المناخ والطاقة، ومع ذلك زاد استهلاك النفط بسبب دوره المهيمن في قطاع النقل، وهو ما تحتاج إيطاليا إلى معالجته من أجل تحسين تحولها في مجال الطاقة[16].
2-4. المملكة المتحدة:
شهدت المملكة المتحدة تحولًا كبيرًا في نظام الطاقة الخاص بها، وذلك بفضل النمو السريع في حصة الطاقة منخفضة الكربون، والتي شكلت أكثر من 50% من مزيج الكهرباء في عام 2017 (الغاز الطبيعي 41%، والطاقة النووية 21%، والرياح 15% في عام 2010، والطاقة الشمسية 3%، والطاقة الحيوية والنفايات 11%، والفحم 7% بانخفاض عن 29% في عام 2010، والطاقة المائية 2%). وقد تم تسليط الضوء على هذا التحول لإظهار حقيقة أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة في المملكة المتحدة قد انخفضت بنسبة 35% مقارنة بمستويات عام 1990، وانخفض إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 40%. ويُعَدُّ انخفاض استخدام الفحم في نظام الطاقة البريطاني مهمًا بشكل خاص نظرًا لدوره التاريخي في نظام الطاقة والاقتصاد البريطاني. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة التزامها القوي بالتخلص التدريجي من جميع ما تبقى من وسائل توليد الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2025. وينبغي التنويه إلى أن أحد العناصر التي أثرت بشكل إيجابي على خفض الفحم هو الحد الأدنى لسعر الكربون المرتفع، البالغ 18.08 جنيهًا إسترلينيًّا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، والذي كان قادرًا على دفع التحول من الفحم إلى الغاز، مما قلل من حصة الفحم في قطاع الطاقة[17].
3-4. ألمانيا:
يمثل انتقال الطاقة في ألمانيا عدم التطابق بين الصيغ والتنفيذ. في الواقع، يهدف مشروع انتقال الطاقة الألماني إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55% بحلول عام 2030، وما يصل إلى 95% في عام 2050، مقارنة بمستويات عام 1990. ويتطلب ذلك زيادة حصة الطاقة المتجددة في إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة إلى 60% في عام 2050. وسيؤثر هذا الهدف تأثيرًا عميقًا على توليد الطاقة، حيث يجب أن يكون 80% على الأقل في عام 2050 قائمًا على الطاقة المتجددة. ومع ذلك، إلى جانب زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة، تقرر التخلص التدريجي من توليد الطاقة النووية بالكامل بحلول عام 2022. في عام 2000، كان لمحطات الطاقة النووية الألمانية حصة 29.5% من مزيج توليد الطاقة. وفي عام 2016، انخفضت هذه الحصة إلى 13%. وقد تم اتخاذ هذا القرار مدفوعًا بشكل أساسي بالصدمة التي أعقبت حادث فوكوشيما النووي في اليابان. ومنذ عام 2000، نجحت الحكومات في الترويج لنشر مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة توربينات الرياح في المناطق الشمالية. ومع ذلك، لم يؤد النشر على نطاق واسع إلى انخفاض كبير في الانبعاثات. في الواقع، تشير الاتجاهات إلى أن الانبعاثات زادت منذ عام 2000 (باستثناء 2008/2009) بسبب الأزمة المالية العالمية. ويرجع سبب هذا الاتجاه في الانبعاثات إلى ارتفاع مستوى توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، بالإضافة إلى انخفاض أسعار ثاني أكسيد الكربون. وقد تناقصت جهود ألمانيا للحد من ثاني أكسيد الكربون بسبب الجمع بين هذين الاتجاهين (انخفاض تكاليف الفحم وأسعار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون)، ويرجع ذلك في الغالب إلى أنها لم توفر حافزًا للتخلي عن الفحم. ويُذكر أن الصناعة الألمانية، المعروفة عالميًا بقدرتها التنافسية، قد أعربت عن مخاوفها من أن تحوُّل الطاقة الحالي يمكن أن يقوض مكانتها في العالم، ويؤدي إلى فقدان القدرة التنافسية[18].
4-4. بولندا:
لدى بولندا العديد من الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والطاقة للحفاظ على الفحم في مركز نظامها. في الواقع، في عام 2018، كان الفحم يهيمن على إنتاج الكهرباء، وهو ما يمثل 78.1%. وفي الوقت نفسه، انخفضت حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 12.7% من 14.1 % في عام 2017، مسجلة أدنى حصة وإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة منذ عام 2014. ومعروفٌ أن صناعة الفحم توظف آلاف المواطنين البولنديين وهذه هي أسباب موقف بولندا القوي من هدف الحياد المناخي للاتحاد الأوروبي. ومن التطورات الأخرى في مزيج الطاقة البولندي الدور المتزايد للغاز الطبيعي. على أي حال، أدى الوضع الحالي لنظام الطاقة البولندي إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة. وعلى الرغم من الأهداف الأوروبية، تؤكد وثيقة الطاقة البولندية حتى عام 2040، التي تمت صياغتها في عام 2018، أن الفحم الصلب سيظل المصدر الوحيد الأكثر أهمية لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2040، على الرغم من أن دوره سيتراجع. كما أكدت الوثيقة أن تحقيق حصة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء سيستند أساسًا إلى الخلايا الكهروضوئية (من عام 2022) ومحطة طاقة الرياح البحرية (بعد عام 2025)[19].
5. التحول الأخضر ومستقبل التماسك الأوروبي:
ستؤثر زيادة حجم ووتيرة التحول الأخضر على المناطق الأوروبية بشكل مختلف، اعتمادًا على جغرافيتها وطابعها الاقتصادي. بالطبع هناك بعض المناطق التي تواجه صعوبة في تحقيق التحوُّل الأخضر، وهي عرضة للتأثيرات السلبية المتزايدة لتغير المناخ، ومن ثم فإن تحديد المناطق لديها إمكانات في تخضير اقتصادها المحلي بسرعة يُعَدُّ أمرًا حيويًا لفهم كيفية تكيُّف اقتصاد أوروبا ككل. كما سيخبرنا شيئًا عن المسار الذي يمكن أن يسلكه التماسك الأوروبي.
ويأتي التحول الأخضر في وقت يتحسن فيه التقارب الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، ولكن ماتزال هناك تفاوتات إقليمية. ووفقًا لتقرير التماسك التاسع للمفوضية الأوروبية، الصادر في فبراير 2023[20]، فإن مناطق العواصم والمدن الكبرى في الاتحاد الأوروبي تقود الطريق في نمو الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن المناطق الأقل نموًا -وهي في الغالب في الجنوب، وأيضًا في وسط أوروبا- تعاني من الركود أو الانخفاض الاقتصادي. وهذه التفاوتات في البطالة لم تتعافَ إلى مستويات ما قبل عام 2008، ومايزال تركيز المهارات في المدن يشوه إمكانات النمو الاقتصادي بعيدًا عن المناطق الريفية.
وفيما يتعلق بمؤشرات استعداد أوروبا للتحول الأخضر، فإن أحد المؤشرات المهمة لذلك هو نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويُذكر أن العوامل التي تساهم في مستوى ثاني أكسيد الكربون للفرد في المنطقة تشمل تكوين النشاط الاقتصادي وكفاءة الطاقة في مبانيها وحصة مصادر الطاقة المتجددة. ويمكن القول إن المناطق الحضرية والصناعية ذات الكثافة السكانية هي التي تسبب أكبر انبعاثات لثاني أكسيد الكربون. وتنتشر المناطق كثيفة ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، من جنوب البرتغال إلى شمال اليونان وإستونيا.
وتوجد سياسات مصممة لمعالجة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن لها تأثيرات متتابعة تؤثر على المناطق في جميع أنحاء أوروبا بشكل مختلف. على سبيل المثال، تضع آلية تعديل حدود الكربون[21] عبئًا ثقيلًا على قطاعات التصنيع كثيفة الاستهلاك للطاقة، والأشخاص الذين توظفهم، والأسر ذات الدخل المنخفض. كما أن التفاوتات الاجتماعية من المرجح أن تزداد، ليس فقط داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا بينها، وخاصة بين الدول الأعضاء الشرقية والغربية في الاتحاد الأوروبي، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الروابط بين الانتقال الأخضر والتماسك في أوروبا[22].
وفي حين تشير المستويات الحالية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصعوبة التي تواجهها المنطقة في التكيف مع مستقبل صافي الصفر، فإن مؤشرات أخرى تُظهر المناطق المعرضة لآثار تغير المناخ نفسها، حيث سيؤدي ذلك إلى المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات. وأحد الأمثلة الحديثة على مثل هذا الحدث الذي احتل العناوين الرئيسية الدولية هو الفيضانات في ألمانيا وبلجيكا في يوليو 2021، الناجمة عن هطول أمطار غزيرة. وقد كلفت هذه الفيضانات أرواح 240 شخصًا، وتسببت في أضرار تزيد على 38 مليار يورو[23]. إن خسارة الناتج المحلي الإجمالي المتوقعة بسبب الفيضانات هي أحد المؤشرات التي يمكن أن تنقل التهديد الذي يلوح في الأفق للحياة والممتلكات والنشاط الاقتصادي في المنطقة.
صحيحٌ أن الفيضانات قد أصبحت أكثر شيوعًا بشكل عام، لكن التهديد لا يتم توزيعه بالتساوي عبر مناطق الاتحاد الأوروبي، إذ تبرز بشكل أكبر في المناطق الساحلية والمناطق المحيطة بالأنهار الرئيسية مثل نهر الدانوب أو الراين أو الرون. وتوضح الخريطة التالية الأضرار الاقتصادية المتوقعة بسبب الفيضانات في ظل سيناريو الاحترار ثلاثي الدرجات لعام 2100، مناطق NUTS -2 التابعة للاتحاد الأوروبي:
المصدر: المفوضية الأوروبية، تقرير التماسك التاسع، 2023
وتساعد المؤشرات المذكورة أعلاه في تحديد المناطق التي تواجه ضغوطًا معينة في الانتقال الأخضر، مما يعرض تنميتها الاقتصادية طويلة الأجل إلى خطر أكبر. ولإكمال صورة كيفية تأثر المناطق بالتحول الأخضر وتأثيره على التماسك العام، فإن من الضروري أيضًا الاعتراف بالإمكانيات الجغرافية والاقتصادية للمناطق للازدهار في أوروبا الخضراء. على سبيل المثال، يمكن أن توفر الطاقة المتجددة فرص عمل جديدة لمنطقةٍ ما. والأهم من ذلك، بعد الاستثمار الأوّلي، يمكن أن يخفض تكاليف الإنتاج للشركات (التي غالبًا ما تكون الطاقة جزءًا كبيرًا منها)، مما يمنح تلك المناطق ميزة نسبية على المدى الطويل.
وقدرت دراسة أجريت عام 2019[24] إمكانيات الحكم الذاتي للطاقة على مستوى البلديات، من خلال بناء مزارع جديدة للرياح والطاقة الشمسية وبنية تحتية للطاقة لتخزين الكهرباء وحملها محليًا. ووجدت أن 5% فقط من المنطقة، التي تضم 25% من سكان أوروبا، تفتقر إلى القدرة على أن تكون مستقلة عن الطاقة (المناطق الحمراء على الخريطة أدناه).
وتُظهر الخريطة فجوة بين المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، التي لا تتمتع بإمكانية استقلال الكهرباء، والمناطق الأقل كثافة سكانية، ومعظمها مناطق ريفية، حيث توجد إمكانيات كبيرة لاستقلال الطاقة من خلال مصادر الطاقة المتجددة. بالطبع، لا يجب أن تكون جميع المناطق في حد ذاتها مستقلة عن الطاقة. هناك إمكانية للمناطق الريفية بالقرب من المدن للمساهمة في إمدادات الطاقة في المناطق الحضرية عبر شبكات الكهرباء المتصلة.
6. حالة السياسات: التحول الإقليمي للطاقة في الاتحاد الأوروبي
في ضوء الاهتمام بالتقارب الاقتصادي الإقليمي، والقدرة التنافسية العالمية في سياسة الاتحاد الأوروبي على مدى العقود الأخيرة، يمكن النظر إلى انتقال الطاقة على أنه فرصة أو تهديد للقدرة التنافسية الإقليمية، اعتمادًا على موارد الطاقة والهيكل الصناعي وقدرات الابتكار، والتي يمكن أن تؤدي إلى التفاوتات الإقليمية. وبالتالي، يتم أيضًا تسليط الضوء على جغرافية التحولات بسبب التأثيرات المحتملة لانتقال الطاقة على التنمية غير المتكافئة والتهميش الإقليمي[25].
كما أن الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز انتقال الطاقة ودفع التنمية الخضراء يجب أن تأخذ الاختلافات الإقليمية في الاعتبار، وتخفيف الآثار التوزيعية التراجعية لضمان انتقال عادل. ومع ذلك، فإنه لفهم التحديات والفرص الإقليمية، يجب على صانعي السياسات أيضًا حساب المستقبل الجغرافي المحتمل لظهور التنافس في انتقال الطاقة. وللقيام بذلك، يجب على تحليلات عمليات نقل الطاقة الإقليمية أن تأخذ في الاعتبار عمليات الاستقطاب الحالية التي كانت منذ فترة طويلة في صميم السياسة الإقليمية (أي التماسك والنهج القائم على المكان والتخصص الذكي). وفيما يتعلق باستجابات سياسة الاتحاد الأوروبي، فإن تلك المتعلقة بالسياسة الإقليمية للاتحاد الأوروبي واهتمامها بالتماسك الإقليمي والتنمية هي نقطة انطلاق مناسبة لمراعاة الموضوعات الرئيسية وتطور السياسة للتحولات الإقليمية في مجال الطاقة. وفيما يلي يتم تلخيص استجابات السياسة وفقًا لخمسة موضوعات[26]:
- انتقال الطاقة وتحديات مناطق الفحم:
في الآونة الأخيرة، أصبحت مناطق الفحم تمثل نموذجًا لخطاب التحولات العادلة للازدهار، وذلك بفضل ارتباطها بالمناطق الصناعية القديمة، والاعتماد على المسار التكنولوجي، الذي يوضح الأنظمة الاجتماعية والتقنية والمراحل الحرجة والتغيير الهيكلي. وقد سلطت الأبحاث التي أجريت على مناطق الفحم في أوروبا الضوء على الآثار الاجتماعية والاقتصادية للانخفاض، وعلى استراتيجيات الدولة التي تؤثر على معدل إعادة الهيكلة منذ الثمانينيات. وبالتالي فإن مفاهيم التماسك الاجتماعي والاقتصادي -بخصوص إعادة الهيكلة السابقة- تدعم الخطابات الحالية للتحول الإقليمي للطاقة. وحسب مركز البحوث المشتركة التابع للاتحاد الأوروبي، قبل أزمة الطاقة الأخيرة، فإن معظم الخسائر المباشرة في الوظائف بسبب التخلص التدريجي من الفحم ستتركز جغرافيًا في أوروبا الوسطى والشرقية، ولكن يمكن الشعور بالآثار الاجتماعية للانتقال على نطاق واسع، مما يجعلها ذات صلة بالتحولات الإقليمية بشكل عام[27].
- انتقال الطاقة وأجندة النمو الأخضر:
أصبح النمو الأخضر يمثل النهج الأوروبي للتنمية الإقليمية في أعقاب الأزمة المالية 2007–2008، عندما تم وضع نموذج القدرة التنافسية لاستراتيجية لشبونة تحت شعار “النمو الذكي والمستدام والشامل” في استراتيجية أوروبا 2020. ومع انتقال أوروبا 2020 إلى السياسة الإقليمية “القائمة على المكان”، ظهرت في الاستجابات الإقليمية موضوعات مثل التقارب الاجتماعي والاقتصادي والتنمية الحضرية المستدامة. ومع ذلك، استمر النمو الاقتصادي في تجاوز أهداف السياسة الاجتماعية والبيئية. كما تُعَدُّ الصفقة الخضراء الأوروبية[28] واحدة من أهم أولويات السياسة العامة للاتحاد الأوروبي والمفوضية الحالية. ووفقًا لأهداف اتفاقيات باريس للمناخ، فإن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، وفصل النمو الاقتصادي عن التدهور البيئي، وتزويد المناطق بالموارد للتخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية المحتملة لإزالة الكربون. وماتزال أوروبا متخلفة بالفعل في تحقيق هذه الأهداف.
واستمرارًا في هذا المسار، عزز الاتحاد الأوروبي استراتيجيته للنمو الأخضر في برنامج EGD للفترة من 2021 إلى 2027، والتي تهدف إلى وضع “مسار جديد للنمو المستدام والشامل” من شأنه “تسريع ودعم الانتقال اللازم في جميع القطاعات”. ومن المتوقع أن تحشد EGD ما لا يقل عن تريليون يورو من أجل المرحلة الانتقالية. وينص على أن الانتقال يجب أن يكون عادلًا وشاملًا.
- الاعتراف بالآثار الاجتماعية والاقتصادية غير المتكافئة والسلبية لإزالة الكربون:
للتخفيف من الآثار الاجتماعية السلبية، تم اقتراح صندوق بقيمة 17.5 مليار يورو، لاستكمال EGD وربطها بسياسة التماسك في الفترة 2021–2027. ولمعالجة الالتزامات المناخية السابقة، يتم إعادة توجيه استراتيجية تنمية الاتحاد الأوروبي لمعالجة “التحديات المتعلقة بالمناخ والبيئة”، من خلال استراتيجية نمو تهدف إلى تحويل الاتحاد الأوروبي إلى مجتمع عادل ومزدهر. حيث يتم فصل النمو الاقتصادي عن استخدام الموارد، وبالتالي يتم نقل الجوانب البيئية والاجتماعية للانتقالات المستدامة إلى صميم استراتيجيات التنمية السابقة[29].
ولتعزيز تحول الأسواق والمؤسسات، أضيفت تدابير تكميلية لتعزيز طموحات دائرة الحكومة الإلكترونية، بما في ذلك ما يُسمى بتصنيف الاتحاد الأوروبي بشأن التمويل المستدام والاستثمار، الذي يتناول آثار الأنشطة الاقتصادية على التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، والذي يتخذ خطوات لتعزيز الأنشطة المستدامة والاستثمار المباشر، كما هو الحال في مجال الطاقة المتجددة، لأن الديناميكيات الإقليمية لجذب رأس المال وتراكمه ستصبح ذات أهمية كبيرة، خاصة ضد المناطق الهامشية التي قد تفتقر إلى الصفات المطلوبة لجذب الاستثمارات المستدامة للمستقبل الإقليمي الأخضر[30].
- تحول في الطاقة تدعمه أزمات متعددة:
وسط الزخم السياسي الدولي المتصاعد، تم توجيه استجابات سياسة الاتحاد الأوروبي المحيطة بانتقال الطاقة نحو تحقيق الأهداف المناخية ذات الصلة عالميًا، لاسيّما في الآونة الأخيرة، من أجل جعل أوروبا محايدة للكربون بحلول عام 2050، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية. وينبغي الاعتراف بأن الأزمات الأخيرة التي أثرت على الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الأزمة المالية وجائحة كوفيد-19، والارتفاعات غير المسبوقة في أسعار الطاقة والحرب الروسية-الأوكرانية، قد وفرت فرصًا للتنسيق وترسيخ وتكثيف الاستجابات السياسية لتسريع انتقال الطاقة.
وبشكل عام، فإن التأثيرات المقدرة على القيمة المضافة وتشغيل العمالة تُعتبر ضئيلة على مستوى الاتحاد الأوروبي الإجمالي. ولكن مع تقدم التحول إلى الطاقة المتجددة، تواجه قطاعات مختلفة من الاقتصاد تحديات ومتطلبات تكيف مختلفة. وتختلف التأثيرات على القيمة المضافة والعمالة بشكل كبير بين القطاعات الاقتصادية، وبالتالي بين المناطق، وهذا يجعل التحول إلى الطاقة المتجددة مسألة توزيع في المقام الأول، وبالتالي يؤثر على تماسك الاتحاد الأوروبي.
7. خاتمة:
على الرغم من كونها رائدة عالميًا في انتقال الطاقة، إلا أن سياسات الاتحاد الأوروبي التي تؤثر على تحولات الطاقة الإقليمية لم يتم النظر فيها بقوة فيما يتعلق بالتنمية الإقليمية. ولم تُكتشف أنظمة الطاقة الإقليمية بقوة في مفاهيم التنمية الكامنة وراء السياسة الأوروبية. وعند هذه النقطة، تأخذ التنمية الإقليمية معاني متعددة، من التنمية التي تعزز التماسك الاقتصادي والاجتماعي والإقليمي على مستوى الاتحاد الأوروبي بمعناه الأوسع، إلى مقياس الإنتاجية الاقتصادية (على سبيل المثال، الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي للفرد)، وفقًا للتقييم الأكثر تقليدية لمستويات المعيشة. وبالتالي، من الضروري وصف أنظمة الطاقة الإقليمية (الوطنية في كثير من الأحيان) التي تُعتبر أساسية للاقتصادات الإقليمية وفهم التنمية، إذ إن أنظمة الكهرباء تختلف من أكثر من 90% خالية من الكربون بالفعل في دول الشمال الأوروبي، إلى الكربون الثقيل في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث توجد أكبر حصص من مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي استهلاك الطاقة في السويد وفنلندا والدنمارك ولاتفيا وليتوانيا والنمسا، وأكبر حصص من الوقود الأحفوري الصلب (على سبيل المثال، الفحم) في بولندا والتشيك وبلغاريا وألمانيا واليونان. وفي حين يمكن رؤية الاختلافات بشكل عام في أنظمة الطاقة الإقليمية، فإن تفضيلات السياسة لا تتوافق بوضوح مع التكتلات الإقليمية. يظهر هذا، على سبيل المثال، من خلال الدعم المتفاوت لسياسات المناخ والطاقة في أوروبا الوسطى والشرقية. وبدلًا من ذلك، تشير الأبحاث إلى أن تفضيلات السياسة تميل إلى أن تكون قطاعية في سياق التنمية الإقليمية القائمة على الابتكار الأخضر، وتعتمد على الموارد الطبيعية والمهارات والقدرات الداخلية.
إن ضمان عدم بقاء التحول الأخضر في نطاق المناطق المتقدمة اقتصاديًا، والمبتكرة بالفعل، وبالتالي تعزيز المزيد من الاختلاف داخل أوروبا، سيتطلب تحديد السياسات القابلة للتطبيق والمفيدة لأنواع مختلفة من المناطق. فعلى سبيل المثال، تعتمد مناطق الفحم الريفية في أوروبا حاليًا على التعدين ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم في إنتاجها الاقتصادي. وسوف تحتاج إلى سياسات وموارد للتخفيف من البطالة الناجمة عن التخلص التدريجي من الفحم والمساعدة في نشر الطاقة المتجددة. من ناحية أخرى، قد تحتاج المناطق والمدن الحضرية إلى سياسات وموارد لتوسيع وسائل النقل العام المكهربة، أو تحسينات كفاءة الطاقة للمباني.
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، فإن الصفقة الخضراء وسياسة التماسك في الاتحاد الأوروبي مرتبطتان بالفعل، إذ خصصت المفوضية موارد للتعافي من أجل الانتقال الأخضر، بهدف استخدام أكثر من 25% من ميزانيتها للفترة 2021-2027 لتحقيق الأهداف الخضراء. وستكون المهمة الرئيسية لصانعي السياسات الإقليميين والوطنيين والاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة هي تحديد نقاط القوة والضعف الإقليمية، وتعديلات السياسات للتعويض عن تأثير الانتقال الأخضر. إنها مهمة شاقة، بالتأكيد، ولكنها مهمة حيوية، حيث إن نجاح الأهداف المناخية الطموحة للاتحاد الأوروبي أصبحت معلقة اليوم على المحك.
[1] A. Cherp, V. Vinichenko, J. Jewell, E. Brutschin, B. Sovacool, Integrating techno- economic, socio-technical and political perspectives on national energy transitions: a meta-theoretical framework, energy res, Soc. Sci. 37 (2018) 175–190, https://doi.org/10.1016/j.erss.2017.09.015.
[2] Ibid
[3] Carley, Sanya, and David M. Konisky. 2020. The justice and equity implications of the clean energy transition. Nature Energy 5:569–577. https://doi.org/10.1038/s41560-020-0641-6.
[4] Ibid
[5] Global Energy Perspective 2022, https://www.mckinsey.com/industries/oil-and-gas/our-insights/global-energy-perspective-2022
[6] Five key action areas to put Europe’s energy transition on a more orderly path, https://www.mckinsey.com/capabilities/sustainability/our-insights/five-key-action-areas-to-put-europes-energy-transition-on-a-more-orderly-path#/
[7] How the European Union could achieve net-zero emissions at net-zero cost, https://www.mckinsey.com/capabilities/sustainability/our-insights/how-the-european-union-could-achieve-net-zero-emissions-at-net-zero-cost
[8] Climate Change 2022: Impacts, Adaptation and Vulnerability, The Sixth Assessment report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, February 2022
[9] How the European Union could achieve net-zero emissions at net-zero cost, https://www.mckinsey.com/capabilities/sustainability/our-insights/how-the-european-union-could-achieve-net-zero-emissions-at-net-zero-cost
[10] Ibid
[11] تتمثل أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية في الوصول لأقل من 55% من الانبعاثات مقارنة بعام 1990 والوصل للحياد المناخي في العام 2050.
[12] Thomas Schwab. (2023), Energizing EU Cohesion: Powering up Lagging in the Renewable energy transition, Bertelsmann Stiftung, http://www.bertelsmann-stiftung.de/europes-economy
[13] Ibid
[14] Ibid
[15] Manfred Hafner, Pier Paolo Raimondi, Priorities and challenges of the EU energy transition: From the European Green Package to the new Green Deal, Russian Journal for Economics 6(2020), https://rujec.org/article/55375/
[16] Ibid
[17] Ibid
[18] M. Hafner, P. Raimondi. (2022), Priorities and challenges of the EU energy transition: From the European Green Package to the new Green Deal, Russian Journal of Economics, https://www.semanticscholar.org/paper/Priorities-and-challenges-of-the-EU-energy-From-the-Hafner-Raimondi/03a45e96e733dea1f7327e8c7a99d90775797afa
[19] Ibid
[20] Ninth Report on Economic, Social and Territorial Cohesion, https://ec.europa.eu/regional_policy/information-sources/cohesion-report_en
[21] هذه الآلية مصممة لمنع الشركات الأوروبية من نقل الإنتاج إلى بلدان ذات معايير انبعاثات أقل صرامة
[22] Thieß Petersen, Carbon needs a price – and proactive economic policy measures, https://www.bertelsmann-stiftung.de/en/our-projects/global-economic-dynamics/project-news/carbon-needs-a-price-and-a-policy-response
[23] The Brussels Times Newsroom, Europe’s summer floods amount to world’s second-most costly natural disaster of 2021, https://www.brusselstimes.com/belgium-all-news/199487/europes-summer-floods-amount-to-worlds-second-most-costly-natural-disaster-of-2021
[24]Tim Trondle, Stefan Pfenninger, Johan Liliestam, Home – made or imported: on the possibility for renewable electricity autarky on all scales in Europe, Energy Strategy Reviews, Volume 26, November 2019, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2211467X19300811?via%3Dihub%22%20\l%20%22appsec1
[25]Bradley Loewen, Coal, Green, and Crises: Exploring three European Union Policy responses to regional energy transitions, Energy Research, Social Science, 93(2022), https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2214629622003528
[26]Ibid
[27] Casier, T. (2015). The Geopolitics of the EU’s Decarbonization Strategy: A Bird’s Eye Perspective. In: Dupont, C., Oberthür, S. (eds) Decarbonization in the European Union. Energy, Climate and the Environment. Palgrave Macmillan, London. https://doi.org/10.1057/9781137406835_8
[28]European Green Deal, https://commission.europa.eu/strategy-and-policy/priorities-2019-2024/european-green-deal_en
[29] Herranz-Surralles, Anna. 2024. “The EU Energy Transition in a Geopoliticizing World.” Geopolitics 29 (5): 1882–1912. doi:10.1080/14650045.2023.2283489.
[30] Ibid