Insight Image

الحرب الروسية الأوكرانية: مؤشرات الأداء العسكري الروسي والتكلفة السياسية

05 مارس 2023

الحرب الروسية الأوكرانية: مؤشرات الأداء العسكري الروسي والتكلفة السياسية

05 مارس 2023

تقترب الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير من العام 2022م من إتمام عامها الأول، ولا تظهر في الأفق علامات على قرب نهايتها، سواء عبر حل تفاوضي، أو هزيمة أحد طرفي القتال. فالغرب ما يزال يمد الأوكرانيين بأسلحة نوعية ومتطورة، تمكنهم ليس من الصمود فقط، وإنما الهجوم المضاد أيضًا، وأحيانًا استنزاف القوات الروسية، بل وتحقيق ضربات داخل الأراضي الروسي على الحدود. وبالمقابل يواصل الروس هجومهم ويحققون تقدمًا في مناطق مهمة، بينما يسعون للبحث عن إمدادات إضافية من بعض الدول الصديقة أو الحليفة، من أجل تعويض النقص في مخازن الأسلحة. وفي خضم أخبار استمرار المعارك على بعض الجبهات – برغم ما كان يُعتقد من توقف أو تباطؤ لها، بسبب قسوة الأحوال الجوية (فصل الراسبوتيستا Rasputista) – تلوح في الأفق مؤشرات على إنهاك قوات كلا الطرفين، واستنزاف عام للقدرات العسكرية سواء البشرية أو اللوجستية، وكذلك في العتاد، ما يفسر اتجاه القيادة الروسية نحو البحث ربما عن تعبئة ثانية، أو تنفيذ حملات تجنيد إضافية، لتحقيق زيادة كبيرة في أعداد القوات المسلحة، والجيش الروسي عموما، بينما يضغط الأوكرانيون للحصول على أسلحة متقدمة من الغرب.

وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات عدّة، ليس فقط حول مآلات الحرب، وإنما أيضًا حول التوازنات، والنفوذ على الساحة السياسية الروسية، في ضوء استمرار الحرب، وتعثر الجيش الروسي، وبروز كيانات شبه عسكرية تبدو أكثر نجاعة ميدانيا من القوات الرسمية. فما هي التداعيات السياسية الداخلية للحرب، على مستوى دوائر النفوذ، واتخاذ القرار في موسكو؟

  • تعثر الجيش الروسي

يطرح الخبراء تساؤلات حول الجيش الروسي، وما إذا كانت طبيعة تشكله تسمح له باحتلال مساحات شاسعة لدول أخرى أم لا. وربما كان يفترض طرح مثل هذا السؤال من بداية الحرب، باعتبار أن الإحاطة بهذا الجانب، من تاريخ انشاء الجيش الروسي الحالي، يمكن أن تسهم بشكل فاعل في التنبؤ بمصير احتلال روسيا، أو ضمها للأقاليم الأوكرانية المجاورة لحدودها. تفيدنا دراسات تاريخ الجيش الروسي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية الحرب الباردة، أن تكوينه كان أساسًا لمواجهة قوات حلف الناتو، بغاية التدمير، وليس من بين أهدافه احتلال مناطق شاسعة، وحتى المحاولات التي تمت، والتي نتجت عنها مراحل احتلال، فقد دامت بضع سنوات، وانتهت أحيانا بالفشل، في ضوء المقاومات المحلية، وحروب الاستنزاف كما حدث في أفغانستان. لذلك، فالجيش الروسي – وريث الجيش السوفياتي – تشكلت قوته على قاعدة السباق النووي، وبناء قدرات تدميرية ضخمة عن بُعد. وهنا تكمن قوة القدرات الروسية العسكرية الحقيقية. ومن جهة أخرى، فقد أثبتت التقنيات العملياتية للجيش الروسي، سواء منها الجوية أو البرية، قصورًا كبيرًا أمام العتاد الغربي، الذي تلقته أوكرانيا من الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا.

فلجوء روسيا لشراء ملايين القذائف والقذائف الصاروخية من كوريا الشمالية، وآلاف من الدرونز من إيران، دليل على ذلك، علاوة على قدرة الأوكرانيين على إسقاط الصواريخ الروسية، والدرونز الإيرانية، بأبسط أدوات المقاومة الجوية من التقنيات الأمريكية والغربية عمومًا. وعلى الرغم من نشر طائرة (Su-57 Felon Fighters)، ومشاركتها في المعارك ضد أوكرانيا – بحسب المصادر الرسمية الروسية – وكذلك استخدام صواريخ كينجال “Kinjal” فرط الصوتية، و إطلاق فرقاطة الأميرال غوركوف Gorchkov في المحيط، فإن ذلك لا يمنع من إثارة التساؤلين بشأن قدرة روسيا على الاستمرار في موقعها ضمن قائمة كبار المنتجين للسلاح المتطور؛ فجميع ما تفتخر به روسيا اليوم من أسلحة متطورة، حديثة الصنع، ومتناهية الدقة، أثبت قصورها النسبي في مواجهة الأسلحة الغربية الدفاعية، المستخدمة في أوكرانيا[1].

ومهما يكن من أمر، فإن الجيش الروسي ليس هو من يقرر نهاية الحرب، ولا يمكنه بالطبع الادعاء بتحقيق نصر ما، باعتبار أننا هنا أمام مسارين آخرين، أولهما: أن من يقرر وضع حد للحرب هي القيادة السياسية، أي الكرملين، وبالتحديد الرئيس بوتين، والمسار الثاني: يتمثل في دخول ميليشيات “فاغنر” الحرب بقوة[2]، وكمنافس غير مباشر للجيش الروسي في بعض المواقع المحددة. وهذا له تأثير على موقع القيادات العسكرية على الساحة السياسية عمومًا من جهة، وله تأثير من جهة أخرى، على مستقبل الطامحين في السلطة مستقبلًا، في حال أدت الأوضاع إلى إضعاف موقع بوتين، أو ظهور مساعٍ لاستبداله من قبل المجموعة النافذة.

فالرئيس بوتين يمسك، في النهاية، ليس بمقاليد السلطة السياسية فحسب، أو هو المسؤول سياسيًا عن مجريات الأحداث، وكل ما يحدث في البلاد، وفي الأراضي التي سيطرت عليها قواته في أوكرانيا، وإنما هو المسؤول أيضًا  عن مسار المعارك عسكريًا، باعتبار أنه القائد الأعلى القوات المسلحة. وللتذكير، فإن الرئيس بوتين ينحدر مهنيًا من أوساط الاستخبارات، وليس هو بمدني ولا عسكري. والمعروف أن أجهزة الاستخبارات في روسيا عمومًا، تتعامل بنوع من “الفوقية” مع المؤسسة العسكرية، وهذا ما يبدو في تعامل بوتين مع القيادات العسكرية عمومًا، ولاسيما هيئة الأركان منها، وقيادة العمليات العسكرية في أوكرانيا كذلك. فالرئيس بوتين – إذن – يمثل الجهة الوحيدة، الذي يمكنها تحديد نوعية الانتصارات التي حققها الجانب الروسي، والتي تبرر للقيادة السياسية إعلان توقف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

إلا أن هذا يبدو بعيدًا نوعًا ما، والقيادة الروسية لن تكتفي في الوقت الحالي بانتصار مجموعة فاغنر في مدينة سوليدار – وهو أول انتصار روسي منذ ستة أشهر – وإنما ستتنظر ما قد تسفر عنه العمليات الميدانية في فصل الربيع، وهي تستعد لذلك بوجوه عدّة، وما إنجاز سوليدار، سوى مقدّمة لذلك، وعلى الأقل، بحسب وجهة النظر الروسية.

  • الاعتماد المتزايد على القوات غير الرسمية

لوحظ في النصف الأخير من السنة المنقضية، 2022م، تراجع نسبي في شعبية الرئيس بوتين[3]، وتغير في مزاج الرأي العام تجاه الحرب، وتعاظم الاتجاه المؤيد للتفاوض، وخاصة بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية[4]، وهذا عامل إضافي، قد يفسر الاتجاه نحو تركيز الجهود، لتحقيق أي انتصار، مهما كانت رمزيته، وهو أمر لم تقدر على إنجازه روسيا عبر عمليات الجيش الروسي وحده؛ ما يبرر ويدعو للاعتماد على القوات غير الرسمية، المرتبطة بطريقة غير مباشرة بالنظام.

ومهما يكن من أمر، فإن مجموعة فاغنر، التي استطاعت أن ترفع عدد رجالها إلى خمسين ألف مقاتل[5]، واستخدامها لمرتزقة أجانب، وسجناء روس، تم اطلاق سراحهم من السجون وإغراؤهم بالقتال، وبرواتب عالية، مقابل العفو عنهم، تعمل جاهدة على الصفوف الأولى في منطقة باخموت، لتحقيق بعض الإنجازات، التي من شأنها أن تكشف عن عجز وتقصير القوات العسكرية من جهة، وترفع من مكانة قائدها يفغيني بريغوجين السياسية في نظر الكرملين، من جهة أخرى. مع ملاحظة أن القيادة السياسية الروسية لم تتحدث في مرحلة أولى سوى عن انتصار للجيش الروسي في سوليدار، ثم عادت في مرحلة ثانية، لتشير إلى الدور البارز لفاغنر في ذلك.

ومهما يكن من أمر، فالسيطرة على مدينة سوليدار، التي لا يتجاوز عدد سكانها 12 ألف ساكن قبل الحرب، تمثل إنجازًا رمزيًا مهمًا، خاصة وأنه جاء بعد مرحلة جمود وتراجع للقوات الروسية منذ أشهر. ومهما يكن من أهمية استراتيجية نسبية لسوليدار، فإن الإنجاز قد تم، لكنه تم بثمن مرتفع من الخسارة البشرية الروسية، حسب المصادر الروسية الرسمية نفسها[6].

ومن جهة ثانية، ينظر الطرف الروسي لسوليدار، على أساس أنها موقع استراتيجي، لقطع الإمداد عن بعض الخطوط الأوكرانية المتصلة بجبهة باخموت، وقد يكون هذا صحيحًا في اتجاه ما، ولكن يمكن للأوكرانيين استحداث ممرات وخطوط إمداد بديلة، وهنا يمكننا التساؤل، عما إن كان الجيش الروسي – الذي كان له دور مّا في السيطرة على سوليدار إلى جانب قوات فاغنر – يبحث عن انتصار بديل عما فشل في تحقيقه في باخموت، التي تقع على بعد 10 كم عن سوليدار! لذلك يمكن القول إن الإنجاز في سوليدار يمثل مادة للاستثمار السياسي لدى الرأي العام الروسي لأطراف عدة، بدءًا من الكرملين، مرورًا بهيئة الأركان الروسية، وانتهاء بزعيم فاغنر.

في هذا السياق من التنافس الميداني، بين القوات العسكرية ومقاتلي فاغنر، برزت مجموعة “الوطنيون” (Patriot) على الساحة القتالية. لكن ظهورها كمنافس لفاغنر، يعود إلى سنة 2018م، وبالتحديد في سوريا. والأهم من كل ذلك، هو أنها قريبة من وزير الدفاع سيرغي شويغو Sergei Shoigu، وأن أعضاءها يتشكلون من قدماء القوات الخاصة، ومن أعضاء هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وقد تكون بصورة أو بأخرى، على علاقة بمديرية المخابرات العامة لهيئة الأركان، للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية، والمعروفة اختصارا بـ  “GRU”[7].

وفي اللحظة التي تمكنت فيها مجموعة بريغوفين، من السيطرة على مدينة سوليدار، قام الرئيس بوتين بتغيير قيادة الجيش الروسي المقاتل في أوكرانيا، بتعيين الجنرال فاليري غيراسيموف Valeri Guerassimov، بدل الجنرال سيرغاي سوروفيكين  Sergei Surovikin، ليكون بذلك غيراسيموف في المرتبة الثالثة بعد بوتين ووزير الدفاع، على رأس الهرمية العسكرية، مع بقاء سوروفيكين كمساعد لغيراسيموف.

هذه التغييرات على رأس الهرم العسكري العامل في أوكرانيا، ودور القوات غير النظامية في الحرب الدائرة، يعكس في الحقيقة صراع الأجنحة المتنفذة حول الرئيس بوتين، وتنافس “الكيانات والمؤسسات”[8]، ولاسيما التنافس المتنامي بين هيئة الأركان وقيادة فاغنر. والتعيين الجديد يرمي، بحسب تحليلات المتخصصين، إلى معادلة الكفة مع الجهود التي تبذلها مجموعة فاغنر، لتحقيق اختراق عسكري مهم، خصوصًا أن سمعة القوات العسكرية لدى الشعب الروسي قد تراجعت كثيرًا، بعد تمكن الأوكرانيين من توجيه ضربات موجعة – وإن كانت محدودة – في العمق الروسي.[9] وفي كل الحالات، فإن هذا التعيين الجديد يفيد بأن القيادة الروسية ترى أن الوضع على الجبهات يحتاج إلى تنسيق أكثر لجهود مختلف الوحدات، وهذا يمكن أن يتم بتوحيد القيادة الميدانية مع القيادة العسكرية العامة في موسكو. ومعروف أن الجنرال غيراسيموف، قريب أيضًا من وزير الدفاع سيرغي شويغو.

  • حرب استنزاف لكل الأطراف

تتجه الحرب في أوكرانيا نحو التحول إلى حرب مواقع وخنادق، أكثر من كونها حربًا هجومية، ولا يبدو في أفق سنة 2023م بشائر انتصار ساحق لطرف على آخر. بل كل طرف يعمل على إنهاك الطرف المقابل، والبلوغ به إلى مرحلة القبول بالتفاوض، بشروط الطرف الذي يبدو أكثر سيطرة على الأرض. وفي هذا السياق، تعمل القوات والقيادة الروسية، على استنزاف الغرب الداعم لأوكرانيا، ودفع الوضع في أوروبا نحو المزيد من التأزم، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ بسبب التضخم وارتفاع أسعار المحروقات، وشحنها، ووقوع الحكومات في دول الاتحاد الأوروبي تحت ضغط السخط الاجتماعي، والتململ الشعبي.

وفي المقابل، تعمل الولايات المتحدة، ومن ورائها كل أعضاء حلف الناتو، على دعم صمود القوات الأوكرانية، وإحراج القيادة السياسية الروسية ميدانيًا، دون أن تمكن الجيش الأوكراني من القدرات العسكرية الكافية، التي تسمح له بتحقيق انتصارات ميدانية مهمة؛ وذلك خشية أن تصل الحالة إلى مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا، وهو ما تحذر منه موسكو في كل مرة تقوم دول حلف الناتو بإرسال أسلحة جديدة للطرف الأوكراني.

إن استمرار الحرب، ولجوء روسيا إلى الاعتماد على خطط بديلة لتلك التي انطلقت منها في البداية، ثم عدم ضمانها استمالة الصين كليًا أو الحصول على موقف مؤيد لها بكل وضوح – خاصة وأن بكين ليست في الأساس حليفًا أمنيًا لروسيا – ثم استعانتها بأسلحة من إيران، وكوريا الشمالية، ربما يدل على رؤية سياسية غير واضحة فيما يتعلق بمسار الحرب واتجاهها النهائي.[10]

ويبدو من تطورات الأوضاع أن الروس لم يكونوا يتوقعون مثل هذا الصمود من قبل القوات الأوكرانية، ومثل هذا الالتفاف حول القيادة السياسية في كييف، ومثل هذا التوحد لمختلف النخب الأوكرانية، ضد العملية العسكرية الخاصة لموسكو؛ ما يشير إلى عدم قراءة القيادة الروسية للوضع بشكل دقيق، وللتحولات العميقة، التي شهدها الجيش والنخب الأوكرانية، بعد ضم القرم سنة 2014م.[11]

واليوم تواجه روسيا استنزافًا خطيرًا لمخزونها البشري، وهي تستعد لحملة تجنيد ثانية، كما تستعد لإعادة بناء وحداتها العسكرية، ولزيادة تعدادها، ليبلغ المليون ونصف المليون في السنوات القادمة، وبالتالي جعل الجيش الروسي – بمثل هذا الحجم – أكبر من الجيش الأمريكي، ويحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث عدد جنوده بعد الصين، وستكون نسبة زيادة عديد الجنود الروس في السنوات القادمة 30%. وهذا ربما يشير إلى أن القيادة السياسية بدأت تدرك بوضوح أكبر أن مستوى ما تمتلكه اليوم من الجند، غير قادر على تحقيق الانتصارات المتوقعة في أوكرانيا ولهذا فهي تحتاج إلى تعبئة كبيرة.[12]

إن التفكير في إعادة هيكلة الجيش الروسي، وتعظيم عتاده بهذه الصورة في السنوات المقبلة، والكشف عن أسلحة روسية جديدة، ذات قدرة تدميرية هائلة، في سياق سباق الأسلحة الردعية، والاعتماد المتزايد على القوات غير الرسمية مثل “فاغنر” و”الوطنيون” – كل ذلك يكشف أن القيادة السياسية والعسكرية الروسية، تحاول إعادة قراءة موازين القوى الإقليمية والعالمية، في ضوء نتائج الحرب مع أوكرانيا، وتريد تعديل تلك القراءة وتصويبها، والتحليل المسبق، والتوقعات الأولية لتأخذ بالاعتبار المعطيات التي لم تكن بحسبانها قبل اتخاذ قرار الحرب. وهذا ما تقوم به أيضًا الأطراف الأخرى التي انخرطت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في هذه الحرب. ولكن ما تميزت به تقديرات القوى الغربية للقدرات العسكرية الروسية، هو المبالغة؛ بينما فوجئ كل المراقبين والمتخصصين، بتدني مستوى أداء الجيش الروسي ميدانيًا، وكذلك قصور الأسلحة والاستراتيجية الروسية مقابل الأسلحة الغربية المتطورة، كما حدث أثناء محاولة اقتحام كييف، حيث كان للفارق التقني دور في تدمير القوات التي حاصرت كييف لأسابيع قبل أن تضطر للانسحاب.

ويبقى السؤال المهم هنا هو ما يتعلق بالتكلفة السياسية الداخلية، لعدم تحقيق الأهداف المتوقعة، والتي دفع ثمنها المجتمع الروسي بمختلف شرائحه وفئاته، وخاصة المكون الاقتصادي للنخب الروسية، وقد يكون مستقبل القيادة الروسية ككل وليس فقط الرئيس بوتين مرتبطًا جدًا بمصير هذه الحرب؛ لذلك سوف تعمل بكل ما في وسعها وإمكانياتها من أجل ضمان ألا تخسر الحرب – على الأقل – إذا لم تستطيع تحقيق نصر حاسم.

 لكن ثمة ما هو أعظم وأخطر، قد ينتظر الفيدرالية الروسية في حال الهزيمة – بمواصفات محددة – في الحرب الأوكرانية. صحيح أن بعض الحالات في تاريخ الروس تشير إلى أنهم استطاعوا خلالها تحويل هزائمهم إلى انتصارات، لكن يجدر هنا التذكير بأن هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان عجلت من تفككه، حيث تضافرت عوامل عدّة في اتجاه دفعه نحو صورة من التحلل، وفقدان الأطراف. واليوم قد يكون أيضًا مصير الفيدرالية ككل مرهونًا بمصير الحرب، خاصة وأن روسا تتكون من عشرات الأقاليم التي قد يبدأ بعضها بالتفكير بالانفصال أو توسيع نطاق الحكم الذاتي الذي يتمتع به، وهو ما سيشكل تحديًا حقيقيًّا للقيادة الروسية ولبوتين شخصيًا الذي يبدو أنه شن هذه الحرب لإعادة إحياء الإمبراطورية الروسية التي أسسها بطرس الأكبر، الذي لا يخفى أن بوتين يسير على خطاه.

الخلاصة:

يبدو أن القيادة الروسية لم تكن تتوقع أن تستمر الحرب لفترة طويلة، وأنها ربما لم تدرس ردود الفعل الغربية ومن ثم التداعيات التي أحدثتها ما تسميه “عملية عسكرية خاصة”، على مختلف الصعد الداخلية والخارجية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. وقد أظهرت التطورات الميدانية قصورًا عامًا في قدرات الجيش الروسي على شن حرب خاطفة أو واسعة النطاق للسيطرة على أراضي دولة بحجم أوكرانيا؛ وهو ما دفع القيادة الروسية للاعتماد على القوات غير النظامية خاصة في بعض المعارك الحاسمة. وهذا كله بالطبع سيلقي بظلاله على الوضع السياسي الداخلي في روسيا، سواء فيما يتعلق بمستقبل القيادة أو حتى الفدرالية نفسها، حيث ستتأثر هاتان القضيتان سلبيًّا أو إيجابيًّا بنتيجة مسار هذه الحرب ونتيجتها النهائية.

المراجع

[1] Thomas Newdick, “Su-57 Felon Fighters Are Flying Ukraine Combat Missions: U.K. Intel,” The Drive, January 9, 2023, https://www.thedrive.com/the-war-zone/su-57-felon-fighters-are-flying-ukraine-combat-missions-uk-intel.

[2] معلوم أن وجود مجموعة فاغنر في أكرانيا، يعود إلى سنة 2014م، حيث عملت في جزيرة القرم، ثم في إقليم الدومباس. وبعد ذلك ظهرت في سوريا (2015)، وفي ليبيا (2016). ومنها تمددت في القارة الإفريقية، للعمل في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومالي.

[3] – تشير عمليات قياس الرأي العام في روسيا إلى أن نسب الموافقة لسياسات الرئيس بوتين ترتفع في زمن الانتصارات وتنخفض في زمن الهزائم؛ وفي نهاية السنة الماضية كان يوجد تراجع في شعبية الرئيس وارتفاع نسب عدم الرضا على سياساته في أوكرانيا.

Statistica, En tant que Russe, approuvez-vous les activités de Vladimir Poutine en tant que président (ou premier ministre) de la Russie ?: Taux d’approbation de Vladimir Poutine en Russie mensuelle 1999-2022 (Russia, Statistica, 2022).

[4] “Guerre en Ukraine : une majorité de Russes aimeraient négocier un arrêt du conflit selon deux sondages,” Ladepeche, December 6, 2022, https://www.ladepeche.fr/2022/12/06/guerre-en-ukraine-une-majorite-de-russes-aimeraient-negocier-un-arret-du-conflit-selon-deux-sondages-10850008.php.

[5] Lee Ferran, “North Korea providing arms to Russia’s Wagner Group for Ukraine fight: White House,” Breaking Defense, December 22, 2022, https://breakingdefense.com/2022/12/north-korea-providing-arms-to-russias-wagner-group-for-ukraine-fight-white-house/.

[6] Jean-Philippe Lefief, “Guerre en Ukraine: Comprendre la Bataille de Soledar, Verrou du Donbass, Dont la Russie Revendique la Prise,” Le Monde, January 13, 2022, https://www.lemonde.fr/international/article/2023/01/13/guerre-en-ukraine-comprendre-la-bataille-de-soledar-verrou-du-donbass-dont-la-russie-revendique-la-prise_6157794_3210.html.

[7] “Wagner versus Patriot: Fighting for Mercenary Control,” Warsaw Institute Foundation, July 12, 2018, https://warsawinstitute.org/wagner-versus-patriot-fighting-mercenary-control/.

  • Eloi Passot, “Guerre en Ukraine: le Groupe Paramilitaire Russe Patriot Repéré Près de Donetsk, Selon L’armée Ukrainienne,” Le Figaro, January 2, 2023, https://www.lefigaro.fr/international/guerre-en-ukraine-le-groupe-paramilitaire-patriot-repere-pres-de-donetsk-selon-l-armee-ukrainienne-20230102.

[8] “Wagner versus Patriot: Fighting for Mercenary Control,” Warsaw Institute Foundation.

[9] “Clan Struggle in the Kremlin: Valéri Guerassimov, an Obstacle on Wagner’s road?,” Teller Report, January 12, 2023, https://www.tellerreport.com/news/2023-01-12-clan-struggle-in-the-kremlin–valéri-guerassimov–an-obstacle-on-wagner-s-road-.BJHBDj6qi.html.

[10] Ferran, “North Korea providing arms to Russia’s Wagner Group for Ukraine fight: White House”.

[11] Isabelle Facon, “Isabelle Facon: «L’armée Russe, Une Puissance Militaire Fantasmée à L’épreuve»,” Le Monde, March 17, 2022, https://www.lemonde.fr/idees/article/2022/03/17/isabelle-facon-l-armee-russe-une-puissance-militaire-fantasmee-a-l-epreuve_6117836_3232.html .

[12] Thomas Romancce, “Vladimir Poutine Veut Augmenter de 30% la Taille de L’armée Russe,” Capital, December 23, 2022, https://www.capital.fr/economie-politique/vladimir-poutine-veut-augmenter-de-30-la-taille-de-larmee-russe-1455655.

المواضيع ذات الصلة