Insight Image

الطب في زمن الحرب والوباء

21 أبريل 2022

الطب في زمن الحرب والوباء

21 أبريل 2022

بالكثير من الحزن والأسى، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد الهجمات على منشآت الرعاية الصحية، وعلى أفراد الطاقم الطبي، منذ بداية الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير الماضي، قد تخطى المئة هجمة واعتداء، نتج عنها وفاة 73 وإصابة 51 آخرين، وتدمير 89 منشأة صحية، وإصابة عدد من المسعفين ومن سيارات الإسعاف. وبخلاف الثمن الإنساني الآني، والدمار الحالي، يتوقع أن تكون لهذه الهجمات تبعات طويلة الأمد على قطاع الرعاية الصحية، وعلى الجهود المبذولة لمأسسة الإصلاحات في هذا القطاع الحيوي، وخاصةً على صعيد تحقيق هدف توفير الرعاية الصحية الشاملة لجميع أفراد المجتمع الأوكراني.

 والمؤسف في هذه الحوادث، أنه برغم وقوع بعضها عرضاً؛ فإن جزءاً من الاعتداءات كان مع سبق الإصرار والترصد، وهو ما يُعتبر جريمة حرب بناء على اتفاقية جنيف، التي تنص على حق جرحى الحروب والصراعات المسلحة في تلقي العلاج الطبي، وعلى حق أفراد الطاقم الطبي في تقديم خدماتهم بأمن وسلام. ولكن بعد مرور أكثر من 150 عاماً على هذه المعاهدة وتصديق أغلب دول العالم عليها، لا تزال بنودها تنتهك بشكل منتظم ومتكرر.

وأمام هذا الواقع المؤسف، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2011، الحملة المعروفة بالرعاية الصحية في خطر (Health Care in Danger)، والتي دعمتها حينها بتقرير، ذكر أن 655 حادثة عنف وهجوم على مستوى العالم وقعت ضد الأطباء، والممرضين، والمسعفين وسيارات الإسعاف، وضد المنشآت الصحية، في 16 دولة منها ليبيا، وأفغانستان، والصومال، وكولومبيا، خلال الفترة الممتدة من منتصف عام 2008 إلى نهاية عام 2010.

وعلى المنوال نفسه، ومثلها مثل أوقات الحروب والصراعات المسلحة، شهدت الشهور الأولى من ظهور وباء كوفيد-19، تصاعد في عدد وحدة الهجمات على أفراد الطواقم الطبية، وعلى منشآت الرعاية الصحية، حسب ما نشر حينها في إحدى أعرق الدوريات الطبية (Lancet). حيث ذكرت الدورية حينها أن المئات من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، وحتى المرضى المصابين بالفيروس، تعرضوا للاعتداء البدني واللفظي. ويؤكد التقرير أن الحالات المسجلة، ربما لا تمثل أكثر من قمة جبل الجليد، حيث يعتقد أن الجهل والخوف والعزلة الاجتماعية التي رافقت الوباء في بداياته، عرَّضت أغلب أفراد الطاقم الطبي، والعديد من المرضى والمصابين لنوبات من العنف والتحقير والازدراء. كل هذا حدث في وقت دفع فيه الوباء نظم الرعاية الصحية في مختلف دول العالم إلى شفا الانهيار، وإلى خسارة جزء مما أُنجِزَ خلال العقدين الماضيين على صعيد تحقيق هدف الرعاية الصحية الشاملة لجميع أفراد المجتمع. حيث يُقدَّر مثلاً أن 23 مليون طفل حول العالم خلال عام 2020، فاتتهم التطعيمات الأساسية الروتينية؛ ما وضعهم تحت طائلة خطر متزايد من الإصابة بأمراض الطفولة المعدية، التي يمكنها -إن لم تقتلهم- أن تتسبب لهم بإعاقات شديدة مدى الحياة.

وبوجه عام، يمكن القول إنه أصبح من المعتاد عدم احترام حيادية المنشآت الصحية، وعدم تقدير الخدمات الإنسانية التي يقدمها أفراد الطاقم الطبي، والمنشآت الصحية وسيارات الإسعاف، سواء كان ذلك ممن يقومون بمهاجمتها وتدميرها، أو من يحاولون توظيفها لتحقيق مكاسب عسكرية. ويتجاهل هؤلاء التبعات طويلة المدى لمثل هذه الاعتداءات، مثل ترك الأطباء وباقي أفراد الطاقم الطبي مواقعهم في مناطق العنف والصراعات المسلحة، وعجز المستشفيات عن توفير الخدمات الصحية الضرورية، وتوقُّف حملات التطعيم بما يحمل ذلك في طياته من خطر انتشار الأمراض المعدية خارج مناطق الصراع إلى الدول المجاورة، ومن ثم عبر القارات.

المواضيع ذات الصلة