Insight Image

المؤسسات الفعالة كمحرك للاقتصادات الناشئة: حالة أفريقيا جنوب الصحراء

14 أبريل 2021

المؤسسات الفعالة كمحرك للاقتصادات الناشئة: حالة أفريقيا جنوب الصحراء

14 أبريل 2021

مقدمة

أُثقلت الاقتصادات الناشئة في العقود الأخيرة بالعديد من التحديات البنيوية، التي من بينها الافتقار إلى مؤسسات اقتصادية وسياسية قوية وفعالة وشاملة للجميع. ويقف هذا النقص حائلاً أمام النمو والتنمية المستدامة. وفي غياب مؤسسات قوية وراسخة، تنزع المؤسسات الضعيفة والاستخراجية – التي تعود بالفائدة على قلة من الناس – إلى توفير بيئة يتمكَّن فيها الفساد وانعدام الكفاءة والأنشطة الريعية، كما يمكنها تهميش قطاعات اقتصادية معينة وخنقها؛ ما يؤدي إلى انتشار الأسواق السوداء والقطاعات غير الرسمية إلى درجة تجعل كبحها صعباً بعد ذلك.

ما هي المؤسسات؟ عرَّف المؤرخ الاقتصادي الأمريكي دوغلاس نورث المؤسسات بأنها “القيود التي ابتكرها الإنسان”، والتي تنظِّم التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية[1]. ويعرِّف كلٌّ من الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة روشستر، جريتشيل هيلمكي، والأستاذ المشارك بجامعة هارفارد، ستيفن ليفيتسكي المؤسسات الرسمية بأنها المؤسسات التي تُستخدَم فيها قواعد وعمليات تُدار من خلال وسائل مُجازة رسمياً. وتشير المؤسسات غير الرسمية عادةً إلى قواعد مقررة مجتمعياً، وغير مكتوبة، تتم مشاركتها وإدارتها من خلال وسائل غير رسمية[2]، وتستلزم وجود أعراف وممارسات توجِّه العديد من الناس توجيهاً فعالاً عبر المجتمعات.

وينظر خبيرا المؤسسات البارزان، أسيموغلو وجيمس روبنسون، إلى المؤسسات على أنها “قواعد تؤثر في كيفية عمل الاقتصاد” والحوافز التي تحرِّك الناس؛ ويمكن أن تكون المؤسسات الاقتصادية مؤسسات شاملة (مرغوبة من أجل الصالح العام) أو استخراجية (تعود بالفائدة على قلة من الناس)[3]. ويعرِّف أستاذ الإدارة في جامعة لافبرا جيفري هودجسون المؤسسات بأنها “منظومات من القواعد الاجتماعية الراسخة والسائدة التي تنظِّم التفاعلات الاجتماعية”[4]. ويمكن القول إن المؤسسات تشكّل لبنات البناء الأساسية، مثل البروتين، من حيث ضرورتها لسلامة عمل المجتمع واستمرار وجوده؛ وكونها تساعد في الحفاظ على العقد الاجتماعي.

تعزو نظرية المؤسسة النموَّ والتنمية، أو عدمهما، إلى أنواع المؤسسات القائمة في البلد المعني – استخراجية أو شاملة – وبناءً على نظرية الاقتصاد المؤسسي الحديث، يمكن أن تكون نوعية الحوكمة عاليةَ الاستجابة لنوع المؤسسات السياسية. وتتوافر للمؤسسات التي تضمن دمج الحوافز والأهداف السياسية والتنموية فرصة أكبر لصياغة سياسات وآليات إدارة عامة أكثر فاعلية[5]. وتشير المؤسساتية الكلاسيكية إلى أن الظروف البنيوية هي المسؤولة عن ترتيبات المؤسسة[6]. وعلى العكس من هذا، يكون الإطار المؤسسي الجديد متجذّراً في النماذج القائمة على الفاعلين، التي ترى أن الأفضليات تنبع من الحوافز والقيود المؤسسية[7].

أهمية المؤسسات

يقوم الأساس الذي تُبنى عليه التنمية المستدامة الطويلة الأجل على نوع المؤسسات القائمة؛ التي من بينها حقوق ملكية واضحة، ونظام قضائي عادل، وسلطة ضريبية موثوقة، وجهاز مؤهل لإنفاذ القانون، ومصرف مركزي مستقل، وفصل بين السلطات. ويؤكد أسيموغلو وجيمس روبنسون أهمية امتلاك مؤسسات شاملة وفعّالة، من خلال تأكيدهما أن العديد من الدول الغنية في العالم عملت على تطوير مؤسسات شاملة في فترة معينة خلال القرون الثلاثة الماضية، الأمر الذي وضعها على طريق الازدهار، وإن اعترضت مسارها عقبات صعبة[8].

يتجاهل عالم الاقتصاد الأمريكي توماس سويل، في كتابه “حقائق ومغالطات اقتصاديّة” فرضية المؤسسة، أو لا يعترف بها، ويركِّز على الفوارق الهائلة في “الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والثقافة” بوصفها السبب وراء الاختلافات في الدخل/الثروة بين الدول. ولكنه، مع ذلك، يسلّط الضوء على انعدام حقوق الملكية السائد في معظم دول العالم الثالث، والذي يشل قدرة هذه الدول ويحول دون خروج مواطنيها من دائرة الفقر[9].

وعندما تكون المؤسسات الاقتصادية شاملة، فإنها تمكِّن من وجود خيارات اقتصادية مفتوحة ومتاحة للجميع، ولا تكون السيطرة على الثروة والفرص مقتصرة على قِلَّة من الأفراد الذين يمكنهم استغلال مواقعهم المتميزة لممارسة نفوذ سياسي. وعلى العكس من ذلك، تتكوّن المؤسسات الاقتصادية الاستخراجية من أفراد متنفذين لا يهتمون إلا بمصالحهم الذاتية، ومن ثَم يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب المكاسب الجماعية. إضافة إلى ذلك، لا يوجد في المؤسسات الاقتصادية الاستخراجية نظام حقوقي واضح معمولٌ به[10]. وفي حين توجِد المؤسسات الشاملة نظاماً للمكافآت مبنيّاً على الجدارة والأهلية، فإن المؤسسات الاستخراجية تقوِّض الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه التنمية والنمو.

ويعزو الاقتصاديان ديمترو ورافي هيات الفساد إلى الضعف المؤسسي في معظم هذه الدول، ويشيران إلى أن الفساد “يمثِّل ضريبة على إجراء المعاملات، الأمر الذي يؤثر في مؤسسات الدولة، وفي اقتصادها أيضاً، عبر قنوات شتى”[11]. ولا يوجد الفساد في فراغ، بل صُنِعت البيئات التي تجعله أمراً حتمياً؛ لذا فإن غياب المؤسسات الاقتصادية والسياسية القوية والمستقلة يشكِّل مخاطر جسيمة للعديد من الاقتصادات الناشئة. ويعزو بعض الباحثين الاختلاف بين الدول الغنية والدول النامية إلى معايير مؤسساتها الاقتصادية[12].

ويمكن للعديد من الاقتصادات الناشئة أن تكسب من مزيج من الشراكات العامة والخاصة من حيث الاستثمار وإيجاد فرص العمل وتطوير البنية التحتية. إضافة إلى ذلك، إذا لم توجد مؤسسات قوية وفعالة لتحمي الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال والنظام الإيكولوجي الاقتصادي، فمن المرجح أن تحدث نتائج سلبية بسبب عدم الكفاءة الكامن عميقاً في النظام. أما المؤسسات الفعالة فبمقدورها أن تحد من تصرفات الفاعلين، وأن توفّر الرقابة على المؤسسات الأخرى التي ستعمل مثل الرعاع عادةً.

إن المؤسسات الفعالة والهادفة ستكون عاملاً حيوياً لتحقيق جميع الأهداف في الاقتصادات الناشئة وعلى مستوى العالم، بدلاً من أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. لقد أثبت وباء كوفيد-19 ضرورة أن تكون المؤسسات مستعدة وملتزمة وفعالة بما يكفي لكي تحقق أهدافها وتصمد أمام الظروف غير المتوقعة التي ربما تتطلب أساليب عمل غير تقليدية. ومع أن المؤسسات ليست الدواء الناجع لجميع الأمراض ولا هي الحل الأوحد للقضايا التنموية، فإنها عندما تعمل جدّياً من أجل الصالح العام، فستكون المجتمعات أفضل حالاً وستتحرَّك القاطرة الاقتصادية بسلاسة.

حالات حقيقية للانهيار المؤسسي

يشير سويل إلى دراسة وجدت أن العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء تمتلك حكومات ضعيفة، إضافةً إلى الجشع الذي يزيد من ضعف هذه الحكومات. وترى الدراسة أن عمل الحكومات في هذه الدول أقرب إلى عمل المافيا منه إلى عمل مقدِّم الخدمات العامة[13]؛ ففي زيمبابوي وسيراليون لم تؤثر المؤسسات الاستخراجية في “القانون والنظام” فحسب، بل دمّرت أساس “الحوافز الاقتصادية الأساسية”؛ وعادةً ما تتخلف الدول عن الركب بسبب هذه المؤسسات الاقتصادية الاستخراجية[14]. ولا شك في أن استشراء الفساد ليس حكراً على الاقتصادات الناشئة؛ لكنه اجتاح العديد من الدول في أفريقيا، ويفسر جزئياً مكابدة بعض الدول في سعيها للاستمرار في النمو.

وقد تم الإعلان في عام 2015 عن قضية فساد كبيرة في نيجيريا تفيد بأن مبلغ 2.1 مليار دولار خُصِّص لحرب الجيش النيجيري على تنظيم بوكو حرام، إلا أن حزب الشعب الديمقراطي قد احتال بشأنها وحوّلها لخدمة حملته الانتخابية[15]. وفي حين لم تُسترد الأموال، فإن إخفاق المؤسسات التي كان من المفترَض أن تحمي النيجيريين في ساحة المعركة قد أضاف بُعداً آخر لانعدام الثقة. فالنيجيريون لا يثقون بمؤسساتهم ولا بسياسييهم؛ وهذا مؤشر ينذر بالخطر. إضافة إلى ذلك، عندما غادر جيكوب زوما رئاسة جنوب أفريقيا، حمل معه تهماً بالفساد المؤسسي والسيطرة على مقدّرات الدولة. وهذا لم يُحدِث حالة من الارتياب الشعبي في المؤسسات العامة فحسب، بل فضح أيضاً طريقة عمل المسؤولين المنتخبين بدهاليز السلطة في واحد من أكبر الاقتصادات في إفريقيا.

يعاني العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء من جراء الفساد المؤسسي الذي يُعد أحد الأسباب التي تفسِّر ضعف النتائج السياسية والتنموية. وتمتلك المؤسسات الضعيفة، التي تخدم مصالحها الذاتية، تسلسلاً قيادياً يحافظ على الوضع القائم من خلال إبقائها عاجزة للغاية. إن الفساد النظامي واستغلال النفوذ للكسب غير المشروع يوجِد علاقةً بين “الرعاة والزبائن” تتناقض مع بناء الثروة وتوسيع الثروة الاقتصادية الوطنية. ووفق هذه العلاقة، يقدم الزبائن دعمهم (السياسي، القضائي … إلخ) للرعاة مقابل المكافآت المادية والمنافع الأخرى، وتستمر هذه الدائرة. وكثيراً ما يعتمد بقاء هذه العلاقة الكارثية بين الرعاة والزبائن على مدى ضعف المؤسسة والمؤسسات المحيطة بها التي كان يفترض أن تراقبها، وتحد من التجاوزات، وتقاضي مرتكبي المخالفات. إضافة إلى ذلك، يُترَك من هُم في القاع، الذين ليس لديهم علاقات مع عصبة تقاسُم السلطة أو عالمه، ليغرقوا في الفقر، في حين يتسع التفاوت وانعدام المساواة أيضاً.

كان الكاكاو والذهب دائماً مصدرين رئيسيين لإدرار الدخل في غانا، غير أن عدداً لا حصر له من السياسات الاقتصادية غير المنطقية والفاشلة أدى إلى انخفاض هائل في إنتاج الكاكاو؛ من 19% من الناتج الحلي الإجمالي في خمسينيات القرن العشرين إلى 3% في ثمانينياته[16]. وأدى استقطاب مجموعات المصالح إلى تسهيل الأنشطة الريعية التي دمّرت صناعة الكاكاو، وعملت جوهرياً على “قتل الأوزة التي تبيض الذهب”[17]. وفيما يتعلق بالمؤسسات الاستخراجية، فقد عانت صناعة الكاكاو في غانا كثيراً من الفشل المؤسسي المتمثل في سوء الإدارة وانعدام المساءلة.

لقد أدت المؤسسات الضعيفة والاستخراجية في العديد من الاقتصادات الناشئة إلى تهميش قطاعات بعينها؛ الأمر الذي أفرز اتكاليةً مفرطة وقاد دائماً إلى انتشار الأسواق السوداء وأنشطة القطاع غير الرسمي. لقد أوضح سويل أن من بين السكان العاملين في الهند، يعمل “10% فقط في قطاعات “رسمية أو معترف بها قانونياً، كما أن مزاولة الأعمال بطريقة قانونية أصبحت مكلِّفة بسبب التعقيدات البيروقراطية وقوانين الإدارة الجزئية ولوائحها”[18]. وتجدر الإشارة إلى أن الأسواق السوداء والقطاعات غير الرسمية لا تزداد عدداً بسبب المؤسسات القوية والمقتدرة، إنما تتكاثر بسبب المؤسسات الاستخراجية المعوِّقة والعاجزة. ولا غرابة في أن يصبح العديد من الذين يخرِّبون المؤسسات الرسمية مشاركين فاعلين مجهولي الهوية في السوق السوداء، ومن ثَم تنشأ بيئات مقاوِمة لأي قيود مشدّدة أو إصلاح.

الإصلاح المؤسسي: حالة رواندا

مرت رواندا بعقبات مؤسسية كبيرة، قاد جزء منها إلى الإصلاحات المؤسسية. فبعد الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994، تحوّلت البلاد إلى حطام إنساني واقتصادي وسياسي. وعندما أصبح بول كاغامي رئيساً في النهاية، أعطى الأولوية للمصالحة وإعادة الإعمار بدلاً من العدالة الجزائية، وشهد قطاع التعليم أحد أبرز الإصلاحات التي تم إجراؤها. ففي عام 2000، حددت الحكومة الرواندية أهدافها التعليمية، بما يتوافق مع هدف الأمم المتحدة الإنمائي للألفية الخاص بالتعلم؛ أي التعليم الشامل للجميع، وأطلقت عليها اسم رؤية 2020 [19].

كانت الركيزة الأساسية لرؤية 2020 هي تنمية الموارد البشرية، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة، وضمان أن تصبح رواندا من الدول المتوسطة الدخل بحلول عام 2020، وذلك من خلال المعرفة وتطوير المهارات[20]. كيف كان يمكن تحقيق هذه الأهداف؟ أولاً، من خلال التدريب المطلوب على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي؛ ثانياً، من خلال التركيز على التدريب المهني والتقني (التكنولوجيا والهندسة والإدارة)؛ ثالثاً، إدخال تحسينات في العلوم التطبيقية والطبيعية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

كان صافي الالتحاق بالمدارس الابتدائية 72% في بداية الإصلاحات في عام 2000، وحددت رؤية 2020 الهدف عند 100%؛ وبحلول عام 2019، بلغت النسبة 94.79%. وقفز معدل تأهيل المدرسين من 20% في عام 2000 إلى 98.6% في عام 2019. وبلغ عدد المراكز المهنية والتقنية 98 مركزاً في عام 2019، وكان الهدف أن تبلغ 106 مراكز في عام 2020 [21]. وعلى الرغم من أن معدَّل صافي الالتحاق بالتعليم الثانوي ظل منخفضاً نسبياً مقارنة بالمؤشرات الأخرى، فقد تحققت أهداف رواندا التعليمية عموماً (التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي). إضافة إلى ذلك، حدث تحوُّل اقتصادي استجابةً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبنية التحتية الخاصة بالخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول.

تميز الإصلاح المؤسسي في قطاع التعليم الرواندي بالالتزام والحزم والتفكير المستقبلي من أجل ضمان تطوير التعليم والقدرات البشرية وتسخيرها على النحو الأكمل.

يُعدّ تحسين المؤسسات عاملاً جوهرياً، وكذلك تأثيره في الناس، وعند الشروع في إجراء الإصلاحات وفقاً لهذا المعيار، لم تؤدِّ إصلاحات قطاع التعليم في رواندا إلى التحسين المؤسسي فحسب، بل أحدثت تأثيراً اتضح في عدد الروانديين المتعلمين والمهرة على مختلف المستويات.

توصيات

  • يجب أن تكون المصارف المركزية واللجان المستقلة وأجهزة مكافحة الفساد والمحاكم مستقلة استقلالاً حقيقياً عن الحكومة (التنفيذية) من أجل تمكينها من تنفيذ ما يوكل إليها من مهام بفاعلية من دون تدخل أو تهديد.
  • يجب وجود استمرارية في السياسات والقوانين بدلاً من تغييرها المتكرر؛ لأن الاستمرارية ستسمح بالالتزام بأهداف محددة، وبالشفافية، والمساءلة أمام الجمهور، وبالتفكير المستقبلي البعيد المدى، بصرف النظر عن رئيس المؤسسة أو الحزب الحاكم.
  • يجب أن تقدّم المؤسسات الاقتصادية حوافز للشركات الصغيرة والمتوسطة وللاقتصاد بأكمله من خلال توفير بيئات مواتية لمزاولة الأعمال، بحيث تكون خالية من التعقيدات البيروقراطية، وتقلبات الاستثمار، والرسوم الخفية، والضرائب الباهظة، والحواجز المرهقة التي تعترض دخول السوق.
  • يجب إنزال العقوبة الكافية على رؤساء المؤسسات ومسؤوليها ومقاوليها الذين يسيئون إدارة الأموال أو ينخرطون في ممارسة المحسوبية وغيرها من الأنشطة غير القانونية، لتكون عقوبتهم رادعاً ووسيلة للحفاظ على نزاهة المؤسسة ومنع الانحدار والانهيار المؤسسي.
  • تمثل الإصلاحات المؤسسية عاملاً حاسماً؛ ولذلك يجب على المواطنين وأصحاب حق النقض والفاعلين الدوليين المعنيين أن يلحّوا في المطالبة بإصلاحات شاملة، وأن يعملوا بفاعلية من أجل خدمة الصالح العام.

الخاتمة

في الدول التي تكون فيها المؤسسات والأجهزة المسؤولة عن محاربة الفساد (المحاكم وهيئات مكافحة الفساد) تتلقى رواتب من ممولين ورعاة متنفذين، تصبح مفاهيم الشفافية والمساءلة والعدالة أضحوكة. وبالنظر إلى زيمبابوي وسيراليون ونيجيريا، على سبيل المثال، يتضح أن الاستخفاف بالمؤسسات وما لحق بها من أضرار قد خلّف شروخاً عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذه الدول؛ وهذا مثال نموذجي على أن المؤسسات الضعيفة تفرز مشاكل عويصة لا تقدِر على معالجتها.

أن الانهيار المؤسسي لا يحدث بين ليلةٍ وضحاها، ونادراً ما يكون مسؤولاً عنه فرد واحد؛ لأن هذه الانهيارات تحدث تدريجياً وغالباً ما يغذّيها ممارسو الأنشطة الريعية ومن معهم من مسؤولين، بالإضافة إلى ضعف التمسّك بالقوانين القائمة وتنفيذها. وعندما تحقق الإصلاحات المؤسسية النتائج المرجوّة، كما حدث في رواندا، تتعزز التنمية البشرية والتنمية الوطنية.

ويُعدّ مسار النمو والتنمية الخالي من الفساد المستوطن أكثر فائدة بكثير من المسار المُثقَل بالممارسات الفاسدة. وتجد الاقتصادات الناشئة، التي تسعى بجدّية إلى بناء مؤسسات اقتصادية وسياسية قوية وشاملة وفعالة، نفسها في وضع أفضل يمكِّنها من تعزيز النمو والتنمية على المدى الطويل. غير أن القيام بذلك يتطلب من الدول أولاً أن تعرف نقاط ضعف مؤسساتها وعدم كفاءتها وتُقر بها قبل أن تتمكن من البدء في معالجتها على نحو شامل؛ وهذا بدوره يتطلب ما هو أكثر من “الإرادة السياسية”.

ولن يوفر إنشاء المؤسسات حلولاً سريعة للمشاكل الاقتصادية والسياسية المعقّدة، ولكن هذه المؤسسات سوف تتطور بمرور الوقت وتصبح أكثر صلابة وقدرة على توفير أسس راسخة يمكن أن تُبنى عليها التنمية المستدامة. وبافتراض ثبات العوامل الأخرى، يكون ضرورة حتمية للمؤسسات وقادتها أن يتخذوا خطوة حاسمة للابتعاد عن طريقة العمل المعتادة.

وأخيراً، لا يمكن المبالغة في التأكيد على أهمية المؤسسات الفعالة والمقتدرة بالنسبة لتحقيق النتائج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنموية المنشودة. ومن دون الاستخدام الرشيد للأموال العامة وتوفير القدر المناسب من الإشراف والمساءلة يوجد خطر يتمثل في أن الذين يستغلون الضعف المؤسسي لينهبوا من غير أن ينالوا جزاءهم سوف يخرِّبون الثروة الاقتصادية الوطنية. لذلك، لا بد أن يظل السعي إلى بناء مؤسسات قوية وفعالة وشاملة عملاً مستمراً وملتزماً.

المراجع

[1] North, D. (1991). Institutions. The Journal of Economic Perspectives, 5(1), 97-112, p. 97.

[2] Helmke, G., Levitsky, S. (2004). Informal Institutions and Comparative Politics: A Research Agenda. Perspectives on Politics, vol. 2, no. 04, pp. 725–740. p. 726.

[3] Acemoglu D., Robinson, J. A. (2012). Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty. New York: Crown Business. Print, p. 60.

[4] Hodgson, G. M. (2006). What Are Institutions? Journal of Economic Issues, XL, no. 1, p. 2.

[5] Alence, R. (2004). Political institutions and developmental governance in sub-Saharan Africa. Journal of Modern African Studies, Cambridge University Press. No. 42, 2, pp. 163–187.

[6] Kaiser, A. (1997). Types of Democracy: From Classical to New Institutionalism. Journal of Theoretical Politics9(4), 419–444. https://doi.org/10.1177/0951692897009004001

[7] Alence, R. (2004). Political institutions and developmental governance in sub-Saharan Africa. Journal of Modern African Studies, Cambridge University Press. No. 42, 2, pp. 163–187.

[8] Acemoglu D., Robinson, J. A. (2012). Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty. p. 80.

[9] Sowell, T. (2006). Economic Facts and Fallacies. New York: Basic Books. p. 160.

[10] Acemoglu D., Robinson, J. A. (2012). Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty.

[11] Dumitru, A., Raphie, H. (2015). Sub-Saharan Africa: politically more stable, but still fragile. RaboResearch – Economic Research.

[12] Kay, J. A. (2003). Culture and prosperity: Why some nations are rich but most remain poor. New York, NY: Harper Business.

[13] Sowell, T. (2006). Economic Facts and Fallacies. p. 175.

[14] Acemoglu D., Robinson, J. A. (2012). Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty.

[15] Olorunmola, A. (2016). Cost of Politics in Nigeria. wfd.org, Westminster Foundation for Democracy.

[16] Easterly, W. (2001). The Elusive Quest for Growth: Economists’ Adventures and Misadventures in the Tropics. MIT Press, Print. p. 260.

[17] Ibid. p. 261.

[18] Sowell, T. (2006). Economic Facts and Fallacies. p. 165.

[19] Ntale, A. (2013). The Metamorphosis to a Knowledge-Based Society: Rwanda. World Economic Forum. Chapter 2.2. pp. 119-125. p. 119.

[20] Ibid. p. 119.

[21] Ministry of Education (2018). Education Statistics. Kigali: National Institute of Statistics of Rwanda.

المواضيع ذات الصلة