أضحت ظاهرة التغيرات المناخية من أهم القضايا التي تحتل مكانة مركزية على الأجندة العالمية في السنوات الأخيرة، حيث تحظى باهتمام متزايد من قبل الدول والمنظمات الدولية. ويعود هذا الاهتمام إلى المخاطر الجسيمة التي تشكلها هذه الظاهرة على الأمن الإنساني، خاصة مع تفاقم تداعياتها السلبية التي لا تقتصر على تهديدات الأمن فقط، بل تشمل أيضًا تفاقم معدلات الجفاف، واتساع رقعة التصحر، واشتداد أزمات نقص المياه. كما أصبحت الآثار المترتبة على هذه الظاهرة أكثر حدة وتعقيدًا بسبب ارتباطها المباشر بقضايا الأمن الغذائي والمائي، والاستقرار الاقتصادي والسياسي، بالإضافة إلى تفاقم النزاعات وانتشار الإرهاب، لا سيما في القارة الإفريقية، ومن الجدير بالذكر أن إسهامات إفريقيا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا لا تتجاوز 4%، إلا أنها تعد من أكثر المناطق تضررًا من آثار التغير المناخي. وتتمثل أبرز هذه الآثار في الجفاف، واختلال أنماط هطول الأمطار، وانتشار التصحر. هذه التحديات تؤدي إلى ارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين بسبب العوامل البيئية، مما يزيد الضغوط على البنية التحتية والموارد الاقتصادية، ويعرض المجتمعات لمزيد من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويفاقم النزاعات العرقية والطائفية.[1]
في 20 يناير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وهي الخطوة التي أثارت موجة قلق واسعة على المستوى العالمي، وخاصة في القارة الأفريقية التي تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بتداعيات التغير المناخي. وعلى الرغم من أن إسهامات إفريقيا في الانبعاثات العالمية ضئيلة، إلا أنها تواجه تداعيات بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة وتيرة الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات، كما أن انسحاب الولايات المتحدة، باعتبارها واحدة من أكبر الدول المسببة للانبعاثات، أضعف التزام المجتمع الدولي بتحقيق أهداف اتفاقية باريس، مما وضع إفريقيا في موقف بالغ الصعوبة. ومع تراجع الدعم المالي والفني، أصبحت قدرة الدول الإفريقية على التكيف مع التغيرات المناخية محدودة للغاية، مما يهدد الأمن الغذائي والمائي، ويفاقم من حدة الفقر والنزاعات في المنطقة.
وفي هذا الصدد، يسعى هذا المقال إلى إيضاح مستقبل التغيرات المناخية داخل القارة الإفريقية، وتداعيات قرار انسحاب “ترامب” من اتفاقية باريس على إفريقيا، وكيف أثر على جهودها لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة، وذلك من خلال عدة محاور رئيسة، سيتم التطرق إليها فيما يلي:
أولًا: تأثير الانسحاب الأمريكي من باريس على حالة الاستقرار في إفريقيا
إعلان الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” في يناير 2025، وذلك بعد توليه الحكم في أمريكا رسميًا عن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، يمثل رسالة واضحة وهي أن الأولوية للاقتصاد الأمريكي على حساب الالتزامات البيئية العالمية. ومع ذلك، فإن تداعيات هذا القرار سوف تكون غير مقتصرة على الجانب البيئي فحسب، بل امتدت إلى جوانب أمنية وسياسية، خاصة في المناطق الهشة مثل إفريقيا؛ حيث إن أحد أهم هذه التداعيات هو تأثير الانسحاب على تنامي التهديدات الإرهابية المرتبطة بتغير المناخ، وهي ظاهرة بدأت تظهر بشكل واضح في السنوات الأخيرة؛ حيث إن تغير المناخ ليس مجرد قضية بيئية؛ بل هو عامل مضاعف للتهديدات الأمنية، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف الحوكمة وعدم الاستقرار السياسي. في إفريقيا، حيث تعتمد الغالبية العظمى من السكان على الزراعة والموارد الطبيعية، يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الفقر والجفاف والتصحر، مما يخلق بيئة خصبة لانتشار التطرف العنيف. الجماعات الإرهابية، مثل بوكو حرام في غرب إفريقيا أو الشباب في شرق إفريقيا، تستغل هذه الظروف لتجنيد الأفراد الذين فقدوا مصادر رزقهم بسبب التغيرات المناخية.
كانت اتفاقية باريس للمناخ تمثل إطارًا عالميًّا لتوحيد الجهود للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ودعم الدول الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، خاصة في إفريقيا. ومع انسحاب الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر الدول المسببة للانبعاثات وأحد أكبر الممولين للجهود المناخية، تراجعت الموارد المالية المتاحة لدعم مشاريع التكيف مع تغير المناخ في القارة الإفريقية، هذا التراجع في التمويل الدولي يعني أن العديد من الدول الإفريقية لن تتمكن من تنفيذ مشاريع التكيف مع تغير المناخ، مثل تحسين إدارة الموارد المائية أو تطوير الزراعة المقاومة للجفاف. نتيجة لذلك، ستتفاقم الأزمات البيئية والاقتصادية، مما يزيد من حدة الفقر والبطالة، وهما عاملان رئيسيان في تغذية التطرف العنيف.[2]
وفي المناطق التي تعاني بالفعل من ندرة الموارد، مثل منطقة الساحل الإفريقي، يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم النزاعات على المياه والأراضي الزراعية. هذه النزاعات يمكن أن تتحول بسرعة إلى صراعات مسلحة، خاصة في ظل غياب حكومات قادرة على إدارة الموارد بشكل عادل. الجماعات الإرهابية، التي تعتمد على الفوضى وعدم الاستقرار، تستغل هذه الظروف لتوسيع نفوذها وتجنيد المزيد من الأفراد، على سبيل المثال، في منطقة بحيرة تشاد، أدى انخفاض منسوب المياه بسبب تغير المناخ إلى تدهور الأراضي الزراعية، مما أجبر آلاف الأشخاص على الهجرة. هذه الهجرة الجماعية خلقت فراغًا أمنيًّا استغلته جماعة بوكو حرام لتوسيع نشاطها وتجنيد الأفراد الذين فقدوا مصادر رزقهم.[3]
وفي هذا السياق، فقد أوضح مؤشر الإرهاب العالمي 2022 (Global Terrorism Index 2022) أن بعض هذه الجماعات الإرهابية، مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا (ISWA)، تستغل التدهور البيئي والأزمات المناخية لتوسيع نفوذها وزيادة التجنيد، خاصة في منطقة بحيرة تشاد. وفقًا للتقرير، فإن حوالي 30 مليون شخص في نيجيريا، تشاد، النيجر، والكاميرون يتنافسون على موارد مائية متناقصة، مما خلق بيئة مثالية لاستغلال الجماعات الإرهابية لهذه الأوضاع. يفرض الإرهابيون ضرائب على المياه، ويستخدمون الحاجة إليها لإجبار السكان على تقديم مجندين، أو حتى التجنيد القسري. كما أدى الجفاف والتصحر إلى نزوح واسع النطاق، مما زاد من هشاشة المجتمعات المحلية، وسهّل على الجماعات المسلحة تقديم نفسها كبديل للسلطات المحلية من خلال توفير الأمن والخدمات الأساسية.[4]
انسحاب ترامب من اتفاقية باريس لم يكن مجرد قرار سياسي، بل رسالة قوية للعالم بأن الولايات المتحدة لن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في مكافحة تغير المناخ. هذه الرسالة سوف تشجع بعض الدول الأخرى على التراخي في التزاماتها المناخية، مما سيؤدي إلى تباطؤ الجهود العالمية للحد من الانبعاثات، هذا التباطؤ يعني استمرار تفاقم آثار تغير المناخ، وبالتالي زيادة الضغوط على المجتمعات الهشة في إفريقيا.[5]
ثانيًا: تداعيات الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس على التمويل المناخي في إفريقيا
انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس كانت له تداعيات كبيرة على التمويل المناخي العالمي، خاصة بالنسبة للدول النامية في إفريقيا وغيرها من المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. كانت الولايات المتحدة قد تعهدت بتقديم 3 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر (GCF)، الذي يهدف إلى مساعدة الدول النامية في التخفيف من انبعاثات الكربون والتكيف مع تغير المناخ. ومع انسحاب الولايات المتحدة، تم إيقاف جزء كبير من هذا التمويل، مما أثر سلبًا على قدرة العديد من الدول الإفريقية على تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وبناء بنية تحتية قادرة على تحمل التغيرات المناخية، يمكن تناول أبرز التداعيات على إفريقيا فيما يلي:
1. تراجع التمويل الدولي للمشاريع المناخية في إفريقيا
يُشكل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ تهديدًا مباشرًا للتمويل الموجه للمشاريع البيئية والتنموية في القارة الإفريقية. فقد كانت واشنطن إحدى الدول الداعمة لصندوق المناخ الأخضر، وهو أداة رئيسة لتوفير الموارد المالية للدول النامية بهدف تمويل مشاريع التكيف مع التغير المناخي وتقليل الانبعاثات الكربونية، ومع انسحابها، ستواجه القارة الإفريقية فجوة مالية قد تعيق تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، ومكافحة التصحر، وإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة. كما أن المخصصات المالية التي تم التعهد بها في مؤتمر المناخ بالإمارات (COP29)، والتي كان من المفترض أن تصل إلى 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035، قد تتعرض للخطر بسبب غياب المساهمة الأمريكية.[6]
بالتالي، فإن العجز المتوقع في التمويل قد يؤدي إلى إبطاء خطط التحول الطاقي في القارة، وزيادة الأعباء الاقتصادية على الدول الإفريقية، وارتفاع مخاطر الكوارث البيئية التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة للحد من آثارها السلبية.
2. تأثير سلبي على مبادرات التحول الطاقي في القارة الإفريقية
لعبت الولايات المتحدة دورًا أساسيًا في دعم برامج التحول الطاقي في إفريقيا، وخاصة من خلال مشاركتها في شراكات دولية مثل Just Energy Transition Partnerships (JETPs)، التي تساعد الدول على الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ حيث تتمتع دول مثل جنوب إفريقيا والسنغال بدعم فعلي ضمن هذه المبادرات، بينما يجري العمل على برامج مماثلة في مصر، والمغرب، وساحل العاج. لكن مع الانسحاب الأمريكي، من المتوقع أن تواجه هذه المشاريع عقبات مالية وتقنية، مما قد يؤدي إلى تأخيرها أو حتى إلغائها بالكامل.
كما أن غياب الولايات المتحدة عن المشهد المناخي سيؤثر على قدرة المؤسسات المالية الكبرى، مثل البنك الدولي، على تقديم الدعم الكافي لبرامج الطاقة النظيفة، وهو ما قد يدفع بعض الدول الإفريقية إلى العودة للاعتماد على الوقود الأحفوري بدلًا من الطاقة المتجددة، مما سيزيد من الانبعاثات الضارة ويسهم في تفاقم أزمة التغير المناخي.[7]
3. إضعاف موقف إفريقيا في المفاوضات المناخية الدولية
يُعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية نكسة كبيرة للجهود الدولية في مواجهة التغير المناخي، وسيؤثر بشكل خاص على القارة الإفريقية التي تعتمد على الدعم المالي والتقني من الدول الكبرى لمساعدتها في التكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة، كما أن وجود الولايات المتحدة في المفاوضات كان يُشكل عاملًا رئيسًا في الضغط على بقية الدول الصناعية للالتزام بتعهداتها المناخية. ومع غيابها، قد تجد الدول الإفريقية صعوبة في المطالبة بمزيد من التمويل لتعويض الخسائر الناجمة عن التغير المناخي والجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
علاوة على ذلك، قد يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى تشجيع بعض الدول الأخرى على التراجع عن التزاماتها المناخية أو تأخير تنفيذها، مما يُضعف الزخم العالمي تجاه تحقيق أهداف اتفاقية باريس، ويجعل الدول الإفريقية في موقف أكثر ضعفًا خلال مؤتمرات الأطراف القادمة.
4. تأثير الانسحاب على المؤسسات المالية الإفريقية وشراكات التمويل الدولي
تلعب المؤسسات المالية الكبرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، دورًا حيويًا في تقديم التمويل اللازم للمشاريع المناخية في إفريقيا، وقد شهدت هذه المؤسسات تحولًا إيجابيًا خلال السنوات الأخيرة من خلال تبني سياسات تدعم الطاقة النظيفة وتمويل مشاريع الاستدامة البيئية، لكن مع انسحاب الولايات المتحدة، قد يتراجع تأثيرها في هذه المؤسسات، مما قد يؤدي إلى إعادة توجيه أولويات التمويل نحو مشاريع أخرى لا تصب بالضرورة في صالح الجهود المناخية الإفريقية. كما أن المؤسسات المالية الإقليمية، مثل البنك الإفريقي للتنمية، قد تواجه صعوبة في تعويض هذا النقص، مما قد يُجبرها على البحث عن بدائل تمويلية أخرى مثل الشراكة مع الصين أو الاتحاد الأوروبي، وهذا الوضع قد يؤدي إلى عدم استقرار استراتيجيات التمويل المناخي في القارة، مما يزيد من صعوبة تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.[8]
5. تزايد الاستثمار في الوقود الأحفوري وتباطؤ التحول نحو الطاقة النظيفة
مع تبني الولايات المتحدة سياسات تُشجع على إعادة تنشيط قطاع النفط والغاز والفحم، قد تتأثر أسواق الطاقة العالمية بزيادة الاستثمارات في الوقود الأحفوري، مما سيؤثر بشكل مباشر على إفريقيا، فالعديد من الدول الإفريقية كانت تستفيد من التوجه العالمي نحو تمويل مشاريع الطاقة النظيفة، لكن في ظل التحولات الجديدة، قد يصبح الاستثمار في البنية التحتية للوقود الأحفوري أكثر جاذبية من حيث الربحية والعوائد المالية، مما قد يُعرقل الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتباطأ بعض مشاريع التحول الطاقي التي تعتمد على التمويل الخارجي، مما قد يؤدي إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية وتأخير تنفيذ الحلول المستدامة التي تحتاجها القارة الإفريقية بشدة لمواجهة التحديات البيئية.[9]
6. تعثر التعاون الإقليمي الإفريقي في مواجهة التغير المناخي
لطالما اعتمدت الدول الإفريقية على التعاون الإقليمي في تنفيذ استراتيجيات مكافحة التغير المناخي، مثل مبادرة الطاقة المتجددة في إفريقيا (AREI)، التي تهدف إلى تعزيز الاستثمارات في مصادر الطاقة النظيفة، لكن مع تراجع الدعم المالي والتقني نتيجة الانسحاب الأمريكي، قد تواجه هذه المبادرات صعوبات في تنفيذ خططها البيئية، مما قد يؤدي إلى إبطاء تنفيذ المشاريع البيئية الكبرى أو حتى إلغائها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول الإفريقية قد تُصبح أكثر ميولًا إلى السياسات الفردية بدلًا من التعاون المشترك، حيث ستسعى كل دولة إلى تأمين التمويل اللازم بشكل منفرد، مما قد يُضعف وحدة الموقف الإفريقي في مواجهة التغير المناخي ويُقلل من فاعلية الحلول الإقليمية.[10]
7. التأثير على السياسات المناخية للدول الإفريقية
مع انسحاب الولايات المتحدة، قد تبدأ بعض الدول الإفريقية في إعادة النظر في التزاماتها المناخية، خاصة إذا رأت أن الدول الصناعية الكبرى لم تعد ملتزمة بالاتفاقية بالشكل المطلوب، هذا الوضع قد يؤدي إلى تراجع الحماس العالمي تجاه اتفاقية باريس، حيث قد تُقرر بعض الدول التباطؤ في تنفيذ تعهداتها أو حتى تخفيف التزاماتها البيئية بسبب غياب الدعم والضغط الدولي، كما أن انسحاب الولايات المتحدة قد يُلهم بعض الدول الأخرى، مثل الأرجنتين والبرازيل، للتفكير في اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يؤدي إلى إضعاف الاتفاقية على المستوى الدولي وجعل التغير المناخي أكثر تهديدًا للبيئة والاقتصاد العالمي.[11]
بالإضافة إلى ذلك، قد تتزايد المخاطر على المجتمعات الأكثر ضعفًا: الدول الإفريقية، خاصة تلك الواقعة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، تعاني بالفعل من تأثيرات تغير المناخ مثل الجفاف والتصحر. نقص التمويل زاد من صعوبة مواجهة هذه التحديات، مما يعرض المجتمعات الريفية والفقراء لخطر أكبر.[12]
ثالثًا: التغيرات المناخية وتصاعد الأزمات الإنسانية في إفريقيا
مع تنامي حالة عدم الاستقرار داخل القارة الإفريقية مع تصاعد تأثير موجات الجفاف والتي ضربت بعض مناطق القارة، لا سيما منطقة القرن الإفريقي؛ حيث تسببت في زيادة معدلات النزوح الجماعي “الداخلي”، والتي وصلت لنحو 2 مليون شخصًا داخل دولتي الصومال وإثيوبيا، فضلًا عن اضطرار ملايين اللاجئين لتجاوز حدود دولهم كما في الصومال وجنوب السودان نحو مناطق أخرى في كينيا وإثيوبيا، وهو الأمر الذي يعكس حجم الكارثة التي تعاني منها القارة الإفريقية، هذا وقد أشارت بعض التقارير الأممية إلى أن تأثيرات التغيرات المناخية على المنطقة أصبحت تتنوع، فتظهر كموجات جفاف وارتفاع في درجات الحرارة أو نسبة هطول الأمطار، وهو ما قد يهدد حياة المواطنين الأفارقة، كما يهدد مصادر عيشهم.[13]
ولا يزال السودان معرضًا لتهديدات التغيرات المناخية، مع تصاعد معدلات الجفاف، واختلال سقوط الأمطار، وتنامي التهديدات البيئية، وسط استمرار الصراع بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، والتي دمرت نسبة كبيرة من البنية التحتية للسودان، مع تدمير بعض المنشآت النفطية، وهو ما قد يتسبب في كارثة بيئية كبيرة، فضلًا عن أن الصراع في السودان قد يتسبب في تقليص رقعة الأرض الزراعية في البلاد، وتحولها إلى أرض بور غير قابلة للزراعة، وهو ما قد يزيد من الصراعات الداخلية بين السكان والنازحين على الأراضي الزراعية الهشة نتيجة التدهور البيئي في البلاد، ومن ثم زيادة حجم الانقسامات القبلية والسياسية في البلاد، وهذه الأوضاع تؤكد الحاجة إلى تنامي الجهود الدولية والإقليمية العاجلة لمعاجلة التغيرات المناخية وتبعاتها المدمرة على مناطق القارة الإفريقية المختلفة.[14]
ومن زاوية أخرى، أكدت الأمم المتحدة أن العديد من الدول الأكثر تأثرًا بهذه الظواهر المناخية تُعاني من هشاشة أمنية، حيث تستضيف 8 دول من بين أكثر 15 دولة تأثرًا بالمناخ بعثات لحفظ السلام؛ حيث تعد دولة مالي مثالًا بارزًا على ذلك، وأصبحت تعاني من خليط معقد بين النزاعات الداخلية وآثار تغير المناخ[15].
أصبحت التنظيمات المسلحة في القارة تستفيد من استمرار حالة عدم الاستقرار الناجمة عن تغير المناخ، لا سيما مع عدم قدرة بعض الدول في توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، وفي سياق آخر، فقد أدى نقص موارد المياه في الكاميرون إلى زيادة النزاعات المحلية بين الصيادين والمزارعين وقد ترتب على ذلك نزوح نحو 100 ألف شخص داخل البلاد وخارجها[16]، فيما أصبح حوض بحيرة تشاد يواجه تداعيات سلبية خطيرة نتيجة الانعدام الحاد في الأمن الغذائي وسط تنامي الصراعات بالمنطقة[17]، وسط تفاقمت التداعيات السلبية نتيجة التغيرات المناخية في المنطقة، وهو ما شكّل حالة من الصراع بين ما يقرب من 30 مليون شخصًا من المنطقة على المياه داخل البحيرة.[18]
أما داخل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، فقد أصبح نحو 400 مليون شخص يعانون من انعدام مياه الشرب، ومن المتوقع أن يواجه ما يقرب من 330 مليون شخص خطر ندرة المياه بالقارة، وذلك بحلول عام 2025، فيما سوف يعاني نحو 460 مليون شخص من خطر الإجهاد المائي.[19]
رابعًا: الجهود الدولية في مواجهة التغيرات المناخية
أصبحت معالجة التغيرات المناخية واحدة من أهم أولويات خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والمعروفة بـ”خطة 2030″؛ حيث يركز الهدف رقم (13) فيها “العمل المناخي” على ضرورة تعزيز القدرة بعدما أصبح تأثير التغيرات المناخية يشكل تحديًا كبيرًا على التنمية الإفريقية، والصمود في التصدي للكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية، وكذلك المضي نحو اتخاذ إجراءات جادة وقوية للحد من آثار التغيرات المناخية ومواجهتها. في السنوات الأخيرة، ازدادت الجهود الدولية لتطوير استراتيجيات تقلل من تأثير المناخ على الدول، مع التركيز على تقليل انبعاثات الغازات السامة المسببة للاحتباس الحراري.[20]
وبالرغم من أن إفريقيا تسهم بنسب ضئيلة جدًا في الانبعاثات الحرارية عالميًا، إلا أنها من أكثر القارات تأثرًا بتغير المناخ، حيث تواجه دولها تحديات كبرى مثل الجفاف، والفيضانات، وانعدام الأمن الغذائي الذي يؤدي إلى المجاعات. ومع ذلك، تظل إمكانيات القارة في التصدي لهذه التحديات محدودة جدًا بسبب نقص التمويل والدعم الدولي، وفي هذا السياق، خصصت الدول المتقدمة أموالًا لدعم إفريقيا في مواجهة التغيرات المناخية، لكنها أقل بكثير مما تحتاجه القارة لتتكيف مع الظروف الصعبة. ومن أبرز الجهود في هذا السياق، إنشاء “صندوق الخسائر والأضرار” خلال مؤتمر المناخ (COP 27) الذي عقد في شرم الشيخ في نوفمبر 2022، لتعويض الدول الفقيرة عن أضرار المناخ. لكن حتى الآن، لا تزال هناك مناقشات حول كيفية عمل هذا الصندوق وشروط الاستفادة منه.[21]
ومع تنامي التحديات البيئية والمناخية، فإن التهديدات على القارة الإفريقية من المتوقع أن يمتد تأثيرها إلى الدول الأخرى من خارج القارة، وهو ما قد يدفع بعض الدول -لا سيما الصناعية- إلى خفض انبعاثات الكربون، وتقليل الضغط على المناخ الإفريقي، وكذلك المضي قدمًا نحو وضع الحلول المناسبة، والتصدي للأخطار الناجمة عن التهديدات المناخية. كما برزت مؤخرًا الدبلوماسية المناخية كأداة رئيسية للاستجابة العالمية لتحديات المناخ. وتعمل هذه الدبلوماسية على تعزيز الحوار بين المصالح الوطنية والتعاون الدولي، بهدف صياغة استجابات مشتركة. ومن أبرز نماذجها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، التي تسعى لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة مع التركيز على دعم الدول الفقيرة. كما يلعب خطاب العدالة المناخية دورًا هامًا في إبراز تحديات القارة الإفريقية وتعزيز الأمن المناخي فيها.[22]
هذا، وقد تطرق الخطاب المعني بالعدالة المناخية إلى أهمية تعزيز نهج الأمن المناخي؛ الذي يرتكز على القارة الإفريقية، وفي سياق آخر، فإن بعض دول القارة الإفريقية -لا سيما منطقة القرن الإفريقي في الصومال والسودان- تستطيع مجابهة تغيرات المناخ، وذلك عن طريق:[23]
- زيادة الدعم المالي: من خلال المساعدات الدولية المقدمة والممنوحة.
- تعزيز التعاون الإقليمي: وذلك بدعم الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (IGAD) والعمل على وضع استراتيجيات فعّالة.
- تنفيذ سياسات مناخية فعالة: للتكيف مع التحديات المناخية المتزايدة.
خامسًا: مستقبل تغير المناخ بالقارة في ضوء أجندة إفريقيا 2063
تمثل أجندة إفريقيا 2063 أطارًا قاريًا مهمًا بالنسبة للاتحاد الإفريقي؛ حيث ترتكز على 7 تطلعات رئيسة، لعل أبرزها “إفريقيا تنعم بالازدهار القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة”، الذي من خلاله تسعى القارة الإفريقية إلى المضي نحو مجابهة التهديدات المناخية المتسارعة، والعمل على تعزيز التنمية الإفريقية، وفي ضوء ذلك كانت هناك ضرورة لتحديث أجندة 2063، بهدف التصدي لتحديات تغيُّر المناخ والتحول نحو مسارات أكثر استدامة لتعزيز طموحات القارة للمضي نحو تحقيق أهداف الأجندة المستقبلية.[24]
تُواجه إفريقيا تحديات كبيرة بسبب تغيُّر المناخ، الذي لا يعيق التنمية فحسب، بل يهدد أيضًا تحقيق أهداف جدول أعمال 2063. ويُثير عدم كفاية الاستجابة لأزمة المناخ القلق بشأن زيادة انبعاثات الكربون نتيجة التطور السكاني والتنموي. فبينما تسعى إفريقيا لتحسين مستويات المعيشة، قد تصاحب ذلك انبعاثات كربونية تُقدَّر بـ297 مليون طن إضافية بحلول عام 2043، مما يرفع حصتها من الانبعاثات العالمية من 9٪ إلى 12٪ وربما 30٪ بحلول عام 2063.[25]
وفي سياق توقعات انبعاثات الكربون في المستقبل، يتزايد القلق من أن ضعف الاستجابة لهذه الأزمة قد يؤدي إلى آثار سلبية بعيدة المدى، خاصة مع ارتباط التنمية في إفريقيا بزيادة انبعاثات الكربون، كما حدث في مناطق أخرى من العالم، ومع التزايد السريع في عدد السكان والطلب المتصاعد على تحسين مستويات المعيشة؛ حيث تشير الدراسات إلى أن انبعاثات إفريقيا قد تتجاوز بحلول عام 2030 انبعاثات الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن ترتفع انبعاثات الكربون في القارة بشكل كبير. يُقدَّر أن تحقيق أهداف جدول أعمال 2063 سيؤدي إلى انبعاث حوالي 297 مليون طن إضافي من الكربون بحلول عام 2043، مما يجعل مساهمة إفريقيا في الانبعاثات العالمية ترتفع من 9٪ حاليًا إلى حوالي 12٪، وقد تصل إلى 30٪ بحلول 2063.[26]
وفيما يتعلق بتصاعد الانبعاثات للقارة الإفريقية مقارنة بدول العالم، بحسب التحليلات، ستشهد إفريقيا زيادة كبيرة في انبعاثات الكربون بحيث:[27]
- ستتخطى انبعاثات الولايات المتحدة بحلول 2039.
- تتجاوز الهند بحلول 2046.
- وتتخطى الصين بحلول 2056.
هذا التصاعد يهدد الجهود العالمية للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، ما يُبرز الحاجة إلى تدخلات عاجلة واستراتيجيات أكثر طموحًا، ولتجنب إعاقة عمل أجندة إفريقيا 2063، يجب دمج إدارة المخاطر المناخية ضمن الاستراتيجيات الرئيسية عبر:
- تقييم المخاطر: تحديد النقاط الضعيفة وتوقّع التأثيرات البيئية.
- تعزيز البنية التحتية: بناء هياكل تتحمل الظواهر المناخية الشديدة.
- التخطيط الزراعي: اختيار محاصيل واستراتيجيات إدارة مياه تتكيف مع المناخ.
- تنويع مصادر الطاقة: تعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة وتحسين قدرتها على التكيُّف مع التغيرات المناخية.
كما يجب تعزيز قدرات المجتمعات المحلية والمؤسسات لمواجهة المخاطر المناخية وخلق سبل عيش مستدامة. كما ينبغي تعزيز الحوكمة لضمان استجابة فعّالة للتغيرات المناخية والحد من النزاعات الناتجة عن ندرة الموارد، كما يتضح أن تحقيق الأهداف التنموية الطموحة لأجندة 2063 يتأثر مباشرة وغير مباشرة بتغيُّر المناخ. فالسيناريوهات التي تحمل إمكانيات كبيرة للنمو، مثل توسيع التصنيع وتطبيق اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، قد تكون مرتبطة بزيادة كبيرة في الانبعاثات الكربونية، مما يجعل التكامل بين أهداف التنمية وسياسات المناخ أمرًا ضروريًا لا غنى عنه. من هنا، تُعد إدارة تغيُّر المناخ قضية مركزية لتحقيق الأمن البشري، ودعم الاستقرار البيئي، وضمان استدامة التنمية في القارة الإفريقية.
هذا وتعمل الدول الإفريقية على زيادة المساهمين الدوليين، للوصول إلى نحو 1.3 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030، بما في ذلك 220 مليار دولار أمريكي سنويًا للدول الأقل نموًا، مع مساعي الدول المتقدمة في توسيع قاعدة المساهمين بحيث تشمل الدول التي شهدت اقتصاداتها نموًا ملحوظًا منذ عام 1992، مثل الصين والدول المنتجة للنفط، كما أصبحت الدول الإفريقية تركز بشكل أكبر على التمويل، لا سيما أنها بحاجة إلى تمويل جديد وإضافي، وبشروط ميسرة لا تؤدي إلى زيادة أعباء الديون. وهي تحث على توسيع نطاق أدوات المخاطر المرتبطة بالنقد الأجنبي، والإعفاء من الديون، والإقراض بالعملة المحلية.[28]
السيناريوهات المحتملة إزاء انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس
انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ قد تكون له تداعيات واسعة على السياسة العالمية والبيئة والاقتصاد. الولايات المتحدة هي ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا، لذا فإن انسحابها قد يؤثر على الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ. فيما يلي أبرز السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول: ظهور حاجة الدول الإفريقية إلى الاعتماد على نفسها: قد يدفع انسحاب أمريكا الدول الأفريقية إلى تعزيز اعتمادها على الذات في مجال الطاقة النظيفة وإدارة الموارد الطبيعية، قد تشهد القارة زيادة في الاستثمارات المحلية والإقليمية في مشاريع الطاقة المتجددة؛ حيث تعمل الدول الأفريقية على تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المناخية، مثل إنشاء مشاريع مشتركة للطاقة النظيفة وإدارة الموارد المائية.
السيناريو الثاني: تأثيرات اقتصادية سلبية على إفريقيا: لا سيما وأن القارة الإفريقية من أكثر القارات تأثرًا بتغير المناخ، حيث يعتمد الكثير من سكانها على الزراعة التي تتأثر بالتغيرات المناخية. انسحاب أمريكا قد يضعف الجهود العالمية للحد من الانبعاثات، مما قد يؤدي إلى تفاقم الآثار المناخية مثل الجفاف والفيضانات، وبالتالي التأثير على الاقتصادات المحلية، وقد يؤدي انسحاب أمريكا إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على الدول الإفريقية التي تحتاج إلى دعم لتنفيذ مشاريع التكيف مع تغير المناخ.
السيناريو الثالث: انخفاض التمويل المخصص للمشاريع المناخية في إفريقيا
مع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، ستتأثر إفريقيا بشدة بسبب فقدان التمويل الأمريكي للمشاريع المناخية. كانت أمريكا تسهم بمليارات الدولارات في صندوق المناخ الأخضر، الذي تعتمد عليه الدول الإفريقية لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ومكافحة التصحر، والبنية التحتية المستدامة. وبدون هذا الدعم، قد تتوقف مشاريع رئيسية مثل التحول العادل للطاقة في جنوب إفريقيا والسنغال، بالإضافة إلى تأثر جهود إعادة التشجير في منطقة الساحل. كما أن خطط التكيف مع الجفاف في إثيوبيا وكينيا والصومال قد تتأخر بسبب نقص الموارد. وهذا سيجعل الدول الإفريقية أكثر عرضة للكوارث البيئية ويحد من قدرتها على مكافحة التغير المناخي.
السيناريو الرابع: ضعف دور المؤسسات المالية الدولية في دعم التحول الطاقي في إفريقيا
لدى الولايات المتحدة نفوذ قوي في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وعند انسحابها من اتفاقية باريس، قد تتراجع هذه المؤسسات عن تمويل المشاريع المناخية الإفريقية. البنك الدولي كان قد بدأ في تقديم قروض ميسرة لدعم إغلاق محطات الفحم والتحول إلى الطاقة المتجددة، لكن مع تراجع الدور الأمريكي، قد تنخفض هذه القروض. وهذا يعني أن بعض الدول، مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا، قد تضطر إلى العودة للاعتماد على الفحم والوقود الأحفوري بدلًا من تطوير الطاقة النظيفة. كما أن مشاريع مثل محطات الطاقة الشمسية في شمال إفريقيا قد تتباطأ، مما يعرقل جهود القارة للتحول إلى مستقبل مستدام بيئيًا.
السيناريو الخامس: تراجع التزام الدول الإفريقية باتفاقية باريس للمناخ
انسحاب الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، قد يشجع بعض الدول الإفريقية على التراجع عن التزاماتها المناخية. الكثير من الحكومات الإفريقية تعتمد على الدعم الدولي لتمويل خطط تقليل الانبعاثات، وإذا لم يعد هذا التمويل متاحًا، فقد ترى هذه الدول أن تنفيذ تعهداتها البيئية لم يعد أولوية. على سبيل المثال، بعض الدول التي كانت تخطط لفرض ضرائب بيئية أو تقديم حوافز للطاقة النظيفة قد تتراجع عن هذه السياسات. كذلك، قد يؤدي غياب القيادة الأمريكية إلى إضعاف الزخم العالمي للمفاوضات المناخية، مما يجعل الدول الإفريقية أقل اندفاعًا لتنفيذ التزاماتها البيئية، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور البيئي في القارة.
السيناريو السادس: تفكك التعاون الإقليمي الإفريقي في مواجهة التغير المناخي
هناك العديد من المبادرات المناخية الإفريقية التي تعتمد على التمويل الدولي، مثل مبادرة الطاقة المتجددة في إفريقيا، والتي تهدف إلى توسيع استخدام الطاقة النظيفة عبر القارة. ومع انسحاب أمريكا، قد تجد الدول الإفريقية نفسها مضطرة للعمل بشكل منفرد بدلًا من التعاون المشترك في مشاريع المناخ. على سبيل المثال، خطط الربط الكهربائي بين مصر والسودان وإثيوبيا قد تتعطل بسبب نقص التمويل، مما يؤثر على استقرار شبكات الطاقة. كذلك، قد تركز بعض الدول، مثل نيجيريا وأنغولا، على تطوير مشاريع النفط والغاز بدلًا من الطاقة النظيفة، مما يحد من التعاون الإقليمي ويضعف قدرة إفريقيا على التفاوض ككتلة واحدة في المفاوضات المناخية العالمية.
وختامًا، فإن مستقبل تغيُّر المناخ في إفريقيا يشكل تحديًا وجوديًا يتطلب استجابة شاملة وحاسمة. وفي ظل السيناريوهات الحالية، ستواجه القارة عواقب وخيمة إذا لم يتم دمج إدارة المخاطر المناخية في جميع جوانب التخطيط التنموي، ومع ذلك، فإن الفرصة لا تزال قائمة لتحويل هذه التحديات إلى محفزات للتقدم، كما يمكن لإفريقيا أن تقود الجهود الدولية في تطوير نماذج تنموية مبتكرة ومستدامة من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتعزيز التكيف المناخي في الزراعة والبنية التحتية، وتبني تقنيات خضراء تُقلل من الانبعاثات، كذلك فإن تعزيز التعاون الإقليمي عبر اتفاقيات مثل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتقاسم الموارد وبناء قدرات مرنة، ومع ذلك ستظل التغيرات المناخية داخل القارة محفزًا رئيسًا للجماعات المسلحة، وإغفالها سوف يسهم في تعزيز أنشطة هذه الجماعات، ومن ثم ستؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على إفريقيا، وربما تزيد من حالة عدم الاستقرار في القارة، كما ينبغي على الدول الإفريقية ضرورة التعامل مع تهديدات التغيرات المناخية على أنها عامل ديناميكي يحمل في طياته مجموعة من التأثيرات المتعلقة بالأمن، والاقتصاد، ومسارات التنمية داخل القارة.
هذا وإن انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للتغير المناخي سيمثل تداعيات سلبية على القارة الإفريقية، سوف تؤثر على الجهود العالمية للحد من الانبعاثات ويضعف من الدعم المالي والفني المقدم للدول النامية، ومع ذلك، فإن إفريقيا لديها القدرة على التكيف مع هذه التحديات من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتبني تقنيات مستدامة، والدفع باتجاه سياسات مناخية أكثر فعالية. وفي النهاية فإن مكافحة تغير المناخ تتطلب التزامًا عالميًا؛ حيث أن انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس يهدد صندوق الخسائر والأضرار، مما يحرم إفريقيا من تعويضات ضرورية لمواجهة الكوارث المناخية، ونقص التمويل سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وتأخير جهود إعادة الإعمار والتكيف مع التغير المناخي.
[1] فاروق حسين أبو ضيف، التغير المناخي والإرهاب: بحيرة تشاد نموذجًا، مجلة آفاق استراتيجية العدد السادس، أغسطس 2022. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/7372
[2] Camilla Mina, Africa’s climate change chief criticises Trump’s Paris withdrawal, African Business, 22 January 2025. https://african.business/2025/01/politics/africas-climate-change-chief-criticises-trumps-paris-withdrawal
[3] فاروق حسين أبو ضيف، التغير المناخي والإرهاب، بحيرة تشاد نموذجًا، مجلة أفاق استراتيجية العدد ال6، الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، العدد 6، أغسطس 2022، ص108. https://shorturl.at/cvOxA
[4] Global Terrorism Index 2022, Institute for Economics & Peace – IEP. https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2022/03/GTI-2022-web-04112022.pdf
[5] Africa’s climate change chief criticises Trump’s Paris withdrawal, African Business, ibid.
[6] انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ.. هل ستدفع أفريقيا الثمن؟، المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)، مارس 2025. https://shorturl.at/hiDmc
[7] Nik Popli, What Happened the Last Time Trump Withdrew From the Paris Agreement, time, 21 January 2025. https://time.com/7208955/trump-paris-climate-agreement-withdraw-impact/
[8] What Happened the Last Time Trump Withdrew From the Paris Agreement, ibid.
[9] Dhesigen Naidoo, US Paris climate agreement exit will hit Africa hard, Institute for Security Studies (iss), 26 February 2025. https://issafrica.org/iss-today/us-paris-climate-agreement-exit-will-hit-africa-hard
[10] انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ.. هل ستدفع أفريقيا الثمن؟، المرجع السابق.
[11] انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ.. هل ستدفع أفريقيا الثمن؟، المرجع السابق.
[12] What Happened the Last Time Trump Withdrew From the Paris Agreement, ibid.
[13] شعبان بلال، التغير المناخي في القرن الأفريقي يهدد حياة الملايين، مركز الاتحاد للأخبار، 28 ديسمبر 2023. https://shorturl.at/YaRhP
[14] فاروق حسين أبو ضيف، التغيرات المناخية وانعكاساتها على منطقة القرن الأفريقي.. السودان نموذجًا (دراسة)، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، أغسطس 2024. https://shorturl.at/ixeJ2
[15] People, Countries Impacted by Climate Change Also Vulnerable to Terrorist Recruitment, Violence, Speakers Tell Security Council in Open Debate, United Nations. https://press.un.org/en/2021/sc14728.doc.htm
[16] Coups, food, climate, and more on AU summit radar, Deutsche Welle. https://www.dw.com/en/au-summit-grapples-with-coups-food-crisis-terrorism-climate-change/a-61962760
[17] Janani Vivekananda, Lake Chad Risk Assessment: The role of climate change in the current crisis, Adelphi. https://www.adelphi.de/en/project/lake-chad-risk-assessment-role-climate-change-current-crisis
[18] Farouk Hussein Abu Deif, Climate Change Is a Gateway to Terrorism in East Africa and the Sahel, Alternative Policy Solutions. https://aps.aucegypt.edu/en/articles/1321/climate-change-is-a-gateway-to-terrorism-in-east-africa-and-the-sahel
[19] Climate Change Is a Gateway to Terrorism in East Africa and the Sahel, ibid.
[20] الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة: العمل المناخي، الوكالة الدولية للطاقة الذرية. https://www.iaea.org/ar/min-nahn/alhadaf-13-min-ahdaf-altanmiat-almustadamt-aleamal-almunakhii
[21] التغيرات المناخية وانعكاساتها على منطقة القرن الأفريقي.. السودان نموذجًا (دراسة)، مرجع سابق.
[22] التغيرات المناخية وانعكاساتها على منطقة القرن الأفريقي.. السودان نموذجًا (دراسة)، مرجع سابق.
[23] المرجع نفسه.
[24] د. أدهم البرماوي، التكامل الإقليمي في إفريقيا بين الماضي والمستقبل.. أجندة NEPAD 2063، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8820
[25] فاروق حسين أبو ضيف، هل أجندة 2063م قادرة على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ في إفريقيا؟، قراءات إفريقية، 19 سبتمبر 2024.
[26] هل أجندة 2063م قادرة على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ في إفريقيا؟، مرجع سابق.
[27] المرجع نفسه.
[28] Aimée-Noël Mbiyozo, Loss and damage still stuck in the mud, Institute for Security Studies (ISS Africa) 21 November 2024. https://issafrica.org/iss-today/loss-and-damage-still-stuck-in-the-mud