Insight Image

بعد تركيا.. هل تكون إيران ملاذ الإخوان الأخير؟ مؤشرات الإمكانية والاستبعاد

27 يونيو 2021

بعد تركيا.. هل تكون إيران ملاذ الإخوان الأخير؟ مؤشرات الإمكانية والاستبعاد

27 يونيو 2021

في السادس من مايو 2021 التقى أول وفد رسمي تركي بمسؤولين مصريين، على وقع التقارب الذي تتتابع أصداؤه منذ فترة، وهو ما يعكس الرغبة التركية في التقارب مع مصر، وكذلك مع سائر دول المنطقة، لتحقيق المصالح المشتركة، كما صرح نائب الرئيس التركي بعد اللقاء لوكالة رويترز[1]. كما نقلت مصادر إعلامية عدة يوم 27 يونيو 2021 معلومات تفيد بقيام السلطات التركية بتوجيه تحذير واضح لإعلاميي الجماعة في تركيا من مغبة مواصلة خطابهم التحريضي ضد السلطات المصرية مترافقا مع رسالة مباشرة مفادها: “لا تقفوا ضد مصالحنا أو ارحلوا بعيداً”[2].

وهذه التطورات سبقتها تنازلات تركية في العاشر من إبريل 2021، بوقف بعض البرامج الإعلامية واشتراط سياسة تحريرية منضبطة وأكثر التزاماً بالمهنية، كما أعلن رئيس حزب “غد الثورة”، ورئيس قناة “الشرق” المرتبطة بالإخوان أيمن نور في مارس من العام نفسه[3]، وأكدتها كذلك تصريحات لنائب مرشد جماعة الإخوان إبراهيم منير في قناة الجزيرة، أعلن فيها تلقي الجماعة أوامر من القيادة التركية، بتخفيف لهجة الخطاب الإعلامي، مؤكداً إذعانها للتعليمات التركية، بداعي واجب الاستضافة[4].

وتمثل مؤشرات التقارب المصري- التركي هذه حمولات ضغط على التنظيم الإخواني المنهك والمأزوم، خاصة مع ما ظل مثاراً من إصرار مصر على تسليم تركيا العناصر الإخوانية الهاربة والمطلوبة وفق أحكام قضائية إلى مصر، وشروط أخرى ألمح إليها وزير الخارجية المصري في تصريحات واضحة له في 14 مارس الماضي[5]، ويبدو أنه تتم الاستجابة لها بشكل متتابع وتدريجي؛ فقد تم وقف برنامج شهير للإعلامي الإخواني معتز مطر وغادر قناة الشرق وتركيا في 5 يونيو 2021 [6].

وفي السياق نفسه – مؤشرات الضغط – لا يمكن تجاهل خطوات تركية أخرى للتقارب مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى؛ فقد بادر الرئيس التركي بالاتصال بالعاهل السعودي مرتين خلال شهر واحد في مايو 2021 [7]، أثناء أحداث غزة الأخيرة، لترطيب الأجواء مع الدول المناهضة للإخوان، وهو ما يتأكد معه أن أزمة الجماعة المحظورة الهاربة تزداد عمقاً، وأن رهانها على تغير الأحوال مع الانتخابات الأمريكية، وفوز إدارة بايدن في يناير الماضي، لم يكن صحيحاً.

إيران بوصفها ملاذاً إخوانياً محتملاً

في إطار البحث الإخواني عن ملاذ بديل، مع تصاعد خطوات التقارب التركي ومؤشراته مع مصر وحلفائها، تُطرح إيران ونظام الولي الفقيه وتصدير الثورة الإسلامية بديلاً مرجحاً ومحتملاً عن تركيا التي ترهص بالتخلي عنهم؛ حفاظاً على مصالحها مع مصر ودول المنطقة الأخرى، وخروجاً من بعض الأزمات الاقتصادية والاستراتيجية نتيجة إيوائها لعناصر الجماعة المحظورة.

ويبدو البديل الإيراني متوقعاً لجماعة الإخوان وعناصرها الهاربة نتيجة توافقات وتطابقات في التصورات الفكرية والسياسية والمنهجية؛ فالإخوان أكثر قرباً وتماهياً إلى “حكم المرشد” ونظام الثورة الإسلامية الإيرانية، وتصورها الشمولي وعالمية الثورة الإسلامية، فضلاً عن علاقات تاريخية وطيدة منذ عقود ما قبل الثورة، بدأت مع جماعة مجاهدي صفوي المقرَّب من سيد قطب، والذي تم إعدامه في إيران سنة 1955، ثم مع روح الله الخميني مرشد الثورة منذ وجوده في منفاه في فرنسا ولقائهم به، ويذكر بعض الباحثين أنهم مَن اقترحوا عليه لقب المرشد للثورة، كما كانوا أول المهنئين له[8].

هذا فضلاً عن أن إيران الداعم الأكبر لمختلف الحركات الإسلامية السياسية في العالم العربي والإٍسلامي؛ فقد استضافت طهران حتى نهاية عام 1992 مقارَّ لـ 25 تنظيماً إسلامياً راديكالياً عبر العالم[9]، كما قامت بتدريب كوادر إسلامية متهمة بأنها كانت راديكالية في إيران، وهي تقدم دعماً مادياً وتموينياً لمنظمات إسلامية راديكالية، وترسل معلمين ومدربين لهم، وتتبنى عمليات عنف وعمليات مخابراتية تقوم بها هذه المنظمات، بالإضافة إلى مساعدات مالية وتدريب عسكري خاصة للجماعات الثورية في العراق ولبنان، كما قامت بتدريب عناصر القاعدة منذ ذلك التاريخ، ومثلت الملاذ الآمن لعناصرها ولكثير من قياداتها، وكذلك أسرة مؤسس القاعدة الراحل أسامة بن لادن الذي قُتل سنة 2011، وذلك على مدى عقود، ولا تزال[10].

الإخوان يطرقون الباب الإيراني:

لاشك في أن القلق يسيطر على جماعة الإخوان المسلمين بحثاً عن ملاذات وبدائل آمنة للمحافظة على نشاطها وعملها دون تضييق أو ضغوط من أي طرف؛ لأن المطالب المصرية التي عُرضت على الإدارة التركية لتطبيع العلاقات بين البلدين كان على رأسها تخلي أنقرة عن دعم الجماعة نهائياً، وتسليم عدد من رموزها المتورطين في أعمال عنف وإرهاب ومطلوبين للقضاء المصري. ورغم التحفظ التركي على وصف الجماعة بالإرهاب، فإن الأمر يظل مقلقاً ومؤلماً للجماعة، التي بدأت على ما يبدو في البحث عن ملاذ بديل تُطرح فيه وجهات عديدة أخرى، مثل ماليزيا وبريطانيا وألمانيا [11]، وربما تكون إيران أنسب من أيٍّ منها في النهاية، كما سنوضح هنا.

يُطرح سؤال الملاذ البديل مع التحولات التركية خلال الشهور الماضية، والتي يبدو أنها اكتفت بما قدمته لجماعة الإخوان الارهابية خلال السنوات السبع الماضية، سواء عبر إيواء كثير من قيادات الجماعة ومنابرها الإعلامية، أو تجنيس المئات من عناصرها، لكنها مع المستجدات الأخيرة أوقفت هذا الإجراء، وأصدرت توجيهات لهم بالبحث عن ملاذات بديلة للتنصُّل من تسليمهم، ورفع الحرج عنها أمام مصر.

ويبدو أن إيران تُطرح كملاذ بديل محتمل وقادم للإخوان بعد تركيا؛ فقد أشارت تقارير صحفية إلى وجود اتصالات متقدمة بين قادة جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، وعلى رأسهم القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، بمسؤولين إيرانيين لتوفير دعم لوجستي وملاذات آمنة لعناصرها وقادتها، تكون بديلاً عن الدولة التركية وبعض العواصم الأوروبية المتواجدين فيها؛ بسبب التضييق الأمني الذي يمارَس عليهم، خاصة بعد الحملات العاتية التي يقوم بها عدد من تلك العواصم لتحجيم نفوذ جماعات الإسلام السياسي، والقضاء على العناصر المصنَّفة إرهابية منها، كتلك التي تشير إلى النشرات المصرية الأمنية المرسلة إلى تلك الدول[12].

ونتوقع القبول الإيراني لهذه الحاجة والرغبة الإخوانية، وتجديد العلاقة بين الطرفين التي لم تنقطع؛ ما يعزز من قدرة إيران ويتماهى مع سياساتها وتوجهاتها في التدخل والإرباك وزرع التوتر في المنطقة، عبر الجماعة الأم للإسلام السياسي وفروعها في المنطقة.

وهكذا تبدو جماعة الإخوان، العاجزة عن المراجعة والتصحيح أو الاعتذار، جماعة وظيفية تعرض خدماتها حسب الطلب، ولا تبالي باستخدامها وتوظيفها ورقة ضد وطنها من قبل أي نظام آخر، وقد حافظت على هذه الوظيفة مع أنظمة وجماعات مختلفة على مدار تاريخها، وقدرتها على التكيف وتبديل الألوان والجلد الخارجي بغية الحفاظ على وجودها وحياتها رغم ما تتعرض له من أزمات موجعة، وما تعانيه من احتضار يشبه الموت.

أولاً: حوامل التقارب الإخواني الإيراني المستمرة:

وبرغم أن خبر اللجوء الإخواني إلى إيران، كملاذ آمن بديل عن تركيا خلال الفترة القادمة، يبقى خبراً لم يتأكد بعد، فإنه يظل احتمالاً راجحاً نتيجة عدد من العوامل والدوافع المشتركة تدفع الطرفين لهذا التقارب والاحتضان والتوظيف المتبادَل، يمكننا أن نحددها فيما يلي:

  • اعتراف تاريخي وتلاقٍ أيديولوجي:

رغم وجود فروق عقائدية بين جماعة الإخوان وإيران فإن التقاربات الأيديولوجية والفكرية أقوى بكثير؛ ما جعل كلا الطرفين يهمّش هذا الخلاف المذهبي على مدار تاريخهما؛ نتيجة التلاقي الأيديولوجي والفكري العميق، في وحدة الغايات بين الإسلام السياسي السني والتشيع السياسي أو الإسلام السياسي الشيعي، كما يمثله النظام الإيراني ومرجعياته، من الخميني المتوفى عام 1989 إلى المرشد الحالي علي خامنئي؛ حيث تأثر كلاهما بأدبيات الإخوان، كما جسدها حسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم. كذلك يلتقي الطرفان في كلٍّ من المواقف من الغرب ومن الأنظمة الحاكمة في المنطقة، والموقف من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأيقنة القدس والمقدسات من منظور ديني للصراع.

وهي تشابهات ولقاءات فكرية وأيديولوجية تدفع طرفي العلاقة، الإخوان من جهة كجماعة مطارَدة وإيران كملاذ محتمل لها، نحو العمل المشترك لتحقيق مآربهم وخططهم التوسعية القائمة على أيديولوجية مذهبية ودينية متطرفة في منطقة الشرق الأوسط.

بالإضافة لما سبق، فإن هناك زخماً تاريخياً وفكرياً متبادلاً بين الطرفين، يعزز دائماً من فرص تواصلهم وتفاهمهم حالياً، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين دائماً مصدر إلهام لرجال الدين المعارضين للشاهنشاهية، وقد ترجم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية حالياً علي خامنئي كتابين من كتب سيد قطب؛ وهما: “هذا الدين” و”معالم في الطريق“، كما يعد الخميني مع حسن البنا رمز التجديد والصحوة الإسلامية عند كثير من الإخوان، كما عبر عن ذلك الراحل فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين[13].

أيضاً، كان نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الخميني حاسماً في دفع دماء جديدة في شرايين جماعة الإخوان، حيث رحبوا وساندوا تلك الثورة بقدر كبير من الإعجاب. ومن مظاهر ذلك التأييد ما صرح به القيادي الإخواني ورجل الأعمال يوسف ندا، مفوض العلاقات الخارجية سابقاً في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في أحد البرامج الوثائقية على قناة الجزيرة القطرية (شاهد على العصر)، حين قال إنه “بعد سقوط نظام الشاه في إيران ونجاح الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، شكل الإخوان وفداً لزيارة الخميني في باريس لدعمه، وإن ثالث طائرة هبطت في مطار مهراباد الدولي في طهران بعد طائرة الخميني هي طائرة خاصة تم استئجارها، حملت الوفد الإخواني الذي ضم قيادات الجماعة من عدة دول، والذي جاء إيران لتهنئة الخميني على نجاح الثورة”[14]، والأمثلة تتعدد في استعراض العلاقات التاريخية للجماعة وإيران، بشكل يؤكد وجود أرضية مشتركة؛ ما قد يتم استخدامها في الأيام المقبلة.

هذا فضلاً عن التشارك والدعم والتحالف بين فروع جماعة الإخوان المسلمين في لبنان والعراق وتحالفها أحياناً مع شبيهاتها من الإسلام السياسي الشيعي لإيران، والتوافق المتبادل في قضايا مركزية؛ كقضية الصراع العربي-الإسرائيلي، وكذلك الموقف من القوى الدولية والولايات المتحدة، وغيرها، ولو على مستوى الخطاب وليس الفعل.

  • وجود فرع للإخوان في إيران:

على الرغم من تصفية إيران لعدد كبير من رجال الدين السُّنة المؤثرين منذ قيام الثورة الإسلامية، فإنها أبقت على تنظيم فرعي لجماعة الإخوان المسلمين بها يمثله حزب الدعوة والإصلاح، برئاسة الكردي عبدالرحمن بيراني المولود سنة 1954؛ لجعل خطوط الاتصال مفتوحة بينها وبين الجماعة في أي وقت إذا اقتضت الضرورة، وهو يتماهى في مواقفه تماماً مع النظام الإيراني، سواء في قضية التمييز ضد السنة أو القضية الكردية التي ينتمي لعرقيتها، ويمثل جسراً لتقارباتها مع تركيا وقطر كذلك[15].

وقد هنأ عبدالرحمن بيراني الرئيس المصري الراحل محمد مرسي لاختياره رئيساً لجمهورية مصر سنة 2012، معتبراً نجاحه ثمرة من ثمار ما زرعه حسن البنا (ت 1949) مؤسس جماعة الإخوان المصرية، مؤكداً انتماءه وولاءه التام لجماعة الإخوان، قائلاً: “نعتبر هذا الفوز نتاجاً مباركاً لثمانية عقود من العمل الدؤوب المخلص وثمرة مباركة من ثمار الشجرة الطيبة التي غرسها الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا وروتها أغلى الدماء الزكية”[16].

  • علاقات متشابهة في السياقين الدولي والإقليمي:

فقدت شعارات الثورة الإسلامية الإيرانية زخمها وجاذبيتها بقوة نتيجة انكشافها وتدخلاتها السافرة والعنيفة في سوريا واليمن والعراق ولبنان وغيرهما، إلا أن أزماتها الداخلية والخارجية تزيد تحدياتها مع احتمال وجود تحالفات جديدة تشهدها المنطقة، وتولّي إدارة أمريكية تصر على وقف دعم إيران للإرهاب، وتؤكد ضرورة الحصول على ضمانات جادة من النظام الإيراني بالابتعاد عن أي انخراط في أي صراعات عسكرية أو سياسية في المنطقة لرفع العقوبات الاقتصادية عنها وتسهيل اندماجها في المجتمع الدولي.

يلتقي الموقف الدولي من إيران مع موقف العديد من الفاعلين الإقليميين، حيث يساورهم القلق من ملفها النووي، كما يرفضون تدخلاتها ودعمها المستمر للميليشيات الانقلابية في اليمن وغيرها؛ ما يزيد حاجتها إلى تجديد أدواتها من أجل القبول بها عربياً وإسلامياً، وربما تكون جماعة الإخوان المسلمين وفروعها إحدى هذ الأدوات أو أبرزها في حال لجوئهم إليها.

وقد أسفرت الأحداث الأخيرة في غزة وفلسطين عن إمكانية هذا عن طريق حركة حماس، التي شكرت إيران – دون غيرها – على دعمها بالسلاح والمال وتجهيز كتائبها المسلحة بشكل فعال مكنها من التصدي للاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، كما قام ممثل حماس في اليمن في 8 يونيو الجاري 2021 بتكريم أحد قادة الميليشيات الحوثية الانقلابية الموالية لإيران، وهو ما تبرأت منه حماس سريعاً واعتبرته موقفاً شخصياً منه لا يعبر عن الحركة[17] وهو ما يعبر عن مأزق إيران ووكلائها وتشوه صورتهم في الشارع العربي والإسلامي، وقد تراهن فيه على جماعة الإخوان المسلمين كرافعة له، ولكنه بلاشك سيكون عبئاً على هذه الحركة – الإخوان – وسيزيد من مأزق صورتها هي، وكذلك في علاقتها بحلفائها السابقين وعناصرها وقواعدها في العالم السني.

لكن تبقى ميزة الملاذ الإيراني رهن استبعاد الضغوط على إيران، وتبديد خوف جماعة الإخوان المسلمين من احتمالية تقارب إيران مع خصومهم، الذين هم في الوقت نفسه خصوم أيديولوجيون وتاريخيون لدولة الملالي. كما أن النظام الإيراني أكثر محافظة وأقل براجماتية من النظام التركي أو أي نظام عقلاني آخر يحرص على علاقته مع شركائه وحلفائه، ويتوجس خطراً من وجود تنظيمات دينية متطرفة على أرضه.

ثانياً: مؤشرات الاحتمال والاستبعاد:

نلخص أسباب احتمال اتخاذ إيران ملاذاً بديلاً لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، رغم أزمات طهران الداخلية والخارجية المتعددة، فيما يلي:

  • جماعة وظيفية وورقة ضغط إقليمي: تضغط بها إيران سياسياً على مصر، التي تقطع علاقتها بها منذ قيام الثورة وسقوط نظام الشاه سنة 1979، وتجدد بها أذرعها الإقليمية وأنماط الاستهداف الممكنة لخصومها في المنطقة. كما قد تستعيد إيران بهذا التوظيف للإخوان جزءاً من صورتها المتراجعة في العالم الإسلامي والسني على وجه الخصوص، وتبني جسوراً مع منصات الإخوان وجسورهم الممكنة، خاصة مع ما تملكه طهران من خبرة كبيرة في دعم وتوظيف الحركات الإسلاموية المتطرفة.
  • حليف ناعم للولي الفقيه: يدرك نظام الولي الفقيه امتلاك جماعة الإخوان فروعاً نشطة لها في بعض البلدان العربية، مثل ليبيا واليمن وفلسطين وتونس والمغرب وغيرها، يمكن الاعتماد عليها لمد نفوذها إلى تلك البلدان بشكل ناعم وليس ملحوظاً أو صلباً عنيفاً، كما هو الحال مع الميليشيات الشيعية المسلحة، في سوريا والعراق ولبنان، كما سيتم استخدام الإخوان كأداة في وجه خصوم إيران في المنطقة العربية، كالإمارات والسعودية والبحرين ومصر.
  • محاولة الإخوان تجديد حضورها وتأثيرها: فقد تجد أزمة الإخوان المتفاقمة انفراجة وفرصة في الملاذ الإيراني المحتمل، لتجديد حضورها والتمكين لمقولاتها وخطابها الأيديولوجي والسياسي التحريضي، المتماهي مع أداء النظام الثوري الإسلامي في إيران، وتنشيط حضورها الخامل والخامد في ظل موقف عالمي وإقليمي صاعد ومستمر ضد التطرف، باستثناء دولة الولي الفقيه التي تحافظ على راديكاليتها، وتزداد جموداً مع توالي الأزمات، وهو المتوقع مع تصاعد إبراهيم رئيسي المقرَّب للمرشد رئيساً للفترة القادمة.

خسائر ومخاطر محتملة على الإخوان وإيران:

إن إمكانية لجوء جماعة الإخوان لإيران كملاذ آمن قد تحمل احتمالات خطيرة تتعلق بمستقبل هذه الجماعة الوظيفية، بل وبإيران نفسها، ويمكننا أن نوجزها فيما يلي:

  • تهمة التبعية لإيران: سيعرّض اللجوء الإخواني الجماعة الإرهابية للاتهام من قبل خصومها وقواعدها على السواء؛ وهو ما سبق أن لمسناه في حالة تنظيم القاعدة التي حافظت على هدنة دائمة واستثنائية مع نظام الولي الفقيه، ولكن خرجت داعش من بطنها تتهمها بالعمالة لها، وأنهم أبناء إيران، وهو ما قد يتكرر مع الإخوان أيضاً في حال اللجوء الكبير للموئل الإيراني واتخاذه ملاذاً وقاعدة بديلة في المستقبل.
  • احتمال إفساد علاقة الإخوان بالحلفاء والقواعد: إن سيناريو الملاذ الإيراني لجماعة الإخوان سيشوه علاقتها بقواعدها المنهارة والمأزومة، كما سيزيد الهوة بينها وبين حلفائها الأيديولوجيين، خاصة من التيارات السلفية والجهادية؛ لما قد تسببه لهم من حرج عقدي وسياسي، خاصة مع تراجع الصورة الإيرانية كثيراً عما كانت عليه عند انطلاق ثورة الخميني عام 1979 أو في العقود التالية.
  • التأثير السلبي على صورة الإخوان دولياً: سيؤثر تنامي العلاقة بين جماعة الإخوان وإيران في أداء التنظيم الدولي وعلاقاته الدولية التي تظهر الجماعة فيها بمظهر المظلومية واللاعنف، حين تكون في حماية النظام الأكثر رعاية ودعماً للإرهاب في العالم، كما يؤكد تقرير الخارجية الأمريكية في مايو من كل عام.
  • تأكيد سياسة التدخلات الإيرانية: سيزيد الاحتضان الإيراني المحتمل لجماعة الإخوان، المصنّفة إرهابياً في عدد من دول المنطقة، من عزلة النظام الإيراني وقطيعته مع الدول الفاعلة في المنطقة، كما سيزيد من أزمة صورته دولياً وإقليمياً، مؤكداً التزامه واستمراره في زرع التوتر وسياسة التدخلات وتصدير الثورة والإرباكات لحلفائه.
  • الإحراج والانسداد السياسي في إيران: تختلف إيران وطبيعة نظامها السياسي عن تركيا التي تتمتع بمساحة أكبر من النشاطية الحزبية والسياسية داخلها، رغم وجود مؤشرات للقمع واستهداف المعارضين وإعلامهم كذلك، ولكنها تظل أقل من إيران التي تتميز بالانغلاق والانسداد السياسي والسياسات العنيفة ضد المعارضين، وعدم السماح بأي انتقادات للولي الفقيه ونظامه؛ ما قد يمثل حرجاً كبيراً لها ولحليفها الإخواني المحتمل حالما تحولت إلى ملاذ آمن وبديل حاضن يسمح له بحرية النقد والاستهداف والتحريض على أي نظام آخر في المنطقة.

الخاتمة: احتمالية الحل الوسط:

نرجح أنه قد يكتفي طرفا العلاقة، نظام الثورة الإسلامية في إيران من جهة وجماعة الإخوان من جهة أخرى، بالسيناريو الوسط، وهو ما اتخذته شبكة القاعدة الإرهابية سابقاً، عبر لجوء بعض – وليس كل- قيادييها وعناصرها المطلوبين إلى إيران، والاستفادة وعدم اتخاذها ملاذاً وحيداً بل ملاذاً مهماً ضمن ملاذات أخرى بديلة، وإن كنا نظن أن إشكال الصورة يمكن مداراته دائماً بأي أقنعة وشعارات متاحة للجماعة، كما أن تعنت إيران في علاقتها بالدول والأنظمة في الإقليم والعالم كان هو الثابت الوحيد دائماً فيها؛ كجزء من توظيف الوكلاء من أجل تنفيذ أهدافها.

المصادر: 

[1]. انظر: سويس إنفو في 10 إبريل 2021 https://bit.ly/3wZxfHX- [2] “بعد معتز مطر..تركيا لإعلاميي الإخوان “التزموا أو ارحلوا”، موقع قناة العربية، 27 يونيو 2021، على الرابط: https://cutt.us/qzBas [3]. سي إن إن عربي في 19 مارس 2021، على هذا الرابط:  https://cnn.it/3A22dRQ [4]. لقاء إبراهيم منير مع قناة الجزيرة القطرية في 20 مارس 2021 يمكن مشاهدته على موقع يوتيوب بتاريخ 20 مارس 2021 على هذا الرابطhttps://bit.ly/3h0eVJu : [5]. العربية نت في 14 مارس 2021 على هذا الرابط: https://bit.ly/35SoF21 [6]. انظر: جريدة الوطن المصرية بتاريخ 5 يونيو 2021 على هذا الرابط: https://bit.ly/35T1zZ5 [7]. انظر هذا الرابط على شبكة يوتيوب بتاريخ 4 مايو 2021 على هذا الرابط: https://bit.ly/3vUfw3z [8]. وليد عبد الناصر، “إيران: دراسة عن الثورة والدولة”، الطبعة الأولى 1997- دار الشروق، ص 75 و76. [9]. المصدر السابق نفسه. [10]. انظر حول ذلك: هاني نسيره ومحمد الشافعي، القاعدة وإيران، الملاذ الآمن والتحالف المشبوه، كتاب صحيفة الشرق الأوسط، الشركة السعودية للنشر، ط1، أغسطس 2016. [11]. دقت ساعة الرحيل..3 وجهات محتملة للإخوان بعد تركيا، بوابة العين، 22 مارس 2021، على هذا الرابط: https://bit.ly/2T3A4t6 [12]. يمكن مراجعة هذا الرابط على سكاي نيوز العربية – على هذا الرابط:  https://bit.ly/3qqSKz6 [13]. انظر: فتحي الشقاقي، الخميني الحل الإسلامي والبديل، ط1، دار المختار الإسلامي، 1979. [14]. انظر الرابطhttps://www.youtube.com/watch?v=oHBAQFmFxvg: [15]. انظر حول ذلك: هدى الصالح: من هو بيراني السني الإخواني الإيراني الذي تثق به طهران وتموله قطر؟ العربية نت، 21 مارس 2021 على هذا الرابط: https://bit.ly/2UI3mOh [16]. انظر: هدى الصالح، المصدر السابق نفسه. [17]. انظر: ضجة حول لقاء وتصريحات ممثل حماس مع الحوثيين.. والحركة توضح موقفها، تقرير سي إن إن عربي، 9 يونيو 2021 على هذا الرابط: https://cnn.it/3ji1PbT

المواضيع ذات الصلة