في الوقت الذي تسعى فيه القوى الدولية
والإقليمية لمحاصرة أنشطة تنظيم داعش داخل القارة الإفريقية، خاصة في منطقة الساحل
والإفريقي وغرب القارة، التي تشهد تصاعدًا في التهديدات الأمنية للتنظيم، تبرز على
الساحة المخاطر المتزايدة لداعش في وسط إفريقيا، ولاسيّما في دولة الكونغو
الديمقراطية، التي تمثّل الثِّقل التنظيمي لداعش في تلك المنطقة، والركيزة
العسكرية والفكرية التي ينطلق منها لتهديد دول الجوار وشنّ الهجمات الإرهابية
المختلفة، خاصة ضد القرى والمناطق التي يقطنها المدنيون المسيحيون، وذلك بالتزامن
مع استمراره في استهداف القوات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى مواصلته عمليات السلب
والنهب والاختطاف، وهو ما بات يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تمدّد التنظيم
في الكونغو الديمقراطية والعوامل التي ساعدته على ذلك، فضلًا عن التداعيات
المحتملة لهذا التمدّد، خصوصًا بعدما أصبحت هجمات التنظيم دموية ومروعة.
في هذا السياق، تهدف تلك الدراسة
لإلقاء الضوء على قضية تصاعد تهديدات داعش في الكونغو الديمقراطية، وأسبابه
وتداعياته. ولتحقيق ذلك تنقسم الدراسة إلى أربعة أقسام، وهي: الأول، يُلقي الضوء
على نواة داعش الصلبة في الكونغو؛ وهي القوات الديمقراطية المتحالفة. الثاني، يبين
بالتفصيل ملامح تصاعد تهديدات داعش الأمنية في الكونغو الديمقراطية. الثالث،
يتمحور حول أسباب تزايد تصاعد نشاط داعش في الكونغو الديمقراطية. والأخير، يُحلّل
التداعيات المحتملة لتمدّد داعش في الكونغو.
أولًا: القوات الديمقراطية المتحالفة..
نواة داعش الصلبة في الكونغو
تُمثّل ميليشيا القوات الديمقراطية
المتحالفة الركيزةَ التي يعتمد عليها تنظيم داعش لتعزيز وجوده في وسط إفريقيا بشكل
عام، وفى الكونغو الديمقراطية بشكل خاص، منذ إعلان التنظيم، في أواخر عام 2018، أن
القوات الديمقراطية المتحالفة فرعٌ تابع له، وأعلن مسؤوليته عن العمليات المنسوبة
للجماعة المتمردة منذ إبريل 2019 بعد هجوم على قاعدة للقوات المسلحة لجمهورية
الكونغو الديمقراطية بالقرب من كامانغو في 16 إبريل من العام ذاته، بحسب الخارجية
الأمريكية[1]، ويصف داعش هذه الميليشيا
بأنها فرع محلي له تحت مسمّى “الدولة الإسلامية-ولاية وسط إفريقيا”. وفي
مارس 2021، صَنّفت الولايات المتحدة القوات الديمقراطية المتحالفة بقيادة زعيمها
الجديد، سيكا موسى بالوكو، على أنها “منظمة إرهابية[2]“.
وتتمركز تلك الميليشيا في أعماق الوديان الضيّقة
المليئة بالأحراش في جمهورية الكونغو، وتنمو بشكل سريع من خلال تجنيد الأطفال
لتضخيم صفوفه، وصقل مهاراتهم في صنع القنابل وشنّ هجمات وحشية على القرى والكنائس
والمرافق الطبية.
وعلى الرغم من تمركز القوات
الديمقراطية المتحالفة في الكونغو الديمقراطية، فإن جذورها أوغندية، حيث تأسست في
عام 1995، بقيادة الأوغندي “جميل موكولو” الذي تلقّى التدريب العسكري في
معسكرات التنظيمات المتطرفة في أفغانستان وباكستان؛ ممّا مكّنه من إقامة شبكة
علاقات واسعة. وعمل التنظيم بالأساس على استهداف وحدات الجيش والشرطة الأوغنديين،
لكن مع تصاعد المواجهات اضطر موكولو إلى اتخاذ قرار بعبور الحدود الأوغندية
والاستقرار في إقليم كيفو شمال الكونغو الديمقراطية، مستغلًّا عاملَين؛ الأول،
حالة السيولة الأمنية التي شهدتها الكونغو الديمقراطية منذ بداية حربها الأهلية
الأولى عام 1996؛ والآخر، التداخل السكاني بين جماعات جنوب أوغندا وشمال الكونغو
الديمقراطية، الأمر الذي وفّر للتنظيم حاضنة اجتماعية قوية[3].
وتشير بعض التقارير إلى أن تشكّل تحالف
القوى الديمقراطية في شرق جمهورية الكونغو عام 1995 جاء من خلال اتفاق بين جماعة
التبليغ الأوغندية والجيش الوطني لتحرير أوغندا للقتال ضد الحكومة الأوغندية خلال
ذلك الوقت؛ لذا فإن هذه القوات مؤلَّفة أساسًا من متمردين أوغنديين مسلمين يُقيمون
منذ 1995 في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتلقّت هذه
القوات تدريبًا مبكرًا ودعمًا لوجستيًّا من الحكومة السودانية، وتُرجمت هذه
القدرات إلى هجمات عنيفة بدأت عام 1996، بما في ذلك سلسلة من الهجمات في كمبالا
طوال أواخر التسعينيات، وأدّت تلك الهجمات إلى زيادة العمل العسكري من قِبل قوات
الدفاع الشعبية الأوغندية، التي استَخدمت وجودها العسكري شرق جمهورية الكونغو
الديمقراطية خلال حربَي الكونغو الأولى والثانية (1996-2003) لشنّ هجمات ضد تحالف
القوى الديمقراطية. لكن على النقيض من ذلك، دعمت الحكومات
المتعاقبة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، القوات الديمقراطية المتحالفة من أجل
تعطيل الوجود العسكري الأوغندي والرواندي في البلاد[4].
ثانيًا: ملامح تصاعد تهديدات “داعش”
الأمنية في الكونغو الديمقراطية
في غضون سنوات قليلة تمكّن تنظيم داعش،
عبر ذراعه القوات الديمقراطية المتحالفة، من التحول إلى قوة إرهابية مرعبة بسبب
الهجمات الدموية المروعة على غرار استهدافه، في يونيو 2023، مدرسةً بالقرب من
الحدود بين أوغندا والكونغو، فبحسب مصادر رسمية وإعلامية أوغندية، فقد انتشلت
السلطات جثث 41 شخصًا، من بينهم 38 طالبًا، تم حرقهم أو إطلاق النار عليهم أو
ضربهم حتى الموت، بعد أن هاجمها عناصر القوات الديمقراطية المتحالفة، كما اختَطفوا
ما لا يقلّ عن 6 أشخاص[5].
هذا إلى جانب قدرة عناصر التنظيم على
شنّ الهجمات الإرهابية الواسعة النطاق وغير التقليدية، والتي تحتاج إلى أعداد كبيرة
وتخطيط واسع وعناصر على درجة كبيرة من التدريب والخبرة، على غرار هجومه في أكتوبر
2020 على سجن كانغباي المركزي في مدينة بيني عاصمة إقليم شمال كيفو في الكونغو
الديمقراطية؛ مما أدّى إلى تحرير أكثر من 1300 سجين، وقد أشاد تنظيم داعش بهذا
الهجوم ووصفه بالنصر الكبير، كما جاء عبر وكالة «أعماق» الناطقة بلسان تنظيم
«داعش»، إن مقاتلي لواء «ولاية وسط إفريقيا» التابع للتنظيم نفّذوا الهجوم[6].
هذا الأمر جعل العديد من المراقبين
يرون أن داعش وسط إفريقيا يعدّ أخطر فروع داعش على الإطلاق إلى جانب داعش غرب إفريقيا،
وربّما هذا ما أشار إليه فلاديمير فورونكوف، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة
لمكافحة الإرهاب، خلال مناقشة مجلس الأمن الدولي للأخطار التي تهدّد السلام والأمن
الدوليين جرّاء الأعمال الإرهابية، في أغسطس 2022، حيث قال: “وفي إفريقيا،
تدهور الوضع أكثر منذ التقرير الأخير للأمين العام، مع توسع داعش في وسط وجنوب
وغرب إفريقيا بعد تصاعد نشاط داعش في
جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأن هذا التوسع يؤثر على البلدان التي كانت حتى وقت
قريب بمنأى عن الهجمات إلى حدّ كبير، مثل البلدان الساحلية في خليج غينيا”[7].
ومن العوامل المهمة التي فاقمت تهديدات
داعش الأمنية، في الكونغو، توسُّع التنظيم في عمليات الاختطاف للحصول على فدية
مالية؛ كونها تعدّ وسيلة سهلة للحصول على أموال ضخمة لتمويل أنشطته الإرهابية، حيث
يتمكّن في عملية واحدة من اختطاف العشرات، وهو ما أشار إليه تصريح المتحدث باسم
العمليات المشتركة بين القوات المسلّحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية وقوات الدفاع
الشعبية الأوغندية الكولونيل ماك هازوكاي، أن قوة مشتركة من جيشَي البلدين تمكّنت
من تحرير 115 رهينة اختطفتهم ميليشيات “القوات الديمقراطية المتحالفة”
التي يزعم تنظيم داعش أنها فرع منه بوسط إفريقيا[8].
كما أسهم تعاون داعش مع المجموعات
الداعشية خارج الكونغو الديمقراطية في تزايد تهديدات التنظيم، وهذا ما أشار إليه
تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ بجمهورية الكونغو الديمقراطية، الصادر يوم
13 يونيو 2021، والذي سلّط الضوء على الروابط التنظيمية بين مجموعة داعش في كابو
ديلغادو شمالي موزمبيق وجماعة تحالف القوى الديمقراطية الإرهابية المتمركزة شرق
الكونغو الديمقراطية.
وفي هذا الإطار، عزّز داعش في الكونغو
من تعاونه مع بعض المجموعات الداعشية في تنزانيا، وهو ما بات يشكل تهديدًا داعشيًّا
جديدًا لمنطقة وسط إفريقيا، بالنظر إلى أن تنزانيا من الناحية الجغرافية تشكل حلقة
الوصل المباشر بين شمال موزمبيق وشرق الكونغو الديمقراطية؛ ممّا جعل نشاط داعش، وسط
إفريقيا، يأخذ في الاتساع ليشمل تنزانيا. وقد حمَل عام 2020 العديد من مظاهر
التحول فيما يتعلق بنشاط داعش في تنزانيا، خاصة بعدما أعلن التنظيم الأمّ، في
أكتوبر، التزامه بتنفيذ عمليات في تنزانيا بعد تنفيذ عناصره هجومًا في قرية كيتايا
بمنطقة متوارا الواقعة داخل تنزانيا على مقربة من الحدود مع موزمبيق، وهو الهجوم
الذي أودى بحياة ثلاثة جنود تنزانيين، ومدنيّين ناهَز عددهم عشرين قتيلًا، وذلك في
أكتوبر 2020. ووفق تصريحات الشرطة المحلية، في ذلك التوقيت، فقد تم رصد تسلّل أكثر
من ثلاثمئة مقاتل من شمال موزمبيق إلى جنوب تنزانيا عبر نهر روفوما[9].
ثالثًا: أسباب تزايد تصاعد نشاط داعش في
الكونغو الديمقراطية
. يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل أسهمت، معًا، بشكل
كبير في تمدّد تنظيم داعش في الكونغو الديمقراطية وتصاعُد نشاطه بشكل لافت للنظر
ومتسارع، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية، عبر برنامج مكافآت من أجل العدالة،
رصدت مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يقدّم معلومات عن زعيم داعش في جمهورية
الكونغو الديمقراطية (داعش- الكونغو)، سيكا موسى بالوكو، نظرًا إلى أن التنظيم تحت
قيادته أصبح يقتل ويشوّه ويغتصب المدنيّين، ويرتكب أعمال عنف جنسي أخرى، ويشارك في
اختطاف المدنيّين، بمن فيهم الأطفال. كما تُجنّد المجموعة أطفالًا وتستخدمهم أثناء
الهجمات وللعمل القسري في إقليم بيني بجمهورية الكونغو الديمقراطية[10]؛ وبالتالي يمكن تحديد أبرز
العوامل التي ساعدت داعش على التمدد والانتشار داخل الكونغو الديمقراطية وتهديده
لمنطقة وسط إفريقيا، في النقاط الآتية:
. الهشاشة الأمنية: تُعدّ دولة الكونغو الديمقراطية من
الدول التي تعاني هشاشة أمنية واضحة، ليس فقط بسبب ضعف الحكومة المركزية وتواضع
القدرات العسكرية والأمنية، وإنما أيضًا بسبب انتشار وتعدّد المجموعات المسلحة
التي تنشَط في مناطق عدة من البلاد، حيث ينشَط بها أكثر من 120 ميليشيا في شرق
البلاد منذ نحو ثلاثين عامًا، حيث أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون
الإنسانية إلى أن “أكثر من 80 في المئة من عمليات النزوح في صفوف سكان
الكونغو الديمقراطية سببها الهجمات والمواجهات المسلّحة” الناجمة عن الأنشطة
غير المشروعة لجماعات مسلّحة محلية وأجنبية تنشَط في هذه المنطقة من البلاد[11].
هذا إلى
جانب الصراعات الإثنية والقبَيلة التي تندلع بين الحين والآخر، وتُسبّب نوعًا من
الفوضى الأمنية تؤدى إلى نزوح المدنيين، وقتل العديد منهم جراء الاشتباكات المسلّحة
التي تنشأ جراء تلك الصراعات، على غرار تلك الاشتباكات الإثنية التي وقَعت في
منطقة إيتوري عام 2018، والتي أدّت إلى فرار أكثر من 28 ألفًا عبر الحدود إلى
أوغندا- حسب أرقام الأمم المتحدة- ومعظمهم من النساء والأطفال، حاملين روايات عن
أعمال عنف مروعة، وهو ما يستغلّه داعش لتعزيز وجوده في الكونغو. وتشير إحصاءات
صادرة في شهر يونيو 2023، عن منظمات دولية (غير حكومية)، إلى أن ضحايا العنف في
مناطق شرق الكونغو الديمقراطية منذ بداية العام الحالي، يقدَّر عددهم بنحو 3 آلاف من
المدنيين؛ أي في غضون 6 أشهر فقط، بمعدل 500 قتيل في كلّ شهر[12]، وهنا يقدّم داعش نفسه في
تلك المناطق على أنه بديل للحكومة المركزية من خلال إبراز قدرته على توفير الأمن
والحماية وتوفير الطعام والإقامة إلى الذين يعلنون مبايعتهم للتنظيم، في الوقت
الذي يقوم فيه عناصره بمهاجمة القرى والمناطق التي لا تخضع لنفوذه، وهذا ما يدفع
العديد من المدنيّين إلى مبايعة التنظيم؛ إما للحصول على الحماية، أو على الأقل
تجنّب بطشه وانتقامه، وهو يسمح للتنظيم بالسيطرة على مناطق واسعة وتوفير موارد
بشرية تساعده على التمدّد والانتشار.
. السيولة الحدودية: منذ انتقال مجموعة القوات المتحالفة الديمقراطية من
أوغندا إلى شرق الكونغو الديمقراطية في عام 1995، وهي تستغلّ حالة السيولة
الحدودية بين أوغندا والكونغو الديمقراطية، والتي تتسم بالحدود الهشّة بالنظر
لاتساعها عبر مسافات طويلة، وضعف الرقابة الأمنية عليها من قِبل الجيشَين الأوغندي
والكونغولي، للانتقال عبر حدود الدولتين، سواء للحصول على الدعم من القبائل
الموالية له في المناطق الحدودية، أو من أجل تنفيذ الهجمات الإرهابية داخل الحدود
الأوغندية، على غرار الهجوم الذي شنّه التنظيم على مدرسة لوبيريها الثانوية في
مبوندوي بأوغندا في 16 يونيو 2023، وأسفر عن سقوط 42 قتيلًا، منهم 20 فتاة قُتلْن
بالمناجل وهنّ يحاولْن الفرار، وقاوم 17 فتًى وحُبسوا في مبيتهم[13].
وفى هذا
السياق، صرّح فينسينت بامولانغاكي سمبيجا، وزير الدفاع وشؤون المحاربين القدامى
بأوغندا، أمام البرلمان، بقوله: كثيرًا ما تكون الحدود المليئة بالثغرات من مَواطن
الضعف الخفية على قوات الأمن؛ ففي مبوندوي، وهي أزحم المعابر الحدودية الأوغندية
الثلاثة مع الكونغو الديمقراطية، ممرات مشاة عدة لا تخضع لمراقبة السلطات، وثمّة
مناطق شاسعة شرق الكونغو الديمقراطية خارجة عن القانون؛ مما يسمح لجماعات مثل
تحالف القوى الديمقراطية بالتحرك والإفلات من العقاب، وتُقلّ سلطة الحكومة
الاتحادية، التي يقع مقرّها على مسيرة تتجاوز ألفَي كيلومتر في العاصمة الكونغولية
كينشاس[14].
. توافر مصادر التمويل: تمكّنت القوات المتحالفة الديمقراطية
منذ إعلان مبايعتها لتنظيم داعش من توفير مصادر تمويل جيدة لها، تُمكنّها من
الإنفاق على أنشطتها بشكل جيد، حيث لم تقتصر على المصادر التقليدية مثل التبرعات،
وإنّما من خلال إيجاد مصادر تمويل غير تقليدية أيضًا، عبر شبكات تمويل تنشَط خارج
حدود الكونغو الديمقراطية، حيث تشير العديد من التقارير إلى ارتباط المجموعة
بشبكات تمويل أجنبية تساعد في توفير الأموال المستخدمة في التفجيرات، وفقًا لمحقّقين
من الأمم المتحدة ومؤسسة “بريغواي” ومقرّها الولايات المتحدة، والذين
أشاروا إلى أن “القوات الديمقراطية
المتحالفة” تلقّت الأموال من خلية جنوب إفريقية عملت مع أحد عناصر تنظيم
“داعش” في السودان، مؤكدة أن ذلك العميل المعروف باسم بلال السوداني قُتل
في غارة عسكرية أمريكية على مجمع كهوف في الصومال، في وقت سابق من هذا العام[15].
كما تركز
الجماعة الأوغندية الموالية لتنظيم “داعش” الإرهابي على شنّ هجمات على
المناطق الغنية بالثروات؛ إذ يعدّ “المال” بمنزلة الشريان الرئيسي
للجماعات الإرهابية للاستمرار والبقاء وفرض النفوذ والسيطرة؛ ولذلك كان المزارعون
محلّ استهداف من قِبل “القوات الديمقراطية المتحالفة”، الذي كان ينهب
ثرواتهم الحيوانية ومحاصيلهم الزراعية، فضلًا عن شنّه هجمات عدة في إقليم إيتوري
الغنيّ بالذهب والنفط الواقع شرق الكونغو، من أجل نهب هذه الثروات لتمويل أعماله
الإرهابية[16].
. التركيز على إعلام الرعب: من العوامل المهمة التي ساعدت القوات الديمقراطية
المتحالفة على الانتشار الواسع داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، على مدى العقدين
الماضيين، الاهتمام بالدعاية الإعلامية من قِبل تنظيم داعش، خاصة فيما يتعلق بما
يمكن أن يطلق عليه إعلام الرعب، الذي يركز بشكل كبير على صور ومقاطع الفيديو التي
تتناول قَطع الرؤوس وعمليات الذبح والقتل، فضلًا عن مشاهد إحراق القرى والمدنيين
والبيوت والكنائس، على غرار ما جاء في العدد 416 من مجلته الأسبوعية النبأ، بتاريخ
9 نوفمبر 2023، والتي نشر فيها صورًا للقتلى من الجيش الكونغولي، فضلًا عن إعلانه
مقتل 3 مواطنين مسيحيّين، وإحراقه بعض القرى التي يقطنها المواطنون المسيحيون، وهو
ما صار يُلقي بالخوف في قلوب المدنيّين، فأصبحوا لا يقوون على مقاومة عناصر
التنظيم وحماية أنفسهم وممتلكاتهم، وصاروا يفضّلون الهرب، أو مبايعة التنظيم تجنّبًا
لبطشه وانتقامه.
. القدرة على الاستقطاب والتجنيد: بالرغم من قدرة القوات
المتحالفة الديمقراطية على الاستمرار في الاستقطاب والتجنيد من داخل الكونغو
الديمقراطية، من خلال رفع شعارات براقة تجذب المتطرفين مثل دولة الخلافة والدفاع
عن الإسلام، فإن هناك تقارير تشير إلى أنها عملت على استقبال مقاتلين من دول إفريقية
مختلفة أهمها كينيا ورواندا وجنوب إفريقيا، وقد أدى هذا المسار إلى تزايد التنافس
بين المقاتلين، وخاصة في ظل تولّي المقاتلين الأجانب المسؤوليات العليا في التنظيم؛
ممّا دفع الأخير إلى تكوين معسكرات منفصلة للمقاتلين الأجانب. كما زاد حضورُ
المقاتلين الأجانب من العنف الموجّه ضد المدنيين[17].
ومع
استمرار العمليات التي ينفّذها مقاتلو الجبهة الديمقراطية المتحالفة تحت راية داعش،
بدأت العديد من مظاهر التطور النوعي في الظهور، حيث تشير بعض التقارير إلى أن
التنظيم تمكّن من استقطاب عناصر من أوغندا إلى صفوفه، معتمدًا على علاقاتهم
السابقة بعناصر “القوات المتحالفة”، وربّما هذا ما أسهم في حدوث نقلة
نوعية في طبيعة العمليات وأهدافها، خاصة تلك التي تقع في دول الجوار، خصوصًا
أوغندا، وربّما هذا ما يفسّر احتفال الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني، شخصيًّا، في
سبتمبر الماضي، بمقتل متمردين عدة متحالفين مع «داعش»، من بينهم المسؤول الرئيسي
عن شنّ هجمات بالقنابل في العاصمة كمبالا، الذي يُدعى ميدي نكالوبو، ويوصف بأنه
العدو الأول لأوغندا ومدبر (هجمات) بالقنابل في كمبالا». وهذا ما يشير إلى مدى
القلق الذي تُسبّبه القوات الديمقراطية لأوغندا من الناحية الأمنية، ولاسيّما في
ظل قدراتها على الاستمرار في استقطاب وتجنيد عناصر من داخل أوغندا.
رابعًا: التداعيات المحتملة لتمدّد
داعش في الكونغو
تتزايد التهديدات الأمنية للقوات
المتحالفة الديمقراطية، ذراع داعش الأقوى في وسط إفريقيا، وهو ما جعل العديد من
الدول، خاصة المحيطة بالكونغو تشعر بالقلق من تلك التهديدات، لما تحمله من تداعيات
أمنية خطيرة، ولاسيّما أن تلك التهديدات باتت متعدّية للحدود. ويمكن تحديد أبرز
تلك التهديدات في النقاط الآتية:
. محاولة التوغل في دول الجوار: يطرح تنظيم داعش نفسه على أنه المدافع عن الإسلام في
منطقة وسط وشرق إفريقيا، ضد ما يسمّيه الحرب الصليبية التي تقودها بعض دول المنطقة
على غرار أوغندا، التي يرغب في العودة إليها ولكن تحت شعارات دينية جهادية جذابة،
بسبب تدخلها في الصومال، وهو ما وصفه داعش في العدد 306 من مجلته الأسبوعية النبأ،
بتاريخ 23 سبتمبر 2021، بالتدخل الصليبي السافر في بلاد الإسلام؛ وبالتالي رفع
التنظيم شعار وجوب معاقبة النظام الأوغندي، وهو ما جعل التنظيم يسعى إلى استهدافها
ليس فقط من خلال تجاوز الحدود وشنّ الهجمات الإرهابية، ولكن من خلال محاولة
استهداف العاصمة أيضًا، على غرار الانفجارَين اللذين استهدفها مدينة كامبالا في
نوفمبر 2021؛ مما أسفر عن إصابة 24 شخصًا على الأقل، وهذا ما دفع كلٌّ من أوغندا
وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الإعلان عن تعزيز جهودهما المشتركة في مواجهة
جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش»، والتي تنشَط على
الحدود بين البلدين. وهذا ما كشف عنه الاجتماع الذي عُقد بالعاصمة الأوغندية
كامبالا، في سبتمبر 2023، وضمّ خبراء من القوات المسلحة للبلدين؛ «التزامهما
بمواصلة العمليات العسكرية المشتركة للوصول إلى معاقل ميليشيات القوات الديمقراطية
المتحالفة، وجاء الاجتماع بوصفه مرحلة من مراحل اتفاق التعاون بين الحكومة
الأوغندية وجمهورية الكونغو الديمقراطية من أجل التصدي المشترك لمتمرّدي القوات
الديمقراطية المتحالفة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.[18]
. تهديد المصالح
الاقتصادية: من الواضح أن تنظيم داعش في الكونغو يسعى إلى تزعُّم كلّ المجموعات
الداعشية في وسط إفريقيا، خاصة تلك المنتشرة في موزمبيق، والتي تمكّنت في وقت من
الأوقات من السيطرة على بعض المناطق المهمة داخل البلاد، على غرار سيطرتها على
مدينة بالما في مارس 2021، والتي تبعد
مسافة عشرة كيلومترات فقط من مشروع غاز عملاق تبلغ تكلفته مليارات، وتديره مجموعة
توتال الفرنسية[19]،
وهو ما أثار المخاوف من التهديدات الاقتصادية التي يمكن أن يشكّلها داعش في وسط
افريقيا؛ في ظل تزعُّم داعش الكونغو للمجموعات الداعشية، ورغبته في توسيع وتكريس
نفوذه في منطقة وسط إفريقيا، وهو ما قد يجعل مصادر الطاقة بالمنطقة في مرمي نيران
داعش، بعدما أطلق تنظيماه في سوريا
والعراق في عام 2021، استراتيجية الغزوات
الاقتصادية، التي تقوم على فكرة استهداف مصادر الطاقة المختلفة للضغط على الدول
والحكومات، حتى تنهار اقتصاديًّا، ومن ثم عسكريًّا وأمنيًّا، ومن ثم يمكن السيطرة
عليها أو على الأقل السيطرة على مساحات واسعة منها، خاصة أن دولة مثل موزمبيق من
الدول المصنَّفة أمميًّا ضمن أفقر 10 دول
في العالم، وتعتمد على مصادر الطاقة المكتشفة فيها، والتي تُقدّر بنحو 60 مليار دولار، للخروج من دائرة الفقر،
والتي بدأت في تصدير أول شحنة للغاز
المسال إلى أوروبا في نوفمبر 2022.
. تكريس الاستهداف الطائفي: على الرغم من استهداف المجموعات الموالية لداعش للمدنيين
غير الموالين لها في مناطق نفوذها وانتشارها، فإن فرع داعش في الكونغو، وهي القوات
المتحالفة الديمقراطية، يُعدّ أكثر فروع التنظيم استهدافًا للمدنيين، خاصة
المواطنين المسيحيين، وهو ما قد ينشر مبدأ الصراعات الطائفية في منطقة وسط
إفريقيا، والقتل على أساس الهوية الدينية، في ظل ضعف الحكومات المركزية وعدم قدرته
على التصدي لمثل هذه الصراعات التي قد تأتي على الأخضر واليابس، في ظل تركيز داعش
على استهداف الكنائس على غرار تفجيره كنسية في إقليم كيفو الشمالية، في مطلع عام
2023، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص- على الأقل- وإصابة 39 آخرين[20]، هذا إلى جانب هجماته شبه
اليومية التي يشنّها التنظيم ضد القرى المسيحية، خاصة في المناطق النائية طوال
السنوات الماضية، وربّما هذا ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصنيف القوات المتحالفة
الديمقراطية في مارس 2021، “منظَّمة إرهابية” تابعة لتنظيم “الدولة
الإسلامية”، حيث قُتل نحو 1219 مدنيًّا في هجمات نُسبت إلى “القوات
الديمقراطية المتحالفة” منذ 2017 وحتى عام 2021، في منطقة بيني، بحسب الخبراء
من مرصد كيفو الأمني.
وهذه
الأرقام تجعلها المجموعة المسلّحة الأكثر دموية من بين 122 مجموعة لا تزال نشِطة
في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية[21]. وتعدّ منطقة شمال كيفو من
أكثر المناطق التي يتعرّض فيها المدنيون المسيحيون للاستهداف من قِبَل داعش، على
غرار قتله عشرين مدنيًّا في أكتوبر 2023، على أطراف مدينة أويشا الواقعة في منطقة
بيني في شمال مقاطعة شمال كيفو؛ حيث قام المهاجمون بأعمال قتل ونهب، وكذلك الهجوم
الذي استهدف إحدى القرى المسيحية التي تبعد نحو 30 كيلومترًا إلى الجنوب من مدينة
بيني في إقليم نورث كيفو، في مارس 2023، والذي أسفر عن مقتل أكثر من ي 44 شخصًا
بينهم نساء وأطفال وعجائز.
في النهاية، يمكن القول إن تصاعد نشاط
داعش في الكونغو الديمقراطية لا يمثل تهديدًا لمنطقة وسط إفريقيا فحسب، التي بات
ينشَط في ثلاث دول منها بشكل لافت للنظر؛ وهي الكونغو وموزمبيق وتنزانيا، إلى جانب
مساعيه للوجود في أوغندا، وإنّما يمثل تهديدًا للأمن في القارة الإفريقية، خاصة أن
داعش لا يعترف بالحدود، بل يسعى لاستغلال المناطق الحدودية للتحرك بمرونة أكثر،
حيث يضم في صفوفه مواطنين من موزمبيق وآخرين من تنزانيا وكينيا وحتى الصومال، خصوصًا
أن داعش في الكونغو يسعى إلى تكريس فكرة الهلال الداعشي في وسط إفريقيا، الذي يمتدّ
من موزمبيق مرورًا بتنزانيا والكونغو الديمقراطية وانتهاءً بأوغندا، وهو ما يفرض
على القوى الدولية والإقليمية المسارعة إلى وضع استراتيجية فاعلة تمكّنها من تقويض
تهديدات داعش في وسط إفريقيا، ثم الانطلاق منها إلى محاصرة التنظيم وتجفيف مصادر
تمويله المالية والبشرية، قبل أن يستفحل خطره ويخرج عن نطاق السيطرة على نحو يهدّد
الأمن والسِّلم الدوليين.
كما ينبغي على الحكومات القيام بواجباتها تجاه شعوبها؛ لأن قوة الدولة ومدى استقرارها من الأهمية بمكان، وكلّما كانت الدولة مستقرة وقوية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، في شتّى الجوانب الحياتية التي تضمَن للفرد بيئة سليمة للنمو، كان انتشار التطرف فيها ضئيلًا، وكانت السيطرة على تلك التنظيمات المتطرفة من السهولة بمكان.
[1] “القوات الديمقراطية المتحالفة”..
من هي الميليشيا المتهمة بمذبحة المدرسة في أوغندا؟، موقع الحرة، بتاريخ 17 يونيو
2023، على الرابط: https://2u.pw/5xprmCG
[2] ميليشيا إسلامية متطرفة وراء مجزرة
يوغندا الدامية، المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 19 يناير 2023، على
الرابط: https://2u.pw/T1Utrp4
[3] تنظيم الدولة الإسلامية: كيف توسع في
قلب إفريقيا؟، موقع بى بى سي عرب، بتاريخ 15 يونيو 2021، على الرابط: https://2u.pw/sn7Es4Y
[4] الكونغو الديمقراطية: مقتل العشرات في هجوم
نُسب للقوات المتحالفة التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية، موقع فرانس24،
بتاريخ 9 مارس 2023، على الرابط: https://2u.pw/hdYAxbJ“،
[5] “أشد فتكًا”.. فرع جديد لتنظيم
داعش يتوسع وسط إفريقيا، موقع الحرة، بتاريخ 12 أغسطس 2023، على الرابط: https://2u.pw/Gdv2OBU
[6] مسلحون متشددون يحررون 1300 نزيل من
سجن بالكونغو، موقع الشرق الأوسط، بتاريخ 20 أكتوبر 2020، على الرابط: https://2u.pw/HwEnrKf
[7] فورونكوف: داعش لديه أهداف وتطلعات
طويلة المدى، ويتوسع في وسط وجنوب وغرب إفريقيا، موقع الأمم المتحدة، بتاريخ 9
أغسطس 2022، على الرابط: https://2u.pw/gxUI6LY
[8] قوة إفريقية مشتركة تحرر 115 رهينة من
أيدي “القوات المتحالفة”، موقع اليوم السابع، بتاريخ 17 سبتمبر 2023،
على الرابط: https://2u.pw/JOfWffS“
[9] موزمبيق وتنزانيا والكونغو.. مثلث داعش
الجديد بإفريقيا (تحليل)، موقع الأناضول، بتاريخ 21 يناير 2021، على الرابط: https://2u.pw/NIwuZOU
[10] سيكا موسى بالوكو، برنامج
مكافآت من أجل العدالة، على الرابط: https://2u.pw/9lkQv0R
[11] تجدد المعارك في شرق الكونغو
الديمقراطية، موقع جسوربوست، بتاريخ 8 أكتوبر 2023، على الرابط: https://2u.pw/Rc5NsVh
[12] متمردون متحالفون مع «داعش» يهاجمون
قرى الكونغو الديمقراطية، موقع الشرق الأوسط، بتاريخ 21 يوليو 2023، على الرابط: https://2u.pw/FAtLDde
[13] حدود الكونغو الديمقراطية وأوغندا تغدو
من مَواطن الضعف الخفية على قوات الأمن، موقع (ADF)، بتاريخ 15
أغسطس 2023، على الرابط: https://2u.pw/jqAgslQ
[14] المرجع السابق
[15] فرع جديد لـ”داعش” أشد فتكًا
يتوسع بإفريقيا.. هاربون يروون الأهوال، موقع العين الإخبارية، بتاريخ 13 أغسطس
2023، على الرابط: https://2u.pw/A4TeJnH
[16] دلالات الهجوم الإرهابي على مدرسة
ثانوية غرب أوغندا، موقع القاهرة الإخبارية، بتاريخ 18 يونيو 2023، على الرابط: https://2u.pw/kzi0P1b
[17] أميرة
عبد الحليم، الهجوم على المدرسة الأوغندية.. وتمدد ولاية وسط إفريقيا،
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بتاريخ 26 فبراير 2023، على
الرابط: https://2u.pw/k9HIjKe
[18] كينشاسا وكمبالا تعززان تحالفهما ضد
«القوات الديمقراطية، موقع الشرق الأوسط، بتاريخ 3 سبتمبر 2023، على الرابط: https://2u.pw/3PLUdn0»،
[19] موزمبيق: من هم الجهاديون الذين سيطروا
على بلدة بالما الساحلية؟، موقع فرانس24، بتاريخ 23 مارس 2021، على الرابط: https://2u.pw/EOZgh1u
[20] خلّف عشرات الضحايا.. تنظيم الدولة
يتبنى تفجير كنيسة شرقي الكونغو الديمقراطية، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 16 يناير
2023، على الرابط: https://2u.pw/IGVz7xz
[21] واشنطن تصنف جماعة مسلحة في جمهورية
الكونغو “منظمة إرهابية” تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية، موقع فرانس24ـ
بتاريخ 12 مارس 2021، على الرابط: https://2u.pw/NDeJcNf“،