مقدمة
أصبح استخدام التنظيمات الإرهابية المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي من أكثر القضايا التي باتت تثير القلق مؤخرًا؛ نظرًا لأنها أصبحت تستخدم هذه الوسائل في الكثير من أعمالها؛ مثل: التجنيد، والتدريب، والتواصل مع أتباعها وداعميها والمتبرعين لها، وخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي تعدُّ وسيلة رخيصة وسهلة وفعالة، إذ من خلالها ينشر أعضاء التنظيمات الإرهابية أفكارهم الأيديولوجية ودعاياتهم وأنشطتهم المختلفة. وبخلاف ما سبق، تقوم بعض التنظيمات الإرهابية بما يسمى «إرهاب الإنترنت»، وهو استخدام الإنترنت بوصفه وسيلة يمكن من خلالها شنّ هجوم إلكتروني، وتنفيذ أعمال إرهابية إلكترونية تخريبية، واختراق أنظمة الأمن والمعلومات، وزراعة الفيروسات القوية.
ومن أبرز وسائل التواصل الاجتماعي، “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” و”تليجرام” و”واتس آب” و”ClubHouse” الذي ظهر مؤخرًا واستخدمته جماعات إرهابية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وقد انتشرت تلك الوسائل على مستوى العالم كله، حتى إنه لا يكاد يوجد شخص ليس لديه تلك الوسائل التي تمكّنه من التواصل مع غيره، ولم يقتصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فقط على الجانب الاجتماعي بين الأصدقاء، وإنما كان له بُعْدٌ آخر تمثَّل في تكوين الرأي العام والتأثير في اتجاهاته واتخاذ المواقف والآراء نحو القضايا الهامة والأحداث الحاصلة في العالم.
وقد نجحت تنظيمات إرهابية ومتطرفة عديدة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع لنشر أفكارها وتوجهاتها، فضلًا عن استخدامها في تهديد أمن واستقرار بعض الدول والمجتمعات، إلى جانب استقطاب مزيد من المتطرفين إلى صفوفها، وهو ما يطرح تساؤلًا حول أسباب توسُّع التنظيمات الإرهابية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكيفية مواجهة تلك الظاهرة والحد من مخاطرها.
أولًا: أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى المتطرفين
تُعرَّف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها مجموعة المواقع والتطبيقات الإلكترونية التي يتم استخدامها للتواصل مع الآخرين، ولنشر معلومات عبر شبكة الإنترنت للسماح للمستخدمين بمشاركة المحتوى، وكذلك نشره عبر نطاق واسع، ومن المعلوم أن هذه الوسائل والمواقع والتطبيقات التي تتم متابعتها من قبل عدد كبير من المستخدمين يصل إلى عدة ملايين، هي عبارة عن مجموعة من الشبكات الإلكترونية، تسمح للمشتركين بأن يقوموا بإنشاء مواقع خاصة بهم، ومن هنا يمكن ربطهم عن طريق نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء لديهم هوايات واهتمامات مشابهة أو جمعهم مع أصدقاء الجامعة أو الثانوية.
وتشير كلمة وسائل التواصل الاجتماعي إلى المنصات التي تتيح التفاعل بين الأشخاص؛ حيث يشاركون أو يتبادلون المعلومات والأفكار في مجتمعات وشبكات افتراضية، وجميعها تقدّم خدمات متنوعة ومميزة، وبالتالي هنالك العديد من الفوائد لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، فهي توفر للمستخدمين القدرة على الوصول إلى المعلومات في الوقت الذي يريدونه والتواصل والعثور على مجتمعات متخصصة، يمكن من خلالها نشر المعلومات بسهولة وسرعة كبيرة، وكذلك العثور على أشخاص لديهم الاهتمامات نفسها من خلال المنصة، وهو ما وفّر فرصة ثمينة للجماعات المتطرفة للتمدد والانتشار الفكري[1].
ومن العوامل الهامة التي شجّعت التنظيمات الإرهابية على التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها والتحريض على العنف والإرهاب، هو غياب القواعد لمعايير المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي وإمكانية الانتشار من خلال ما يسمى (الحسابات الوهمية)؛ حيث يعتبر غياب المعايير المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي إحدى أهم وأبرز وسائل انتشار الجماعات المتطرفة، فهذه الوسائل – حتى اليوم – لم تحظَ بمعايير تنظّم النشر من خلالها أو تضع معايير محددة للمادة المنشورة لمحاولة منع أي نشر للفكر الإرهابي المتطرف، وهذا ما ساعد هذه الجماعات على استقطاب عناصر من جنسيات مختلفة، بعضهم لديه قدرات إعلامية وفنية وتكنولوجيا، ومن هنا فقد استطاعت هذه الجماعات أن تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي لأنها أكثر شيوعًا وأقل أمنًا، لذلك تمكنت هذه الجماعات من توظيف أدواتها الإعلامية عبر هذه الوسائل لبثّ مقاطع فيديو وغيرها من المواد الإعلامية المتطرفة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إمكانية الانتشار من خلال ما يُسمى “الحسابات الوهمية” كان أهم أسباب الانتشار لهذه الجماعات أيضًا؛ حيث تمكّن أعضاء هذه الجماعات المتطرفة من خلالها تكثيف وجودهم وأعدادهم على وسائل التواصل الاجتماعي ليكسبوا تأييدًا أكبر من متابعيهم وليشكّلوا من خلال ذلك قوة إعلامية؛ نظرًا لإدراك تلك التنظيمات العدد الهائل من مستخدمي هذه الوسائل؛ حيث تشير بعض التقارير إلى أن أكثر سكان الكرة الأرضية لديهم حسابات عليها ويقومون بمتابعة منشورات هذه الجماعات عن طريق الهاشتاغات التي تفعّلها الجماعات المتطرفة، وذلك ليقوموا بنشر عملياتهم الإرهابية والترويج لها عبر هذه الوسائل[2].
ثانيًا: لماذا تزايد اعتماد التنظيمات المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
تتعدد الأسباب التي تقف وراء تزايد توظيف الجماعات الإرهابية لوسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة أن الإرهاب عبر الإنترنت يهدف إلى بعض الأنشطة والممارسات التي تعتمد على اختراق بعض شبكات الإنترنت الخاصة بدول أو مؤسسات معينة؛ ويمكن تحديد أبرز تلك الأسباب في النقاط التالية:
. نشر الأفكار المتطرفة: لا ريب أن العامل الرئيسي في انتشار الفكر المتطرف عبر الفضاء الإلكتروني، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، يكمن في الخطابات المتشددة والمتنوعة التي تطرحها التنظيمات لاستقطاب عناصر جديدة، أو على الأقل خلق مجموعات متعاطفة معها، تأخذ على عاتقها نقل تلك الأفكار إلى المجتمعات التي تعيش فيها، وهو ما يضع أعباء مضاعفة على عاتق السلطات الأمنية في تحديد الفرق بين ما يعتقده رواد مواقع التواصل بأنه حرية تعبير يكفلها القانون، وما يشكّل خطرًا محدقًا على أمن البلدان واستقرارها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل انتقلت بعض التنظيمات على غرار تنظيم داعش إلى محاولة نشر أفكارها المتطرفة وتوجهاتها العنيفة من خلال استغلال الألعاب الإلكترونية، وخاصة الألعاب الحربية القتالية الأكثر شهرة على مستوى العالم، بإعادة تصميم أجزائها، وتضمينها تعديلات برمجية لإضافة الصور والأصوات التي يروّج لها التنظيم، مثل الأناشيد التي تدعو إلى العنف والإرهاب؛ ليخلقوا بذلك جنودًا موالين لهم في العالم الافتراضي[3].
. التحريض على العنف: لقد وظّفت الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف ونشر المحتوى الإعلامي المتطرف لها، وخاصة أن هذه المواقع الآن أصبحت من أسهل ما يكون، وذلك عن طريق التواصل بين مجموعة من الأفراد أو المجموعات المتطرفة من أجل استقطاب أعضاء آخرين من خارج فئاتهم التقليدية أو من بلاد أخرى، وذلك من خلال الاعتماد على الثقافات المحدودة لضحاياهم الذين يتأثروا بهذه المادة الإعلامية التي يقدمونها، والتي يمكنهم من خلالها السيطرة والترويج لأفكارهم بطريقة انتقائية تستهدف فئات محددة من الناس المتعاطفين معهم، أو من يقومون بالتفاعل معهم من الناس على صفحات الجماعات المتطرفة ومواقعهم الإعلامية، وهو ما أشارت إليه من قبل تصريحات السيد بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة؛ حيث قال: “إن الإنترنت هو خير نموذج يوضح لنا كيف يمكن للإرهابيين أن يمارسوا أنشطتهم على نحو عابر للحدود مما يشكل خطرًا داهمًا[4].
. الترويج لنظرية المؤامرة: لا شك أن الجماعات المتطرفة توظّف أيضًا هذه الوسائل الاجتماعية لتروّج لنظريات المؤامرة، حيث إن تلك النظريات تعدُّ من العوامل الهامة في استقطاب عناصر جديدة وخلق مجموعات موالية ومتعاطفة، كونها تروّج كذبًا وزورًا كل ما يدور في العالم يأتي في إطار الحرب على الإسلام والمسلمين، وأنه يجب حماية الأمة من تلك المؤامرات، وهو ما يدفع العديد من الشباب إلى أحضان التطرف والإرهاب، باعتباره وسيلة لمواجهة المؤامرات الدولية على الأمة الإسلامية، كونها تمثل تهديدًا وجوديًّا، بالإضافة إلى تحفيز بعض الأفراد إلى عدم الإيمان، بالحلول السياسية، الأمر الذي يترتّب عليه تعزيز العنف وإثارة الحرب العرقية والثقافية والدينية بين الشعوب.
. التحريض على العنف تجاه الآخر: تزايدت في السنوات الأخيرة الحملات المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في الدول الغربية، التي تدعو إلى كراهية الآخر وعدم تقبّل التعايش معه، سواء كان هذا الآخر مختلفًا دينيًّا أو عرقيًّا أو ثقافيًّا، وهو ما تقوم به بعض المجموعات المتطرفة في الدول الأوروبية، ما نتج عنه في الآونة الأخيرة عدد من العمليات الإرهابية في بعض الدول الأوروبية ضد المهاجرين والمسلمين، على غرار ما حدث في مدينة “كرايستشيرش” في نيوزيلاندا، وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ومدينة “هالة” بألمانيا؛ حيث قامت جماعات إرهابية متطرفة بنشر أفعال إجرامية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك ما يؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكّل حافزًا كبيرًا للجماعات المتطرفة واستراتيجية فعالة في نشر العداء تجاه الآخر، من خلال نشر أفكارهم المتطرفة[5].
. تكريس الكراهية في المجتمعات: تمثّل وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدَّين، إذ يمكن استخدامها في نشر القيم والأفكار الإيجابية والتعاليم الدينية الصحيحة، في حين يتمثَّل الوجه القبيح لهذه الوسائل في الاستخدام السيئ لها من جانب المتطرفين وأصحاب الأيديولوجيات المنحرفة، الذين يستخدمونها في نشر محتويات تحضُّ على العنف وتثير الكراهية، فعلى سبيل المثال، شهدت دول أوروبية عديدة خلال السنوات الأخيرة، زيادة في الخطابات المعادية للمسلمين؛ بسبب الإعلام، ووسائل التواصل المختلفة التي تعمل على تأجيج العنف، والتمييز ضد المسلمين، وذلك من خلال نشر الأخبار الكاذبة، والتحريضية، والنابعة من فَهم خاطئ للإسلام، وتعاليمه السمحة، وتعميم الأفكار الخاطئة، والصور النمطية ضد عموم المسلمين، فضلًا عن ربط الإرهاب بالإسلام؛ بسبب الأعمال الإجرامية التي ترتكبها بعض الجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها إلى الإسلام، وهو منها براء، وكثيرًا ما تلجأ بعض الحركات المتطرفة في الغرب إلى مواقع التواصل من أجل نشر أفكارها التي تحضّ على كراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا، والتعصب لسيادة العِرْق الأبيض، والتمييز القائم على الدِّين والنوع[6].
. الاستقطاب والتجنيد: تزايد خلال السنوات الماضية دور مواقع التواصل الاجتماعي في عمليات الإرهاب والتطرف وتعبئة المتطرفين (العنيفين وغير العنيفين)؛ حيث تستغل تلك الجماعات وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أفكارها والتأثير في هذه الجماهير، وبالتالي استقطاب مزيد من الأتباع، وذلك بالنظر إلى صعوبة اتباع وسائل التجنيد التقليدية في التجنيد، وهو ما يسمح لهذه التنظيمات باستقطاب عناصر متعددة من دول مختلفة، ويعدّ تنظيم داعش حالة متميزة في هذا الإطار؛ حيث استخدم تلك الوسائل على أوسع نطاق في الترويج والدعاية لأفكاره الأيديولوجية، وتجنيد الأعضاء الجدد وتدريبهم، والتواصل مع الأتباع والمؤيدين والجهات المانحة، وقد كشف بعض التقارير في عام 2015، الذي كان يوصف بعام الذروة للتجنيد بالنسبة إلى داعش، أن عشرين ألف مقاتل أجنبي جاؤوا من كل أنحاء العالم، وانضموا إلى صفوف التنظيم، من بين هؤلاء 3400 مقاتل يُعتقَد أنهم جاؤوا من دول غربية، وتم تجنيدهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي[7].
. شنّ الهجمات الإرهابية: أضحت التنظيمات والمجموعات المتطرفة لا تستغل فقط وسائل التواصل في الاستقطاب ونشر الأفكار الإرهابية، وإنما أيضًا للتخطيط لشنّ الهجمات الإرهابية، وخداع الأجهزة الأمنية، فعلى سبيل المثال، كشفت نتائج التحقيقات التي تم إجراؤها في فرنسا بعد حادثة مسرح “الباتاكلان” أن الإرهابيين لجؤوا للتواصل فيما بينهم إلى بعض الألعاب المتاحة على شبكة الإنترنت، ولقد نجحوا في خداع أجهزة الأمن في فرنسا وأوروبا عن طريق تجنّبهم استخدام وسائل الاتصال المعروفة[8]. كما يعتبر “تويتر” إحدى أهم وسائل التواصل الاجتماعي التي تُستخدم للتفاعل والتنسيق أثناء العمليات الإرهابية، ولعل المثال البارز على ذلك، هو الهجوم الإرهابي في مومباي في 26 نوفمبر 2008، الذي راح ضحيته نحو 164 شخصًا، وجرح أكثر من 300 شخص. وقد كشفت التحقيقات أن جماعة “عسكر طيبة” الباكستانية كانت تقوم بالتنسيق مع منفِّذي الهجوم من باكستان، وإبلاغهم بالتطورات التي تحدث من خلال الاعتماد على أحدث الأخبار المنشورة على تويتر، مثل تحركات وتمركز وحدات مكافحة الإرهاب الهندية، التي خططت للهجوم على الفندق[9].
ثالثًا: آليات مواجهة التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب الجماعات المتطرفة
يمكن القول إن مواجهة استخدام المتطرفين بشكل عام لوسائل التواصل الاجتماعي، تحتاج إلى آليات تعمل على أكثر من مستوى، حتى تحقق المطلوب، وتحدّ من التهديدات المحتمَلة لهذا التوظيف، ويمكن تحرير أبرز تلك المستويات في الآتي:
. المستوى التشريعي
تختلف سياسات وآليات مواجهة الجماعات المتطرفة واستغلالها لوسائل التواصل الاجتماعي من دولة إلى أخرى، وذلك بحسب طبيعة السياسة الخاصة بكل دولة، وكذلك الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن الأمر بحاجة ضرورية إلى الجهود الدولية؛ حيث يجب أن تتعامل الدول مع بعضها بعضًا عن طريق التشريعات الدولية والإقليمية التي تحدّ من استغلال الجماعات المتطرفة للإعلام ولوسائل التواصل الاجتماعي، ومن ذلك على سبيل المثال، ضرورة فرض فرق استجابة للطوارئ الحاسوبية، وتشكيل المنظمات القانونية ضد تهديدات الجماعات المتطرفة[10].
ويمكن على المستوى التشريعي مواجهة التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب الجماعات المتطرفة من خلال إصدار القوانين التشريعية التي تجرّم هذه الأعمال الإرهابية للجماعات المتطرفة، وتسنُّ عقوبات قاسية يتم تطبيقها بموجب أحكام القانون، وكذلك ضرورة العمل على تفعيل منظومة تشريعية لسدّ كل الثغرات التي يمكن أن تَنفُذ من خلالها الجماعات المتطرفة. إضافة إلى ذلك، يجب أيضًا وضع القوانين التشريعية من أجل حظر التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس العقيدة أو المذهب أو الدين، أو الطائفة أو الملة، أو العرق أو اللون، أو الأصل، وتتضمن هذه القوانين غرامة تشمل السجن أو الغرامة أو كليهما معًا، وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، بسنِّ قوانين تشريعية من أهمها: قانون مواجهة جرائم غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، وتمويل التنظيمات غير المشروعة[11].
. المستوى التعليمي
لا شك أن التعلُّم له دور كبير في مواجهة التطرف والإرهاب، ومن آليات مواجهة الجماعات المتطرفة على المستوى التعليمي تفعيل دور التعليم في المجتمع عن طريق إعادة النظر في مناهج الدراسة والأساليب التربوية بعقليات متفتحة، وذلك انطلاقًا من دراسات متعمقة للمتغيرات التي يمر المجتمع بها، وتسليط الضوء على المستجدات العصرية بروح تأخذ مصلحة الدولة وأمنها، كما تأتي أهمية التعليم أيضًا باعتباره آلية قوية لمواجهة الجماعات المتطرفة من خلال وضع الأُطُر الاستراتيجية المتعددة الأبعاد بالشكل الذي يمكّن الطلاب من اكتساب المهارات التعليمية المختلفة التي تمكّنهم من مواجهة الأفكار المتطرفة، ومن هنا يبرز دور المدرسة والجامعة وكل المؤسسات التعليمية بصفة عامة في مقاومة العنف والإرهاب والتطرف، وعلى ذلك فإنه يجب أن تُوضَع المدرسة في المكانة التي تمكّنها من ممارسة أثرها الفعال في بناء الأجيال المسالمة التي تعلم مبادئها وقيمها وأخلاقها الصحيحة، وبناء أجيال لديها القدرة على تحمّل المهمة المناطة بها في تقليل الإرادة الإجرامية لدى أفراد المجتمع.
ومن هذا الجانب أيضًا، ليكون التعليم آلية فعالة في مواجهة الجماعات المتطرفة، يجب أن يتم تطويره لغرس الفكر المعتدل، وذلك لا يكون إلا عن طريق تطوير المناهج التعليمية ومدّها بمواد تساعد على نشر الوعي في المجتمع بما يساهم في سد أي ثغرات يمكن للجماعات المتطرفة أن تنفذ منها إلى عقول النشء. ومن هنا أيضًا يجب أن يتم ربط التعليم بالأهداف الوطنية، التي منها الانتماء للوطن والولاء لقيادته، واستغلال مادة التربية الدينية في تزكية الأخلاق عند الطلاب، وغرس معاني التسامح والوسطية فيهم.
. المستوى الإعلامي
هناك مجموعة من الآليات التي يمكن من خلالها مواجهة هذا التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب الجماعات المتطرفة، وهذه الآليات على المستوى الإعلامي قادرة على تحقيق المواجهة، وذلك من خلال إبراز تناقضات هذه الجماعات المتطرفة وإظهار آثارها السلبية على المجتمع وعلى وعي الجمهور، ومن هذه الآليات أيضًا التركيز الاحترافي على المغزى من هذه الرسائل التي تتعلق بتوجيه الرأي العام نحو التعاطف مع تلك القضايا الإرهابية، ثم تحويله إلى مجال خصب بهدف التشكيك في الدولة والجدوى من حربها عليه، ومن هنا يُمكننا طرح مجموعة من الطرق والآليات لمواجهة هذا التوظيف السلبي للجماعات المتطرفة فيما يلي:
. التعامل مع الأجهزة الإعلامية للجماعات المتطرفة وتغطيتها الإعلامية باعتبار أنها اعتراف ضمني لدعم الإرهاب وجماعاته المتطرفة الدموية بهذا الذي تقدّمه من المقابلات الموثقة مع قيادات الجماعات والشخصيات الإرهابية من أجل دعم الأعمال المتطرفة ضد الدولة بشكل واضح وصحيح.
. الرد على التغطية الإعلامية للجماعات المتطرفة، وكشف دوافعها وأهدافها وتناقضاتها بشكل إعلامي مهني وموضوعي، عبر تفنيد الأفكار المتطرفة والرد عليها بشكل مقنع من خلال العقل والنقل.
. تبنِّي سياسات إعلامية عامة تركّز في توجهاتها ومضامينها على العناصر الاجتماعية والثقافية والنفسية، وبصفة خاصة الشباب، وذلك لمنع تأثرهم بالأفكار المتطرفة التي قد تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
. التأكيد الإعلامي على أن الجماعات المتطرفة لا تقدّم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أي مضمون يهدف إلى السلم والحوار الإنساني، وإنما كل هدفها هو استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر العنف والفوضى داخل المجتمعات مما يهدد وحدة الدول واستقرارها[12].
خاتمة:
في النهاية، يمكن القول، إن مواجهة استخدام التنظيمات المتطرفة والإرهابية لوسائل التواصل الاجتماعي، تحتاج إلى التعاون والتنسيق المستمر، ليس بين الدول المختلفة فحسب، وإنما بين المؤسسات الفاعلة داخل الدولة الواحدة، من خلال وضع استراتيجية بعيدة المدى تجمع بين تقويض الاستخدامات السلبية لوسائل التواصل، وفي مقدمتها نشر العنف والإرهاب والتطرف والكراهية، وبين الوقاية من تلك الأفكار، وذلك عبر تفعيل دور المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية في تلك المواجهة، حتى نستطيع أن نحمي الأجيال الحالية والقادمة من الأفكار المسمومة لجماعة الإرهاب والتطرف، وتكريس مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح، التي تمثّل حائط صدٍّ منيعًا في وجه انتشار الأفكار المتطرفة والهدامة داخل الدول والمجتمعات، وهو ما يحتاج إلى تكاتف المجتمع الدولي على المستويات كافة؛ التشريعية والإعلامية والتعليمية والاجتماعية والثقافية لمواجهة خطر الإرهاب الإلكتروني عمومًا، والجماعات المتطرفة التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يتطلّب تعزيز التعاون الدولي في مواجهة التوظيف الأيديولوجي للمنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية التي تنشر الفكر المتطرف والهدام.
[1] وسائل التواصل الاجتماعي.. الإيجابيات والسلبيات، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 7 مارس 2023، على الرابط: https://2u.pw/bnh0dj
[2] محمود علم الدين، التنظيمات الإرهابية ومواقع التواصل الاجتماعي، موقع مجلة دار الهلال، بتاريخ 14 يناير 2021، على الرابط: https://www.darelhilal.com/News/753070.aspx
[3] ألعاب داعش الإلكترونية، موقع جريدة الوطن، بتاريخ 24 يوليو 2016، على الرابط: https://2u.pw/aYiTjpN
[4] قراءة في إحصائية أنشطة الجماعات المتطرفة خلال النصف الأول لعام 2020، مرصد الأزهر، وحدة رصد اللغة الإسبانية، بتاريخ 8 نوفمبر 2020، على الرابط: https://bit.ly/3uWLQTO
[5] عادل عبد الصادق، ثلاث مراحل يستخدمها الإرهاب لتجنيد الشباب، مقال على موقع حفريات، تاريخ النشر: 13 / يناير / 2021، الرابط: https://bit.ly/33LDbHF
[6] التطرف في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.. التداعيات وسُبُل المواجهة، مرصد الأزهر، بتاريخ 22 أبريل 2021، على الرابط: https://2u.pw/PZTaeVg
[7] المقاتلون الأجانب ينضمون إلى داعش وليس إلى بوكو حرام، موقع DW، بتاريخ 23 فبراير 2015، على الرابط: https://2u.pw/5LMKmKC
[8] محمود علم الدين، التنظيمات الإرهابية ومواقع التواصل الاجتماعي، موقع الهلال اليوم، بتاريخ 4 يناير 2021 على الرابط: https://bit.ly/3hvdByK
[9] أنماط استخدام الإرهاب الشبكي، موقع مركز المستقبل، بتاريخ 2 أكتوبر 2014، على الرابط: https://2u.pw/rMkf38L
[10] رانيا سليمان، وفاتن فايز، ونهى الدسوقي، سياسات مكافحة الإرهاب الإلكتروني.. مصر والسعودية نموذجًا، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 2 فبراير 2020، على الرابط: https://2u.pw/diHQyqX
[11]عاطف السعداوي، التجربة الإماراتية.. رؤية استباقية ومقاربات غير تقليدية، المحور القانوني والتشريعي، سكاي نيوز عربية، بتاريخ 16 مارس 2021، على الرابط: https://bit.ly/3yePCtx
[12] الإعلام والإرهاب (السياقات-التوظيف-التجارب)، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دولة الإمارات، دبي، ديسمبر 2020، الكتاب 169.