طرح إعلان رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” عن توقيع حكومته اتفاقاً مع رواندا، تقوم بموجبه الحكومة البريطانية بترحيل طالبي اللجوء على أراضيها منذ مطلع العام الجاري إلى رواندا، وفقاً لاتفاق مالي تبلغ قيمته مبدئياً 120 مليون جنيه إسترليني، وكجزء من خطة أوسع للتعامل مع ملف طالبي اللجوء في البلاد.
وهناك العديد من التساؤلات بشأن ما تنطوي عليه الخطة من تناقضات، خاصة فيما يتعلق بالتناقض بين المصلحة الوطنية والمسؤولية الدولية؛ فالصفقة البريطانية القائمة على “المال نظير البشر”، و”التنصل من الالتزامات الدولية مقابل إعلاء المصلحة الوطنية”، تُثير مخاوف بشأن السياسات المستقبلية تجاه القضايا الإنسانية، إذ إن نجاح تلك السياسة قد يُشكل دافعاً للعديد من الدول لاتباع النهج البريطاني.
وثمة شق آخر يرتبط بقواعد القانون الدولي الإنساني؛ ذلك أن وجود هذه القواعد مع التزام الدول طواعية بالعمل على تنفيذ بنودها لا يعني بالضرورة احترام تلك القواعدـ خاصة أن تدفقات طالبي اللجوء لم تعد مرتبطة بالأزمات السياسية فحسب، فمع تزايد الأزمات الاقتصادية عالمياً؛ من المتوقع أن تزداد تحركات البشر بحثاً عن فرص عيش أفضل، والأمر ذاته فيما يخص اللاجئين البيئيين كنتيجة للتغيرات المناخية الحادة. كما يطرح هذا الاتفاق تساؤلاً آخر بشأن مدى تقارب الخطة البريطانية المطروحة حالياً من الاقتراب السابق الذي سبق طرحه بشأن الاستراتيجية الأوروبية للأمن الإنساني.
ففي الرابع عشر من إبريل 2022، أعلن رئيس الوزراء البريطاني عن التوصل لاتفاق مع رواندا بهدف وضع حد لتدفق طالبي اللجوء للبلاد[1]، عبر إرسال طالبي اللجوء جواً إلى رواندا في رحلة جديدة للبحث عن حق اللجوء، حيث وصف رئيس الوزراء البريطاني رواندا بأنها “من أكثر بلدان العالم أماناً، وتعرف عالميا بسجلها في استقبال وإدماج المهاجرين”.
ويُعد هذا الاتفاق جزءاً من خطة أوسع تتنظر إقرار مجلس العموم البريطاني؛ تقوم على خطط لقيام البحرية البريطانية بمراقبة القنال الإنجليزي، مع تخصيص مليون جنيه إسترليني لشراء معدات جديدة لهذه المهمة، والحكم بالسجن المؤبد لمن يُدان في تهريب الأشخاص[2]. وقد منحت القواعد البريطانية الجديدة لطالبي اللجوء حق النقض، وهو حق سيكون غير مفعَّل؛ لأن الترحيل سيكون قد تم بالفعل لطالب اللجوء.
ودفاعاً عن خطته المقترحة، أشار رئيس الوزراء البريطاني “سننقذ أرواحاً لا تعد ولا تحصى” مع الحديث عن أن الخطة ستبدأ أولاً بإرسال الرجال غير المتزوجين إلى رواندا، حيث تُعنى الخطة بأي طالب لجوء وصل إلى المملكة المتحدة منذ بداية العام الحالي[3]. ووفقاً لصحيفة التايمز البريطانية، فإن تكلفة نقل كل مهاجر إلى روندا تتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه إسترليني[4].
وليست بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي تطبق هذه السياسة، بل توجد دول أخرى سبقتها في هذا الشأن من بينها أستراليا، حيث تقوم بإرسال طالبي اللجوء القادمين إليها إلى معسكرات اعتقال موجودة بجزيرة ناورو في المحيط الهادي. وفي عام 2021 تحملت استراليا بموجب البرنامج 460 مليون جنيه إسترليني، إلا أنه لم ينجح سوى في إعادة توطين 239 شخصاً؛ وهو ما يعنى أن الشخص الواحد بلغت تكلفته 1.9 مليون جنيه إسترليني[5].
ومن جانبها أعلنت الحكومة الرواندية أن طالبي اللجوء القادمين من بريطانيا سيحظون بحماية كاملة بموجب القانون الدولي، بما يشمله ذلك من توفير فرص عمل ونظام رفاه اجتماعي ونظام صحي[6].
إن أحد التناقضات يرتبط بالمعايير التي على أساسها تم اختيار رواندا كملجأ لترحيل طالبي اللجوء إليها؛ فالحكومة البريطانية نفسها سبق أن عبرت عن قلقها في الأمم المتحدة بسبب القيود المفروضة على حقوق الإنسان وحقوق الصحافة والحريات السياسية في البلاد.
وإذا ما نظرنا للوضع الاقتصادي في رواندا، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي 27.18 بليون دولار في عام 2020 لتأتي في الترتيب 141 على مستوى العالم. أما فيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغ 2100 دولار في العام ذاته؛ لتأتي في الترتيب 212 على مستوى العالم[7].
ووفقاً للتقرير السنوي لعام 2022، والصادر عن منظمة فريدوم هاوس Freedom House فقد صُنّفت رواندا على أنه بلد غير حر Not free وفقاً لمؤشر الحرية في العالم لعام 2022؛ حيث بلغت نسبة الحرية في البلاد 22%، وهذه النسبة موزعة بين الحقوق السياسية والحريات المدنية، حيث بلغت قيمة مؤشر الحقوق السياسية 8 من 40، وبلغت قيمة مؤشر الحريات المدنية 14 من 60 [8]. فبالرغم من أن الجبهة الوطنية الرواندية، التي تحكم البلاد منذ عام 1994 أطاحت بالقوة المسؤولة عن الإبادة الجماعية وأنهت الحرب الأهلية في البلاد، فإنها تُتّهم بقمع المعارضة السياسية في البلاد.
أما فيما يخص سياسة رواندا تجاه اللاجئين على أراضيها فهي لا تقوم على الدمج، وإنما يقيم اللاجئون هناك، والبالغ عددهم 127.163 لاجئاً في سبتمبر 2021، في ستة مخيمات في أوضاع إنسانية صعبة، كانت سبباً في وقوع ضحايا من بين اللاجئين ممن تظاهروا في عام 2018 احتجاجاً على نقص الطعام، مما قاد لمواجهات مع الشرطة الرواندية[9].
هذه المؤشرات تدل على الأوضاع في البلاد، والتي ستنعكس عل النهج المتبع حيال القادمين الجدد من بريطانيا.
أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء في المملكة المتحدة
ووفقاً لبيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فإنه في منتصف عام 2021 بلغ عدد اللاجئين بالمملكة المتحدة 135.912 لاجئاً، مع وجود 83.489 شخصاً من طالبي اللجوء الذين لم يحسم أمرهم بعد، هذا بالإضافة إلى 3.968 شخصاً من عديمي الجنسية.
وفي عام 2021 تلقت المملكة 48540 طلب لجوء، وهذا الرقم يُعد الأكبر منذ عقدين، كما أنه يزيد بما نسبته 63% إذا ما قُورن بعدد الطلبات المقدمة في العام السابق[10]. وحتى نهاية سبتمبر 2021، كانت أعلى خمس دول من حيث تقديم مواطنيها لطلبات لجوء إلى المملكة المتحدة، على النحو التالي: إيران (6002)، وإريتريا (4412)، وألبانيا (4010)، والعراق (3042)، وسوريا (2303)[11].
أما عن طرق الوصول، فخلال عام 2021 دخل المملكة المتحدة 28526 طالب لجوء عبر بحر المانش في قوارب صغيرة، في حين كان العدد في عام 2020، 8804 أشخاص[12] وبذلك فقد بلغ معدل الزيادة السنوي 224% تقريباً، إضافة إلى طرق أخرى. وفي حال العثور على طالبي اللجوء في بحر المانش، فإذا كانوا في المياه الإقليمية البريطانية يتم نقلهم إلى أحد الموانئ البريطانية، أما إذا كانوا في المياه الدولية ففي هذه الحالة تنسق المملكة المتحدة مع فرنسا لتقرير المناطق التي سيتوجه إليها اللاجئون.
وعند مقارنة حصة بريطانيا بباقي دول الاتحاد الأوروبي، ففي العام ذاته بلغ عدد طلبات اللجوء المقدمة لمجمل دول الاتحاد الأوروبي 418.495 طلب لجوء، حظي السوريون فيها بالنسبة الأكبر 18%، ثم الأفغان بنسبة 12%، وتوجه العدد الأكبر منهم إلى ألمانيا بنسبة 30.5% (127.730) طالب لجوء، تلاها في الترتيب فرنسا بنسبة 23% (96.510) طالبي لجوء[13]. وعليه فقد تلقت بريطانيا ما نسبته 11.6% من مجمل الطلبات التي تلقاها الاتحاد الأوروبي، و38% من نسبة طلبات اللجوء التي تلقتها ألمانيا، ونحو نصف طلبات اللجوء المقدمة لفرنسا.
وبرغم تزايد أعداد طلبات اللجوء إلى المملكة المتحدة وخاصة في عام 2021، فإن حصة بريطانيا من اللاجئين وطالبي اللجوء عالمياً مازالت محدودة للغاية بشكل لا يتناسب مع وضع البلاد اقتصادياً وسياسياً؛ ففي منتصف عام 2021 بلغ عدد اللاجئين عالمياً 26.6 مليون لاجئ، بالإضافة إلى 4.4 مليون من طالبي اللجوء[14]. وبذلك تُمثّل حصة بريطانيا عالمياً من وجود اللاجئين على أراضيها أقل من واحد بالمئة (0.51%). أما عن حصتها من طالبي اللجوء عالميا فتُمثّل 1.9%. وذلك في وقت جاء فيه الناتج المحلي الإجمالي في البلاد في الترتيب العاشر على مستوى العالم وفقاً لإحصاءات عام 2020، وذلك بعد كل من الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والهند، واليابان، وألمانيا، وورسيا، وإندونيسيا، والبرازيل، وفرنسا[15]. وهو ما يتناقض مع طرح المبرر الاقتصادي سبباً لرفض استقبال طالبي اللجوء على أراضيها.
أما فيما يتعلق بسياسة الحكومة البريطانية تجاه طالبي اللجوء إلى أراضيها فعلى طالبي اللجوء القادمين للمملكة والراغبين في الحصول على وضعية “لاجئ” – عليهم أولاً تقديم ما يفيد بأن حياتهم في خطر في حال عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، بحيث يتم فحص تلك الطلبات في فترة قد تزيد على ستة أشهر، وفي حال تمت الموافقة على الطلب يتحول الشخص من طالب لجوء إلى لاجئ لدى المملكة المتحدة، ويصبح له الحق في البقاء في البلاد لمدة خمس سنوات، وبعد انتهاء تلك الفترة يحق له التقدم للحصول على طلب إقامة دائمة. وفي حال رفض طلبه يمكن لطالب اللجوء التقدم بطلب للحصول على تصريح للبقاء لأغراض إنسانية في حال إثبات أن حياته معرضة للخطر في حال عودته لبلده الأصلي[16].
وبموجب القواعد المعمول بها في البلاد، لا يُسمح لطالب اللجوء العمل لمدة عام، حتى ولو كان عملاً تطوعياً، وبعد مرور العام على تقديم طلب اللجوء يحق له التقدم للعمل في المهن التي تُعاني نقصاً في العمالة فقط، وهو ما يتناقض مع ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين.
وهناك تمييز آخر يتعلق بمكان الإقامة، إذ لا يحق لطالبي اللجوء في بريطانيا اختيار مكان السكن الذين يقيمون به، ففي بداية قدومهم يتم وضعهم في مساكن أشبه ببيوت الشباب. ولا حقاً يُنقلون إلى الأماكن التي يقيمون فيها بصورة دائمة. ونظراً لأن طالبي اللجوء في المملكة لا يحق لهم العمل، فهم يعتمدون على الإعانات الحكومية حيث يمكن لطالبي اللجوء الحصول على مبلغ 39.6 جنيه إسترليني أسبوعياً لكل فرد من أفراد الأسرة، إضافة إلى دعم إضافي للفئات الأكثر هشاشة[17].
وبرغم تعهد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أثناء حملته الانتخابية بوضع حد لتدفق طالبي اللجوء إلى المملكة، فإن عهده شهد تدفقات لأعداد كبيرة من طالبي اللجوء، خاصة في ظل ما شهدته تلك الفترة من العديد من الأزمات السياسية، وكان آخرها الأزمة الأوكرانية.
وقد قدمت الحكومة البريطانية أكثر من تصور للحد من تدفقات طالبي اللجوء إلى أراضيها؛ ففي 24 مارس 2021، قدمت الحكومة البريطانية للبرلمان خطة جديدة بشأن سياسة الهجرة. وقد تضمنت الخطة أكثر من 40 تغييراً مقترحاً بشأن سياسات المملكة المتحدة وإجراءاتها المتعلقة بملف الهجرة واللجوء[18]. وتهدف في المجمل إلى تشديد الإجراءات المتبعة من قبل الحكومة البريطانية بشأن المهاجرين الذين يعبرون بحر المانش قادمين إلى المملكة المتحدة من فرنسا.
وبموجب التغييرات المقترحة يتم التمييز بين طالبي اللجوء الذين وصلوا المملكة وفقاً لطريقة الوصول إذا ما كانت طريقة شرعية أو غير قانونية، وهو تمييز لا أساس له في القانون الدولي الإنساني[19]. كما أنه لا يجوز لطالبي اللجوء تقديم الطلبات الخاصة بهم حتى في المياه الإقليمية للمملكة المتحدة[20]. كما أنه بموجب تلك التعديلات يحق للحكومة البريطانية ترحيل طالبي اللجوء القادمين إلى أراضيها إلى الدولة الثالثة التي قدموا منها أو أي دولة توافق على استقبالهم، وهو ما تم تنفيذه بموجب الاتفاق الأخير مع العاصمة الرواندية كيغالي.
وتعكس تلك التغييرات موقف المحافظين في بريطانيا بشكل عام تجاه ملف اللاجئين، الذي يقوم على رفض استقبال أي طالب لجوء جديد على أراضي المملكة المتحدة. وعلى الجانب الآخر يرى حزب العمال البريطاني أن العدد المتزايد من اللاجئين والنازحين يعكس فشل الدبلوماسية عالمياً في حل النزاعات والصراعات في العديد من المناطق عبر العالم، وهو ما يتطلب أن يكون هذا الملف في قلب السياسة الخارجية لحزب العمال البريطاني. مطالباً بتطبيق نظام اللجوء بشكل عادل وفعال وإنساني، مع توفير طرق آمنة وقانونية للاجئين إلى المملكة، مع توسعة برنامج إعادة التوطين للأشخاص المعرّضين للخطر[21].
وحتى بالنسبة للمواطن البريطاني، يحظى هذا الملف بأولوية، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي الدورية التي يجريها موقع YouGov. ففي الأسبوع الذي بدأ في التاسع من أغسطس 2021، فإن 54% من المحافظين وضعوا الموضوع ضمن أهم ثلاثة موضوعات خلال الأسبوع، أما النسبة في مجمل البالغين البريطانيين فقد كانت 31%، وبالنسبة لحزب العمال البريطاني فقد كانت النسبة 14% فقط للذين اعتبروا موضوع اللاجئين قضية ذات أولوية. وهو ما كان انعكاساً لإلقاء الضوء على العدد الكبير الذي عبر المانش منذ بداية عام 2021. وعليه فوفقاً للمحافظين، حظيت قضية اللاجئين بمكانة متقدمة على ملفي الاقتصاد والصحة، وفقاً لهذا الاستطلاع[22].
وفي تعليق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين على الخطة، تمت الإشارة إلى وجود نهج تمييزي تجاه اللاجئين يرتبط بمسار الوصول، حيث تم التمييز بين من يصلون بشكل قانوني وأولئك الذين يصلون المملكة المتحدة بشكل غير قانوني. في حين أن القانون الدولي لا يميز بين طالبي اللجوء وفقاً للطريقة التي دخلوا بها البلد. كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لم تميز بين الأفراد بموجب طريقة وصولهم للبلاد[23].
وفي الواقع، فإن التمييز بين طالبي اللجوء وفقاً لطريقة الوصول تتجاهل الظروف التي قدم فيها هؤلاء الأفراد التي تجعلهم في أغلب الأحيان غير قادرين على اللجوء للطرق الشرعية لدخول البلاد التي يرغبون في الحصول على حق اللجوء فيها.
الخطة البريطانية الأخيرة في إطار الاتفاقيات الدولية للاجئين
يتناقض الاتفاق مع كيغالي مع التزامات لندن بموجب قواعد القانون الدولي للاجئين. وتُشكل اتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951 حجر الزاوية في تحديد القواعد الدولية الخاصة بالنواحي الجوهرية في قضايا اللاجئين كافة، إذ تم تبني الاتفاقية في مؤتمر الأمم المتحدة للمبعوثين السياسيين حول وضع اللاجئين، الذي انعقد خلال الفترة من 2-25 يوليو 1951 بجنيف، وذلك وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 429 (5)1 بتاريخ 14 ديسمبر 1950. وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ في 22 إبريل 1954. وتعد المملكة المتحدة من بين مجموعة الدول الأساسية التي شاركت في صياغة الاتفاقية، كما كانت من أوائل الدول التي وقّعت وصدّقت على الاتفاقية.
وفى الأول من يناير 1951 – أي قبل شهور من موافقة الجمعية العامة على الاتفاقية – بدأت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين عملها، إذ حلت الأخيرة محل المنظمة الدولية للاجئين التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية. هذا وقد نصت الاتفاقية على قصر عمل المفوضية على تقديم الحماية وتوفير المساعدة للاجئين الأوروبيين نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من يناير 1951، أي نتيجة لأحداث الحرب العالمية الثانية. ومن ثم، يصبح هؤلاء المنوط بالمفوضية توفير المساعدة لهم.
ومع تفاقم مشكلة اللاجئين في مختلف أنحاء العالم جاء بروتوكول عام 1967، الذي دخل حيز النفاذ في 4 أكتوبر 1967؛ بهدف إزالة الحدود الزمنية والجغرافية التي حددتها اتفاقية عام 1951 بشأن من يستحق طلب اللجوء، ومن يقع على كاهل المفوضية الاهتمام بهم[24].
وفيما يتعلق بالتزام الدولة المضيفة تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء، تنص المادة (32) من الاتفاقية على “منع قيام أيٍّ من الدول الموقّعة على الاتفاقية بطرد أي لاجئ أو طالب لجوء موجود على أراضيها إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام”، وإن حدث ما يخلُّ بالأمن القومي أو النظام العام فإن الاتفاقية تنص على ضرورة منح الدولة المضيفة للاجئ أو طالب اللجوء فترة ملائمة حتى يتسنى له طلب اللجوء إلى دولة ثالثة.
كما تنص على أن مُعاملة اللاجئين “لا تقل عن الممنوحة في نفس الظروف للأجانب”، وذلك فيما يتعلق بأمور منها: “السكن، والتعليم، وحيازة الأموال، والانضمام للجمعيات غير السياسية، والتقاضي الحر أمام المحاكم، والمساعدة القضائية، وحق العمل”، وحظرت الاتفاقية طرد اللاجئ “إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام”.
وبذلك يتضح أن طرد اللاجئين وترحيلهم دون أسباب ترتبط بتهديد الأمن القومي مرفوض بموجب الاتفاقية.
والتزامات بريطانيا لا ترتبط فقط باتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فهناك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي ليست مقصورة على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إذ تمنح اللاجئين وطالبي اللجوء حقوقاً إضافية، ومنها حق طالبي اللجوء في استئناف الأحكام ضدهم، وخاصة تلك المتعلقة بالترحيل القسري.
انقسام بريطاني- أوروبي بشأن ملف اللاجئين
وحتى قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا لم تكن مقيَّدة بشكل صارم بالسياسات الأوروبية في هذا الشأن، حيث كانت ترفض تقاسم الأعباء تحت مبررات اقتصادية، وهو ما أثر في علاقات بريطانيا ببعض الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا وفرنسا[25].
وقد شكلت صور اللاجئين المتدفقين على بريطانيا إحدى القضايا المهمة التي طُرحت في الفترة التي سبقت الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، حتى أن تلك الصور استخدمت في الحملات الدعائية التي تُطالب بالتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي[26].
وخلال الفترة الانتقالية التي سبقت الخروج النهائي من الاتحاد الأوروبي قامت المملكة المتحدة بترحيل أعداد من اللاجئين من على أراضيها مستغلة اتفاقية دبلن، والتي لن يكون بمقدورها الاستفادة منها عقب الخروج النهائي، وتحدد تلك الاتفاقية، وهي اتفاقية قانونية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الدولة المعنية بفحص طلب اللجوء؛ وذلك لضمان عدم قيام اللاجئ بتقديم أوراق طلب اللجوء إلى أكثر من دولة داخل الاتحاد الأوروبي[27].
وتسمح الاتفاقية للدول الأعضاء بإعادة طالبي اللجوء إلى أي من دول الاتحاد الأوروبي على أن يكونوا قد تقدموا بطلب لجوء إليها. وخلال الفترة من يناير 2019 وحتى أكتوبر 2020 قامت المملكة المتحدة بإعادة 231 شخصاً بموجب لائحة دبلن الثالثة إلى دول ضمن الاتحاد الأوروبي[28].
وعقب الخروج من الاتحاد الأوروبي بدأت المملكة المتحدة في تطبيق قواعد جديدة خاصة باللاجئين؛ فمنذ الأول من يناير 2021،اعتمدت المملكة برنامجاً جديداً لإعادة التوطين أطلقت عليه “Global Resettlement Programme”، وقد شكل هذا البرنامج الإطار العام للسياسة البريطانية تجاه ملف اللجوء في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي[29]. وبموجب القواعد الجديدة فقد منعت بريطانيا منح حق اللجوء لما يطلق عليه “السفر عبر دولة ثالثة آمنة” حتى ولو كان ذلك الشخص قادماً من دولة أوروبية[30].
ومؤخراً أدت مشكلة عبور طالبي اللجوء عبر قناة المانش إلى توتر العلاقات بين بريطانيا وفرنسا، حتى أن رئيس الوزراء البريطاني طالب باتفاقية ثنائية بين الدولتين يُسمح بموجبها بإعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين عبروا القناة لتقليل الهجرة غير الشرعية عبر بحر المانش، موضحاً أن تلك الخطة تعتمد بالأساس على وجود دوريات بحرية تستخدم القوارب وأخرى جوية مع تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدولتين وكذلك استخدام الحساسات والرادارات[31].
الخطة البريطانية والاستراتيجية الأوروبية للأمن الإنساني
بالنظر إلى مضمون الخطة البريطانية المقترحة للتعامل مستقبلاً مع طالبي اللجوء نجدها تكرس العديد من المبادئ التي تتلاقى في بعض جوانبها مع الاستراتيجية الأوروبية للأمن الإنساني والتي صدرت في مايو 2005، فكلتاهما ابتعدت عن الجوانب الإنسانية وأعلت الجوانب المرتبطة بالمصالح الذاتية على المسؤولية الدولية. هذا من جانب، ومن جانب آخر حدث تلاق بينهما في التركيز على الخارج وتصدير المشاكل للخارج.
إذ يكشف النظر لـ “الاستراتيجية الأوروبية لتحقيق الأمن الإنساني” A Human Security Doctrine for Europe ، والتي وإن كان قد تم الإعلان عن أنها تأتي في إطار دور دولي والتزامات دولية أكبر للاتحاد الأوروبي، إلا أنها جاءت بالأساس للحديث عن التدخل الدولي لتحقيق الأمن الإنساني. لكن، نظراً لما تُثيره عبارة “التدخل الدولي الإنساني” من عدم قبول، فقد تم تعديلها إلى عبارة “نشر قوات من دول الاتحاد الأوروبي في بعض الدول الأخرى التي تُعانى أزمات؛ وذلك بغية تحقيق الأمن الإنساني”[32].
وبوجه عام، فقد تم تحديد مبررات تبني الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية أمنية تهدف إلى تحقيق الأمن الإنساني في مبررات عدة بعضها أخلاقي وبعضها قانوني. ويُقصد بالمبرر الأخلاقي أن هناك مسؤولية على الاتحاد الأوروبي تجاه البشر في أنحاء العالم كافة من خلال نشر قواته في المناطق التي تُعاني انتهاكات شديدة لحقوق الأفراد. أما المبرر القانوني فيبرز في أن الاتحاد الأوروبي بوصفه منظمة إقليمية عليه التزام قانوني بالعمل على تحقيق الأمن الإنساني في أنحاء العالم كافة، فالمادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة نصت على وجود التزام على الدول بالعمل على الاحترام العالمي لحقوق الأفراد، والأمر ذاته أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما نصت المادة الرابعة من الدستور الأوروبي على أن الاتحاد الأوروبي، وفى صدد علاقاته الخارجية، عليه العمل على تحقيق السلم والأمن الدوليين.
ومن أجل تنفيذ الاستراتيجية الأمنية للاتحاد الأوروبي والقائمة على طرح خطة محسنة وبديلة للتدخل الدولي من خلال استخدام تعبير نشر قوات للأمن الإنساني، فقد تم التأكيد على أن الاتحاد الأوروبي عليه العمل على تحقيق أمرين؛ يتمثل أولهما في تشكيل قوات مهام لتحقيق الأمن الإنساني، أما الثاني فيتمثل في إيجاد إطار قانوني ملائم لضبط عملية نشر القوات، إذ اقترح التقرير تشكيل الاتحاد الأوروبي “لقوات استجابة لمواجهة تحديات الأمن الإنساني” Human Security Response Force، لا يقتصر تشكيل عناصرها على القوات العسكرية فحسب بل تضم أيضاً أفراداً مدنيين معنيين بشؤون حقوق الإنسان وبعض القضاة، بحيث يعمل هؤلاء المدنيون كموازن لميل العسكريين المتزايد لاستخدام القوة العسكرية، هذا بالإضافة إلى بعض المتطوعين ممن قد يرغبون في المشاركة في المهام الإنسانية بالخارج. وتتكون تلك القوة المقترحة من 15 ألف شخص، وذلك لنشرهم في أماكن الأزمات، على أن يكون ثلث هذا العدد، على الأقل، عناصر من الشرطة والخبراء المدنيين، بحيث تُعد هذه القوة نموذجاً مصغراً يمكن أن يُطَوّر في المستقبل. وقد اقترح التقرير تشكيل تلك القوة من فئات ثلاث: عناصر الفئة الأولى يُشكلون قيادات وخبراء التخطيط العسكري، أما الفئة الثانية وتتكون من 5 آلاف شخص يُشكلون فرقاً مدنية وعسكرية على درجة عالية من التأهب والاستعداد وقادرين على الانتشار خلال أيام، وتتكون عناصر الفئة الثالثة من 10 آلاف شخص على مستوى أقل من الاستعداد[33].
وبرغم أن الرؤية الأوروبية لم تُفَعَّل منذ عام 2005 وحتى الآن، فإنها تعكس طريقة التفكير ونهج التعامل مع القضايا الإنسانية، حيث إنها تبتعد عن المسؤوليات الدولية لتركز على التدخل الدولي الإنساني لتحقيق مصالح ضيقة. وهو أمر لا يختلف كثيراً عن تصور جونسون الخاص بترحيل اللاجئين.
وختاماً، وبعيداً عما إذا كانت الخطة البريطانية في تصدير المشكلة إلى الخارج مقابل المال ستنجح أم لا، فإنها تطرح إشكاليات عدة:
فمن ناحية قد تُشكل هذه الخطة سابقة ونموذجاً يدفع دولاً أخرى لتبني النهج نفسه في تصدير مشكلات اللاجئين إلى دول أكثر فقراً مقابل المال، خاصة في ظل التزايد المتوقع في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء وأنماطهم في المستقبل المنظور. وهو ما من شأنه تحويل ملف اللجوء إلى ملف اقتصادي بدلاً من كونه ملفاً إنسانياً، وخاصة في ظل غياب معايير دولية لهذا الأمر.
وإضافة إلى كون هذه الخطة تُشكل انتهاكاً حاداً لقواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الإقليمية ذات الصلة، كما أنها تتناقض والتزامات بريطانيا الدولية ومسؤولياتها كقوة فاعلة في النظام الدولي؛ فإن هذه الخطة تطرح إشكالية التناقض بين خيارَيْ المسؤوليات الدولية والمصلحة الوطنية، ومتى يتم إعلاء أحدهما على الآخر.
ويبقى التأكيد على أن تحوُّل الدول، ولاسيما القوى الكبرى، نحو التركيز على مصالحها الذاتية، بعيداً عن مسؤولياتها الدولية، سيجعل من التعاطي الدولي مع ملف اللاجئين وغيره من الملفات ذات الصبغة الإنسانية أكثر صعوبة.
المراجع
[1]. بريطانيا تقرر إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، فرانس 24، 14/04/2022 https://n9.cl/t4apc
[2].انتقادات لخطة الحكومة البريطانية لإرسال عدد من طالبي اللجوء إلى رواندا، بي بي سي، 14/04/2022 https://www.bbc.com/arabic/world-61113525
[3].طالبو اللجوء: بريطانيا ترسل أول دفعة إلى روندا في غضون أسابيع، بي بي سي، 15/4/2022 https://www.bbc.com/arabic/world-61118237
[4].Matt Dathan& | Oliver Wright, Vulnerable refugees head from Rwanda to UK, The SUNDAYTIMES, 18 April 2022, https://www.thetimes.co.uk/article/vulnerable-rwanda-refugees-head-to-uk-wq7vq2njb
[5].طالبو اللجوء: بريطانيا ترسل أول دفعة إلى روندا في غضون أسابيع، مرجع سابق.
[6]انتقادات لخطة الحكومة البريطانية لإرسال عدد من طالبي اللجوء إلى رواندا، مرجع سابق.
[7]CIA Factbook, Rwanda https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/rwanda/#economy
[8]2022 Rwanda Country Report, Freedom in the World, Freedom House,
https://freedomhouse.org/country/rwanda/freedom-world/2022
[9]Rwanda Global Focus, UNHCR http://reporting.unhcr.org › rwanda
[10] Ibid.
[11]Asylum in the UK, UNHCR https://www.unhcr.org/uk/asylum-in-the-uk.html
[12] انتقادات لخطة الحكومة البريطانية لإرسال عدد من طالبي اللجوء إلى رواندا، مرجع سابق.
[13] Ibid
[14]Refugee Data Finder, UNHCR
https://www.unhcr.org/refugee-statistics/
[15]CIA Factbook, United Kingdom
https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/united-kingdom/#economy
[16] دومينيك كاشياني، بحر المانش: ما مصير اللاجئين الذين يعبرونه ويصلون إلى بريطانيا، بي بي سي، 25/11/2021
https://www.bbc.com/arabic/world-59402588
[17]المرجع السابق.
[18]UNHCR Observations on the New Plan for Immigration policy statement of the Government of the United Kingdom, The United Nations High Commissioner for refugees, May 2021.
[19] بريطانيا.. سياسة متشددة تجاه اللاجئين السوريين وجدل حول الفرار من الخدمة في قوات بشار الأسد، EC News، 14/1/2022
[20] بريطانيا تحدد قواعد اللجوء بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، 12/12/2020
https://www.enabbaladi.net/archives/439576
[21]John R Campbell, Starkly different views on welcoming refugees divide Britain’s main parties, The Conversation, June 6, 2017,
[22] Patrick Scott, Immigration and asylum are now the most important issues for Conservative voters, The New Statesman, 12 August 2021
[23] Ibid.
[24]The 1951 Refugee Convention
[25] سياسة بريطانيا تجاه اللاجئين يمكن أن تضر بعلاقاتها مع ألمانيا، SPUTNIK عربي، 2/9/2015
https://arabic.sputniknews.com/20150902/1015485165.html
[26]Kristy Siegfried, Op. Cit.
[27]Country responsible for asylum application (Dublin Regulation), European Commission:
[28] بحر المانش: ما مصير اللاجئين الذين يعبرونه ويصلون إلى بريطانيا، مرجع سابق.
[29] المرجع السابق.
[30] بريطانيا تحدد قواعد اللجوء بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، مرجع سابق.
[31]سياسات بريطانيا للحد من الهجرة تقابَل بِلَوْم فرنسي. 1/12/2021
https://www.enabbaladi.net/archives/529361
[32]“A Human Security Doctrine for Europe”, the Barcelona Report of the Study Group on Europe’s Security Capabilities, P. 9-10.
www.isa.ac.uk/depts/global/studygroup/studygroup.htm
[33]Ibid. P. 20-24.