Insight Image

دبلوماسية المناخ والتعاون الدولي

30 نوفمبر 2023

دبلوماسية المناخ والتعاون الدولي

30 نوفمبر 2023

مقدمة:

تُعدّ أزمة تغيّر المناخ من أكبر مُهددات الأمن العالمي بالمعنى الواسع؛ نظرًا لما تتضمنه من مخاطر اقتصادية ومجتمعية وبيئية واجتماعية وصحية وسياسية، بل وجيوسياسية[1]. كما تُعدّ أزمة تغيّر المناخ من أكثر الأزمات المركّبة[2] Polycrises التي يواجهها البشر في القرن الحالي إلحاحًا؛ حيث تتراكم تأثيراتها وتتزامن مع أزماتٍ أخرى كثيرة، في مجالات الاقتصاد والموارد الطبيعية والصراعات بين الدول وداخلها وسلاسل التوريد، وتتفاعل فيما بينها؛ بحيث يزيد أثرها المجمّع عن مجموع تأثير كل منها منفردة.

إن تغيّر المناخ مشكلة عالمية تتطلب بالضرورة استجابة عالمية. وهنا يأتي دور دبلوماسية المناخ؛ كونها إحدى أهم صور التعاون الدولي لمكافحة التهديدات المناخية المركَّبة. وذلك أنّ التعاون الدولي هو الاقتراب الأكثر فاعلية لضمان تكيّف الدول مع آثار أزمة تغيّر المناخ، ومواجهة تداعياتها المتعددة والمتباينة على الأمن الإنساني، بما يتضمنه من التحرر من العوز (الحاجة) والتحرر من الخوف (نتيجة الصراعات)[3]. بعبارةٍ أخرى، وبما أن تغيّر المناخ أصبح حالة طوارئ عالمية تتجاوز الحدود الوطنية؛ فالأمر يتطلب حلولًا منسَّقة على جميع المستويات وتعاونًا دوليًّا لمساعدة الدول على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون. ومن هنا، تنبع أهمية دبلوماسية المناخ.

تُقدم هذه الورقة فهمًا وشرحًا أفضل لدبلوماسية المناخ، وتعمد إلى اختبار دورها في مواجهة أزمة التغير المناخي. وبرغم أن هذا النمط “الجديد” من الدبلوماسية يعمل على مستوياتٍ متعددة، وينخرط فيه فاعلون دوليون متعددون ومتنوعون، إلاّ أن المستوى الدولي هو الذّي يقود التفاعلات الدبلوماسية المتعلقة بتغيّر المناخ حاليًّا، ولاسيما عن طريق مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ التي يلتئم أحدثها (كوب 28) في دبي في نوفمبر-ديسمبر 2023. كما أنّ المستوى دون الوطني (الإقليمي) هو الأكثر تعرُّضًا لآثار التهديدات المناخية والأكثر تأثرًا بها. ومن هنا تأتي أهمية تناول المبادرات والنشاطات الدبلوماسية المتصلة بالتغيرات المناخية على هذين المستويين.

أولًا-مفهوم دبلوماسية المناخ:

ظهر مفهوم “دبلوماسية المناخ” استجابةً لفكرة أنّ أزمة المناخ قضية عالمية مُلحَّة، تَمسُّ مجالات متنوعة من السياسة الدولية والخارجية، وتتطلب انخراطًا دبلوماسيًّا على كافة المستويات، ومن جانب كافة الفاعلين الدوليين، لمواجهتها. بعبارة أخرى، تُعدُّ دبلوماسية المناخ استجابة عالمية لمكافحة آثار التغير المناخي[4]. وكان إقرار اتفاق باريس للمناخ 2015 انتصارًا لفكرة أن الدبلوماسية الدولية، التي انطلقت في تسعينيات القرن المنصرم مع انطلاق مؤتمرات الأطراف برعاية أممية، قادرة على إيجاد حلولٍ عالمية للتحديات العالمية الكبرى. كما أن تواتر التوقيع على الاتفاق منذ عام 2016 كان تأكيدًا على أنّ المشكلة العالمية الأكثر تعقيدًا واستعصاء على الحل، وهي تغيّر المناخ، يمكن معالجتها والتخفيف من آثارها عن طريق الدبلوماسية متعددة الأطراف[5].

وبالرغم من عدم وجود تعريف محدد لدبلوماسية المناخ، فإنها تشمل جميع أشكال الانخراط الدبلوماسي المتعلقة بتغيّر المناخ، وتتضمن استخدام القنوات والاستراتيجيات الدبلوماسية لمعالجة تغيّر المناخ العالمي وتأثيره على العلاقات الدولية، بما في ذلك التفاوض على السياسات والمعاهدات والاتفاقات المتعلقة بالمناخ وتنفيذها على المستوى الدولي، والدبلوماسية العامة، فضلًا عن التعاون بين الدول وأصحاب المصلحة الآخرين للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، والتكيف مع آثار تغيّر المناخ، وتعزيز التنمية المستدامة[6]. وهكذا تجعل دبلوماسية المناخ من تغيّر المناخ قضيةً ذات أولوية في السياسة الخارجية والسياسة الدولية، وتسلّط الضوء على الحاجة إلى دمج أهداف المناخ ومعالجة المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية على كافة مستويات الدبلوماسية، وفي جميع مجالات السياسة.

وتحدد المفوضية الأوروبية أربعة مسارات لدبلوماسية المناخ، وهي: الالتزام بالتعددية في سياسة المناخ، ولا سيما تنفيذ اتفاق باريس لعام 2015؛ ومعالجة آثار تغيّر المناخ على السلام والأمن الدوليين؛ وتسريع العمل المحلي ورفع مستوى الطموح المناخي العالمي؛ وتعزيز التعاون الدولي في مجال المناخ عن طريق الدعوة والتوعية[7].

وقد باتت دبلوماسية المناخ مهمة لارتباطها بمعالجة الأمن البيئي أو أمن المناخ، وهو من الأبعاد المهمة للأمن الوطني والعالمي الذي ما فتئ الباحثون ومراكز الفكر يشددون على أهمية تضمينه في السياسات الوطنية والعالمية، ويحذرون من خطورة التغيرات المناخية والبيئية، التي تضم طيفًا واسعًا من التهديدات (الاحترار العالمي، الجفاف، التلوث، فقدان التنوع البيولوجي، الكوارث الطبيعية والأحوال الجوية القصوى، انعدام الأمن الغذائي والمائي، الاختلال الاقتصادي، والصراعات الدولية والإرهاب… إلخ) على الأمن الوطني والعالمي.

ويُلاحَظ أنّ أولى خصائص دبلوماسية المناخ، هي طبيعتها متعددة الأطراف؛ حيث يتعدد الفاعلون الدوليون المنخرطون في التفاعلات الدبلوماسية المناخية ويتنوعون فيما بينهم. وتتضح الطبيعة التعددية لدبلوماسية المناخ في أنّها تجمع بين طياتها كافة أشكال الدبلوماسية (الرسمية، العامة، الشعبية، البرلمانية، الموازية)، ذات الصلة بالتغيرات المناخية[8]. وبما أنّ مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ هي أبرز مظاهر دبلوماسية المناخ، فإنه يمكن التعرف على هؤلاء الفاعلين الدوليين من المشاركين فيها، وهم الدول (الأطراف الموقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي وعددهم 197 دولة)[9]، والاتحاد الأوروبي (المنظمة الإقليمية الوحيدة الموقِّعة على الاتفاقية)، والمنظمات الدولية الحكومية، ولاسيما وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، والمنظمات غير الحكومية، ومؤسسات التمويل الدولية، والحكومات الإقليمية والبلديات، وممثلين عن القطاع الخاص (الشركات) والهيئات الأكاديمية، وممثلي المجتمع المدني، والمجموعات الدينية، ووسائل الإعلام[10]. وغالبًا ما تنتظم الأطراف في خمس مجموعات إقليمية: إفريقيا، وآسيا، وأوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وأوروبا الغربية ودول أخرى.

وفي هذا الخصوص، يشارك في كوب 28 أكثر من 85 ألف شخص، وهو عدد غير مسبوق في مؤتمرات كوب السابقة، ينتمون إلى كافة الفاعلين الدوليين المذكورين أعلاه، منهم 160 رئيس دولة وحكومة[11]. وينتظم هؤلاء الفاعلون في مؤتمرات الأطراف في منطقتين، هما: المنطقة الزرقاء، والمنطقة الخضراء. وتستضيف المنطقة الزرقاء المفاوضات الرسمية على مدى فترة المؤتمر، وهي مفتوحة أمام مندوبي الأطراف والمراقبين المعتمدين. ويُسمح لوسائل الإعلام بدخولها أيضًا. واعتبارًا من الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في عام 2022، تم قبول 3,178 منظمة دولية حكومية وغير حكومية كمراقبين[12]. أما المنطقة الخضراء، فتضم المنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة والمجتمع المدني لعرض الحلول المبتكرة، ومناقشة أحدث الاتجاهات في مجال الاستدامة[13].

ثانيًا-دبلوماسية المناخ على المستوى الدولي:

في الإطار الدولي متعدد الأطراف، تقود الأمم المتحدة الجهود الدبلوماسية الدولية في مجال البيئة والتغيّر المناخي، على الرغم من أن هذه القضايا لم تكن من الشواغل الأساسية للأمم المتحدة في الفترة التي أعقبت إنشاء المنظمة. وقد استمر هذا الاتجاه داخل كافة أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية حتى عام 1968، عندما أدرج المجلس الاقتصادي والاجتماعي القضايا البيئية على جدول أعماله، وقرر تنظيم مؤتمر الأمم المتحدة الأول المعني بالبيئة البشرية عام 1972[14]، المعروف باسم قمة الأرض الأولى؛ وهو أول مؤتمر عالمي يجعل البيئة قضية رئيسية. وقد تمخّض المؤتمر عن إعلان ستوكهولم بشأن البيئة البشرية، الذي وضع القضايا البيئية في مقدمة الاهتمامات الدولية، وكان بداية الحوار بين الدول الصناعية والدول النامية حول الصلة بين النمو الاقتصادي وتلوث الهواء والماء والمحيطات والآبار ورفاه الناس في جميع أنحاء العالم[15]. وقد أثار الإعلان مسألة تغيّر المناخ لأول مرة، محذرًا الحكومات من الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى تغيّر المناخ وتقييم احتمالية وحجم الآثار المناخية. وبناء عليه، تم إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب). ولكن لم يكتسب الغلاف الجوي والمناخ الاهتمام العالمي والعمل الدولي على مدى العشرين عامًا التي تلت مؤتمر قمة الأرض[16].

وفي عام 1979، اعتمد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أول اتفاق دولي بشأن المناخ؛ اتفاقية التلوث الجوي بعيد المدى عبر الحدود، التي اكتسبت زخمًا بحلول عام 1980؛ حيث أوصى البرنامج بتدابير للحد من إنتاج واستخدام مركبات الكربون الكلورية فلورية، الأمر الذي تطور إلى اعتماد اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون عام 1985، وبروتوكول هلسنكي لعام 1985 بشأن خفض انبعاثات الكبريت[17].

وتطوّر الاهتمام بقضايا التغير المناخي والبيئة بحلول عام 1987؛ حيث تبنّت الأمم المتحدة “المنظور البيئي لعام 2000″، وهو إطار عمل لتوجيه العمل الوطني والتعاون الدولي بشأن السياسات والبرامج الهادفة إلى تحقيق التنمية الصديقة للبيئة، الذي قدّم للمرة الأولى مفهوم التنمية المستدامة. وعلى الرغم من ذلك، فإن تغيّر المناخ لم يكن من القضايا المركزية التي أدرجتها الأمم المتحدة على أجندتها[18].

وقد مَثَّل مؤتمر المناخ العالمي الثاني، عام 1990، الخطوة الأولية لحفز الجهود العالمية لمواجهة آثار التغيرات المناخية[19]. وبعد عامين، التأم مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية “قمة الأرض”، في ريو دي جانيرو بالبرازيل، الذي عكس توافقًا عالميًّا في الآراء بشأن التنمية والتعاون البيئي، واعتمد إطارًا جديدًا لمعالجة تغيّر المناخ، متمثلًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1994، وتم إنشاء أمانة الأمم المتحدة لتغيّر المناخ. وكانت هذه الاتفاقية، بحق، الإجراءَ الدولي الأهم بشأن التغير المناخي؛ حيث تم الاتفاق بموجبها على تثبيت تركيز “غازات الاحتباس الحراري” في الغلاف الجوي عند مستوى من شأنه أن يمنع التدخل البشري الخطير في نظام المناخ[20].

ومنذ عام 1995، أخذت الأمم المتحدة في عقد مؤتمرات الأطراف بشأن تغيّر المناخ سنويًّا، التي تلتئم في بون، مقر أمانة الأمم المتحدة لتغيّر المناخ، ما لم يعرض أحد الأطراف استضافته. ويمثّل مؤتمر الأطراف أعلى تجمع دبلوماسي دولي لصنع القرار فيما يتعلق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ؛ حيث إن جميع الدول الأطراف تستعرض تنفيذ الاتفاقية وأيّ صكوك قانونية مرتبطة بها، بالإضافة إلى اتخاذ القرارات اللازمة لتعزيز التنفيذ الفعال للاتفاقية، والخطط التي اتبعتها الدول للحد من انبعاثاتها والتكيف مع آثار تغيّر المناخ، بما في ذلك الترتيبات المؤسسية والإدارية. وتهدف هذه المؤتمرات إلى مراجعة التقدم الذي أحرزه أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ للحد من تغيّر المناخ.

وقد تم عقد أول دورة لمؤتمر الأطراف في برلين بألمانيا في مارس 1995، فيما انتظمت الدورة الثالثة في ديسمبر 1997 في كيوتو باليابان، التي أسفرت، بعد مفاوضات مكثفة، عن تبنّي بروتوكول كيوتو، الذي أُلحِق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، ودخل حيّز التنفيذ عام 2005، بعد سبع سنوات من التفاوض من قِبَل أكثر من 160 دولة. واعتُبرت اتفاقية كيوتو حجرَ الزاوية في مبادرات وإجراءات التغير المناخي، وذلك بإلزام الدول الصناعية بتخفيض مجموع انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 5% على الأقل، مقارنة بما كانت عليه في عام 1990، خلال فترة الالتزام الأولى (2008-2012). أما الدول النامية، فلم يرتّب عليها البروتوكول أيّ التزامات جديدة. وقد أنشأ البروتوكول ثلاث آليات لمساعدة الدول الصناعية (دول المرفق الأول) على الوفاء بالتزاماتها، وتعرف باسم آليات كيوتو المرنة، وهي: آلية الاتجار بالانبعاثات، وآلية التنفيذ المشترك، وآلية التنمية النظيفة[21]. وفي الفترة من عام 2005 إلى عام 2019، كان مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في بروتوكول كيوتو CMP، يُعقد في وقت انعقاد مؤتمر الأطراف نفسه، ويضم 192 دولة طرفًا في بروتوكول كيوتو؛ حيث تُلزم هذه المعاهدة الموقِّعين عليها بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وخفضها وفقًا للأهداف الفردية [22].

ولكن حصل التطور الأهم لدبلوماسية المناخ على المستوى الدولي في مؤتمر كوب 21، عندما تبنّت الأطراف (195 دولة) اتفاق باريس للمناخ عام 2015، الذي دخل حيّز التنفيذ في العام التالي؛ لمعالجة تغيّر المناخ وآثاره السلبية. ويُعدّ اتفاق باريس، الذّي حل محل بروتوكول كيوتو، الذّي انتهى العمل به عام 2020، اتفاقًا تاريخيًّا؛ حيث اتفق قادة العالم بشكل جماعي على أن تغيّر المناخ مدفوع بالسلوك البشري، وأنه تهديد للبيئة والبشرية جمعاء، وأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عالمية لوقفه. وثمة ثلاثة عناصر رئيسية في اتفاق باريس، وهي: الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، واستعراض التزامات الدول بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن طريق إجراء عمليتَي مراجعة، كل واحدة على مدى خمس سنوات، وتوفير التمويل المتعلق بالمناخ للدول النامية لمساعدتها للتخفيف من حدة المناخ والتكيّف معها. ويتضمن الاتفاق التزامات من جميع الدول لخفض انبعاثاتها، والعمل معًا للتكيّف مع آثار تغيّر المناخ؛ حيث يُتوقَّع من كل دولة تقديم خطة عمل مناخية وطنية محدثة، تُعرَف باسم المساهمة المحددة وطنيًّا (NDC)، مع إنشاء إطارٍ للرصد والإبلاغ الشفافَيْن عن الأهداف المناخية للدول[23]. وهكذا، ولأول مرة، حددت كل دولة أهدافها الخاصة للحد من انبعاثات الكربون أو إبطائها، ومكافحة إزالة الغابات، والحفاظ على الشفافية بشأن قضايا المناخ، وتحديد الآثار الضارة لتغيّر المناخ، والحد من زيادة درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية. وتضمن اتفاق باريس تدابير رئيسية معزّزة لضمان وفاء البلدان بالتزاماتها[24].

كيف تم التوصل إلى اتفاق باريس؟ تكمن الإجابة في نمط جديد من التعاون الدولي، في صورة دبلوماسية متعددة الأطراف؛ ما مكّن 195 دولة من تبنّي الاتفاق. ويمثل اتفاق باريس حقبة جديدة من دبلوماسية المناخ؛ حيث يتم دمج مخاطر المناخ في أجندة السياسة الخارجية، ومعالجتها على أعلى مستوى دبلوماسي، ودمج الأحكام المناخية في الممارسات الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم[25].

وفي كوب 26 بأسكتلندا عام 2021، تم اعتماد ميثاق غلاسكو للمناخ الذّي احتوى نصوصًا مُلزمة لتقليل معدلات الانبعاثات حتى عام 2022، ليتماشى مع إبقاء معدل زيادة درجة الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية. كما نصت الوثيقة صراحة، لأول مرة، على التخلص التدريجي من طاقة الفحم، والتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري “غير الفعال”. وأخيرًا، طرح الاتفاق فكرة تدشين حوار بشأن تمويل الدول النامية الأكثر عرضة لآثار التغيرات المناخية. وقد نُظر إلى “ميثاق غلاسكو للمناخ” على أنه ينتقل بدبلوماسية المناخ الجديدة في ظل اتفاق باريس خطوة إلى الأمام، برغم إخفاق مفاوضي الأطراف على الاتفاق على التخلص نهائيًّا من استخدام الفحم، وإيجاد آلية لتمويل ودعم الدول المعرَّضة لخطر الجفاف والفيضانات والعواصف جرَّاء ارتفاع منسوب مياه البحار[26]

ثم التأم كوب 27 في شرم الشيخ بمصر، وتمكن المشاركون، لأول مرة، من: (أ) إقرار صندوق للأضرار والخسائر لمساعدة الدول النامية على معالجة آثار التغيرات المناخية. (ب) مناقشة قضايا الأمن الغذائي. (ج) تضمين ملف المياه كوسيلة لمكافحة تغيّر المناخ. (د) إضافة مصطلح “الحلول المستندة إلى الطبيعة” في “قرار الغلاف” الختامي لبيان مؤتمر المناخ وتخصيص قسم عن “الغابات” وحمايتها. بَيْدَ أن المفاوضين في كوب 27 لم يتفقوا على معالجة قضايا مُلحَّة، أهمها: التخفيض التدريجي لجميع أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز، وكيفية تحقيق هدف الإبقاء على حرارة الأرض بحدود 1.5 درجة مئوية، وإقرار تمويل للحفاظ على الغابات من آثار التغيرات المناخية[27].

وسوف تعكف الأطراف على مناقشة هذه القضايا في كوب 28 في دبي (30 نوفمبر-12 ديسمبر 2023)، الذي يهدف إلى تحقيق عدة مسارات تشمل تسريع تحوّل الطاقة، وخفض الانبعاثات قبل عام 2030، ووضع مسألة تمويل مكافحة التغير المناخي حيّز التنفيذ بشكل أكثر فاعلية[28]. ويشارك في المؤتمر، كما قدّمنا، عدد غير مسبوق في مؤتمرات كوب السابقة (أكثر من 85 ألف شخص)، ينتمون إلى: الدول الأطراف والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والحكومات الإقليمية، والشركات الخاصة، والهيئات الأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات الدينية، ووسائل الإعلام.

وتكتسب الدورة الحالية لمؤتمر الأطراف أهمية فائقة؛ حيث تتركز المحادثات على إجراء أول تقييم عالمي للتقدم المحرَز في تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ عام 2015، ولاسيما التزامات الدول فيما يتعلق بالحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب عن مستوى 1.5 درجة مئوية. وإلى جانب ذلك، ستتم مناقشة مجموعة من القضايا المهمة المتعلقة بالعمل المناخي، ومن بينها قضية تمويل تداعيات الاحترار المناخي عبر إقرار صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول الفقيرة والضعيفة الأكثر تضررًا من هذه التداعيات، وقضية التخلي عن الوقود الأحفوري؛ حيث تتنامى المطالب بوضع آلية عملية للتخلص من هذا الوقود والتوجه إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة[29]. علاوة على ذلك، تنتظم، لأول مرة، قمة العمل المحلي للمناخ Local Climate Action Summit  في إطار مؤتمر للأطراف، كما سنوضح لاحقًا. وتطرح دولة الإمارات مبادرات جديدة لمعالجة آثار تغيّر المناخ على الصحة، وتحسين فرص الحصول على التمويل للدول الضعيفة، فضلًا عن دفعة كبيرة لإحداث تحولات في النظام الغذائي. كما سيتم تنظيم جناح الأديان لتفعيل مشاركة القادة الدينيين في مواجهة تداعيات تغيّر المناخ.

بالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة قضية الأمن الغذائي لارتباطها الوثيق بأزمة تغيّر المناخ؛ فمن المقرر أن يشهد كوب 28 إطلاق “الإطار العالمي للزراعة وأنظمة الغذاء والمناخ”، الذي تقوده منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة “الفاو”؛ بهدف تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية في قطاعَيْ الأغذية والزراعة[30]. كما سيمثل المؤتمر فرصة لاتخاذ إجراءات لمعالجة أزمة المياه؛ حيث يجب أن يكون الأمن المائي أولوية في خطط التكيف مع المناخ وآليات التمويل.

ومع ذلك، ثمة عدة تحديات رئيسية تواجه المفاوضين في كوب 28، تتمثل في أن يدفع قطاع الصناعة ثمن الانبعاثات، وتمويل الدول النامية، وإعادة النظام إلى أسواق ائتمان انبعاثات الكربون، وتوفير النفط والغاز منخفض التكلفة ومنخفض الكربون، واستعادة الثقة بمؤتمرات الأطراف[31].

ثالثًا-دبلوماسية المناخ على المستوى ما دون الوطني:

إنّ إلحاح المشكلات البيئية المرتبطة بتغيّر المناخ، وفي ضوء عدم كفاءة الحكومات المركزية في التعاطي معها، دفع الأقاليمَ[32] أو الكيانات ما دون الدولة إلى الانخراط في معالجة هذه المشكلات. فالواقع أنّ الأقاليم هي الأكثر تعرّضًا لتداعيات أزمة تغيّر المناخ. علاوة على ذلك، تتمتع معظم الحكومات الإقليمية باختصاصات تشريعية وإدارية بشأن المصادر المهمة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري والصحة العامة. ونتيجة لذلك، فإن هذه الحكومات هي المسؤولة عن تحديد السياسات العامة التي تهدف أو تأخذ في الاعتبار التخفيف من التغيرات المناخية[33]. وتنخرط هذه الحكومات، بشكلٍ رئيسي، في قضايا: المواصلات العامة، والتخطيط الحضري، والصحة، وسياسات الطاقة، والمصادر الطبيعية؛ وكلها أمور ذات أبعاد بيئية. وذلك أن الأقاليم والمدن لديها معلومات عملية أكثر و/أو خبرات مختلفة في بعض المجالات مقارنةً بالدول؛ ما يجعل من المحتمَل أن يكون للحكومات المحلية رأيٌ مختلف عن الدول، ويجعلها تسعى للتعاون مع نظيراتها المحلية في المواقف المتشابهة من أجل معالجة هذه القضايا[34].

والأهم من ذلك أنّ القادة المحليين يلعبون دورًا حاسمًا في رفع طموح أجندة المناخ العالمي، والحد من الانبعاثات، ومعالجة مخاطر المناخ، وتعزيز الجهود الوطنية للمضي قُدمًا وبشكل أسرع في التقدم المناخي. وذلك أن الحكومات المحلية هي المسؤولة، في التحليل الأخير، عن التنفيذ الفعلي للقرارات والسياسات البيئية التي تتم صياغتها على المستوى الدولي[35].

وقد بدأ انخراط الأقاليم في القضايا البيئية عن طريق التعاون عابر الحدود بين الأقاليم المتاخمة، ثم تمدّد إلى تعاونٍ متجاوز للحدود بين الأقاليم المتباعدة جغرافيًّا. وسرعان ما تطورت الأنشطة الدبلوماسية التي تقودها الحكومات الإقليمية إلى تشكيل شبكات بيئية عالمية بين الأقاليم؛ من أجل التضافر فيما بينها لإحداث موازنة مع سياسات الدول بخصوص تغيّر المناخ والاحترار العالمي. ثم أخذت الحكومات الإقليمية بالانخراط في التنظيمات والمؤتمرات البيئية العالمية، سواء بالتعاون مع دولها الأم أو بالاستقلال عنها؛ بهدف معالجة المشكلات البيئية العالمية، ولاسيما تغيّر المناخ. وبين ذلك، أبرمت الأقاليم عددًا هائلًا من الاتفاقات الدولية في مجال مكافحة تغيّر المناخ مع غيرها من الفاعلين الدوليين، سواء كانوا من الدول أو من غير الدول.

ويتجلى التعاون عبر الحدود في مجموعة متنوعة من الاتصالات والميكانزمات، الرسمية وغير الرسمية، والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، لحل المشكلات البيئية بين الأقاليم المتجاورة جغرافيًّا، ولاسيما مشكلات التلوث، وإدارة الموارد المائية…إلخ. ومن الأمثلة المهمة في هذا الخصوص، التعاون الإقليمي بين المقاطعات الكندية الحدودية والولايات الأمريكية المجاورة، ولاسيما بين مقاطعة كيبيك وولايات نيو إنجلاند الست الأمريكية، وبين المقاطعات الكندية والولايات الأمريكية في إقليم البحيرات العظمى وحوض نهر سانت لورانس، وبين الولايات الأمريكية ونظيراتها المكسيكية، والتفاعلات المتنامية بين الأقاليم الروسية الحدودية والأقاليم الصينية واليابانية في الشرق الأقصى، والتعاون بين الأقاليم المشتركة في أحواض أنهار في آسيا الوسطى. وهذه الظاهرة تشهد نموًّا هائلًا، سواء من حيث الحجم أو الأهمية، في أوروبا بفضل السياسات والمؤسسات الإقليمية التي يتابعها الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن أهم مؤشرات الدبلوماسية-الموازية عابرة الحدود، هو تأسيس أقاليم عبر الحدود Cross-border Regions بين الأقاليم المتاخمة جغرافيًّا، ويُقصَد بها انخراط مجموعة من الأقاليم حول الحدود الدولية في رابطة تنظيمية مميزة لإدارة المصادر المائية أو معالجة المشكلات البيئية. وتشهد هذه الظاهرة انتشارًا كبيرًا في أوروبا، وهي شائعة في أمريكا الشمالية حول الحدود الكندية-الأمريكية والحدود الأمريكية-المكسيكية[36].

وثمة أمثلة عديدة على التعاون متجاوز الحدود بين الأقاليم البعيدة عن بعضها جغرافيًّا، مثل التعاون بين مقاطعة كيبيك وإقليم والونيا في بلجيكا، والتعاون بين بعض الأقاليم الألمانية Lander مثل: نيدو زاسكون ونوردراين فيستفالن والأقاليم الإسبانية، وبين أسكتلندا من جهة وبعض الولايات الأمريكية وبعض المقاطعات الصينية من جهة أخرى، وجملةً التعاون بين الأقاليم الأوروبية والمقاطعات الصينية[37].

وفيما يتعلق بالشبكات أو المنظمات الإقليمية، فهي تجسِّد الجانب المؤسسي للتعاون الإقليمي في المجال البيئي، وقد تتعارض أهدافها وأنشطتها مع الشبكات أو المنظمات التي تشكّلها الدول. ويتوافر حاليًّا عدد كبير من المنتديات والشبكات التعددية التي تجمع الحكومات دون القومية لمناقشة قضايا عديدة ومتنوعة، وفي قلبها قضايا البيئة والتنمية المستدامة والتنمية الحضرية[38]. والأمثلة على الشبكات أو المنظمات الإقليمية كثيرة، ولاسيما في أوروبا وأمريكا الشمالية وشرقي آسيا، تضم القوى الأربع المحركة لأوروبا the Four Motors for Europe في عام 1988، وهيئة الأقاليم الأوروبية المتاخمة Association of European Frontier Regions التي تأسست عام 1971، ومؤتمر حكام الولايات الشمالية الشرقية ورؤساء وزراء المقاطعات الكندية الشرقية[39]. وعلى الرغم من إنشائها رسميًّا كآليات لتبادل المعلومات والتقنيات والممارسات والخبرات في التدابير المعتمدة لمواجهة التغيرات المناخية، ينتهي الأمر بهذه الشبكات عبر الوطنية إلى لعب دور سياسي، ولاسيما عندما تعمل بطريقة منسقة في مجال المفاوضات الدولية. وهذه هي حال شبكة الحكومات الإقليمية من أجل التنمية المستدامة Network of Regional Governments for Sustainable Development – nrg4SD[40].

كما تشارك الأقاليم في المؤتمرات والمنتديات الدولية المتعلقة بالقضايا البيئية. وقد طالبت بعض الحكومات الإقليمية المشاركة كجهة رسمية في المؤتمرات الدولية، ولاسيما تلك التي تتعلق باختصاصاتها الداخلية. وفي هذا الخصوص، شارك عدد من الأقاليم، مثل أسكتلندا وكيبيك، في مؤتمر كيوتو ومؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ[41]. وعندما انسحب الوفد الكندي من بروتوكول كيوتو عام 2010، نشطت مقاطعة كيبيك في هذه القضية وكأنها دولة مستقلة عن كندا. وعندما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ عام 2017، أعلنت ثلاث ولايات، هي: كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن، تأسيس اتحاد المناخ الأمريكي United States Climate Alliance، الذي انضمت إليه 9 ولايات أخرى، فضلًا على إقليم بورتوريكو؛ بهدف تخفيض الانبعاثات الكربونية، وفقًا لاتفاق باريس للمناخ 2015. ولاحقًا، زاد عدد أعضاء هذه الشبكة المناخية لتضم 24 ولاية وإقليمَيْن، وشاركت، بالتحالف مع كندا والمكسيك، في كوب 23، في إطار منتدى حوار قيادة المناخ في أمريكا الشمالية. ولاحقًا، شارك أعضاء المنتدى في قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي 2019[42].

والحقيقة أن الأقاليم والمدن في جميع أنحاء العالم أخذت دور القيادة في محادثات المناخ بمؤتمر كوب 27 في شرم الشيخ بمصر (7-18 نوفمبر 2022)؛ حيث فشلت الحكومات الوطنية في التوصل إلى أيّ اتفاق ذي معنى. وقد تمكنت دائرة الحكومات المحلية والسلطات البلدية (LGMA) Local Governments and Municipal Authorities Constituency من تعبئة وفد من 500 من القادة وصُنَّاع القرار المحليين لإسماع صوت الحكومات المحلية في كوب 27. وشاركت هذه الهيئة في مؤتمرات كوب منذ المؤتمر الأول عام 1995[43]. وفي كوب 27، ناضلت الأقاليم من أجل تعزيز التعاون متعدد المستويات، والتمويل المباشر والمساعدة الفنية للحكومات الإقليمية، وتأسيس نظام عالمي لجمع ورصد تخفيضات انبعاثات الكربون في المدن والأقاليم[44].​​ ويشهد كوب 28 حضورًا غير مسبوق للقادة الإقليميين والمحليين، بما في ذلك الجلسة الافتتاحية. وتنتظم، لأول مرة، قمة العمل المحلي للمناخ COP28 Local Climate Action Summit في إطار مؤتمر الأطراف كوب 28، لتوحيد رؤى القادة الإقليميين والوطنيين لإنشاء نموذج عالمي جديد للعمل المناخي المتكامل بين جميع مستويات الحكومة. ومن المقرَّر أن يحضر القمة أكثر من 450 مشاركًا من 66 دولة، بما في ذلك أكثر من 200 رئيس بلدية وحاكم. وتُعدُّ قمة العمل المناخي المحلي أول قمة تستضيفها رئاسة مؤتمر الأطراف. وتدعم هذه القمة شبكات محلية عدة، بما في ذلك مجموعة المدن لقيادة المناخ C40 Cities Climate Leadership Group، والميثاق العالمي لرؤساء البلديات من أجل المناخ والطاقة، وICLEI – الحكومات المحلية من أجل الاستدامة، والمدن المتحدة والحكومات المحلية (UCLG)، ومؤتمر رؤساء البلديات في الولايات المتحدة، وتحالف Under2، وموئل الأمم المتحدة، ومعهد الموارد العالمية (WRI)، وغيرها. وستركز القمة على مناقشة قضايا تحويل التمويل المحلي للمناخ، ودمج الإسهامات المحلية لتعزيز العمل العالمي، وتسريع انتقال الطاقة وتعزيز المرونة والتكيف على المستوى المحلي[45].  ولعل ذلك يُعوّض افتقار الأقاليم وشبكاتها العديدة والمتنوعة إلى دور رسمي في مفاوضات المناخ العالمية وفي تنفيذ اتفاقية باريس.

خاتمة

إنّ أزمة المناخ هي قضية طوارئ عالمية تمسُّ مجالات متنوعة من السياسة الدولية والخارجية. ومن ثم تتطلّب نمطًا جديدًا من التعاون الدولي، في صورة دبلوماسية متعددة الأطراف. وتُعدّ دبلوماسية المناخ إحدى أهم صور التعاون الدولي لمواجهة هذه الأزمة؛ أكثر الأزمات الكونية تركيبًا وإلحاحًا.

 وقد حاولت هذه الورقة تحليل دبلوماسية المناخ واستكشاف دورها، على المستويين: الدولي وما دون الوطني، في معالجة تغيّر المناخ وتداعياته السلبية. وبرغم تعدد المستويات التي تعمل فيها دبلوماسية المناخ، ومن ثم تنوّع الفاعلين الدوليين المنخرطين فيها، يبرز المستوى العالمي الذي تجسّده مؤتمرات الأطراف في اتفاقية تغيّر المناخ كمنصة لالتقاء كافة هؤلاء الفاعلين، كما أنه المستوى الأهم الذي يُجسّد أهداف دبلوماسية المناخ وطبيعتها متعددة الأطراف. ولما كان الفاعلون على المستوى الإقليمي والمحلي هم الأكثر تعرّضًا لأزمة التغير المناخي، والأكثر تأثرًا بتداعياتها، وهم المسؤولون عن التنفيذ الفعلي للقرارات والسياسات البيئية التي تتم صياغتها على المستوى الدولي، كان لابد من استكشاف دورهم في التفاعلات الدبلوماسية بشأن مواجهتها. وهكذا تمّ تناول التفاعلات الدبلوماسية على المستوى الدولي وتلك التي تنخرط فيها الحكومات الإقليمية.

وقد مثَّل اتفاق باريس للمناخ حقبة جديدة من دبلوماسية المناخ، أخذت زخمًا إضافيًّا مع تواتر التئام مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ سنويًّا، وانعقاد قمة العمل المناخي المحلي بالتوازي مع كوب 28؛ ما يعني تعزيز الجهود والمبادرات الدبلوماسية على جميع مستويات العلاقات الدولية لمعالجة المخاطر المناخية على الأمن الوطني والأمن العالمي. والحق أن الحفاظ على مثل هذه البيئة التمكينية يمثّل شرطًا أساسيًّا للتنفيذ الناجح لاتفاق باريس وتحقيق مستوى معين من الاستقرار المناخي في نهاية المطاف.



[1]Paul Sullivan, Climate Change as a Geopolitical Challenge: Adaptation and Resilient Development, Presentation at the 2nd Annual Conference “Sustainable security of the Middle East: Climate Change, Challenges, and Prospects,” organized by TRENDS Research and Advisory & the Atlantic Council’s Scowcroft Middle East Security Initiative. Washington, DC.: September 28, 2022.

  [2]  يُنسب المفهوم إلى المؤرخ الأمريكي آدم توز Adam Tooze، في مقالته بـ “الفايننشال تايمز” المعنونة “مرحبًا إلى عالم الأزمات المركبة Welcome to the World of the Polycrises“، في 28 أكتوبر 2022.  

[3] عن مفهوم “الأمن الإنساني Human Security“، انظر:

United Nations Development Programme (UNDP), Human Development Report 2014 (New York, Oxford  University Press), p.23.

[4]  عبدالعزيز سلطان المعمري، دور الدبلوماسية البرلمانية في قضايا المناخ: الإمارات نموذجًا، سلسلة اتجاهات استراتيجية، العدد27، أبوظبي: مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2023، ص ص 9-11.

[5] Ana Tskipurishvili, New Climate Diplomacy under the Paris Climate Agreement, GGPB, No. 1, 2022, https://2u.pw/kpU7tiP.

[6] Diplo, Climate diplomacy, https://2u.pw/a6l28MG.

[7] European Economic and Social Committee, EU Climate Diplomacy, Oct. 9, 2023, https://2u.pw/CnV79aN.

[8] STRATEGIECS Team, Climate Diplomacy: Between Legal Barriers and One-sided Interests, Strategiecs Think Tank, August 13, 2020, https://2u.pw/WsNXWlj.

  [9]  كل أعضاء الأمم المتحدة، بالإضافة إلى دولة فلسطين والكرسي الرسولي (الفاتيكان) ودولتين غير عضوتين في الأمم المتحدة هما جزيرتا نيوي Niue وكوك Cook.

[10] United Nations Climate Change, UN Climate Change Partnerships, https://2u.pw/rNFOXLn.

[11]  سكاي نيوز عربية، “ما هو مؤتمر الأطراف COP28 الذي تستضيفه الإمارات؟”، 12 نوفمبر 2023، https://2u.pw/4vHvnAW.

[12] United Nations Climate Change, Observer organizations, https://2u.pw/H6y8Aot.

[13]  أميرة العربي، “ما هما المنطقتان الزرقاء والخضراء في كوب 28؟ وما الفرق بينهما؟”، سي إن إن عربي، 16 أكتوبر 2023، https://2u.pw/p7MmgTH.

[14] Peter Jackson, From Stockholm to Kyoto: A Brief History of Climate Change, UN Chronicle, June 2007, https://2u.pw/u8hjyC6.

[15]  الأمم المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية، 5-6 يونيو 1972، ستوكهولم، https://2u.pw/nYoEbV2.

[16] Jackson, From Stockholm to Kyoto.

[17] Achim Steiner, The UN Role In Climate Change Action: Taking the Lead Towards a Global Response, UN Chronicle, February 2007, https://2u.pw/Cjfk2Xu.

[18] Jackson, From Stockholm to Kyoto.

[19] Steiner, The UN Role in Climate Change.

[20] Earth Negotiation Bulletin, UN Framework Convention on Climate Change – UNFCCC, International Institute for Sustainable Development, https://2u.pw/hLIVrYF.

[21] Josep G. Canadell, et. al., Chapter 1 – Balancing greenhouse gas sources and sinks: Inventories, budgets, and climate policy,

In Balancing Greenhouse Gas Budgets, eds., Benjamin Poulter et.al., Elsevier, 2022, pp. 3-28. 

[22] Conference of the Parties (COP), United Nations Climate Change, https://2u.pw/5uZk5wc.

[23]  الأمم المتحدة، اتفاق باريس، https://2u.pw/wE7C2.

[24] Tskipurishvili, New Climate Diplomacy.

[25] Tskipurishvili, New Climate Diplomacy.

 [26] “الكارثة المناخية ما تزال ماثلة: تفاؤل حذر بنتائج ميثاق غلاسكو للمناخ”، مجلة الإنساني، 17 يناير 2022، https://2u.pw/uRERPDQ؛ الأمم المتحدة، الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP26) معًا من أجل كوكبنا، https://2u.pw/Hezh4H.

[27]  نور عبدالفتاح، نتائج مؤتمر “كوب 27”.. إنجازات وإخفاقات (إطار)، 21 نوفمبر 2022، وكالة الأناضول للأنباء، https://www.aa.com.tr/ar.

[28] Nick Ferris, Why COP28 is “the most important COP” since the Paris Agreement, Energy Monitor, November 22, 2023, https://2u.pw/8rsnqnh.

[29] Syed Munir Khasru, Climate change: water scarcity is fuelling new crises across Asia, South China Morning Post, Nov. 23, 2023, https://2u.pw/EMWhp2X.

[30]  هدير الحضري، “برنامج الأغذية العالمي يحذر: تغيّر المناخ يدفع العالم إلى أزمة جوع”، العين الإخبارية، 23 نوفمبر 2023، https://2u.pw/nH20QYC.

[31] Forbes, COP28 : Les cinq enjeux majeurs d’une conférence climat cruciale alors que le réchauffement climatique s’accélère,” November 23, 2033, https://2u.pw/fwwHSX3.

[32] يُقصد بـ “الأقاليم” الكيانات دون القومية subnational Entities أو الوحدات دون المستوى الوطني substate Units، وهي المستوى الأول الأدنى مباشرةً لمستوى الحكومة المركزية، ويُطلق عليه مسميات متعددة، مثل: ولايات أو مقاطعات أو كانتونات أو إمارات أو محافظات أو مناطق أو مجتمعات ذات حكم ذاتي، أو حتى جمهوريات كما هي الحال في روسيا.

[34] Kooistra, Paradiplomacy in Practice.

[35] S. Happaers, K. van der Brande, & H. Bruyninckx, Governance for Sustainable Development at the Inter-Subnational Level: The Case of the Network of Regional Governments for Sustainable Development, Regional & Federal Studies, 20(1), 2010, pp. 127–149.

[36] D. Mouafo et.al., Building Cross-Border Links: A Compendium of Canada-US Government Collaboration, Ottawa: Canada School of Public Service, 2004.

[37] T. Kamiński, A. Skorupska, & J. Szczudlik, The Subnational Dimension of EU-China Relations, The Polish Institute of International Affairs, 2019.

[38] R. Tavares, Paradiplomacy: Cities and States as Global Players. Oxford University Press, 2016.

[39] A. El-Dessouki, (2008). Paradiplomacy: The International Agency of Regional Governments, A Comparative Study of Some Regions, Ph. D. Dissertation, Cairo University: Faculty of Economics and Political Science.

 [40]  تمثل الشبكة الحكومات الإقليمية والكيانات ما دون القومية في مفاوضات الأمم المتحدة والمؤتمرات والمنتديات العالمية في مجالات تغيّر المناخ والتنوع البيولوجي والتنمية المستدامة. وقد تأسست الشبكة تحت مسمى شبكة الحكومات الإقليمية من أجل التنمية المستدامة (nrg4SD) في عام 2002 على هامش القمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبرغ. وفي عام 2019، أصبحت تغيّر اسم الشبكة إلى “الأقاليم لـ التنمية المستدامة” Regions4، وتضم حاليًّا 41 حكومة إقليمية من 21 دولة، ويوجد مقرها في بروكسل ببلجيكا. انظر:  https://regions4.org/about-us/regions4/.

[41] El-Dessouki, Paradiplomacy: The International Agency.

[42] United States Climate Alliance, http://www.usclimatealliance.org/.

[43] Cities & Regions in the UNFCC Process,

[43] Cities & Regions in the UNFCC Process,

[43] Cities & Regions in the UNFCC Process, https://www.cities-and-regions.org/.

[44] European Committee of the Regions, Press Release: COP 27: Subnational governments must be empowered to deliver on the Paris climate agreement, November 17, 2022, https://cor.europa.eu/en/news/Pages/COP27—Press-statement.aspx.

[45] “COP28 President Sultan Al Jaber and UN Special Envoy Michael R. Bloomberg Announce Historic Global Delegation of Governors, Mayors, and Local Leaders to Turbocharge Subnational Climate Action at COP28 Local Climate Action Summit,” Press Release, Bloomberg Philanthropies, November 22, 2023, https://2u.pw/v5wjW53.

المواضيع ذات الصلة