تبلغ نسبة المراهقين من مجموع أفراد الجنس البشري حاليا، مستويات غير مسبوقة في التاريخ، حيث يُقدَّر أن عدد أفراد هذه الفئة العمرية يزيد عن 1.2 مليار شخص، أي ما يعادل سدس سكان الكوكب. ويتوقع أن يستمر هذا العدد في الازدياد حتى عام 2050، وخصوصا في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، والتي يعيش فيها حاليا ما يقارب من 90% ممن هم بين سن العاشرة والتاسعة عشر.
وللأسف، يلقى 1.1 مليون منهم حتفهم سنويا، بشكل رئيسي بسبب حوادث السير، والانتحار، والعنف الشخصي، هذا بالإضافة إلى ملايين آخرين، يتعرضون أيضا للإصابة والمرض. هذه الوفيات والإصابات والأمراض التي يتعرض لها المراهقون، تتباين بشكل واضح حسب النوع الاجتماعي، والعمر، والمنطقة الجغرافية التي يقطنون فيها؛ فبين سن العاشرة والرابعة عشر، ترتبط عوامل الخطر لهذه الفئة العمرية بالأمراض المنقولة بالماء، وبالموت غرقا، وبمستويات النظافة الشخصية والنظافة العامة. أما بين سن الخامسة عشر والتاسعة عشر، فترتبط عوامل الخطر لهذه الفئة العمرية بشكل أكبر بالسلوك الشخصي، مثل استخدام المخدرات، أو شرب الكحوليات. وفي جميع الأعمار، بما في ذلك مرحلتي الطفولة والمراهقة، يعتبر الاعتماد على غذاء غير صحي، وقلة أو انعدام النشاط البدني وممارسة الرياضة، بالإضافة إلى الاستغلال الجنسي، عوامل خطر تهدد صحة وحياة هؤلاء. وإذا ما خصصنا بالحديث الفتيات بين سن الخامسة عشر والتاسعة عشر، فسنجد أن الحمل المبكر، والإجهاض غير القانوني وغير الآمن، يعتبر السبب الرئيسي خلف الوفيات بينهن.
وترتبط الكثير من هذه القضايا والمخاطر بما يعرف بالمحددات الاجتماعية، أي المتعارف عليه أو المرغوب والمقبول اجتماعيا؛ مثل الضغوطات الاجتماعية الثقافية المتعلقة بوزن وشكل الجسم بين الإناث، وحتى الذكور أحيانا، ومدى تقبل المجتمع لتناول الكحوليات، بالإضافة إلى الرفض أو العزل الاجتماعي في ظروف معينة. وإذا ما تولدت تلك الضغوطات في بيئة يصعب على المراهق فيها الحصول على الدعم الاجتماعي والنفسي والصحي، وبالترافق مع التغيرات الجسدية والنفسية والعصبية التي يمر بها، علاوة على وجود الدافع والتوق للاستكشاف والتجربة، فإنه (أي المراهق) يصبح فريسة سهلة للمخاطر العديدة المحدقة به حينها.
ويُرَدُّ جزء كبير من تلك المخاطر والمشاكل الصحية، وما ينتج عنها من وفيات بين المراهقين، إلى ميل أفراد هذه الفئة العمرية إلى تعريض أنفسهم للخطر دون الأخذ في الاعتبار التبعات والنتائج، كما أنهم غالبا ما يدعون ويتظاهرون بعدم اهتمامهم بالجوانب الصحية، ولا بالرعاية الطبية، رغم أنهم خلال مرحلة ما من نموهم العقلي والجسدي يصيبهم القلق على صحتهم، لكنهم يفتقدون من يوجه لهم النصح والإرشاد ليقلل من قلقهم هذا.
ووفقا لدراسة صدرت عن منظمة الصحة العالمية، فإن أربعة من كل خمسة، أي 80% من الأطفال والمراهقين بين سن الـ11 والـ17، لا يمارسون قدرا كافيا من النشاط البدني. وذهب القائمون على الدراسة التي اعتبرت الأولى من نوعها، إلى وصف هذا الوضع الحالي بالوباء العالمي، الذي لا يستثني أيا من دول العالم، الغني والفقير منها على حد سواء. ومن الممكن إدراك تبعات تراجع النشاط في مرحلة الطفولة على صحة هؤلاء الأطفال في مرحلة البلوغ لاحقا، من حقيقة أن أفراد جيل الألفية، وهم مَن ولدوا خلال الفترة الممتدة من 1980 وحتى 2000، يعتبرون أكبر حجما، وأثقل وزنا من الأجيال السابقة، وربما عبر تاريخ الأجيال البشرية جميعها.
وللأسف، يحتل الانتحار المرتبة الثانية على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد هذه الفئة العمرية على مستوى العالم، فرغم أن الانتحار يقع خلال جميع مراحل العمر، إلا أن معظم ضحاياه يكونون ما بين عمر الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين. وكثيرا ما يكون انتحار الأطفال والمراهقين من نوع الانتحار المقلد أو المحاكي (Copycat suicide)، والذي تشتق تسميته من كونه تقليدا ومحاكاة لعملية انتحار تمت سابقا من قبل شخص آخر. مثل هذا النوع يحدث عند انتحار أحد المشاهير من الممثلين أو المغنين، حيث يقوم معجبوه بتقليده، وقتل أنفسهم بنفس الطريقة. هذا النوع ينتشر غالبا بين المراهقين والأشخاص غير الناضجين نفسيا، ويحصل هؤلاء على تفاصيل الانتحار من خلال شاشات التلفزيون ونشرات الأخبار، وهو ما دفع الكثير من وسائل الإعلام إلى الامتناع عن نشر تفاصيل قصص انتحار المشاهير والممثلين.