Insight Image

قراءة في إدراج أفراد وكيانات جديدة ضمن قائمة الإرهاب المعتمدة في دولة الإمارات

19 سبتمبر 2021

قراءة في إدراج أفراد وكيانات جديدة ضمن قائمة الإرهاب المعتمدة في دولة الإمارات

19 سبتمبر 2021

مقدمة:

خطت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوة جديدة ضمن جهودها لمكافحة ظاهرة الإرهاب واستهداف الشبكات المرتبطة بتمويله والنشاطات المصاحبة له وتعطيلها، حيث أصدر مجلس الوزراء الإماراتي يوم 13 سبتمبر 2021 القرار الوزاري رقم 83 لسنة 2021 الذي تضمن إدراج 38 فرداً و15 كياناً إرهابياً ضمن القائمة المعتمدة في الدولة المدرج عليها الأشخاص والكيانات والتنظيمات الداعمة للإرهاب. وطالب القرار الجهات الرقابية كافة بمتابعة أي أفراد أو جهات تابعة أو مرتبطة بأي علاقة مالية أو تجارية أو فنية وحصرهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة حسب القوانين سارية المفعول في الدولة في أقل من 24 ساعة.

وتناقش هذه الورقة أبعاد هذه الخطوة وأهميتها ضمن مجموعة من المحاور الرئيسية، يعرض أولها لسياسة القوائم الإرهابية المعتمدة في بعض الدول والمنظمات الدولية وفلسفة عملها وأهدافها والتحديات التي تواجهها، ويقدم ثانيها قراءة في القائمة الجديدة المعدلة المعتمدة في دولة الإمارات العربية المتحدة المدرج عليها أسماء الأشخاص والكيانات والتنظيمات الداعمة للإرهاب ودلالات القرار الأخير، فيما يناقش المحور الثالث أهمية هذه الخطوة ضمن جهود دولة الإمارات المتواصلة لمكافحة الإرهاب.

 

أولاً- قوائم الإرهاب: الأهداف والتحديات

يعتبر التطرف والإرهاب من أهم التهديدات الأمنية الدولية والمحلية التي تواجه المجتمع الدولي نظراً إلى تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية وشدتها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولقد اتخذت دول عديدة إجراءات متنوعة؛ الغرض منها تجفيف المنابع الأيديولوجية والتمويلية للوقاية من الجرائم الإرهابية ومكافحتها، ووضع قوائم للإرهاب تتضمن الكيانات والأشخاص المصنفين كإرهابيين من قِبل الدولة.

ومن أهم المعايير التي تضعها معظم الدول بشكل عام لوضع أشخاص أو كيانات في قوائمها للإرهاب بشكل وجوبي أن تكون تلك المنظمات وهؤلاء الأشخاص منخرطين في أنشطة إرهابية، وتشكل أنشطتها تهديداً لأمنها القومي أو أمن مواطنيها، وتتولى الجهات المعنية تقديم الأدلة على ذلك؛ فعلى سبيل المثال يتولى وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخزانة الأمريكية بالتعاون مع وزير العدل، تقديم الأدلة والبيانات إلى الكونغرس الذي بدوره يوافق أو يعترض على تصنيف المنظمة أو الجماعة في لائحة الإرهاب وفقاً للمادة (219) من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي.

ولا تتفق معظم الدول على أيٍّ مِن المنظمات والأشخاص الواجب وضعهم في قوائمها للإرهاب؛ وذلك لأسباب تبدو سياسية أكثر منها أمنية، وأحياناً يتم شطب أسماء بعض مَنْ وُضِع في قائمة الإرهاب لاختلاف وجهات النظر السياسية بين الإدارات والحكومات داخل الدولة الواحدة، مثلما يحدث عادة بين الإدارات الجمهورية والديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على سبيل المثال، شطب الحوثيين رسمياً من قائمة واشنطن للتنظيمات الإرهابية بعد أن كان قد وضعها الرئيس السابق، دونالد ترامب، قبل انتهاء ولايته مباشرة[1]. كما رفعت واشنطن من قائمتها السوداء للمنظمات الإرهابية الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية التي لم تعد تعتبرها منظمة إرهابية أيضاً [2]، رغم اعتراض الصين على هذا الاستخدام السياسي لنظام قوائم الإرهاب الأمريكي.

كما تتأخر دول كثيرة في وضع جماعات في قائمتها للإرهاب رغم المعطيات والشواهد التي تثبت مسؤوليتها عن العديد من الأنشطة الإرهابية، بما فيها اغتيال المعارضين؛ ومثال ذلك ألمانيا التي لم تحظر حزب الله اللبناني وتشن حملة أمنية ضد أنشطته إلا مؤخراً خلال عام 2020، ليكون بذلك تحولاً في السياسة الألمانية والأوروبية تجاه الحزب وداعمه الرئيسي إيران، خاصة بالنظر إلى ما تتمتع به ألمانيا من وزن وقدرة على التأثير في العديد من العواصم الأوروبية[3].

وهناك دول تميز حتى بين الجناح السياسي لمنظمة مّا وبين جناحها العسكري، فتضع هذا الأخير في قائمتها للإرهاب فقط على الرغم من أن الأول (الجناح السياسي) هو الذي يحرك الجناح العسكري في واقع الأمر، كما أن واقع تلك المنظمات نفسها لا يميز بين العسكري والسياسي؛ فعلى سبيل المثال كان الاتحاد الأوروبي قد حظر أنشطة الذراع العسكرية لحزب الله فقط بينما سمح لجناحه السياسي بالعمل على أراضيه،  ولكن بعض الدول الأوروبية تداركت ذلك التفريق وحظرت حزب الله بجناحيه، مثل: هولندا، وألمانيا، وإستونيا، وجمهورية التشيك، وسلوفينيا[4].

إن عدم وجود تعريف دولي للإرهاب يترتب عليه واجبات وحقوق وآلية محاسبة هو تحدٍ آخر يصعّب من سياسة قوائم الإرهاب، ويؤكد فرضية الاستخدام الجيوسياسي للإرهاب، أو غض الطرف عنه لأسباب جيوسياسية، فأيُّ تعريف مبدئي للإرهاب سيكشف كمَّ الإرهابيين الذين يجب وضعهم في تلك القوائم، ومنهم دول وأكاديميون وإعلاميون في الشرق والغرب.

فالإرهابي ليس هو الذي يقوم بتسهيل أو تنفيذ عمل إرهابي فقط، بل هو الشخص الذي يقوم باستخدام العنف، سواء كان فرداً أو أكثر ليس مخولاً له/ لهم استخدامه؛ “لأنه عمل من أعمال الدولة المقصور عليها فقط”، والإرهابي هو من نظّر وشرعن وبرر الإرهاب أيضاً، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو من تعاون مع الجماعات والخلايا المستعدة لاستخدام العنف لنشر أفكارها أو فرضها في الحال أو لاحقاً، وهو أيضاً من يسوّغ الفعل الإرهابي، مُرجعاً إياه لأسباب اقتصادية أو سياسية أو لأمور خاصة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية فقط، متناسياً دور الأيديولوجية في التطرف المؤدي إلى العنف، وهو من يقدم التغطية الإعلامية أو التحليلات التي تحقق أهداف العمل الإرهابي قبل أو بعد وقوعه أو تعفي أو تهوِّن من مسؤولية الأيديولوجية في العمل الإرهابي أو من مسؤولية مرتكب الفعل الإرهابي أيضاً، والإرهابي هو من يستخدم حتى ولو بشكل غير مباشر الإرهاب لتحقيق أهدافه الجيوسياسية أيضاً.

ومن أهم التحديات التي تواجه سياسة القوائم صعوبة شمولها لكل الفاعلين في عملية التطرف المؤدي إلى العنف أيضاً؛  فلا وجود لإرهاب دون تنظير له، ولن يستمر خارج نطاقه الجغرافي وينمو دون تبريره وتطبيعه وتبييضه من قِبل بعض المنظمات والدول، ولا يمكن إنكار أن الإرهاب يُستَخدَم جيوسياسياً من قبل بعض ساسة هذا العصر، وهكذا  لا يمكن إنكار أن الإرهاب لن يصبح ظاهرة عالمية إلا باستخدامه جيوسياسياً أو بغض الطرف عنه لأسباب جيوسياسية؛ ولذلك فمن المنطقي  اعتبار كلِّ من يفعل ذلك على رأس سلسلة من الفاعلين، وتكون الحلقة الأخيرة منها من الأشخاص المتورطين بشكل مباشر في الإرهاب.

ومن أهم التحديات التي تواجه سياسة القوائم عدم وجود تعريف مُجمَع عليه للإرهاب، والاستخدام السياسي، والجيوسياسي لتلك القوائم، وتأخر تصنيف مَن يجب وضعه فيها.

والمثال الأوضح على تلك الصعوبة هو أن تصنيف الإخوان جماعة إرهابية مازال يواجه معارضة من قبل الإدارات الغربية بحجج مختلفة؛ من بينها صعوبة تصنيف هذا التنظيم إرهابياً لكونه متشعباً ودولياً، فجزء منه منغمس في أعمال وتنظيمات جهادية ويمكن إثبات ذلك، بينما هناك جزء منه أعضاء في أحزاب سياسية تدّعي السلمية ولا توجد قرائن ملموسة على تورطها الظاهر والمباشر في أعمال إرهابية، وهذا يظهر الخلل الواضح في تعريف الإرهاب.

ولكن تجب الإشارة هنا أيضاً أنه بعكس قوائم الدول، هناك قوائم تصدر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وغالباً ما يكون عليها توافق ولها معايير تعتمد عادة على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة: قرار رقم (1988) عام 2011، ورقم (1267) عام 1999، ورقم (2011) عام 1989، ورقم (2253) عام 2015، والقرارات الأخرى ذات العلاقة بتنظيم داعش أو تنظيم القاعدة وسائر ما يرتبط بأيٍّ منهما من أشخاص أو تنظيمات، ولأسباب الوضع في تلك القوائم معايير يمكن اختصارها في القيام بالأعمال التالية:

: -1المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة تقوم الكيانات والأشخاص ممن وُضعوا في القوائم أو أي شخص أو جماعة مرتبطة بأي منها أو منشقة أو متفرعة عن أي منها أياً كان مصدر هذه الأموال، أو التخطيط لهذه الأعمال أو الأنشطة أو تيسير القيام بها أو الإعداد لها أو النيابة عن أي منها أو الدعم لها أو القيام بها مباشرة.

 2- توريد الأسلحة وما يتصل بها من معدات أو بيعها أو نقلها إلى هؤلاء الأفراد والجماعات أو أي جماعة مرتبطة بأي منهم أو منشقة أو متفرعة عن أي منهم.

  3- التجنيد لحساب هؤلاء الأشخاص أو تلك الجماعات أو أي شخص أو أي جماعة مرتبطة بأي منهم أو منشقة أو متفرعة عن أي منهم.

 -4تقديم أي أشكال أخرى من أشكال الدعم للأعمال أو الأنشطة التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص وتلك التنظيمات أو أي جماعة مرتبطة بأي منها أو منشقة أو متفرعة عن أي منها، أياً كان مصدر الدعم[5].

هذا ويكتـسي القـرار (1373) لعام 2001 أهميـة في مجال سياسة قوائم الإرهاب؛ لأنـه يلـزم جميـع الـدول بتجـريم تقـديم المـساعدة إلى الأنـشطة الإرهابية، وبعدم توفير الدعم المالي والمـلاذ الآمـن للإرهـابيين، وبتبادل المعلومات عن المجموعات التي تخطط لهجمات[6].

ومن أجل سياسة قوائم أكثر جدوى يجب أولاً الالتزام الصارم من قِبل الدول بهذا القرار، وثانياً التوافق حول تعريف تجمع عليه للإرهاب، وثالثاً على الدول عدم الاستخدام السياسي أو الجيوسياسي لتلك القوائم، وأخيراً التعجيل بوضع من يستحق من الجماعات والأفراد في تلك القوائم.

ثانياً- قراءة في القائمة الجديدة للإرهاب المعتمدة لدى دولة الإمارات:

ينطوي قرار مجلس الوزراء الإماراتي رقم 83 لعام 2021 الذي تضمّن إدراج 38 فرداً و15 كياناً إرهابياً جديداً ضمن القائمة المعتمدة في الدولة المدرج عليها الأشخاص والكيانات والتنظيمات الداعمة للإرهاب، على أهمية كبيرة ويعكس عدداً من الدلالات المهمة، التي يمكن توضيحها على النحو التالي:

(1)، فيما يتعلق بالأشخاص والمنظمات التي شملتها القائمة:

القائمة الجديدة اقتصرت على كيانات تجارية وأشخاص طبيعيين، ولم تتضمن أي تنظيمات أو جماعات أو حركات سياسية أو جمعيات خيرية، كما كان الأمر في القائمة السابقة (2014)، حيث شملت القائمة المحدَّثة فئتين رئيسيتين هما:

  1. أفراد من دول مختلفة، خليجية وعربية وإسلامية وغير إسلامية؛ حيث ضمت القائمة 38 شخصاً، هم: أربعة إماراتيين، وثمانية يمنيين، وستة نيجيريين، وخمسة إيرانيين، وثلاثة سوريين، ولبنانيان، وعراقيان، وسعودي، وأردني، وهندي، وأفغاني، وبريطاني، وروسي، وشخص يحمل جنسية سانت كيتس ونيفيسأو اتحاد القديس كريستوفر ونيفيس الواقعة في الأمريكيتين.
  2. كيانات تجارية من داخل الدولة وخارجها، حيث ضمت القائمة 15 كياناً معظمها متخصصة في قطاعات التجارة والملاحة والصرافة؛ ما يؤكد التركيز على فكرة مكافحة عمليات تمويل الإرهاب، في القائمة المعدّلة.

(2)، فيما يتعلق بالأسس القانونية التي استندت إليها القائمة الجديدة:

قرار مجلس الوزراء هو تطبيق لأحكام القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة – حفظه الله – وقرار مجلس الوزراء بشأن نظام قوائم الإرهاب الصادر بالعام نفسه؛ وقد شدد هذا القانون العقوبات على مَن تثبت إدانتهم في ارتكاب جرائم إرهابية لتصل إلى عقوبة الإعدام، وأحكام بالسجن المشدد، والغرامات التي تصل إلى 100 مليون درهم لمن يشاركون في/ أو يرتكبون أعمالاً إرهابية؛ وهذا يعني أن الأشخاص والكيانات التي تم إدراجها في القائمة ستواجه تبعات قانونية من حيث السماح بدخول الأراضي الإماراتية، والملاحقة القانونية لهم، واتخاذ إجراءات لتجفيف مصادر تمويلها.

(3)، فيما يتعلق بدلالات القرار السياسية والاستراتيجية:

يحمل القرار مجموعة من الدلالات المهمة سواء على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة أو المستوى الخارجي، الإقليمي والدولي:

  • على المستوى المحلي الإماراتي:
  1. إضافة كيانات وشخصيات من داخل الدولة وخارجها ومن دول مختلفة خليجية وعربية وإسلامية وغير إسلامية تؤكد أن القرار لا يستهدف دولة أو جهة بعينها أو تياراً محدداً، وإنما هو موقف مبدئي هدفه مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، مهما كانت جنسية أو مذهب الجهة التي تقف وراءه أو تدعمه.
  2. إدراج 38 فرداً و15 كياناً إلى القائمة السابقة التي كانت تضم 83 تنظيماً، يوسع من دائرة الجهات المستهدفة؛ وهذا يدعم جهود الدولة في منع القوى والتيارات المتطرفة والحد من سلوكياتها، خاصة في ظل استمرار العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم؛ ومن ثم فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تأخذ الحذر اللازم؛ لأن هذه التنظيمات باتت عابرة للحدود، وتشكل خطراً يحيط بمنطقة الخليج العربي من الاتجاهات كلها؛ ولابد من التصدي له بالسبل الممكنة جميعها.
  3. وضع هذه الجهات المذكورة على قائمة الإرهاب سيجعلها تحت المراقبة ويضيق الخناق عليها، حيث يحظر على أي جهة التعامل معها؛ لأن هذا سيعرضها للعقوبات بموجب قوانين مكافحة الإرهاب المعمول بها داخل الدولة، حيث طالب القرار “الجهات الرقابية كافة بمتابعة أي أفراد أو جهات تابعة أو مرتبطة بأي علاقة مالية أو تجارية أو فنية وحصرها، واتخاذ الإجراءات اللازمة حسب القوانين سارية المفعول في الدولة في أقل من 24 ساعة”.

وفيما يتعلق بالأفراد الإماراتيين على وجه الخصوص، فإن وضعهم على قائمة الإرهاب يسهم في تقويض جهودهم الرامية إلى زعزعة الاستقرار في الدولة، وفي الوقت نفسه يمثل تحذيراً صريحاً لكل من يتابعهم أو يتعامل أو يتعاطف معهم؛ وهذا بالطبع يزيد من الضغوط عليهم، وقد يدفعهم إلى إعادة النظر في سلوكهم ومواقفهم التي تضر بهم قبل أن تضر بوطنهم.

  1. التركيز على الشركات التجارية يمثل عنصراً مهماً في مواجهة الإرهاب والتطرف عبر تجفيف منابع تمويله، فقد شمل التحديث الجديد شركات تجارية ومصارف مالية، وهذه تلعب دوراً مهماً في تمويل الإرهاب؛ ومن ثم فإن إضافتها للقائمة تسهم بشكل كبير في تجفيف منابع تمويل الإرهاب. ومن المعروف أن من أهم مصادر الجماعات الإرهابية التي تمكّنها من الاستمرار في القيام بعملياتها في تجنيد كوادرها هو التمويل؛ بل إن التمويل المالي يعد عامل استقطاب أساسياً أحياناً؛ حيث تقدم بعض الجماعات إغراءات مالية خاصة للشباب العاطلين عن العمل، ومن ثم فإن تجفيف مصادر التمويل يعد خطوة مهمة بل وحاسمة في جهود مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
  • على المستوى الخارجي:

لا تقل تأثيرات القرار على المستوى الخارجي أهمية عن تأثيراته الداخلية، حيث يعكس عدداً من الدلالات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة سواء في محيطها الإقليمي أو في إطار علاقاتها الدولية الواسعة ومواقفها الواضحة إزاء عدد من الملفات المهمة في المنطقة، ومن أهم هذه الدلالات:

  1. القرار مرتبط بالوضع الإقليمي العام الذي يعاني عدم الاستقرار بفعل عوامل مختلفة على رأسها الإرهاب وسلوك الجماعات المتطرفة الذي يحد من الجهود الإقليمية والدولية لإعادة الاستقرار إلى المنطقة؛ فلا نستطيع أن نعزل القرار الجديد عن التطورات الجارية في المنطقة منذ أعوام، وما شهدته من انتشار وتمدد لتيارات متطرفة وأخرى إرهابية؛ فرغم ما منيت به من هزائم وتحجيم نفوذها في العديد من الدول والمناطق، فمازال هنا قلق حقيقي ليس لدى دولة الإمارات فقط أو الدول الخليجية والعربية عموماً، ولكن لدى المجتمع الدولي كله من أن هذه التيارات المتطرفة ستعمل على إعادة بناء نفسها وستسعى للعمل ضد صالح دول المنطقة وأمنها واستقرارها أيضاً.
  2. القرار رسالة موجهة إلى الدول أو الكيانات كلها التي تدعم أو تؤوي الجماعات المتطرفة؛ مفادها أن التزامن بين صدور اللائحة الجديدة واستكمال عملية المصالحة الخليجية، يدحض أي ادعاء بأن اللائحة تستهدف دولة بعينها أو تحركها أجندات خاصة أو خلافات سياسية؛ وفيها تأكيد على أن المستهدف الأول والأخير هو الإرهاب أياً كان مصدره أو من يدعمه.
  3. تعزز القائمة المعدّلة جهود الدول الأخرى في مجال مكافحة الإرهاب من خلال كشف العناصر والكيانات الإرهابية التي رصدت الأجهزة الأمنية الإماراتية نشاطاتها وهو ما يقدم معلومات لهذه الدول لتعقب هذه العناصر والكيانات والتحقق من أنشطتها، ولاسيما إذا لم تكن تعلم بحقيقة هذه العناصر والكيانات.
  4. يزيد القرار من الضغوط على الجهات الخارجية من دول أو كيانات للتعامل مع هذه الشخصيات والشركات ومراقبتها؛ ومن ثم فإن هذه الخطوة ستسهم بشكل كبير في الحد من نشاط الجماعات الإرهابية، وإذا ما تكاتفت الجهود الإقليمية والدولية وتم التنسيق بينها بشكل حقيقي ومخلص فستؤدي في النهاية إلى القضاء على ظاهرة الإرهاب وكسر شوكة الجماعات التي تتبنّاه أو تروّج له.

ثالثاً- أهمية قائمة الإرهاب ضمن جهود الإمارات لمكافحة الظاهرة:

تمثل التعديلات التي تم إدراجها على القائمة المعتمدة في دولة الإمارات للأشخاص والكيانات والتنظيمات الداعمة للإرهاب خطوة إضافية ضمن الخطوات الكثيرة التي اتخذتها الدولة لمكافحة الإرهاب والتطرف على مختلف الصُّعد والمستويات، حيث تتبنّى الإمارات سياسة حازمة في مواجهة الإرهاب بصوره وأشكاله كلها بوصفه مصدر تهديد رئيسياً للأمن والسلم الإقليمي والدولي.

فعلى المستوى التشريعي، أقرت الدولة العديد من التشريعات والقوانين التي تجرم ظاهرة الإرهاب والتطرف والترويج لها وحتى التعاطف مع مرتكبي الفعل الإرهابي العنيف، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر القانون الاتحادي رقم 7 لعام 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية[7]، والذي بناء عليه أصدر مجلس الوزراء قائمة الجماعات والتنظيمات الإرهابية في نوفمبر 2014، حيث أوجب القانون في فصله الثاني نشر تلك القوائم في وسائل الإعلام المختلفة من أجل الشفافية وتوعية أفراد المجتمع كافة بتلك التنظيمات، قبل أن يتم تحديثها مؤخراً. ومن ذلك المرسوم بقانون اتحادي رقم (2) لعام 2015 في شأن مكافحة التمييز والكراهية أيضاً [8]، والذي يقضي بتجريم الأفعال كلها المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير. والمرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لعام 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة[9].

وعلى المستوى المؤسسي تم إنشاء العديد من المؤسسات والمراكز التي تقوم بمواجهة الفكر المتطرف الذي يؤدي غالباً إلى الإرهاب والعنف ونشر الكراهية[10]، ومن هذه المؤسسات على سبيل المثال: المكتب التنفيذي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف المعروف باسم “هداية” (افتتح في ديسمبر 2012)، و”مركز صواب”، وهو مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني تم إطلاقها بالتعاون مع الولايات المتحدة يوم 8 يوليو 2015؛ بهدف دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد تنظيم “داعش”، عبر تسخير وسائل الاتصال والإعلام الاجتماعي على شبكة الإنترنت من أجل تصويب الأفكار الخاطئة ووضعها في منظورها الصحيح، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي تأسس عام 2014، ويضم نخبة من كبار العلماء والمفكرين والدعاة من مختلف دول العالم؛ بهدف تشكيل منصة واحدة للتصدي للأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، ومجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر ويسعى إلى توحيد الجهود في لمِّ شمل الأمة الإسلامية وتعزيز القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة.

وعلى المستوى الخارجي، شاركت الإمارات بفاعلية في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في سبتمبر 2014، كما تعد الدولة عضواً مؤسساً في “المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب”، ورئيساً مشاركاً لـ”مجموعة عمل مكافحة التطرف العنيف” التابعة للمنتدى مع المملكة المتحدة من عام 2011 إلى عام 2017[11]، وهي عضو فعال كذلك في المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي، كما تشارك الإمارات بفاعلية في أي جهد دولي لمكافحة الإرهاب، ومن ذلك تقديم الدعم الفاعل لـ”القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي” والتي تحارب الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل.

وضمن معركتها المهمة ضد الإرهاب والتطرف، تقوم دولة الإمارات بدعم منظومة القيم الإيجابية المناهضة لقيم الكراهية والعنف والتطرف، حيث تعمل الدول بفاعلية كبيرة في نشر قيم التسامح والأُخوَّة الإنسانية والتعايش والسلام والاستقرار، وتمثل هي نفسها نموذجاً حياً لهذه المنظومة القيمية السامية.

 

خاتمة:

إن قرار مجلس الوزراء الإماراتي رقم 83 لعام 2021 الذي تضمن إدراج 38 فرداً و15 كياناً إرهابياً جديداً ضمن القائمة المعتمدة في الدولة المدرج عليها الأشخاص والكيانات والتنظيمات الداعمة للإرهاب، يشكل خطوة جديدة مهمة على طريق المحاربة الشاملة للإرهاب التي تقوم بها دولة الإمارات، إيماناً منها بأنه لا مجال للتسامح والتعايش والسلام الإقليمي والعالمي من دون التصدي للفكر المتطرف والإرهابي والقوى التي تدعمه. كما أن نشر هذه القائمة الجديدة يخدم جهود تبادل المعلومات الهادفة إلى التصدي للجماعات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويلها، ومن ثم فهي خطوة تستحق التقدير والدعم على المستويين الإقليمي والعالمي وتحتاج إلى مزيد من التعاون الدولي لملاحقة الذين وردت أسماؤهم في القائمة الجديدة كخطوة إضافية على طريق تخليص العالم من هذه الآفة.

المراجع

[1]. “واشنطن تعلن شطب الحوثيين من القائمة الأمريكية للإرهاب”، موقع فرنسا 24، 12 فبراير 2021، على الرابط: https://bit.ly/3z9Bu3W

[2]. “Washington retire un groupe musulman chinois de sa liste des organisations terrorists”, AFP, 7 novembre 2020

https://www.journaldemontreal.com/2020/11/07/washington-retire-un-groupe-musulman-chinois-de-sa-liste-dorganisations-terroristes

[3].  د. أشرف سعد العيسوي، “تصنيف ألمانيا حزب الله مُنظمة إرهابية … التداعيات على الموقف الأوروبي والاتفاق النووي الإيراني”، “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، 14 مايو 2020، على الرابط:  https://bit.ly/3CcFEu6

[4]. النمسا تحظر حزب الله.. وتضعه على قائمة الإرهاب بذراعيه، العربية، 14 مايو 2021، على الرابط:   https://bit.ly/3hzn9I5

[5] . قرار مجلس الوزراء رقم 20 لسنة 2019 بشأن نظام قوائم الإرهاب وتطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمنع الإرهاب وتجفيف منابع تمويله ووقف انتشار التسلح وتمويله والقرارات ذات الصلة، على الرابط:

https://bit.ly/3hL5UnA

[6] . مجلس الأمن، السنة الثانية والستون، الجلسة الخامسة، في 2 مايو 2007، على الرابط:

https://undocs.org/pdf?symbol=ar/S/PV.5679

[7]. انظر نص القانون على الرابط: https://bit.ly/3zocwyb

[8]. “قانون مكافحة التمييز والكراهية”، دائرة القضاء، على الرابط: https://www.tamm.abudhabi/-/media/Project/TAMM/Tamm-Images/PDF-

attachments/Anti-discrimination-and-hate-law.pdf

[9]. “مكافحة غسيل الأموال”، البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرابط:

https://u.ae/ar-ae/information-and-services/business/combatting-money-laundering

[10]. ” مراكز محاربة التطرف”، البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرابط:

https://u.ae/ar-ae/about-the-uae/culture/tolerance/centers-for-countering-extremism

[11]. “مكافحة الإرهاب والتطرف”، الموقع الرسمي لوزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة، على الرابط: https://www.mofaic.gov.ae/ar-ae/the-ministry/the-foreign-policy/combating-terrorism-and-extremism

المواضيع ذات الصلة